Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رهان دول الشرق الأوسط على الاقتصاد الرقمي يعزز مواردها

محللون: الأسس التقليدية للإنتاج والأنظمة التعليمية الحالية لا تخدم سوق العمل نحو التقدم التقني

الذكاء الاصطناعي والروبوتات يخلقان وظائف جديدة في اقتصاد أكثر اخضراراً ورقمنة من شأنه أن يعزز الإنتاجية (رويترز)

أظهر استطلاع حديث أجرته شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" أن 60 في المئة من الرؤساء التنفيذيين يعتقدون أن أنظمة التعليم في الشرق الأوسط تفشل في تزويد الطلاب بالمهارات المناسبة للتوظيف، وفي الوقت نفسه لا تلبي تطلعاتهم في الاتجاهات بالدراسة العالمية للرياضيات والعلوم (TIMMS)، أو البرنامج الدولي لتقييم الطلبة المعروف اختصاراً بـ"بيسا" (PISA)، وهي اختبارات تجريها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي (OECD)، وعلى رغم جهود الحكومات الخليجية تحديداً وإطلاقها مختلف المبادرات لتحسين وتنويع وتحفيز الابتكار في التعليم وتوفيره، كي تلبي متطلبات سوق العمل، اليوم، يبقى الجزء الأكبر من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قابعاً في مخرجات تعليمية لا تواكب سوق العمل التي ابتلعتها اليوم الثورة الرقمية والتكنولوجيا المتقدمة، مما يجعلنا نتساءل عن أسباب مراهنة بعض الدول العربية على الموارد التقليدية على رغم توجه العصر إلى التقنيات الحديثة والاقتصاد الرقمي الجديد، وعن دلالات هذه المراهنة وأسبابها؟

فمنذ إزاحة الزراعة على مدار الثورة الصناعية، تكيف البشر وخلقوا وظائف جديدة وعززوا الإنتاجية. وبالطريقة نفسها، فإن الذكاء الاصطناعي والروبوتات يخلقان اليوم وظائف جديدة في اقتصاد أكثر اخضراراً ورقمنة من شأنه أن يعزز الإنتاجية ويوفر فرص عمل مرتبطة بالخدمات يصعب أتمتتها.

ووفقاً لتقديرات "برايس ووتر هاوز كوبرز"، فإن تطبيق الحلول الرقمية والذكاء الاصطناعي على التحول الأخضر يمكن أن يسهم بما يصل إلى 5.2 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، مع تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في مختلف أنحاء العالم بنسبة أربعة في المئة.

كما تشير التقديرات إلى أن نحو 30 في المئة من الوظائف معرضة بشكل كبير لخطر الأتمتة، وقد يكون هذا الخطر أعلى بكثير في بعض البلدان مثل دول المنطقة العربية، كما أن رقمنة عديد من الأنشطة الاقتصادية ستخلق وظائف جديدة وستتطلب مهارات جديدة.

وتقول ثاني أكبر شبكة خدمات مهنية في العالم، وإحدى أكبر أربع شركات محاسبة في العالم، إن قدرة الاقتصاد على الابتكار مدفوعة بقدرته على إنتاج المعرفة والتكنولوجيا والمخرجات الإبداعية، وقدرته على استيعاب المعروض من العمال ذوي المهارات العالية. وهنا تبرز منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي لا يمتلك القسم الأكبر من اقتصاداتها حتى الآن القدرة الابتكارية اللازمة لاستيعاب قوة عاملة ذات مهارات عالية في القطاعات المتنامية في المستقبل.

وبعيداً من النفط وقريباً من الأتمتة والذكاء الاصطناعي وصولاً إلى الـ"ميتافيرس"، نتساءل إن كانت اقتصادات المنطقة قد شرعت هي الأخرى في هذا التحول أو على الأقل مواكبته، وإن كانت أنظمتها التعليمية ومعاهدها التدريبية قادرة على سد الهوة التكنولوجية والرقمية السحيقة اليوم مع العالم؟ وماذا يعني ذلك لمستقبل المنطقة واقتصادها؟ أسئلة توجهنا بها إلى عدد من المحللين الاقتصاديين.

تحديث رأس المال البشري - معاهد التكنولوجيا

في السياق، رأى المتخصص في الشؤون الاقتصادية الدولية ووزير الاقتصاد والتجارة اللبناني الأسبق ناصر السعيدي أن النقطة الأهم في هذا الملف تكمن في عدم تحديث رأس المال البشري وتحضيره للعب دور فعال في الاقتصاد الرقمي. وقال إن المشكلة تكمن في عدم تحديث المناهج التعليمية في المنطقة العربية وعدم إصلاح المناهج التربوية على أنواعها، واستشهد السعيدي بأحد نماذج التطوير في هذا المجال، وهي مبادرة "مليون مبرمج عربي"، والتي كان قد أطلقها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، كأكبر مشروع برمجة يسعى إلى تدريب مليون شاب عربي على البرمجة وتقنياتها ومواكبة التطور المتسارع في علوم الحاسوب وبرمجياته، من أجل تمكين الشباب العربي وتسليحهم بأدوات المستقبل التكنولوجية وبناء قدراتهم وتوفير فرص عمل تمكنهم من استغلال مهاراتهم وتوجيهها بما يخدم الحاجات المستقبلية والمساهمة في تطوير الاقتصاد الرقمي الذي سيشكل اقتصاد المستقبل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع السعيدي أن هناك إصلاحات حاصلة لتعزيز الاقتصاد الرقمي في دول في المنطقة، لكنه أشار إلى أن معظم الدول العربية باستثناء (منطقة الخليج)، قد تأخرت في إصلاح المناهج التعليمية والتدريبية على أنواعها لمواكبة التطور التكنولوجي والرقمي الذي يعيشه العالم اليوم. وأشار السعيدي إلى النقص في وجود معاهد التكنولوجيا المتقدمة، سائلاً عن عدد معاهد التكنولوجيا المتقدمة في المنطقة؟ وقال "لدينا نقص في وجود معاهد متخصصة مثل معهد العلوم، وغيرها من المعاهد المتقدمة، والتكنولوجيا، والهندسة والرياضيات". أضاف المتخصص في الشؤون الاقتصادية الدولية ووزير الاقتصاد والتجارة اللبناني الأسبق "نحن بحاجة اليوم إلى تطوير المناهج التعليمية في المنطقة أكثر من أي وقت مضى، وبخاصة في ظل الثورة الرقمية التي يشهدها العالم اليوم"، مشدداً على ضرورة البدء من مرحلة مبكرة جداً من عمر الأطفال ربما من مرحلة رياض الأطفال. ولفت إلى أن "هناك دولاً في العالم، بما فيها الصين، شرعت في تدريب أجيال من فئات عمرية صغيرة لتهيئها للعب دور فعال وحيوي في الاقتصاد الرقمي".

الاستثمار في الاقتصاد الرقمي

من جانبه، رأى عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار" وضاح الطه أن التحديات بهذا الخصوص كبيرة. وقال إن الشعوب العربية تعاني فقراً في الأداء السياسي، وهو الأساس، على حد قوله، في الإخفاقات المتلاحقة التي تشهدها دول عربية إلى جانب الاتكال على الموارد الطبيعية. أضاف الطه أن التناحر والصراعات السياسية جعل دولاً في المنطقة رهينة لأحزاب تركز على مصالح خاصة آنية وفئوية وهي المشكلة الأساسية في هذه القضية. وتابع أن هناك دولاً عربية نجحت في تبني التوجهات الرقمية وتطبيقها بكفاءة لأنها استشرفت المستقبل، وكان لديها قراؤها ورؤية صحيحة له. أضاف أن التسارع الرقمي والتطور التكنولوجي الحاصل في العالم يقودنا إلى ضرورة التفكير بشكل مختلف تجاه اقتصاداتنا في المنطقة. ودعا الطه إلى ضرورة البدء بقواعد أساسية للاستثمار في الاقتصاد الرقمي. وقال إن السعودية والإمارات من الدول السباقة في هذا التوجه، وكذلك قطر، لافتاً إلى أن هذه الدول الخليجية خصصت جزءاً من مواردها لتطوير الاقتصاد الرقمي الذي يحتاج في الأساس إلى بنية تحتية جاذبة وتوفيرها أمر مهم، إلى جانب استقطاب المواهب الشابة وتشجيعها وتوجيهها إلى هذا الاتجاه.

وأشار الطه إلى أن هناك دولاً أخرى في المنطقة فشلت فشلاً ذريعاً في تنويع مصادر الدخل، وعلى رأسها العراق، بسبب التناحر والتبعية السياسية والفساد المستشري في البلاد، الأمر الذي قاد إلى هذا الفشل الذريع على حد قوله "المشكلة تحدث عندما تكون السياسة هي من تقود الاقتصاد، وليس الاقتصاد هو من يوجه السياسة، وهي مصيبه كبيرة لمستقبل الشعوب والأمم". وحذر الطه من مشكلات وخيمة وحتمية آتية خلال السنوات المقبلة على الدول التي أهملت هذا الجانب ولم تدرك التوجهات العالمية بالشكل الصحيح.

نظام التعليم وحاجة السوق

وفي سياق متصل، قال الكاتب الكويتي والمحلل الاقتصادي محمد رمضان إن غالبية الدول العربية لا تزال تعتمد على الموارد والصناعات التقليدية، لافتاً إلى أن المشكلة الأساس تكمن في نظام التعليم القائم ومخرجاته التي لا تستوفي حاجات سوق العمل، وكذلك هجرة العقول. أضاف أن غالبية اقتصادات البلدان العربية ضعيفة ومستويات الفساد فيها عالية. وقال إن العقول المتاحة اليوم في المنطقة في حال عملت بشكل جيد، فستكون فرصها أكبر في دول أخرى، مما يدفع هذه العقول إلى الهجرة لبلدان أخرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ووجهات أخرى في العالم تقدم محفزات وتستفيد من تلك العقول.

وتابع الكاتب الكويتي والمحلل الاقتصادي أن الأزمات التي طاولت المنطقة، وعلى رأسها "الربيع العربي"، تسببت في تهجير الملايين من الشعوب العربية، بما فيها العقول العربية، مما تسبب في أن تبقى معظم الدول العربية دولاً نامية، ولكن بشكل بطيء جداً يصعب معها التطور. وأشار إلى أن هناك دولاً عربية تعيش اليوم أوضاعاً اقتصادية صعبة مثل لبنان والعراق ومصر ودول أخرى. وختم رمضان بأنه في ظل مخرجات تعليم سيئة في المنطقة وفساد مستشر في دول عربية وهجرة للعقول إلى الخارج، يصبح مستقبل إحداث نقلة نوعية في الاقتصاد الرقمي والتقدم التكنولوجي في المنطقة قاتماً.