Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بلودان الكبير"... قصة فندق سوري شهد أولى القمم العربية 

رافق حقبة سياسية مفصلية بتاريخ العرب فترة الثلاثينيات من القرن الماضي

ارتاده السوريون ابتداءً من عام 1930 بعد سنوات من قضاء إجازاتهم في لبنان (اندبندنت عربية)

يقودك ما تغنى به الشاعر السوري نزار قباني "أنا الدمشقي لو شرحتم جسدي لسال منه عناقيد وتفاح" إلى أماكن ساحرة بما تخفيه مدينة ظلت تكنى بياسمينها، بينما بيوتها العتيقة أشبه بـ"قارورة عطر"، ومنها إلى الغوطة والسهول والجبال المكتنزة بطعم آخر للجمال وريفها الأخاذ، وصولاً إلى مكان يعد ثاني أعلى قمة من قمم الجبال في سوريا، إنها (بلودان).

المكان: فندق بلودان الكبير. الزمان عام 1937 حيث عقدت أولى القمم العربية بمنطقة ترتفع عن سطح البحر 1550 متراً، ومطل على سهل الزبداني، تحيط به أشجار الكرز والتفاح كسوار حول معصم، بينما يبعد عن العاصمة دمشق نحو 50 كيلومتراً، وقد اشتق اسم بلودان من "بيل - دان" ويعني مكان "الإله بعل" وظل مقصداً للسياح الأجانب والعرب، ومتنزهاً شعبياً للدمشقيين.
"بلودان الكبير" الشاهد على حقبة سياسية مفصلية بتاريخ العرب فترة الثلاثينيات من القرن العشرين الماضي، تروي جدرانه وقاعاته قصة التئام البلدان العربية في أكثر الأوقات صعوبة من تاريخ أمة غارقة بفوضى عارمة من الاحتلال والجهل والنزاعات في فترة ما بين الحربين العالميتين.
ضم الفندق على مدى يومين في الثامن من سبتمبر (أيلول) 1937 نخبة من القادة والزعماء، في مؤتمر سمي "بلودان الأول" وشهدت أروقته أبرز المؤتمرات العربية قبل ولادة الجامعة العربية في 22 مارس (آذار) عام 1945، وجاء انعقاده بسبب غضب شعبي عارم لتقسيم فلسطين والأردن إلى دولة يهودية، ومنطقة انتداب بريطانية، ومنطقة عربية إمارة شرق الأردن.

 

الحياة في بلودان

مع كل قمة تعقدها الجامعة العربية يتذكر السوريون فندق بلودان الكبير بعد أن ارتبط اسمه بهذا المؤتمر العربي الأول من نوعه، جدد الفندق قبل الحرب الأخيرة في سوريا محافظاً على مقتنيات تراثية وتحف شعبية كآلات الموسيقى المحفوظة بردهته، وصور لشخصيات وشخوص عربية متنوعة الثقافات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

يبدو من الغريب اختيار العرب في ذلك الحين عقد مؤتمرهم المصيري بهذا المكان البعيد من العاصمة دمشق، لكن في المقابل لم تكن بلودان بعيدة كثيراً إذ تتموضع في نهاية سلسلة جبال لبنان الشرقية، حيث تتوسط بلدان الإقليم القريبة منها.
يشرح الكاتب السوري ومؤرخ مدينة دمشق، سامي مروان مبيض لـ"اندبندنت عربية" عن أهمية الفندق التاريخية، وارتباطه العاطفي بذاكرة السوريين عامة وأهالي دمشق بخاصة "كان الأمير والأول في المصايف السورية، وقد ارتاده السوريون ابتداءً من عام ١٩٣٠ بعد سنوات من قضاء إجازاتهم في بلدات الاصطياف اللبنانية مثل صوفر وعاليه وبحمدون".
 
 
ويرى أن الفندق لم يكن كبيراً مقارنة مع فندق فكتوريا في دمشق، وفيه 71 غرفة فقط، ولكنه اكتسب أهمية إضافية نظراً إلى الشخصيات التاريخية التي حلت به، وفي مقدمتها الموسيقار محمد عبدالوهاب الذي اشتهر بحبه لبلودان، وقضاء فترات طويلة في ربوعه.
ويردف "لقد عقد مؤتمر بلودان الأول في أعقاب الثورة المشتعلة ضد الإنجليز في فلسطين، وترأس جلسته الافتتاحية وزير خارجية سوريا آنذاك سعد الله الجابري ومن بعده رئيس وزراء العراق الأسبق ناجي السويدي".
ويسرد المؤرخ مبيض تفاصيل عما حدث في ذلك المؤتمر التاريخي "حضر المؤتمر 450 شخصية عربية 124 منها من فلسطين مثل محمد عزة دروزة وأكرم زعيتر وأحمد الشقيري الذي كان أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية قبل ياسر عرفات، وقد انتخب المؤتمرون مفتي القدس الحاج أمين الحسيني رئيساً فخرياً لمؤتمر بلودان، بعد أن منعت السلطات البريطانية حضوره وضربت طوقاً أمنياً حول داره في فلسطين".
 
مؤتمر بلودان الثاني

 

لم يستضف الفندق مؤتمراً واحداً للعرب بل حفل بعقد مؤتمر ثان في رحابه، بعد عقد من الزمن، وكان وقتها برعاية من الجامعة العربية، وهنا يتحدث الكاتب والمؤرخ الدمشقي مبيض قائلاً "لقد احتضن الفندق أيضاً مؤتمر بلودان الثاني، وقد عقدته جامعة الدول العربية في يونيو (حزيران) 1946 وبعضهم يقول إنها كانت أول قمة عربية، ولكن هذا غير صحيح لأن القمة الأولى كانت في أنشاص (مصر) عام 1946 من القرن المنصرم".
 
 
مكان الفندق المنعزل عن ضوضاء المدينة في ذلك الوقت وطبيعته الهادئة استقطبا كثيراً من اللقاءات إما العلنية أو السرية، ويستشهد المؤرخ مبيض "في مذكرات رجل المباحث سامي جمعة عن اجتماع سري عام 1949 عقد في فندق بلودان بين حسني الزعيم ووزير خارجية إسرائيل موشي شاريت".
وعلى رغم الظروف الصعبة التي مرت على الفندق منذ 2011 فإنه لا يزال مقصداً للسياح في تلك المدينة الريفية الهادئة، والشهيرة بطبيعة ساحرة وخلابة تشتهر بزراعة اللوز، واحتوائها على مغارة موسى، التي حيكت حولها كثير من الأساطير، وتقول إحداها إن المغارة مدخل إلى العالم المسحور.
اقرأ المزيد

المزيد من تقارير