Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة المعيشة في بريطانيا تدفع البعض للاختيار بين إطعام أنفسهم أو أطفالهم

أطعموا المستقبل: تستمر طلبات المساعدة لتأمين القوت الكافي بالتزايد، ومن هنا انطلقت دعوة "اندبندنت" إلى توسيع نطاق الوجبات المدرسية المجانية وتأمينها على وجه السرعة لكل من يحتاجها

استعان 2.5 مليون شخص ببنوك الطعام خلال الفترة ما بين 2020 و2021 في إنجلترا بزيادة 31 في المئة تقريباً عن السنة السابقة (أ ف ب/ غيتي)

بدأ الناس بالاصطفاف قبل موعد بدء بنك الطعام [مراكز خيرية توزع الطعام بالمجان] المدرسي الأسبوعي بـ 45 دقيقة، بدأ الطابور خارج المدخل الزجاجي للمدرسة والتف على طول الجدار، وامتد مع حلول وقت تجميع الطاولات المليئة بالخضراوات عند الـ 3:15 من بعد الظهر حول الزاوية ليبلغ الشارع الثاني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا ما يحدث عادة يوم الأربعاء بعد الظهر في مدرسة "سانت ماري" الابتدائية للروم الكاثوليك المجاورة لمشروع تطوير محطة توليد الكهرباء في باترسي الذي تبلغ كلفته مليارات الجنيهات، إذ يحصل 50 في المئة من التلاميذ على وجبات طعام مدرسية مجانية، ومع ذلك فمعظم الأهالي الذين ينتظرون في الطابور ليسوا عاطلين من العمل ولا يتقاضون الحد الأدنى من الأجور.

تنتظر شون في مكان أقرب إلى بداية الطابور، وهي أم عزباء لولدين تبلغ من العمر 45 عاماً، وتعمل بدوام جزئي مدة 20 ساعة أسبوعياً في سحب عينات الدم من المرضى وتحضيرها للتحليل في مختبر أحد الأطباء، ولا تحصل ابنتها على وجبات مدرسية مجانية، وتقول شون "أنا أتلقى إعانة حكومية لأن أجري متدن جداً، ولكن بما أنه أعلى من الحد الأدنى كما حددته الحكومة عند 7400 جنيه سنوياً، لا تحصل ابنتي (في الصف الثالث) على وجبات طعام مجانية في المدرسة، وبالتالي فعليّ إطعام طفلي الآخر ذو الثلاث سنوات كذلك، لهذا أجيء إلى بنك الطعام كل أسبوع، وأنا آتي في وقت باكر لأن هذا الطابور يمكن أن يطول كثيراً، وهدفي الحصول على وجبات تكفي يوماً واحداً على الأقل".

أراقب شون وهي تملأ كيس التسوق بالمعكرونة والحبوب والبيض والرز واللبن والليمون والبازلاء والطماطم المعلبة، وتقول "هذا تنوع جيد في الأغراض ويساعدنا كثيراً".

لم تتناول شون وجبة الغداء كما هي عادتها كل يوم، وتضيف "من المكلف جداً تناول ثلاث وجبات يومياً وإطعام أطفالي في آن معاً، فمنذ سنة كنت أنفق 50 جنيهاً أسبوعياً على البقالة لكن هذا المبلغ تضاعف الآن، وبنك الطعام يساعدني في تدبر أموري".

تقف وراءها مريم (38 عاماً) وهي أيضاً أم عازبة عاملة ومسجلة في برنامج الإعانات الحكومية، ولديها هي الأخرى ابنة غير مؤهلة للحصول على وجبات مجانية في المدرسة. تقول "أعمل 28 ساعة أسبوعياً في نظام العدالة الجنائية، إذ أقيّم الجناة الذين يعانون مشكلات إدمان على المخدرات والكحول، وأرفع توصيات تخص أحكامهم، فعملي يسبب لي التوتر، وعدم تلقي وجبات مدرسية مجانية يزيد شعوري بالقلق، وقد فقدت ثلاثة من أسناني ولا يمكنني أن أتحمل كلفة العلاج لاستبدالها".

وتضيف، "أنا قلقة أكثر على صديقتي المقربة التي تعاني وضعاً أسوأ ولا يمكنها دفع كلفة إطعام أطفالها، وغالباً ما أدعمها فهي تعمل بدوام جزئي في وكالة لبيع السيارات ولديها ثلاثة أطفال غير مؤهلين للحصول على وجبات طعام مدرسية مجانية لأنها تتقاضى أجراً أعلى من الحد الأدنى، فأحد أطفالها يعاني التوحد وهي أم صالحة تحتاج إلى مساعدة عاجلة".  

شون ومريم والدتان من بين 50 والداً ووالدة يعتمدون على بنك الطعام المدرسي الأسبوعي الذي تؤمنه "سيتي هارفست" ثاني أكبر موزع للطعام الفائض، كما تمده مجموعة التبرعات المحلية في ويمبلدون بالمنتجات الصالحة لفترات طويلة، وتوضح هاتان الحالتان أهمية دعوتنا رئيسة الوزراء إلى توسيع نطاق وجبات الطعام المدرسية المجانية بحيث تغطي 800 ألف طفل في إنجلترا يعيشون في كنف الأسر التي تتلقى إعانات حكومية.

ويشرح المدير التنفيذي لمدرسة "سانت ماري" جاريد برايدينغ السياق العام لبنك الطعام فيقول، "أطلقناه خلال جائحة ’كوفيد‘ وما نكتشفه الآن هو وجود شريحة أعلى من الأهالي المؤهلين للحصول على الوجبات المدرسية المجانية، وهم أشخاص يعملون إجمالاً في وظائف بدوام جزئي أو في وظائف بأجر متدن، وأطفالهم غير مؤهلين للحصول على وجبات مجانية في المدرسة، وهم الأكثر معاناة، وأعتقد أن نحو 20 في المئة من عائلاتنا يتركزون ضمن هذه الفئة من الفقراء المخفيين العاملين، وهم على الأرجح أكبر مستخدمي بنك الطعام هذا.

في غضون 45 دقيقة تقريباً كل الطعام الذي نضعه ينفد، ونوشك البدء بتنظيم بنك طعام يوم الإثنين أيضاً لتوفير المساعدة التي يحتاجها الأهالي يومين خلال الأسبوع".

تقدم أكبر منظمتين خيريتين معنيتين بإعادة توزيع الطعام في لندن "ذا فيلكس بروجكت" The Felix Project و "سيتي هارفست" City Harvest منتجات طازجة إلى 187 بنكاً للطعام تنظمها مدارس العاصمة، توازي 50 طن أسبوعياً وتعادل أكثر من 115 ألف وجبة.

على المستوى الوطني أمدت شبكة "فير شير" FareShare لإعادة توزيع الطعام 646 مدرسة و274 نادياً خارج الدوام الدراسي بـ 1377 طناً من الأطعمة خلال خمسة أشهر وصولاً إلى أغسطس (آب) هذا العام. 

وتفيد منظمة "ذا فيلكس بروجكت" بأن عدد المدارس التي تقوم بتزويدها بالطعام في لندن تضاعف خلال السنوات الثلاث الماضية ليبلغ حالياً 166 مدرسة، أما منظمة "سيتي هارفست" فتقول من جهتها إن أرقامها "شبه تضاعفت"، ويحدث هذا فيما استعان 2.5 مليون شخص ببنوك الطعام ما بين عامي 2020 و2021 في إنجلترا بزيادة قدرها 31 في المئة تقريباً عن السنة السابقة.

 

وعن هذ يذكر ستيف وينينغام، المدير التنفيذي لـ "سيتي هارفست" أن "أعداد بنوك الطعام المدرسية تزداد باستمرار، وبدءاً من فترة ’كوفيد‘ خدمت هذه المراكز الأشخاص الذين يحاولون إعالة عائلاتهم، لا سيما في غياب إمكان الحصول على وجبات طعام مدرسية مجانية، وقد سجلنا تضاعفاً في أرقامنا تقريباً خلال العامين الماضيين، وكل بنوك الطعام التي نزودها بالمنتجات مستعدة لتلقي طعام إضافي بنسبة 50 في المئة لو كان ذلك متوافراً لدينا، وربع المنظمات الخيرية التي نعمل معها طلبت توصيل دفعة إضافية من الطعام كل أسبوع، ولذلك فهذا الطلب غير مسبوق".

أحد بنوك الطعام الذي يزوده "ذا فيلكس بروجكت" بالمنتجات يقع في مدرسة "ماندلفيل" الابتدائية في هاكني، حيث 62 في المئة من الطلاب مؤهلون للحصول على وجبات طعام مدرسية مجانية، فيما يصنف الباقون في خانة العمال الفقراء.

كل يوم إثنين تصطف نحو 80 أسرة للحصول على الطعام، وهنا أيضاً فالأهل العاملون هم من يصلون أولاً، فيما يملأ بعضهم عربات الأطفال بالفراولة والطماطم والباذنجان والملفوف.

يلقي روك (53 عاماً) ووالد طفلين يعمل مشرفاً على أحد العقارات المحلية، على كتفه كيساً مليئاً بالخضراوات والعصير والمايونيز، ويقول "آتي كل أسبوع فنحن نعاني كثيراً لتأمين طعام كاف للأطفال لأن كل شيء ترتفع قيمته ما عدا أجري. كانت ابنتي ذات الـ 11 عاماً تحصل على وجبات مدرسية مجانية لأن ’ماندلفيل‘ تؤمن غداء مجانياً للجميع، ولكنها بدأت المدرسة الثانوية الآن ولم تعد مؤهلة لتلقي هذه الوجبات، ولذلك علينا إيجاد ما يكفي من المال لدفع ثمن وجبات الغداء في مدرستها وأنا قلق، هل سيستمرون بالسماح لي بالقدوم إلى بنك الطعام؟ سوف تصبح الأمور أصعب بكثير".

ويقول مساعد مدير مدرسة "ماندلفيل" مارك تومسون "هذا مجتمع محلي لديه كثير من الكبرياء ولا يفاتح الناس بعضهم بموضوع الجوع، ولكن الطلب على بنك الطعام الذي ننظمه كبير. كانت أكبر مشكلة في البداية الوصمة التي تلازم فكرة إخبار الآخرين بأنك بلغت خط الفقر، ولكنها ما عادت مسألة مهمة الآن لأن كثيرين يعانون. اضطررنا إلى منع بعض الأهالي من أخذ كميات إضافية للعائلات التي لا يرتاد أطفالها ’ماندلفيل‘ أو لم يرتادوها قط، وقد لاحظنا ذلك لأنهم انتقلوا من استخدام الأكياس إلى استخدام عربة تسوق وبعدها عربات تسوق عدة، وكان من المؤلم بالنسبة إلينا أن نفعل ذلك لأننا نعتبر أنفسنا مدرسة تخدم المجتمع المحلي. يجب اتخاذ إجراءات عاجلة".

ويقول المديران إنهما يدعمان حملتنا "فيد ذا فيوتشر" ’أطعموا المستقبل‘. ويقول تومسون "إنه لأمر مروع أن يأتي الأطفال إلى المدرسة من دون أن يتمكنوا من الحصول على غداء صحي، فالرابط قوي بين معاناة الأطفال ونوعية الطعام الموجود في علب الغداء التي يحضرونها معهم، ونحن نؤيد هذه الحملة بشدة".

أما برايدينغ فيرى أن "عدداً لا يحصى من الدراسات أثبتت أن قدرة الطفل على التركيز تتأثر بتلقيه غذاء مناسباً من عدمه، ويجب أن يعتبر أصحاب السلطة أن توسيع مجال الوجبات المدرسية المجانية كي تشمل كل الأطفال الذين يعيشون ضمن أسر تعاني الفقر، هو استثمار في مستقبل هذه البلاد، فهذا يوفر لأطفالنا حقاً أساسياً من حقوق الإنسان".

© The Independent

المزيد من اقتصاد