Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نساء سوريات تحدين الظروف وصنعن أعمالهن من المنزل

هذا النوع من المشاريع قادر على النهوض باقتصاديات البلدان لا سيما في ظل الأوضاع الصعبة

جانب من الدورة التدريبية على كيفية صناعة الحقائب يدوياً (اندبندنت عربية)

لم تعد تخلو مدينة أو قرية سورية اليوم من مشروع صغير لامرأة أو لعدد من النساء، فمن صعوبات العيش خلال الحرب وما تلاها من أزمات اقتصادية، إلى الغياب القسري لدور الرجل في تأمين مستلزمات الحياة لعائلته إضافة إلى الأسباب الاجتماعية التقليدية، كل هذا دفع النسوة إلى ابتكار حلول لعيش حياة كريمة لهن ولعوائلهن فأصبحن مسؤولات ومؤثرات ليس فقط في منازلهن، بل في محيطهن ككل.

شغف العمل

لقد وجدت المرأة السورية نفسها خلال الحرب تقف وجهاً لوجه أمام خيارين، إما الاستكانة وانتظار المساعدة من أحدهم أو أن تأخذ زمام المبادرة وتفكر في طرق تؤمن فيها حياة كريمة لها ولعائلاتها إن كانت متزوجة أو فرداً في أسرة، الأمر الذي انعكس بالوفرة والخير على كل من حولها، إذ طورت عديدات منهن أعمالاً شملت عدداً من السيدات وبالتالي فتح أبواب رزق لعائلات أخرى.
هذا ما فعلته الفنانة التشكيلية هيام سلمان التي احترفت في فترة من حياتها فن الخياطة، فكانت تحتفظ بكل الأقمشة التي تزيد على حاجتها إلى أن قررت أن تستفيد من هذه البقايا وتعمل على تدويرها لإنتاج قطع فنية مبتكرة.
ونجحت سلمان في مساعدة عدد من السيدات في محافظة اللاذقية السورية على إتقان هذا العمل اليدوي الذي يقدمهن للمجتمع كعاملات مبدعات، ونقلت لهن خبرتها عبر تقديمها دورة تدريبية على كيفية صناعة الحقائب يدوياً، بناء على طلبهن. وخلال الحديث عن خلفيات هذه الدورة كشفت الفنانة التشكيلية عن توجسها من الأمر في البداية، وقالت "لم يكن لدي بداية شعور بالحماس تجاه هذا المشروع، حيث كان هاجسي الأول ليس تعليم السيدات بل دعمهن في مرحلة ما بعد الدورة، وعليه فقد رسمت خطة أولية لهذا الغرض". ولكن بعد مضي وقت في تعليمهن الأساسيات بدأت رؤية سلمان تصبح أوسع، فقالت "رأيت في كل سيدة منهن فنانة، وفوجئت بأن لكل واحدة أسلوبها وطريقتها الخاصة ونظرتها في العمل".
أما كريستين في ريف حمص الغربي فعملت بشكل فردي على صنع الطعام، وتحدثت عن ذلك قائلة إن "الطبخ بكميات كبيرة يشكل تحدياً في حد ذاته، من ناحية تأمين جميع المستلزمات والأدوات اللازمة كالغاز أو الكهرباء والمواد الأولية التي تزداد أسعارها يوماً بعد آخر، وصولاً إلى أهم نقطة وهي ظهور الطعام بمذاق وكأنك صنعته لشخصين فقط".


تاريخ المشاريع الصغيرة

تُعد المشروعات الصغيرة إحدى الآليات المهمة القادرة على تنمية المجتمعات، وقد برز الاهتمام العالمي بها والإيمان بقدرتها على تنمية المجتمعات بعد الحرب العالمية الثانية، لما كان لها من أثر في إعادة بناء ما دمرته الحرب. 
وتتحدث دراسة خاصة بأثر المشروعات النسوية الصغيرة على تمكين المرأة في العالم الثالث، "أنه منذ ستينيات القرن الماضي، أدركت الدول بما فيها دول العالم الثالث أهمية هذا النوع من المشاريع القادرة على النهوض باقتصاديات بلدانها".
ولكن هذه المحاولات ظلت خجولة ما قبل الحرب في سوريا ولم يسمع بها أحد، أما بعد الحرب وخلالها، فبرزت مشاريع كثيرة استطاعت لفت نظر المجتمع عبر جودتها وأناقتها والاهتمام بالعميل ورضاه عن المنتج كشرط أساس للاستمرار في المشروع.

تراكم الخبرات

خلال السنوات القليلة الماضية، برز في سوريا مثل كل دول العالم مفهوم العمل عن بُعد، لكن بشكل عشوائي غير منظم ومن أبرزه اليوم التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي الذي لا يتطلب خبرات كثيرة، فيكفي أن تنشر مجموعة من الصور لمنتج ما كالملابس مثلاً، وتتواصل مع أشخاص يستفسرون عن قطعة معينة أو ربما يريدون شراءها وبالتالي ترسلها بأقرب وسيلة ممكنة. واستطاع هذا العمل أن يكون مصدر رزق للفتيات اللاتي يدرسن في الجامعات، وهذا ما أكدته رزان طالبة سنة خامسة في الهندسة المعمارية، وقالت "من خلال هذا العمل استطعت تأمين احتياجاتي الشخصية في وقت لا يتعدى الأربع ساعات يومياً على تطبيق فيسبوك. رغم أن هذا النوع من العمل سبب لي مشاكل كثيرة لصعوبة التواصل الافتراضي، فإني اليوم أصبحت أكثر سرعة وتأقلماً معه ولدي طرق مختلفة في التعامل مع الناس". ولم تتوقف المشاريع عند الطعام والشراب والملابس، بل امتد ليشمل صناعة الإكسسوارات والمنتجات الطبيعية التي لاقت رواجاً كبيراً بين الفتيات، حيث أسست سها مع أمها وأختها مشروعاً لصنع المنتجات الطبيعية المنزلية، كالصابون المتعدد الروائح والمكونات، والكريمات الخاصة بالبشرة وساعدهن في ذلك كل أفراد الأسرة، حيث تحول البيت إلى ورشة عمل دائمة. وعن تحري الدقة في هذا النوع من الأعمال تقول سها، "بالفعل هناك أشخاص عملوا في هذا المجال من دون أي رادع أخلاقي وأضروا بالناس، ولكن عملنا جاء نتيجة دراسة وتجارب، فأول شيء نجرب هذا المنتج على أنفسنا ثم نقدمه للآخرين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


التحديات التي واجهنها

كل هذه الأعمال وغيرها ما كانت لتكون لولا قدرة النسوة على تخطي كثير من التحديات التي واجهتهن، فمن رفض المجتمع بداية لعمل المرأة خصوصاً في المناطق التي تُعتبَر محافظة إلى غياب الدعم قبل إثبات الذات، مروراً بغلاء المعيشة الذي يقف حائلاً أمام انطلاق أي مشروع واستمراره إن لم ينتشر ويقبل الناس عليه، وصولاً إلى تعلمهم من أخطائهم التي واجهوها خلال أيام عملهم، كحال سها وأهلها الذين أطلقوا عملهم من دون تخطيط مسبق وحساب جيد للجدوى الاقتصادية، فوقعوا أول شيء في براثن حماسهم غير المحسوب. وقالت "لقد كنا متحمسين جداً في البداية، ووضعنا معظم رأس المال في هذا العمل وما يتطلبه من مواد أولية وتنقلات لتأمينها، ولم نخطط جيداً لمعظم التفاصيل".
على الجهة الأخرى، أشارت الفنانة التشكيلية هيام سلمان إلى التحديات التي واجهت السيدات اللاتي جئن ليتدربن لديها خلال مدة ثلاثة أشهر، "التحدي الأهم كان في المواصلات، فكل سيدة كانت تقطن في مكان مختلف من المحافظة، ومع ارتفاع أسعار المحروقات، بات التنقل والوصول إلى مكان العمل أكثر صعوبة".


طرق التسويق

وتتابع سلمان أن من ضمن التحديات، التسويق والقدرة على توصيل هذه المنتجات للناس، ولذلك فقد قررت الاعتماد على عدد من الوسائل، موضحة في هذا السياق أن "وسائل التواصل الاجتماعي هي وسيلتنا الأولى لطرح المنتج والترويج له، والطريقة الثانية هي المعارض إن كان ضمن مهرجانات أو أسواق، إضافة إلى العلاقات الشخصية مع جهات خاصة أو عامة أو مع أفراد يريدون اقتناء هذا المنتج".
وفي سوريا شبه إجماع على ضرورة وأهمية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كخيار أول للتسويق وخصوصاً "فيسبوك" الذي يحظى بتفاعل كثيف. لذلك وبعد انتشار مشروع ما على "فيسبوك"، تتواصل بعض المحلات الموجودة على الأرض مع صاحبة المشروع وتطلب منها عرض منتجاتها في محالها، وكل حسب اختصاصه، فمثلاً تعرض سها اليوم عملها في محل خاص بالفتيات يحصل على نسبة من المبيع. كما أن كريستين تقدم خدماتها بالطبخ لمطعم طلب التعاون معها في ظل ارتفاع أجور "الشيف" المسؤول عن المطبخ وسفر البعض إلى الخارج.