Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المدينة الأوكرانية التي تدمرها "فاغنر" المدعومة من بوتين

حاربت المجموعة لمصلحة الكرملين في ميادين مختلفة من بينها سوريا وليبيا وأفريقيا الوسطى ومنذ وقت قريب في منطقة الساحل حيث حلت مكان القوات الفرنسية في مالي

فتاة صغيرة بين السكان الذين يتلقون المساعدات الغذائية في بخموت- وهذه عملية خطيرة بوجود المسيرات الروسية في الجو والقوات التي تقصف المدينة (غيتي)

يتواصل القصف والغارات الصاروخية المركزة على المدينة المدمرة [يعمها الخراب والحطام] إلى درجة تجعل أي هدنة تبدو غير طبيعية، لكن خلال لحظات الهدوء النسبي هذه، يخرج من بقي من السكان من ملاجئهم تحت الأرض بحثاً عن القوت.

الوقت ضيق لمن يخرجون للتزود بالطعام والماء، وكذلك للمتطوعين الذين يوزعون المؤن. تحوم الطائرات المسيرة الروسية في الأجواء، وتستهدف أحياناً كثيرة بالغارات أي تجمع للأشخاص. يسري شعور بالقلق والتوتر بين الأشخاص الذين ينتظرون في الطابور، ثم يحل محله شعور الارتياح عندما يتمكنون من المغادرة مع حصص الإعاشة.

تقول كاترينا فولوشينا، وهي تعبر بسرعة فوق الركام والحفر في شوارع المدينة، "كلما أخرج أخشى أن يحدث أي شيء سيئ لذلك أحاول الإسراع قدر الإمكان في جلب الأغراض، هذا هو السبيل للنجاة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"يمكن أن تنتهي الحياة فجأة هنا. لقد قتل شخصان في شارعي، وإحدى الجثث ما زالت عالقة تحت أنقاض منزلها المدمر، لم يتمكنوا من الحفر وإخراجها بعد".

"عاد زوجها لكي يأخذ بعض الأغراض. لا بد من أن الشعور سيئ جداً، بأن يعلم أن جثة زوجته ما زالت هناك".

 

تتوقف كاترينا وترفع ناظريها إلى السماء الزرقاء الباهتة في يوم خريفي تشع فيه الشمس. وتقول، "من الجيد أن تشعر ببعض الدفء على جلدك، ولو لفترة وجيزة، لكننا مضطرون للانتظار طويلاً قبل أن نتمتع بهذا الشعور كما يجب"، ثم تقفل عائدة إلى منزلها بخطى متثاقلة إلى حيث ينتظرها ولداها وخالتها المسنة. 

مثل غيرهم في مدن وبلدات وقرى كثيرة من دونباس، لازم السكان هنا مكانهم على الرغم من الهجمات المتواصلة، ورفضوا نصيحة المسؤولين بالمغادرة، فدفعوا أحياناً حياتهم ثمناً لذلك.

تعزى شراسة الهجوم على بخموت، والموت والدمار الذي لحق بالمدينة جراء ذلك إلى محاولة روسية مستميتة لإحراز انتصار استراتيجي ورمزي بعد تراجع القوات في ميادين أخرى أمام التقدم الأوكراني المذهل.

 

أمرت موسكو بإجلاء المدنيين من خيرسون في الجنوب، فيما تجدد القوات الأوكرانية هجومها. أما في منطقتي خاركيف ودونباس فقد سقطت عدة معاقل روسية بسرعة-إيزيوم وكوبيسانك وليمان.

لكن بخموت استثناء. بعد استيلائهم على ليسيتشانسك وسيفيرودونتسك في يونيو (حزيران)، يحرز الروس بعض التقدم هنا، ويستولون على بعض المناطق المحيطة بالمدينة ويتقدمون باتجاه مركزها. فالقبض على بخموت يعني فتح الطريق باتجاه مدن دونباس الرئيسة، سلوفيانسك وكراماتورسك.

يلعب المرتزقة من مجموعة "فاغنر"، التي يديرها حليف فلاديمير بوتين والمؤتمن على أسراره يفغيني بريغوجين دوراً قيادياً هنا أكثر من عمليات أخرى، تدعمهم الدبابات والمدفعية.

حاربت مجموعة "فاغنر" لمصلحة الكرملين في ميادين مختلفة من بينها سوريا وليبيا وأفريقيا الوسطى ومنذ وقت قريب، في منطقة الساحل الأفريقي، حيث حلت مكان القوات الفرنسية في مالي. وعلى الرغم من تقلب مستوى أدائها في أوكرانيا، يبدو أنها تبلي حسناً في بخموت، لا سيما بالمقارنة مع الجنود الروس سيئ التدريب والتسليح، الذين يرمون على الجبهة.

 

وأفاد رسلان الرقيب في كتيبة المشاة الأوكرانية المدرعة السابعة والخمسين، "سمعنا أن ’فاغنر’ تجند مقاتلين من داخل السجون للخدمة في هذا البلد، وهم يائسون مثل الجيش الروسي برمته".

"لكن من نراهم يبدون مخضرمين. أسرنا رجلاً قاتل في ليبيا قبلاً. ربما يتلقون علاوة خاصة للقتال في بخموت، ولكن لا شك في أنهم يبذلون قصارى جهدهم".

"هناك أيضاً قوات رديئة جداً، إجمالاً من جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين (الانفصاليتين). ترسل هذه القوات في الموجة الأولى في العمليات الليلية، وهي ليست سوى أضاح فعلياً، ثم يأتي الأشخاص الذين يملكون تجربة أكبر من خلف هذه القوات أو يشقون طريقهم عبر مسارات مختلفة لمحاولة دخول المدينة. وقد نشطوا بشكل خاص في القطاع الشرقي".

 

اخترقت القوات الروسية بقيادة "فاغنر" الضواحي الجنوبية لإيفانهراد وأوبتيه الأسبوع الماضي، ثم استرجعت الكتيبة الأوكرانية الـ93 هذه المناطق بعد أن أرسلت على وجه السرعة إلى خط المواجهة هذا، ولكن عادت بعض أجزاء المنطقة لتقع في أيدي العدو.

حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عدة مرات من خطورة ما يحدث في بخموت. وشدد هذا الأسبوع على أن "الوضع في منطقتي دونيتسك ولوغانسك صعب جداً فيما الوضع الأصعب هو قرب بخموت، ولكننا لا نزال نتمسك بمواقعنا هناك".

 

لكن رئيس "فاغنر" وصديق بوتين يفغيني بريغوجين، يتوخى الحذر في ما يتعلق بإعلان الانتصار.

وقد شرح على" تيليغرام" "أن الوضع قرب بخموت صعب. تقاوم القوات الأوكرانية كثيراً وأسطورة الأوكرانيين الهاربين ليست سوى أسطورة. فالأوكرانيون أشخاص عزيمتهم صلبة مثلنا".

هل يحضر تبريرات لأي فشل محتمل أم يعبر عن إعجابه الصادق بالروح القتالية الأوكرانية؟

لكن المقاومة الأوكرانية مكلفة. قال لي أحد المسعفين في الجيش الذين أنهك بعد العمل لساعات لا تنتهي تحت وابل القصف، بأنه يضطر للتعامل مع ما يتراوح بين 11 و120 إصابة يومياً. ويقول "هذا عدد كبير من الأشخاص الذين يتعين إجلاؤهم، لكن الخبر الجيد هو أننا نستطيع إنقاذ 90 في المئة منهم الآن، وهذا أفضل بكثير من السابق".

لا شك في أن معدل استنزاف الجنود الأوكرانيين قد تحسن، إذ كان عدد القتلى من بينهم يتخطى المئة يومياً، فيما بلغ عدد الإصابات 200، عندما كنا ننقل الأخبار من دونباس في الصيف.

لكن موجات الهجمات التي لا تكل تنهك جنوداً كثيرين. ويقول جندي المدفعية المعروف برمز النداء "زودياك" "أكثر ما أشتاق إليه هو النوم. عندما ينتابك التعب كثيراً تبدأ بارتكاب الأخطاء، وهذا أكثر ما يقلقني. أن أضع نفسي وزملائي بخطر". دخل عامل البناء السابق البالغ من العمر 37 عاماً إلى المستشفى لمدة شهر بعد إصابة رجله اليمنى بشظايا. ويضيف "عدت لأجد أن الروس استولوا على بعض الأراضي. ولكنهم يخسرون كثيراً في الوقت نفسه. لا بد أن قادتهم تلقوا أوامر من بوتين بوضع يدهم على هذا المكان مهما كلف الأمر".

 

دمر الجزء الأكبر من بخموت الذي رأيناه خلال زيارتنا السابقة في قصف المدفعية والدبابات. واستحالت الأماكن التي كانت تعتبر معالم أساسية في المدينة- من قصر الثقافة إلى ملعب كرة القدم والفندق الرئيس ومصنع لقطع الآليات- إلى هياكل متفحمة، وهو ما أصاب كذلك منشآت صناعة النبيذ التي أصبحت المنطقة معروفة بها.

تقلص عدد السكان من 75 ألفاً إلى نحو 10 آلاف، منذ بداية الحرب. بعد انقطاع التيار الكهربائي، وتوقع هبوط درجات الحرارة إلى ما دون الصفر خلال الأسابيع المقبلة، ينشغل المتطوعون بإحضار مواقد تعمل على الحطب لمن قرروا البقاء هنا.  

يلتف أوليكساندر زوك ذو الثمانية وستين عاماً ببطانية بالية، وينظر من نافذته إلى ما كان في السابق حديقته الحائزة جوائز ومصدر فخره وسعادته، فقد أصبحت الآن قطعة أرض محترقة مليئة بالركام بعد سقوط صاروخ فيها منذ شهرين.  

ويقول "كنت أنوي العمل على أحواض الزهور التي ما عادت تزهر، والتحضير لزراعة خضارنا الخريفية. كان علي الاهتمام بالعشب كذلك. كان علي أداء مهام كثيرة وكنت سأشغل نفسي بها، لكن كل ذلك اختفى الآن".

"لكن أتعلم، هذه الأشياء، الزهور والنباتات، جميلة لكنها ليست سوى أشياء. كذلك الأمر بالنسبة للأبنية التي فقدناها. المدينة هي ناسها، والسكان الذين رحلوا عن المكان سيعودون إليه".

"لدي أولاد في دنيبرو. سيعودون للعيش هنا مجدداً، أنا واثق من ذلك. عندها سنستعيد بخموت التي نعرفها من جديد".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات