Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لاجئو أوكرانيا المنسيون... مستبعدون من الدعم البريطاني بسبب جنسياتهم

حملة "الترحيب باللاجئين" تقول إن مواطنين غير أوكرانيين هربوا من الغزو نفسه، لكن مخططات الإيواء البريطانية لم تشملهم ليجدوا أنفسهم وحيدين بلا مكان يلجأون إليه

فارون من الغزو الروسي لأوكرانيا في برزيميسل - بولندا في وقت سابق من هذا العام (غيتي)

ما زال قلب ديبرا أمودا يرتعد خوفاً كلما سمعت صخباً أو ضجيجاً من حولها. فهي غير قادرة بأي شكل من الأشكال على تذكر تساقط القنابل التي كانت تنفجر بالقرب منها، ولحظات الرعب التي كانت تنتابها، في كل مرة كانت تسمع فيها ضوضاء الغارات الجوية التي كانت تجبرها على أن تهرع إلى أقرب ملجأ في خاركيف، المدينة الأوكرانية التي عاشت فيها لمدة ثلاثة أعوام، عندما كانت تدرس الطب في جامعتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ستة أشهر مضت على غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا، استطاعت خلالها الشابة النيجيرية التي تبلغ من العمر 19 سنة الهرب إلى بر الأمان، لكن هذا لم يضع حداً لمعاناتها. فكل ما أرادته هو أن تكون مع أفراد أسرتها في المملكة المتحدة، لكن الترحيب الذي لقيه المواطنون الأوكرانيون هناك كانت ديبرا محرومة منه. الأمر الذي اضطرها إلى أن تعيش وحيدة على بعد مئات الأميال في مدينة غير مألوفة.

قبل بضعة أسابيع، وبينما كانت وحدها في شقتها في مدينة دويسبورغ في ألمانيا، سمعت ديبرا أصوات مفرقعات نارية في الخارج خلال أحد المهرجانات. اعتقدت بأنها كانت أصوات انفجارات. وتقول إنه "في تلك الليلة، كنت أشاهد فيلماً عندما بدأت سماع أصوات الانفجارات، انبطحت أرضاً واتصلت بوالدتي وأنا أجهش بالبكاء. وكنت أقول لها إنني لا أريد أن أموت".

بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا أعلنت حكومة المملكة المتحدة عن مخططين مخصصين للاجئين الأوكرانيين: أحدهما يسمح للاجئين بالانضمام إلى أفراد عائلاتهم في بريطانيا، والثاني يتيح لهم الانضمام إلى مواطنين في المملكة المتحدة يرغبون في استضافتهم. لكن بشرط أن يكون لدى مقدم الطلب جواز سفر أوكراني، أو أن يكون مسافراً مع أو منضماً إلى مواطن أوكراني.

إلا أن هذه القيود لم تأخذ في الاعتبار الأجانب في أوكرانيا. فقد كان يوجد في البلاد عند بداية الغزو الروسي نحو نصف مليون شخص غير أوكراني، لديهم إقامات موقتة أو دائمة، بمن فيهم أكثر من 76 ألف طالب أجنبي، معظمهم من أفريقيا وجنوب شرقي آسيا. اختار كثيرون تلقي دراستهم في أوكرانيا، لأنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى برامج الدراسة الجامعية كالطب وطب الأسنان والهندسة في بلدانهم الأصلية، إضافة إلى أن الرسوم الجامعية الأوكرانية هي أقل كلفة مما هي عليه في عدد من الدول الأوروبية الأخرى.

 

وتظهر بيانات "المنظمة الدولية للهجرة"  International Organisation for Migration (IOM) أن نحو 325 ألفاً من مواطني دول أخرى كانوا فروا من أوكرانيا إلى بلدان مجاورة منذ بداية الحرب. وأصبحوا في الواقع لاجئين منسيين، إذ يشير تحقيق أجرته "لايت هاوس ريبورتس" Lighthouse Reports (مؤسسة صحافية تتعاون مع وسائل إعلام أوروبية لإجراء تحقيقات معمقة تتناول مواضيع تتعلق بالهجرة والنزاعات والفساد) إلى أنه على رغم فرار هؤلاء من الهجمات الروسية نفسها شأنهم شأن المواطنين الأوكرانيين، إلا أنهم يواجهون عقبات تحول دون بناء حياتهم مرة جديدة، سواء في المملكة المتحدة أو في سائر أنحاء أوروبا. 

حملة "الترحيب باللاجئين" التي أطلقتها "اندبندنت" في وقت سابق، دعت سلطات المملكة المتحدة إلى الاضطلاع بدور قيادي في دعم أولئك الأفراد الذين أجبروا على الفرار من الحرب في أوكرانيا.

"أشعر بوحدة قاتلة"

والدا ديبرا وأشقاؤها الثلاثة انتقلوا من نيجيريا إلى مدينة شيفيلد الإنجليزية قبل نحو عام، واستقروا فيها. والدتها تعمل في إحدى دور الرعاية، أما والدها فيعمل في مصنع، فيما يذهب إخوتها الصغار إلى المدرسة. لكن استبعاد الحكومة للمقيمين في أوكرانيا من أصول أخرى، يعني أن الشابة النيجيرية غير قادرة على الانضمام إلى أسرتها، على رغم كل المصاعب التي واجهتها. وتعزو ما حصل معها، عندما أمضت يومين وهي تنام على أرض محطة مترو في كييف، واضطرارها إلى الانتظار ساعات على منصات وسط الجليد بسبب صعوبة ركوب القطارات المتوجهة إلى خارج البلاد، جزئياً إلى العنصرية.

وتضيف: "اعتقدت بأنه سيتم قبول طلبي للحصول على دعم بموجب المخطط المطروح. فكل ما أردته هو أن أكون مع عائلتي، وأن أعيش حياة طبيعية مرة أخرى. أرغب في أن أذهب إلى الكلية لمتابعة دراستي، وأن يكون لدي هدف في الحياة مرة جديدة. والدتي تحاول القيام بكل شي وتبحث عن جميع الخيارات المحتملة لمساعدتي في الانضمام إلى الأسرة في المملكة المتحدة. لكن في الوقت الراهن، يبدو أنه لا يوجد أي مخرج من هذا الوضع. أحاول ألا أستسلم للإحباط، لكنني أشعر بوحدة قاتلة".

في غضون ذلك، ترفض وزارة الداخلية البريطانية تحديد عدد الأشخاص الذين يعانون أوضاعاً مشابهة لوضع ديبرا. وفيما تنشر الوزارة بيانات عن الطلبات المقدمة إلى أحد المخططين المخصصين للاجئين الأوكرانيين وأفراد أسرهم، يجرى استبعاد أولئك الذين لا تنطبق عليهم المعايير المحددة من جانب الحكومة.

مع ذلك، يتم رفض حتى الأفراد الذين تربطهم قرابة بمواطنين أوكرانيين، من المفترض أن يكونوا مؤهلين بموجب المخطط الحكومي، بنسبة أعلى بكثير من معدل رفض المواطنين الأوكرانيين، إذ تبلغ 14 في المئة مقارنة بـ 0.4 في المئة على التوالي. ولا تزال النسبة الأعلى من مواطني البلدان الأخرى الذين لديهم أفراد أوكرانيون في أسرتهم، تنتظر بت طلباتهم التي تقدر بنحو 45 في المئة، مقارنة بـ 7 في المئة للمواطنين الأوكرانيين.

الفرار مرتين من الحرب

كان في أوكرانيا، إضافة إلى عشرات الآلاف من الطلاب الدوليين، أكثر من 3 آلاف طالب لجوء ولاجئ عندما اندلعت الحرب. ويعتقد بأن عدداً من الأشخاص الآخرين الذين انتقلوا إلى أوكرانيا بعد فرارهم من الاضطهاد في بلدانهم، كانوا يعملون ولديهم تأشيرات عمل.

أحد هؤلاء هو كمران مهديبور البالغ من العمر 43 سنة الذي عاش في كييف لمدة ستة أعوام بتأشيرة عمل، واضطر إلى مغادرة منزله للمرة الثانية، بعدما أجبرته القنابل الروسية على الفرار. وكان هرب قبلها عام 2016 من بلاده إيران، بعدما تلقى تهديدات من السلطات هناك بسبب النشاط السياسي لشقيقه بيمان الذي هو الآن لاجئ في المملكة المتحدة.

في التفاصيل أن كمران فر من شقته المستأجرة في أوكرانيا بعد نحو ثلاثة أيام من بدء الغزو الروسي، حاملاً معه حقيبة ظهر صغيرة ومصطحباً كلابه الثلاثة: آيس وسنو ودارتشين وتاركاً وراءه متجراً للبقالة والأطعمة الجاهزة كان افتتحه في العاصمة الأوكرانية.

ويقول في وصف ما حصل: "غادرت مع اثنين من أصدقائي على وجه السرعة، ونقلتنا سيارة إلى مكان يبعد مسافة 25 كيلومتراً من الحدود البولندية، وقطعنا المسافة المتبقية سيراً على الأقدام. اعتقدت بأنه سيكون في استطاعتي العودة إلى المنزل مرة ثانية في وقت قريب. لكن بعد ثلاثة أشهر، أرسل لي جاري المسن صورة لشقتي بعدما وجدها مدمرة من القنابل، بينما كان يهم بالخروج لإحضار غرض ما".

بيمان شقيق كمران، وهو مواطن بريطاني الآن وصاحب متجر في إلغن شمال اسكتلندا، اتصل بخط المساعدة في وزارة الداخلية البريطانية، طالباً المشورة في شأن إمكان إحضار شقيقه للانضمام إليه في المملكة المتحدة. وقيل له إنه يمكنه التقدم بطلب بموجب مخطط لم شمل الأسر الأوكرانية.

 

على الفور، حجز الأخوان موعداً لطلب تأشيرة دخول إلى بريطانيا لدى مركز التأشيرات في برلين، والتقيا في ألمانيا لتسجيل طلبه. وبعد الانتظار لمدة ثلاثة أشهر، تلقيا جواباً بالرفض على أساس أن بيمان ليس مواطناً أوكرانياً.

وفي وقت يحاول بيمان استئناف القرار، يعيش شقيقه كمران في مخيم موقت للاجئين في لير، وهي بلدة صغيرة في شمال غربي ألمانيا، وينام على سرير في مخيم مفصول عن لاجئين آخرين بألواح رقيقة من خشب الفنير. ويقول إن معظم الأفراد الموجودين هناك هم من الأوكرانيين الذين يصلون ويغادرون خلال أيام إلى منازل جديدة، فيما هو لا يزال يقبع هناك منذ أكثر من ثلاثة أشهر.

ويضيف كمران: "إن ذلك ليس مقبولاً. أشعر بضياع، وبأنني لا أنتمي إلى أي مكان. عندما كنت في أوكرانيا، كنت أعمل وأدفع ضرائبي كأي مواطن أوكراني آخر. لكنني الآن هنا بلا شيء في حوزتي. أتشارك مع نحو 150 شخصاً حماماً واحداً وأربعة مراحيض وست مرشات مياه (شاور)".

"استثناءات قاسية لا معنى لها"

تقول أناييس كرين التي تتولى المساعدة في ملف الشقيقين لدى المؤسسة الخيرية "هير فور غود"  Here for Good (التي تعنى بمساعدة مواطني الدول الأوروبية وأفراد أسرهم للبقاء في المملكة المتحدة بعد اتفاق "بريكست") إن فريقها تلقى اتصالات من عدد من رعايا دول أخرى كانوا يقيمون في أوكرانيا بشكل قانوني، ولم يتمكنوا حتى الآن من الانضمام إلى أسرهم في بريطانيا. وأضافت أنه "في بعض الحالات، سبق أن اضطر هؤلاء إلى الفرار من الاضطهاد أو النزاعات الداخلية في بلدانهم الأصلية، ليجدوا أنفسهم اليوم مجبرين على الهروب مجدداً، وهذه المرة من أوكرانيا. ولا يمكنهم، بالتالي العودة إلى موطنهم الأصلي".

متحدث باسم حكومة المملكة المتحدة أكد أنه لن يعلق على حالات فردية، لكنه أضاف أن مخططي أوكرانيا وضعا للتعامل مع ملفات مواطنين أوكرانيين، وأن الأفراد غير الأوكرانيين الذين نزحوا بسبب الحرب، يمكنهم التقدم بطلب لجوء إلى المملكة المتحدة "من خلال إحدى طرقنا الآمنة والقانونية، بما فيها مخططات تأشيرات العمل والدراسة".

لكن خبراء في موضوع الهجرة يلفتون إلى أن هذه الطرق يصعب الوصول إليها. وتقول مادلين سامبشن من "مرصد الهجرة"  Migration Observatory التابع لـ"جامعة أكسفورد": "من الناحية النظرية، يمكن لغير الأوكرانيين الذين شردتهم الحرب التقدم بطلب للحصول على تأشيرات أخرى، لكنها ليست مهمة سهلة. فتأشيرات العمل والدراسة في المملكة المتحدة مكلفة. ويتعين على طالبيها إما الحصول على عرض لمزاولة مهنة تتطلب مهارة معينة، تحت رعاية صاحب عمل مرخص له ومستعد لدفع الرسوم الكبيرة ذات الصلة، أو الالتحاق بجامعة أو كلية ويكون في مستطاعهم تحمل الرسوم الدراسية للطلاب الدوليين. ولا توجد في الواقع تأشيرة إنسانية تتيح للاجئين المجيء إلى المملكة المتحدة".

هذا الواقع يعني أن الوسيلة تلك ليست متاحة لأحمد البالغ 35 سنة الذي فر من أفغانستان إلى أوكرانيا عام 2015. فبعدما تعرض لتهديد من حركة "طالبان" لأن شقيقه إدريس بخشي كان يعمل لمصلحة القوات البريطانية في مقاطعة هلمند، وتم نقله إلى المملكة المتحدة عام 2014، تمكن أحمد من شق طريقه إلى أوكرانيا وإعادة بناء حياته، إلى حين بداية الغزو الروسي.

 

وبما أنه غير قادر على العودة إلى أفغانستان في ظل وجود "طالبان" في السلطة هناك، تقدم، بموجب مخطط لم شمل الأسرة الأوكراني، بطلب للانضمام إلى شقيقه إدريس الذي يبلغ 34 سنة والذي هو الآن مواطن بريطاني يعيش في بلدة كولشيستر في مقاطعة إيسيكس. لكن بعد ثلاثة أشهر، تلقى رسالة رفض تفيد بأنه غير مؤهل لذلك، والسبب أن أياً من إخوته ليست لديه صلة قرابة مع مواطن أو مواطنة أوكرانية!

الشاب الأفغاني البالغ من العمر 35  سنة موجود الآن في هامبورغ في ألمانيا، ولا يملك وضع هجرة محدد. وطلب حماية موقتة لكنه ما زال ينتظر بت ملفه. إنه يقيم مع أحد أصدقاء صديقه، لكنه يشعر بأنه تجاوز حدود الترحيب به. ويقول إدريس إن شقيقه يمضي أيامه "متجولاً في الشوارع كالمتسول".

ويضيف: "أنا أعمل بدوام كامل. وكنت أرسل له المال إلى ألمانيا. لماذا يجب أن أقوم بذلك، إذا كان بإمكانه أن يأتي إلى بريطانيا، ولدي مكان يمكنه العيش فيه؟ لم أفكر مطلقاً في أن طلبه قد يرفض. فهو عاش في أوكرانيا وأنا مواطن بريطاني عملت في الجيش البريطاني. كنت على يقين بأنه سيكون على ما يرام. وعندما تلقيت رسالة رفضه لم أستطع إخبار شقيقي لمدة يومين. كان من الصعب جداً عليّ أن أخبره بذلك".

زهرة حسن من جمعية "المجلس المشترك لرعاية المهاجرين"  Joint Council for the Welfare of Immigrants (مؤسسة خيرية تدافع عن العدالة في قضايا الهجرة والجنسية) التي تدعم إدريس ومحمد، رأت أن السياسة "المجتزأة والتمييزية" التي تتعامل من خلالها حكومة المملكة المتحدة مع اللاجئين الأوكرانيين، "تسببت بألم عميق وعوز وخوف لعدد من اللاجئين الذين تقطعت بهم السبل".

وأضافت: "ليس من الصواب أن يمنع طلاب نيجيريون شباب، أو لاجئون لأكثر من مرة، سبق أن هربوا من الحرب في أفغانستان، من الانضمام إلى أسرهم في المملكة المتحدة. إننا نعلم أن عدداً من اللاجئين يعانون ضائقة شديدة في دول أوروبا، في حين أنه يمكنهم الحصول على الدعم المجتمعي الذي يحتاجون إليه لإعادة بناء حياتهم هنا في المملكة المتحدة".

وختمت حسن بالقول: "لقد حان الوقت لإنهاء هذا الاستبعاد القاسي وغير المنطقي الذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من السياسات التي تنتهجها الحكومة حيال اللاجئين".

© The Independent

المزيد من تقارير