Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما مآلات القمة العربية المثقلة بالقضايا؟

لا يتوقع لها النجاح الكامل لكن مجرد الانعقاد سيسلط الضوء على كثير من الأزمات في ظل الظروف العالمية والإقليمية

بعد ثلاثة أعوام من الترقب بات عقد القمة العربية الـ31 وشيكاً (أ ف ب)

بعد ثلاثة أعوام من الترقب، بات عقد القمة العربية الـ31 وشيكاً، لتتخذ مكانها هذه المرة في الجزائر خلال الأول والثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

القمة المؤجلة كانت مقررة في أعوام 2020 و2021 ومارس (آذار) 2022 لأسباب توارى بعضها خلف جائحة كورونا، بينما ظهرت أسباب أخرى لا تزال قائمة.

ولا تكاد تخلو دولة عربية من بؤر التوتر، التي تعتمل في سياستها الداخلية، أو تتصاعد خلافاتها مع غيرها من الدول في محيطها العربي أو المجاور من فوق قضايا شائكة، ولم تنجح القمم السابقة وآخرها في مارس 2019 بتونس في حلها أو التقريب بين وجهات النظر بخصوصها.

يثقل كاهل الجامعة العربية منذ توقيع ميثاقها التأسيسي في القاهرة عام 1945 من سبع دول هي (مصر والسعودية والعراق وسوريا ولبنان والأردن واليمن) أعباء والتزامات استراتيجية كبيرة، لم تستطع النهوض بها لمحدودية نفوذها، ولتشعب القضايا التي تواجهها وتنوعها بين سياسية واقتصادية وعسكرية، ما جعلها تبدو أقل تماسكاً مع الزمن.

في العقد الأخير باتت الجامعة العربية تواجه تهديداً ناتجاً من زيادة تعقيد القضايا، واتساع الفجوة بين الحلول المطروحة لتقريب الرؤى نحو الحل في ظل ظروف عالمية تزداد هي الأخرى تعقيداً.

كما تعاني الجامعة قدرات داخلية محدودة وموارد متقلصة نتيجة للاستنزاف الداخلي بسبب الصراعات السياسية والعسكرية، ومتأثرة بظروف الصراعات في بؤر أخرى مؤثرة، فالجامعة العربية تنتمي إلى نظام جيواستراتيجي إقليمي، إذا توفرت لها عناصر النجاح فمن الممكن أن تكون قطباً رائداً بمحاذاة أقطاب عالمية أخرى.

تجارب متفاوتة

تحت شعار "إعادة بناء العمل العربي المشترك"، أعلنت الجزائر انعقاد القمة الـ31، التي ستكون الرابعة التي تقام في الجزائر بعد ثلاث قمم أقيمت على أرضها منذ انضمامها إلى جامعة الدول العربية في أغسطس (آب) 1962 بعد شهر من استقلالها.

القمة الأولى التي استضافتها الجزائر كانت خلال الفترة من 26 إلى 28 نوفمبر 1973 في عهد الرئيس هواري بومدين، وكانت السادسة بتاريخ الجامعة العربية، وأبرز حدث فيها هو انضمام موريتانيا إلى الجامعة العربية.

أما القمة الثانية فكانت في الفترة من السابع إلى التاسع من يونيو (حزيران) 1988 (قمة غير عادية) في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد لبحث مستجدات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وإدانة الاعتداء الأميركي على ليبيا، بينما كانت الثالثة في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة خلال الفترة من 22 إلى 23 مارس 2005.

هذه التجارب المتفاوتة زمنياً في تنظيم مؤتمرات القمة خصوصاً الأخيرة، ستمنح الجزائر رصيداً معنوياً كبيراً مع محاولات ترسيخ دورها كلاعب إقليمي، يحاول الدمج بين دول الجامعة في الخريطة السياسية والاقتصادية كجزء مهم من استراتيجية المؤسسة الإقليمية.

كما ترفع القمة من أسهم الجزائر في لعب دور إصلاحي في ما يخص قضية خلافها مع المغرب بخصوص الصحراء الغربية وذهابها في اتجاه الترحيب بالدولة الجارة في القمة ودعوتها إليها. وحيث لا تذهب الدول الأعضاء بعيداً في التفاؤل، فإن تحقيق الانعقاد وطرح حلول للقضايا الشائكة حتى لو لم تحلها، ستعيد للجامعة سيرتها في مصاف المؤسسات الإقليمية والدولية.

في هذه القمة، تحاول الجزائر أن تنتهج وضعاً محايداً، وهو يختلف عن الوضع غير المنحاز، إذ إن الأول يفرض عليها مراعاة الاتفاقات الموقعة مع المغرب بخصوص قضية الصحراء الغربية، والالتزام الأخلاقي بصفتها مقر القمة المقبلة، أما الثاني فينطبق عليها إذا اختارت هذا التوجه بإرادتها ونظراً للظروف المحيطة، لكن وضع الحياد هو الأقرب للتصور وهو ما قد يتغير بتغير الظروف.

عوامل التعقيدات

 حالة فريدة تفرض تعقيدات القضايا العربية المعيقة لالتقاء الدول الأعضاء وتباعد التوافق في وجهات النظر، جعلت مثل هذه الاجتماعات خلال القمة السنوية للجامعة العربية هي أقصى الآمال، إذ إن الحضور نفسه كان يمثل مشكلة.

عوامل داخلية وخارجية عدة تسهم بشكل مباشر وغير مباشر في ذلك، ومنها أولاً الضغوط المتناقضة التي حملتها تحولات الجامعة العربية بعد أحداث الربيع العربي التي أثرت في خياراتها، إذ كانت في ما قبل تؤثر وتتأثر ببيئتها الإقليمية والدولية، وتعكس صورة مؤسسة لديها القدرة على التكيف مع المتغيرات المحيطة.

ثانياً عادة ما توفر الأنظمة الإقليمية وسائل معيارية لتعزيز أفكارها المشتركة وتسهيل الإجراءات بغرض تحقيق الأهداف المشتركة للدول الأعضاء، هذا نظرياً موجود ضمن مبادئ الجامعة العربية، لكن عملياً طغى تعزيز الهوية السياسية وطبيعة السلطة في دولها على هذا المبدأ. وعليه تكلست آليات ومؤسسات الجامعة وظهرت الحاجة إلى الدفع باتجاه اتخاذ مزيد من الإجراءات واسعة النطاق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثالثاً خلق الاستقطاب الحاد والتحولات التي حدثت في المجتمع الدولي شكلاً من أشكال عدم التوازن، جعل قبول أو رفض المعايير الدولية يتم بناءً على الموقع الذي تقف عليه الدولة المعينة، ونظراً للمواقف الحادة التي تتخذها بعض الدول من دون مرجعية الجامعة العربية، أثر ذلك في تطبيق سلوك "التوازن المرن" مع الحلفاء والخصوم.

وهو ما كانت دول الجامعة تحتاج إليه ككتلة واحدة بعيداً من المنافسة للحصول على القبول من القوى الدولية، أو الوقوف ضد قرارات تفرضها المؤسسات الدولية، لكن في غير إغفال للالتزامات والتعهدات التي ترتبط بها الدول الأعضاء مع غيرها من الوحدات السياسية الدولية بغية تحقيق أهداف منصوص عليها وخدمة مصالحها الوطنية.

رابعاً لم تخرج قضية الأمن القومي العربي من اقتصارها على مجاراة مستجدات ديناميات واقع مصالح القوى الدولية، وهي حالة مستمرة منذ الاستعمار، وتواصلت بعد استقلال الدول العربية ثم في حقبة الحرب الباردة، ثم القطبية الواحدة، والآن في ظل عودة عقارب الزمن للوراء وتشكل قطبيات عدة من الولايات المتحدة والصين وروسيا نتيجة لانهيار التوازنات الغربية، عادت المنطقة العربية إلى أن تكون في صميم الأمن العالمي.

ملفات شائكة

في الوقت الذي يخطط فيه إلى أن تكون معالجة ملفات القمة وفقاً للقضايا الملحة على الساحة الإقليمية من طريق الحلول السلمية، فإن ملفات خلافية ربما يعاد تسكينها، إضافة إلى أخرى خاصة بالأزمتين اليمنية والليبية والوضع في العراق والسودان وغيرها.

واضح أن هناك جهوداً بشأن ما ذكر به الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في ما يخص القضية الفلسطينية بتأكيده على "تجديد الالتزام الجماعي العربي تجاه القضية الفلسطينية، وتأكيد تقيد جميع الدول بمبادرة السلام العربية، التي أطلقها الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز عام 2002 في قمة بيروت، وتهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان مقابل السلام مع إسرائيل".

وهي تتوافق مع دعوة الجزائر لتقريب وجهات النظر بين الفصائل الفلسطينية، لكن يبدو أن هناك عقبات تتجاوز حالة الانقسام إلى جهود في الاتجاه المعاكس.

أما قضية عودة عضوية سوريا إلى الجامعة العربية، وهي من الملفات الشائكة وتشكل تحدياً للدول الأعضاء والأمانة العامة، فتنطلق من حديث الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط في مارس الماضي من واقع أنها عضو مؤسس في الجامعة العربية، لكنه اشترط تجاوب نظام الحكم في دمشق مع المواقف العربية المطروحة، وهو ما يبدو أن الرئيس السوري بشار الأسد غير مستعد لقبوله.

وفي ظل تحفظ دول أخرى من عدم التزام الحكومة السورية، قد يصعب استيعابها في القمة المقبلة، مما يجعل أمر العودة المباشرة أحد الملفات التي يمكن تأجيلها إلى حين تتم المشاورات الخاصة بشأنها.

أما قضية الصحراء الغربية، التي يدور حولها نزاع منذ عقود بين المغرب و"جبهة بوليساريو" المدعومة من الجزائر، ثم دخلت خانة الصراع والتنافس أخيراً، لم تفارق أجندات الجامعة العربية في حالات انعقادها وتأجيلها، فهي أيضاً من الملفات الحساسة والمتصاعدة.

ففي نهاية أغسطس الماضي قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب متهمة إياه بارتكاب "أعمال عدائية"، في حين رفض المغرب هذا الاتهام، ولا يتوقع أن تسفر مناقشة القضية عن حلول وشيكة مما يرجح تسكين الملف إلى حين انتهاء القمة.

وضع جيوسياسي

لا يتوقع النجاح الكامل للقمة المقبلة، لكن مجرد الانعقاد في ظل الظروف العالمية والإقليمية والداخلية لبعض الدول الأعضاء وكانت كفيلة بتأجيلها مرات أخرى، سيسلط الضوء على قضاياها.

ربما تتجاوز الجامعة هذه الملفات وتركز على "إصلاح منظومة العمل من أجل مواجهة التحديات الراهنة". ودار جدل في مؤتمرات القمة السابقة حول نوع الإصلاح المطلوب ويشمل أمرين، أحدهما تنفيذي خاص بتدوير منصب الأمين العام بين الدول الأعضاء، وآليات التصويت داخل الجامعة، والآخر خاص بأموال التسيير لنشاطات الجامعة حتى تضطلع بدور إقليمي حيوي وفاعل.

وتنبع أهمية هذين المطلبين من ضرورة تقوية الجامعة لمواجهة ما قد يفرضه الحراك الإقليمي الكثيف، الذي ربما يخلص إلى المقترح الدائر حالياً بإقامة نظام أمني شرق أوسطي، يكون بديلاً للجامعة العربية وبعض المؤسسات الإقليمية الأخرى.

ومن غير الواضح ما إذا كانت الجامعة العربية تعتقد فعلاً أن المشروع يبدو أقرب إلى التحقق في ظل تراجع مفهوم الهوية على أساس الرابطة القومية والمصير المشترك، لتتوفر لها إمكانية بناء قواعد ترتكز على هذه الهوية والقيم التي تحركها، وتنظيم ردود فعلها تجاه ما يجابهها من تهديدات قائمة أو مستجدة وفقاً لمحددات خارجية معينة، وإدراك للمتغيرات الدولية.

أخيراً، بالنظر إلى الوضع الجيوسياسي لجامعة الدول العربية والبيئة السياسية الداخلية للدول الأعضاء ونظم الحكم فيها، وقياس توجهاتها إذا كانت معرضة للاستقطاب من قبل القوى الدولية بسبب موقعها الجغرافي أو أهميتها الاقتصادية أو الجيوسياسية، وكذلك وجود مهددات خارجية لأمن ومصالح الدول الأعضاء، أو تهديد الجامعة العربية كوحدة سياسية، فلا يمكن أن تسلك اتجاهاً انعزالياً، ولن يكون في الوقت ذاته لديها سعة من الخيارات بأن تنتقي عضويتها بناءً على خلوها من المشكلات.

وعليه فإن مآلات القمة المقبلة قد تحاول البقاء بعيداً من اتخاذ مواقف ربما تفرض عليها تفاعلاً نشطاً في إطار معالجة هذه الملفات سواء أكان إيجاباً أم سلباً، وستستعيض عن ذلك بالبقاء في موضع السكون لمنع التفاعل الحاد، ففي وضع عدم الاستعداد الكامل لحل هذه القضايا ربما يتبعثر ما تبقى من قوة وتقام على أنقاضه تحالفات هشة.

المزيد من تقارير