Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أميركا تصدر أحدث عقيدة عسكرية منذ 40 عاما

اعتبرت الاستراتيجية مفهوم "العمليات متعددة النطاق" ضرورياً لتحقيق الهيمنة والتغلب على الخصوم

الرئيس بايدن أثناء استقباله ضحايا الجيش الأميركي في تفجير بالقرب من مطار كابول العام الماضي (أ ب)

لم تكن هزائم الجيش الروسي في الأسابيع الماضية إلا تذكيراً بالبداية المتعثرة لثاني أقوى جيش في العالم في حربه على أوكرانيا، فبعد الصعوبات اللوجيستية التي واجهت روسيا في نقل معداتها وإمداداتها العسكرية إلى الداخل الأوكراني، وجد سيد الكرملين فلاديمير بوتين نفسه في وضع محرج، مع توالي خسائر قواته وانسحابها من مناطق أوكرانية استولت عليها في بداية الحرب.

لكن انتكاسات روسيا التي تقف في صفها اعتبارات التاريخ والجغرافيا والأرقام أمام القوات الأوكرانية الأكثر تواضعاً واعتماداً على الدعم الأميركي والأوروبي لم تضرب صورة جيشها فقط، بل أكدت حقيقة أهم للجميع، وهي ضرورة تحديث الدول لقواتها وإمكاناتها العسكرية، على ألا يقتصر التحديث على دفع عجلة التطور التكنولوجي، بل يمتد لتحقيق التكامل العملياتي بين قدرات القوات المسلحة في البر والبحر والجو والفضاء والفضاء السيبراني.

وفيما تتأهب الولايات المتحدة لـ"عصر التنافس الاستراتيجي"، كما تقول استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي، تبدو الحاجة إلى تحديث قواتها العسكرية أكبر، بخاصة أن أبرز منافسيها، الصين التي تعتبرها واشنطن الدولة الوحيدة التي لديها النية والقدرة على تغيير النظام العالمي، طورت من جيشها ذي الموارد البشرية غير المحدودة، وحدثت معداته، ووسعت من انتشار قواته عالمياً.

عقيدة عسكرية جديدة

ووسط ظروف جيوسياسية معقدة، أعلنت القوات البرية الأميركية عن عقيدتها العسكرية الأولى منذ 40 عاماً التي ستكون بمثابة دليل إرشادي لقياداتها وأفرادها. وترتكز العقيدة الجديدة على نهج "العمليات متعددة النطاق"، لتعزيز التكامل بين القوات البرية وبقية أركان الجيش الأميركي المتمثلة في القوات البحرية والجوية ومشاة البحرية "المارينز"، إضافة إلى حرس السواحل وقوة الفضاء، في الوقت الذي لم تعد فيه المواجهة العسكرية محصورة على البر، بل أصبحت تتطلب تنسيقاً من مختلف المجالات.

وتعرف عقيدة القوات البرية الأولى من نوعها منذ عام 1982 العمليات متعددة النطاقات على أنها "التوظيف المشترك للقدرات العسكرية من جميع المجالات التي تخلق وتستغل المزايا التنافسية لهزيمة قوات العدو وتحقيق الأهداف وتعزيز المكاسب". وتقر العقيدة الجديدة بأن البيئة العملياتية لا تقتصر على الجو والبر والبحر، بل تشمل أيضاً الفضاء والفضاء السيبراني، كما تخلص إلى أن الفوز ضد منافسي الولايات المتحدة مثل روسيا أو الصين "يتطلب من القوات البرية استهداف تماسك نهج عمليات التهديد، من خلال تفكيك أنظمتهم وتشكيلاتهم المترابطة، ثم استغلال الفرص بسرعة لهزيمة قوات العدو".

وأكدت الوثيقة العسكرية التي جاءت في 280 صفحة مواصلة القوات البرية تطوير العقيدة الجديدة، بينما تمضي قدماً في مشروعها الذي انطلق منذ الثمانينيات لتحديث أنظمتها العسكرية، أملاً في أن تكون القوة البرية الأميركية محدثة بالكامل بحلول 2030.

حقبة خطرة

يأتي الإعلان عن العقيدة العسكرية الجديدة في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة مخاطر جيوسياسية تهدد مكانتها العالمية، فروسيا من شق تعبث باستقرار حلفاء واشنطن في أوروبا، وسيد الكرملين يخطب مهاجماً عهد أحادية القطب، والصين من جانبها لا تألو جهداً في تنويع تحالفاتها، ودخول مناطق لم تألفها في الشرق الأوسط، إضافة إلى تعزيز اقتصادها الذي يمكن أن يسلب الاقتصاد الأميركي صدارة أكبر الاقتصادات في العالم بحلول 2030.

ولذلك، حذر قائد القوات البرية الأميركية جيمس ماكونفيل من خطورة الحقبة الحالية غير المسبوقة من حيث مخاطرها، قائلاً "روسيا تشن حرباً غير مبررة" على أوكرانيا، و"تبني الصين التي تملك اقتصاداً يساوي حجم اقتصادنا تقريباً جيشاً بقدرات عالمية". وأضاف الجنرال الأميركي إلى هذه القائمة خصوماً علنيين للولايات المتحدة، وقال "لا يمكننا أن نتجاهل التهديدات المستمرة التي تمثلها كوريا الشمالية وإيران والمتطرفون العنيفون".

قصة الوثيقة الجديدة

أصدرت القوات البرية الأميركية آخر عقيدة عسكرية في عام 1982، وركزت على التنسيق الوثيق بين القوات البرية والجوية، وبني الدليل السابق على الدروس المستفادة من الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1973 التي وفرت أساساً لحرب أميركا التي انتصرت فيها على الاتحاد السوفياتي. ويعكس هذا الانتصار دور المعارك في تعزيز جاهزية الجيش لتهديدات المستقبل. ويؤكد أهمية العقيدة العسكرية الجديدة التي جاءت لتضم العبر والدروس بعد أربعة عقود حافلة بالحروب الأميركية، من أفغانستان إلى العراق، ناهيك بمعارك صغيرة من وقت لآخر.

وأمضى الجيش الأميركي نحو خمس سنوات في صياغة مفهوم "العمليات متعددة النطاقات" كمفهوم حربي، ثم كعقيدة بني عليها الدليل الجديد الذي يوضح "المبادئ الأولى للسرعة والمدى والدمج بين التقنيات المتطورة اللازمة لتحقيق الهيمنة في المستقبل والتغلب على الخصوم".

لكن قبل إصدار العقيدة بشكلها النهائي هذا العام، أصدر الجيش عدة إصدارات من مفهوم العمليات متعددة النطاقات ابتداءً من عام 2018 مصقولة بالتقييمات والتمارين الحربية وإنشاء أول فرقة عمليات ذات اختصاص بهذا المجال، كما أنشأت القوات البرية فرق عمل لاختبار المفهوم، ستعمل كوحدات تشغيلية في جميع أنحاء العالم. وستتمركز خمس فرق للعمل في مناطق محددة من قيادة المحيطين الهندي والهادئ إلى القيادة الأوروبية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مفهوم لم يختبر عملياً

يعتبر القادة العسكريون الأميركيون مفهوم العمليات متعددة النطاقات ضرورياً في المستقبل لمجابهة الخصوم القادرين على تحدي الجيش الأميركي، لكن التحدي هو أن هذا النوع من العمليات لم يختبر بعد في أرض الواقع، إذ يقول ماكونفيل، إنه على رغم أن القوات البرية استخدمت إمكانات الفضاء والفضاء السيبراني منذ قرابة عقدين، إلا أنها لم توظفها قط في عمليات قتالية ضد خصوم قادرين. وبالمثل "ساعدت القدرات الجوية والبحرية منذ فترة طويلة في إنجاح العمليات البرية، ولكن مرت عقود منذ أن واجه التكامل الجوي والأرضي، والتعاون الوثيق بين القوات البرية والبحرية تحدياً فعلياً".

وتقسم العقيدة العسكرية العمليات متعددة النطاقات على ثلاث مراحل بالترتيب: المنافسة والأزمة والصراع المسلح. وتعالج العقيدة الجديدة التحدي المتمثل في مواجهة منافسين يستخدمون نطاقات متعددة النطاقات، مما يتطلب من الولايات المتحدة وشركائها وحلفائها استخدام قدراتها البرية الزائدة على الحاجة إلى تدمير أو إضعاف قدرات الخصم الاستخباراتية للمراقبة والاستطلاع.

نصر بلا قتال

ولا تحصر العقيدة الجديدة نفسها في الفوز بمعارك القتال، إذ تركز أيضاً على وسائل التأثير والإعلام والتحكم بالرواية. وتقول الاستراتيجية الجديدة إن الصين وروسيا في وضع يسمح لهما بـ"الانتصار من دون قتال"، عندما يكون بإمكانهما التحكم في اتجاه الرواية والحقائق على الأرض، لافتة إلى ضرورة أن "يتمكن القوات البرية من صياغة روايته الصادقة أثناء مرحلتي المنافسة والأزمة".

وقدمت الحرب الروسية – الأوكرانية نماذج كثيرة لدور آلات "البروباغندا" أو الدعاية في التأثير بالرأي العام العالمي، خصوصاً من الجانب الروسي، وهو ما دفع زعماء غربيين إلى الحديث عن القضية، كالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي اتهم روسيا بأنها "إحدى الدول التي تستخدم بأكبر قوة أدوات الدعاية". في المقابل، لم يتردد الغرب في التشهير بأسلحته الإعلامية على موسكو.

وفي ظل التحول التقني في كل جوانب الحياة وإمكانية الاختراقات السيبرانية، شددت الاستراتيجية التي جاءت في ثمانية فصول بحسب موقع "ديفينس نيوز" على أن يفترض الجيش بأنه "مرئي" على الدوام من قبل العدو. ولأول مرة، اشتملت استراتيجية القوات البرية، فصلاً عن العمليات المتركزة في البيئات البحرية.

منعطف تاريخي

وعلى رغم أن القوات البرية الأميركية لا تملك المعدات المحدثة اللازمة لتطبيق نهج العمليات متعددة النطاق، فإن قائدها يقول إن المضي في اعتمادها كأساس للعقيدة الجديدة منطقي، مشيراً إلى أن بلاده أمام "منعطف"، في إشارة على الأرجح إلى الظروف الجيوسياسية الحالية والحرب الروسية – الأوكرانية التي من المحتمل أنها أخرت نشر الوثيقة، بعد أن كان مقرراً نشرها خلال الصيف الماضي.

وقال رئيس مديرية عقيدة القوات المشتركة ريتشارد كريد لـ"ديفينس نيوز"، إن هذا التأخير كان فرصة لتدوين الملاحظات والتعلم من الحرب الروسية – الأوكرانية، إلا أن أفكار العقيدة الأساسية لم تتغير، لكن ما تغير على حد تعبيره هو أن القوات البرية نظرت إلى الحرب الروسية - الأوكرانية من خلال منظور لم تكن ليتوافق مع مفاهيمه المسبقة قبل العقيدة الجديدة.

والخطوة التالية، بحسب كريد، هي مساعدة الجنود على استيعاب العقيدة، وتدريبهم عليها، وهذا سيتطلب أيضاً تطوير القادة.

ومن المحتمل أن يضطر الجيش الأميركي إلى تحديث عقيدته الجديدة خلال العقد الحالي، كما فعل في أواخر التسعينيات حين حدث عقيدة 1982، للتكيف مع ما أطلق عليه "عمليات الطيف الكامل" التي مكنت الجيش من الجمع بين العمليات الهجومية والدفاعية وعمليات الدعم المدني.

المزيد من تقارير