Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلى أي مدى ستوازن الدول العربية علاقاتها مع واشنطن وموسكو؟

تراهن عواصم عربية على أن الرئيس الأميركي جو بايدن لن يحصل على ولاية جديدة

الواقع العربي يشير إلى اتجاه بعض الدول إلى اتخاذ إجراءات ستؤثر في نمط العلاقات العربية - الأميركية (أ ف ب)

رغم التصريحات المكررة والمعتادة من العواصم العربية المختلفة بأن هناك حرصاً عربياً على اتباع سياسة عدم الانحياز في الأزمة الروسية - الأوكرانية، التي لا تزال تشهد تطورات دراماتيكية، إثر قرار الرئيس الروسي بوتين بضم المناطق الروسية الأربع، والانتقال بالأزمة إلى مرحلة أخرى من الصدامات المشاهدة وتوسيع نطاق العمليات العسكرية بصورة واضحة، فإن الواقع العربي يشير إلى اتجاه بعض الدول العربية إلى اتخاذ إجراءات، وتدابير مواقف ستؤثر في نمط العلاقات العربية - الأميركية في الفترة المقبلة، بل وقد تؤثر في مسارات، واتجاهات العلاقات العربية - الأميركية من جانب، والعربية - الروسية من جانب آخر.

خيارات عربية

من الأقوال إلى الأفعال، فإن الدول العربية ستستمر تردد بأنها تقف على مقربة واحدة من الجانبين الروسي والأميركي، إلا أن الشواهد تشير إلى عكس ذلك، وارتبطت بمواقف كل دولة على حدة.

مصر استقبلت وزير الخارجية الروسي لافروف في القاهرة، ووجه رسائل مهمة إلى العالم من القاهرة، داعياً إلى نظام متعدد الأقطاب، ومشيراً إلى طبيعة الأزمة الدولية التي تتطلب تعاملات سياسية مختلفة في إطار سعي روسيا إلى تصويب مسارات بنية النطام الدولي الراهن بنظام أكثر إنصافاً وعدالة.

كما ذهب الشيخ محمد بن زايد إلى موسكو في توقيت له دلالاته، ورحبت روسيا بالحضور الإماراتي بصورة لافتة، بخاصة أن العلاقات الإماراتية - الروسية جيدة، وهناك مساحات من التوافقات التي جرت في الفترة الماضية.

حال أخرى منها دعوة نائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي ماركو روبيو، إلى معاقبة الجزائر، عبر قانون "مكافحة خصوم أميركا"، بسبب علاقتها مع روسيا، وفي رسالة وجهها إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، كتب روبيو "روسيا هي أكبر مورد عسكري للجزائر".

وتعد الجزائر أيضاً من بين أكبر أربعة مشترين للأسلحة الروسية في جميع أنحاء العالم، وبلغت ذروتها بصفقة أسلحة بقيمة سبعة مليارات دولار في عام 2021. ومعلوم أن القسم (231) من قانون مكافحة خصوم أميركا من خلال العقوبات لعام 2017، يوجه الرئيس إلى فرض عقوبات على الأطراف المشاركة في معاملات كبيرة مع ممثلي قطاعي الدفاع أو الاستخبارات في حكومة الاتحاد الروسي.

موقف متفرد

وأثار قرار أوبك بلس بخفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، خلال أول اجتماع للمنظمة وجهاً لوجه في فيينا منذ وباء كورونا، أزمة لا تزال تعلن نفسها بين الرياض وواشنطن، ومتوقع أن يكون لها تداعياتها، بخاصة أن السعودية أكبر لاعب في أوبك إلى جوار روسيا والدول الـ23 الأعضاء في أوبك.

ومن غير المتوقع أن تصل الأمور إلى قطيعة، أو قطع للعلاقات الدبلوماسية، رغم الثورة العارمة على موقف السعودية في الكونغرس، بما قد يكون له آثار حقيقية على مسارات العلاقات في الفترة المقبلة، مع الإقرار بأن العلاقات مع الرياض تصونها ضوابط مستقرة منذ سنوات، ورغم اعتبار ردود الفعل من الدوائر السياسية في واشنطن مبالغ فيها. والسعودية يهمها ألا تتأثر أوبك بلس بالسياسة، وأن تكتفي بالتركيز على المسائل المتخصصة.

ورغم أن الاستراتيجية الأميركية التي أطلقها الرئيس جو بايدن في 11 أكتوبر الحالي لا تزال تضع الشرق الأوسط في مكانة متقدمة مع الدعوة إلى مزيد من الاندماج الإقليمي، وجمع الشركاء في إشارة مهمة إلى حرص الولايات المتحدة على أن تذهب الدول العربية إلى مساحات من التباين مع الأطراف العربية الحليفة.

وهناك تصور أميركي بأن العقوبات المفروضة على روسيا تضر أميركا والاتحاد الأوروبي، وكذلك الحظر المفروض على الشركات الأوروبية لتأمين وتمويل نقل النفط الروسي عن طريق البحر وخطط فرض قيود أسعار على الذهب الأسود.

ومع ذلك يمكن أن تكون هذه العقوبات مكلفة للغاية بالنسبة إلى أوروبا وأميركا وبقية العالم، إذ يعتمد السعر الأساسي للنفط على ديناميكيات العرض والطلب، وكلما قل ذلك في السوق زاد الطلب. وبعبارة أدق، فإنه من خلال معاقبة روسيا يعاقب الغرب نفسه عن غير قصد.

ورغم عدم الإدراك بطبيعة وخصوصية العلاقات مع حليف كبير، مثل السعودية، وهو حليف تاريخي، وكما جرى مع الحال المصرية، باستقطاع 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية، وللعام التالي على التوالي، في إشارة إلى أن الإدارة الأميركية توجه رسائل خاطئة في توقيتات محددة، مما سيجعل دولاً مثل مصر تمارس دوراً مختلفاً في الفترة المقبلة، وفي نمط التصويت الذي جرى في الجمعية العامة للأمم المتحدة أخيراً عندما جرت مناقشة مسارات الأزمة الدولية التي توجد فيها روسيا كطرف فاعل ومؤثر، وهو ما قد يمتد إلى شركاء آخرين في الإقليم خلال الفترة المقبلة.

انحيازات محتملة

يبدو أن الحديث العربي والشرق أوسطي عن عدم الانحياز سيكون صعباً في الفترة المقبلة، لجملة من الأمور، أولها رغم تسليم بعض الدول العربية بطبيعة الشراكة العربية - الأميركية، وامتداداتها السياسية والاستراتيجية منذ سنوات طويلة، إضافة إلى التزامات الطرفين العربي والأميركي بحدود الشراكة التي تشمل وجوداً عسكرياً، تمثل في مجمل الاتفاقات العسكرية والاستراتيجية، ووجود قوات أميركية على الأرض، وانضواء الدول العربية وإسرائيل في القيادة المركزية الأميركية وغيرها من التفاصيل فإن هذه الشراكة لا تعني شيكاً على بياض للجانب الأميركي، بخاصة في الفترة الراهنة التي ترى الدول العربية أن الشريك الأميركي بات يبحث عن مصالحه الكبرى خارج الإقليم، وحديث الإدارة السابقة والحالية عن أهمية منطقة جنوب شرقي آسيا، وأن الشرق الأوسط يأتي في درجات لاحقة، مما يدفع الدول العربية لإعادة اتزان حقيقي مع سائر الحلفاء الكبار من نوعيه روسيا والصين، بل والانطلاق إلى الدخول في التجمعات الاقتصادية المختلفة والمحاور الاستراتيجية، وهو ما حرصت الولايات المتحدة على الاتجاه إليه، وتجنب إدخال دول الإقليم، وذهبت إلى إسرائيل والهند وأستراليا واليابان وبريطانيا، وكانت الرسالة الأميركية أن دور الدول العربية الحليفة يأتي سياقياً تالياً.

ثانيها في مقابل ما جرى تعمدت الدول العربية الاتجاه إلى تبني سياسات جديدة تبدو رسائل أولى للجانب الأميركي، كما جرى من السعودية والإمارات ومصر، بخاصة أن الإدارة الأميركية أخفقت في إدارة الأزمة الدولية، وارتبكت في التعامل سواء على مستوى دول حلف الناتو ضد روسيا، أو على مستوى الصين وجنوب شرقي آسيا، ومن ثم فإنها عملت على نقل رسائل رادعة استباقية، لم يلتزم بها أحد سواء في كوريا الشمالية أو الصين، وكلاهما يعمل في إطار التوجه إلى روسيا.

خيارات متبادلة

تسمح حال عدم الاستقرار والسيولة التي يعيشها العالم في الوقت الراهن بمزيد من المناكفات العربية للولايات المتحدة، بل وتحدي سياستها رغم التخوف العربي من ردود فعل أميركية خاصة بسياسات النفط والطاقة والسلاح واستمرار الشراكات الاستراتيجية الكبيرة، الأمر الذي قد يقلل من مساحات المناورة مع الولايات المتحدة، التي يمكن أن تخرج تشريعات قديمة في الكونغرس، مثل تشريع نوبك للتعامل مع الحالة السعودية، واتهامها بأنها تمارس أعمالاً احتكارية قد تضر بالمصالح الأميركية العليا سياسياً واستراتيجياً، أو اتهام مصر بأنها لا تلتزم بالمعايير الدولية في مواضيع الحريات والتعددية والليبرالية.

كما أن أي انحيازات عربية لروسيا معناها مزيداً من التأزم العربي - الأميركي، وستتعامل الولايات المتحدة مع الدول العربية التي تتجه إلى روسيا انطلاقاً من حسابات حذرة مع استهدافها دولياً، بخاصة أن التخوف الأميركي من رد فعل عربي سلبي في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية واتجاه أنماط التصويت إلى روسيا أو على الأقل عدم إدانتها، سيعني أن الولايات المتحدة سترسم حدود علاقاتها انطلاقاً من حسابات سياسية واقتصادية حقيقية، بخاصة أن بعض الدول العربية ستستمر تؤكد استمرار حيادها الإيجابي وعدم انحيازها، لكن سلوكها سيكون مختلفاً بالفعل، وسيعمل في مسارات بديلة، انتظاراً لما هو قادم في البيت الأبيض من متغيرات حقيقية، أو انحيازات سياسية محددة.

سيتضح ذلك لاحقاً في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، إذ تراهن عواصم عربية على أن الرئيس الأميركي جو بايدن لن يحصل على ولاية جديدة، وأن الصراع بين الديمقراطيين والجمهوريين ستحسمه معركة الرئاسة أيضاً، ومن ثم فإن الاتجاه إلى بناء شراكات جديدة مع البيت الأبيض تتطلب انتظاراً وتقييماً في ظل الرهان على احتمالية عودة الرئيس ترمب إلى سدة الحكم، أو على الأقل حزبه، ومن ثم فإن إحداث التوازن سيكون مرتبطاً بالمعطيات المقبلة التي سيحددها التغيير المقبل في الولايات المتحدة.

مشاهد متوقعة

سيكون أمام الدول العربية مساران للتعامل، الأول الاستمرار في اتباع السياسات والمواقف نفسها، وترقب ما سيجري من تغييرات في بنية النظام الدولي، وما ستنتهي إليه الأزمة الروسية - الأوكرانية، مع عدم الإقدام على اتخاذ أية سياسات مكلفة، إلى حين تتضح الأمور بصورة لافتة مع الانتقال من المواقف الراهنة التي تتبعها بعض الدول الرئيسة في الإقليم إلى تبني توجهات عامة ومباشرة، وهو ما يمكن الرهان عليه في الرياض والقاهرة وأبو ظبي مع الإدراك بأن الولايات المتحدة ستستمر في بناء شراكاتها الكبرى مع الأردن وإسرائيل وقطر والعراق بالأساس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما المسار الثاني فهو التعجيل بتبني مواقف عاجلة مع الحفاظ على ثوابت العلاقات وجس نبض الإدارة الأميركية في التعامل السياسي والاستراتيجي، وهو ما قد يكون مطروحاً مع تأكيد قدرة الدول الرئيسة في النظام الإقليمي على رفض بعض السياسات الأمنية والاستراتيجية المطروحة، أو التماشي مع أي مقترحات لترتيبات أمنية أميركية مقترحة، على اعتبار أن الدول العربية عازفة عن تبني سياسات أمنية مستجدة على الأقل في الوقت الراهن رغم ما يحدث في مجالات التعاون الإقليمي بين بعض الدول العربية وإسرائيل، وهو ما شجعت عليه الإدارة الأميركية الراهنة في إطار استراتيجيتها الجديدة التي أعلنتها أخيراً.

الخلاصات الأخيرة

عدم الانحياز ليس معناه أن تبقى في دائرة ضيقة من الخيارات، أو في دائرة محددة لا تبارحها، فالحياد العربي المطروح حياد إيجابي وليس سلبياً، ويحافظ على مصالح الدول العربية في سياق ما يجري في منظومة العلاقات العربية الإقليمية.

ومن ثم فإن تأكيد الخيارات العربية في مواجهة الولايات المتحدة وروسيا يجب أن يراعي ضوابط ومعطيات الشراكة، وليس مجرد استبدال حليف بحليف، بخاصة أن مساحة المناورة التي خلفتها الأزمة الروسية - الأوكرانية بكل تفاصيلها تدفع إلى ذلك.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل