Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إنغو شولتسه يسترجع كواليس ألمانيا الشرقية ومعاناتها

"قصص بسيطة" رواية عن انهيار جدار برلين وتوحيد الدولتين قبل 32 عاماً

بوابة براندنبورغ في برلين رمز الوحدة الألمانية (رويترز)

بعد إتمام الوحدة بين شطري ألمانيا في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 1990، بدأ عهد جديد في الشطر الشرقي، لطالما تاق إليه مواطنوه، لكن ذلك لم يمنع شعور غالبيتهم بصدمات عنيفة من جراء سرعة وتيرة التغيير الذي أسفر في الأخير عن زوال المعالم السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتكئة على النهج الشيوعي، لما كان يعرف باسم ألمانيا الشرقية، لتحل محلها معالم مختلفة تنتمي إلى اقتصاد السوق الحرة وما يرتبط به سياسياً واجتماعياً. وتعتبر رواية "قصص بسيطة" للكاتب إنغو شولتسه (1962)، من أهم الأعمال الأدبية التي تناولت التحولات التي شهدها مجتمع ألمانيا الشرقية عقب انهيار جدار برلين في نوفمبر (تشرين الثاني) 1989، وقد صدرت طبعتها الأولى عام 1998، وترجمت إلى أكثر من 20 لغة ونال مؤلفها عديداً من الجوائز، علماً أنها تعتبر عمله الروائي الأول. وهذه الرواية ترجمها الكاتب والمترجم المصري المقيم في ألمانيا سمير جريس من الألمانية إلى العربية لحساب "المشروع القومي المصري للترجمة" عام 2004، ثم أعاد إصدارها من دار "العربي" في القاهرة بمقدمة كتبها المؤلف خصيصاً لهذه الطبعة. يحكي شولتسه في هذه الرواية التي تتألف من عديد من المقاطع المنفصلة / المتصلة، عن البسطاء الذين لم يستطيعوا التأقلم مع تلك التحولات، وهم الذين عرفوا كيف يقتنصون فرص الواقع الجديد، ويبين أن الوحدة لم تكن النهاية السعيدة لكل مواطني ألمانيا الشرقية الذين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الاندماج بسرعة مع ألمانيا الغربية، باعتبارها الطرف المنتصر في نهاية الحرب الباردة التي تجسدت أساساً في انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك الكتلة الأورو آسيوية التي كانت تدور في فلكه.  

بين عشية وضحاها

وجاء في المقدمة التي كتبها شولتسه خصيصاً للترجمة العربية لروايته في طبعتها الأحدث "البلد الذي ولدت ونشأت فيه كان ينتمي دائماً، هكذا أعتقد، إلى الشرق. وفجأة بين عشية وضحاها بالمعنى الحرفي، أصبحت من دون أن أتحرك من مكاني أسكن في الغرب. من لحظة إلى أخرى بدأ تقييم كل شيء من جديد: المهنة، قدرات الإنسان ومهاراته، العائلة، ظروف السكن، السيارة. بدا آنذاك أن النقود أصبحت عملياً هي المعادل لكل شيء. أما الشأن السياسي الذي تسيد حياتنا اليومية بشكل مباشر، فقد بدا وكأنه اختفى".

وفي موضع آخر من المقدمة ذاتها يتساءل شولتسه عن السبب الذي دفعه لكتابة "قصصه" عن ألمانيا الشرقية بأسلوب القصص القصيرة الأميركية. ويجيب بأن أحد التفسيرات الممكنة هو أنه بحدوث الوحدة النقدية في الأول من يوليو (تموز) 1990، "أصبحنا فعلياً، وبين يوم وليلة، جزءاً من الثقافة المتأثرة بأميركا في خاتمة المطاف. بين عشية وضحاها أصبحنا نعيش في نظام رأسمالي". 

ويضيف أن المواقف التي وجدت شخصياته نفسها بداخلها، "من الممكن أن تحدث هكذا، أو على نحو مشابه، في كل مكان من العالم الذي يطلقون عليه عالماً غريباً. إنها مواقف بسيطة، غير أن الشخصيات تعلمت قواعد أخرى للعب في تلك القواعد التي أصبحت فجأة سارية. رد الفعل على الضرورة يختلف عن رد فعلهم لو كانوا ولدوا في الغرب. المرء يلاحظ عليهم البهجة والصدمة، الاندهاش والقلق الذي تركه عليهم هذا الانتقال من عالم إلى آخر".

ملاحظة طريفة

"شولتسه يكتب الرواية مثلي بمزاج كاتب القصة القصيرة"، هذا ما لاحظه الكاتب الراحل إبراهيم أصلان عندما قرأ ترجمة رواية "قصص بسيطة" في طبعتها الأولى ونقله عنه سمير جريس في مقدمته للطبعة الأحدث من ترجمته لها. ورأى جريس الذي نقل هذه الرواية الصعبة من الألمانية إلى العربية بنجاح كبير، أن ملاحظة أصلان صائبة تماماً، موضحاً أنه مثلما توضح مقدمة شولتسه فالقارئ يستطيع أن يطالع كل "قصة" من قصص الرواية على نحو مستقل، لكن القصص لن تعطي معناها الحقيقي إلا في سياق الرواية. ويضيف "إنها مجرد أحجار صغيرة في لوحة فسيفسائية ضخمة عن تلك الفترة. البنية الروائية المتشظية تعكس على نحو جيد التمزق الداخلي لمعظم الشخصيات".       

ومن هنا تتطلب قراءة تلك الرواية كما يقول جريس بعض التمهل، حتى يستطيع القارئ تركيب فسيفساء "القصص البسيطة"، عندئذ سيفهم العلاقات بين الشخصيات والتفاصيل الصغيرة التي ينثرها الكاتب بين ثنايا النص، وسيدرك أيضاً ما بين السطور".

تتكون الرواية من 29 "قصة"، أو 29 فصلاً، تدور أحداث معظمها في مدينة ألتبورغ الصغيرة في شرق ألمانيا. هناك كما يقول جريس عاش شولتسه من 1988 إلى 1992، وعمل معداً مسرحياً (دراماتورغ)، ثم أسس صحيفة أسبوعية عمل فيها محرراً، قبل أن يؤسس صحيفة أخرى تعتمد على الدعاية والإعلانات (رضوخاً للتحولات ذات الطابع الرأسمالي؟). في ألتنبورغ شارك المواطن شولتسه، يقول جريس، مع أعضاء التجمع السياسي "المنتدى الجديد" في التظاهرات التي اندلعت عام 1989 للمطالبة بإصلاحات في النظام الاشتراكي، وهناك عايش البداية الجديدة بعد الوحدة. الطبعة الجديدة من الترجمة "مراجعة ومنقحة"، وتيسيراً على القراء إزاء البنية الروائية غير المألوفة، وحتى لا يفقد الواحد منهم طريقه بين زحام الشخصيات (نحو 40 شخصية) فقد أعد المترجم قائمة بأهم الشخصيات، "يستطيع القارئ الرجوع إليها في أي وقت"، بحسب ما أوضحه جريس في مقدمته.

شخصيات الرواية

شخصيات الرواية بعضها يظهر مرة واحدة، وكثير منها يظهر في أكثر من فصل. ومن هؤلاء إرنست مويرر، وكان يعمل في ألمانيا الشرقية ناظر مدرسة، انضم إلى الحزب الحاكم، وكان يدين له بالولاء، وبعد الوحدة يرى كيف ينجو كبار رجال الحزب الفاسدين من أية ملاحقة قانونية، في حين يواجه هو اتهامات زملائه وجيرانه بأنه كان متعاوناً مع النظام ومع الاستخبارات "الشتازي". "إرنست هذا"، كما لاحظ المترجم، هو نموذج لآلاف من الألمان الشرقيين الذين ظل الماضي يطاردهم، فلم يستطيعوا التأقلم مع الواقع الجديد. "القصة الأولى عنوانها "زيوس"، وتسردها ريناتا مويرر التي هرب زوجها الأول (د. راينهارد) في عام 1969 من ألمانيا الشرقية إلى المانيا الغربية تاركاً ابنيه مع زوجته ريناتا التي تزوجت بعدها بعام من إرنست مويرر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهناك أيضاً بيتر برترام الذي كان يعمل مدرساً، وكان يستدعى بين فترة وأخرى كضابط احتياط لدى حرس الحدود. كان مؤمناً بالنظام القديم، ويعتبر أحد ممثليه. بعد الوحدة فصل من عمله كمدرس، فعمل في صحيفة الدعاية والإعلانات خلفاً لـ إدغار كورنر. يكتب قصصاً إباحية تثير إعجاب صديقه ديتر شوبرت. والأخير هو أيضاً مدرس يفصل من عمله بسبب وشاية ناظر المدرسة، إرنست مويرر، معروف باسم زيوس، فقد أثناء اللعب وهو طفل إحدى عينيه. حانق على ألمانيا الشرقية بسبب فصله من المدرسة وعمله القسري في منجم فحم، وبسبب عينه الزجاجية سيئة الصنع والتركيب. وفي القائمة داني وتعمل في صحيفة أسبوعية، تولت تربية الطفل تينو بعد وفاة أختها. تربطها علاقة حب بـ إدغار كورنر، لكنها تنفصل عنه وتتصادق مع باتريك الذي يهجرها من أجل ليديا. داني صحافية جريئة تريد أن تكتب عن مواضيع الساعة، مثل النازيين الجدد، ولذلك تواجه مشكلات مع رئيسها في العمل كريستيان باير الذي يخشى من تأثير تلك التحقيقات في إيرادات الإعلانات، وفي النهاية تترك عملها. 

التفاصيل الصغيرة

السرد في هذه الرواية، بحسب ملاحظة المترجم، يحيا من التفاصيل الصغيرة الدالة، ومن الوصف الدقيق لمشاعر الشخصيات. شولتسه أستاذ في الإيحاء والاختصار. لن توجد هنا مباشرة، أو خطباً أو نظريات سياسية، بل قصص من ريف ألمانيا الشرقية، تبدو بسيطة، لكنها ترسم صورة مركبة عن حياة الألمان الشرقيين خلال الحقبة التي أعقبت الزلزال السياسي الذي ضرب أوروبا الشرقية عام 1989، وأدى إلى سقوط سور برلين وانهيار الشيوعية. لوحة فسيفسائية عن التحولات الكبرى التي حدثت آنذاك على الأصعدة كافة، اجتماعية واقتصادية وسياسية. رواية عن الفترة التي تلت تفكك عالم وسبقت نشوء آخر، فترة الانتقال المؤلم من نظام شمولي مستبد، يضمن لمواطنيه أساسيات العيش، ويحمل عنهم عبء الاختيار، إلى نظام ديمقراطي مفتوح، يقوم على الفردية وتحقيق الذات والإنجاز والتنافس الشديد الذي يفرضه اقتصاد السوق الحر.

إنغو شولتسه ولد في درسدن في شرق ألمانيا عام 1962، درس اللغات القديمة وعمل معداً مسرحياً، ثم محرراً في صحيفة محلية. يعيش في برلين متفرغاً للكتابة منذ عام 1993. في عام 1998 نشر روايته الأولى "قصص بسيطة" التي حققت نجاحاً كبيراً. امتدح غونتر غراس شولتسه ووصفه بالحكاء العظيم. ترجمت الرواية في غضون سنوات قليلة إلى نحو 20 لغة. من أعماله الأخرى: المجموعة القصصية "33 لحظة من لحظات السعادة"، ورواية "حيوات جديدة"، ومجموعة "محمول"، ورواية "آدم وإيفيلين". حصل على جائزة "بيتر فايس" 2006، وجائزة معرض لايبتزغ 2007، وجائزة برتولد بريخت 2013 وهو عضو في الأكاديمية الألمانية للغة والأدب في درامشتات وعضو أكاديمية الفنون في برلين.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة