Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المأساة السورية تحول الأشخاص أشباحا في مسرحية "نقيق"

عجاج سليم استعاد أشعار رياض الصالح الحسين ودمجها مع الرقص والغناء والفيديو

من المسرحية السورية "نقيق" (خدمة الفرقة)

لا يبدو أن مسرحية "نقيق" قد تجاوزت السائد في العروض التي قدمها المخرج عجاج سليم سابقاً مع فرقة المسرح القومي في دمشق، والتي حاولت رسم تصور نمطي عن التجريب في المسرح العربي، وهو عادة ما يكون عماده المزج بين الرقص والغناء والفيديو لإطالة زمن العرض والانتهاء إلى صيغة أداء شاملة. عكف صاحب "سفر برلك" على مزاوجتها بمقاطع من قصائد السوري رياض الصالح الحسين (1954 - 1982)، الشاعر الذي مات باكراً تاركاً علامات مضيئة في مسيرة قصيدة النثر العربية، وكل هذا بدا متاحاً أمام محاولة يائسة من المخرج لتدجين الشعر على الخشبة واستدراج قصائد صاحب "وعل في الغابة" إلى صالة مسرح الحمراء الدمشقية.

مناورة فنية لتحويل نص "نقيق" لمؤلفته روعة سنبل (جائزة التأليف - الهيئة العربية للمسرح) إلى تربة خصبة لعناصر مختلفة، فـ "نقيق" يعد من النصوص المسرحية القصيرة التي يمكن تقديمها في 20 دقيقة على الخشبة على أكبر تقدير، وهو زمن لا يغطي رغبة الفنان عجاج سليم في تحقيق تجربة جديدة، مما جعله يتصدى لإعداد النص وإدخال عناصر تزيينية عليه من رقص أليس رشيد وغناء إيناس رشيد وفيديو زين حيدر.

فصام الشخصية

يروي عرض "نقيق" حكاية امرأة (ريم زينو) فقدت طفلها في تفجير قذيفة وغادر زوجها البلاد، فيما بقيت هي تعيش مع حماتها (ندى العبدالله) التي تعتني بها بعد إصابتها بشلل نصفي أقعدها على كرسي مدولب. ومما زاد حالتها سوءاً إصابتها بمرض الذهان أو فصام الشخصية. تتخيل مي حوارات دائمة بينها وبين ضفدع (وليد الدبس) كانت قد أجرت عليه تجاربها في التشريح أثناء دراستها الطب في جامعة دمشق، فيخبرها هذا الرجل - الضفدع عن نقمة أترابه عليها بعد أن تعرض الآلاف منهم للتشريح في مختبرات الكلية، ويعود بها في أجواء بين الحلم والواقع إلى لحظات تفصيلية من تمديده على طاولة التشريح وقيامها بتخريب نخاعه الشوكي، في إشارة إلى عجزها وشللها.

تمضي أحداث المسرحية إلى اللحظة التي تكشف فيها الشخصيات عن حقيقة ما حدث وأن والدة الزوج ليست هي المصابة بالشلل النصفي كما قدمها الجزء الأول من العرض، بل هي الزوجة، وأن الرجل - الضفدع ما هو سوى هوامات تراها الزوجة والأم المكلومة في صور وأصوات لأشخاص غير موجودين في الواقع، واللافت أن النص عالج أحداث الحرب الراهنة باللغة العربية الفصحى، وهذا ما أبقى عليه مخرج العرض في إعداده الجديد، إذ اهتم عجاج بإطالة زمن الأحداث وإقحام مقاطع راقصة وأخرى غنائية مطولة على بنية النص، مبقياً على صيغته الأدبية في محاولة منه لتقديم ما يشبه مغناة شعرية راقصة تكون الدراما على هامشها، وليست نابعة من صميم الصراع الذي غاب عن علاقة شخصيات العرض الثلاث بعضها ببعض، مستبدلاً ذلك بالسرد واسترجاع ماضي القصة.

هذا الخيار الفني عانى مزاحمة الرقص والغناء للتمثيل في مطارح مختلفة من "نقيق"، وفي مرات عدة جاءت مواد الفيديو ولوحات الرقص تحديداً كشرح مفردات وتفسيراً لما يرويه الممثل لا أكثر، لا سيما مونولوغ الزوجة واستعادتها عملها في تشريح الضفادع في مختبرها العلمي.

شعر مغنّى

بينما جاءت المقاطع الشعرية لصاحب "بسيط كالماء واضح كطلقة مسدس"، كتعليق مباشر على القصة ومن دون أن تصبح هذه المقاطع الشعرية المغناة بطريقة أقرب إلى الترتيل الكنسي في صميم اللعبة المسرحية، بل بدت هذه القصائد إلى جوارها كمحسنات جمالية عول عليها سليم لإغناء الفضاء المسرحي وزركشته، مما أسهم في تحييد عمل الممثل وجعله يبدو في تناظر ومقارنة دائمة مع أداء كل من الراقصة والمغنية اللتين جسدتا تطور الحدث من دون أن يكون لهما مبرر درامي واضح على الخشبة.

وكما في عرضه السابق "كيميا" استعان عجاج سليم بستائر بيضاء شفافة في عمق الخشبة لإسقاط المواد الفيلمية عليها (أحمد العلبي - أنجي سلامة) فيما بقيت الإضاءة (ليوناردو الأحمد) تكافح وحدها لتحديد الفضاء وتأطيره والسيطرة عليه بلا جدوى، تماماً كما كان الحال مع أشعار محمود درويش التي كان سليم قد وظفها في عرض "كيميا" ليعود اليوم للاتكاء على أشعار رياض الصالح الحسين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أسلوب عكس عجزاً في فهم طبيعة الشعر واستعصائه على الترويض مسرحياً، فالقصيدة بنية صوتية ولغوية قائمة بذاتها ولا تقبل الشراكة أو الاندماج في سياق درامي بهذه السهولة، لكن القصيدة ظلت عصية على أداء دور على خشبة أو جعلها صوتاً في جوقة، فـ "نقيق" ليس مسرحاً شعريا، فالمخرج سليم أراد هنا أن يدخل مقاطع مبتسرة من قصائد على بنية درامية جاهزة، مما أدى إلى الإرباك على الصعيد الفني ككل وأعاق ما أنجزه النص على صعيد البناء النفسي للشخصيات والأجواء التي تعيشها داخل بيت انهالت عليه ذكريات الحرب المؤلمة، وأحالتها إلى محض أشباح بشرية تنهض من نومها لتتكلم مع أطياف من غابوا عنهم موتاً أو هجرة أو رحيلاً قسرياً. على مستوى آخر يمكن القول إن موسيقى العرض (توليف إياد عبدالمجيد) استطاعت استعارة صوت نقيق الضفادع موظفةً آلة التشيللو لتجسيد أجواء مريبة، فهيأت مناخات صوتية مرافقة للعرض (إنتاج مديرية المسارح والموسيقى).

وفي مقلب آخر يمكن الإشادة بأداء الفنان وليد الدبس لدور الضفدع والذي تمكن من نقل "فيزيك" الحركة الخاصة بهذا الحيوان عبر حركات الرجلين واليدين وانحناءات الرأس والجذع، فيما برعت الفنانة ريم زينو في استحضار حالات نفسية مركبة أسهمت في التخفيف من غلواء الرقص والغناء المزاحمين لمهمتها كممثلة، والشارحين على طول امتداد زمن العرض لمونولوغها الداخلي مما جعلها في منافسة مستمرة مع راقصة ومغنية وضعهما المخرج في مواجهة ندية مع بطلة عرضه طوال الوقت وبلا سبب يذكر، اللهم الا ما يتعلق بالتشويش على القصة الذكية التي قدمتها كاتبة النص روعة سنبل في أولى تجاربها الواعدة في التأليف الأدبي المسرحي وتناولت فيها الحرب السورية من زاوية نظر مختلفة. وقد نقلت هواجس بنات جنسها وما تركته الحرب عليهن من آثار نفسية بقيت كالوشم على أجسادهن وأرواحهن كذكرى لا تنسى.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة