Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تحول نواب لبنان إلى "شبيحة" فوق القانون؟

ملفات الحوادث تزخر بوقائع استخدموا فيها قوتهم المعنوية ما يرسخ شريعة الغاب وغياب سلطة الدولة

النائبة اللبنانية سينتيا زرازير أثناء اقتحامها بنك بيبلوس في إنطلياس لتحصيل جزء من وديعتها المحتجزة (رويترز)

في كل دول العالم يحظى النائب البرلماني بوضعية خاصة باعتباره الحامي الأول للقانون، لكن في لبنان يبدو الوضع معكوساً، فالنائب يأخذ مكانته بالتعدي على القانون ليصبح نجماً إعلامياً، ولم تكن حادثة "اقتحام بنك بيبلوس في إنطلياس من قبل النائبة سينتيا زرازير لتحصيل جزء من وديعتها المحتجزة"، هي الأولى من نوعها لنواب تخطوا سلطة الدولة.

في حادثة أخرى بشمال لبنان، أطلق النائب السابق عثمان علم الدين النار من سلاح حربي ابتهاجاً بزفاف مرافقه الشخصي، وبينما اختلف شكل العنف الممارس في السلوكين، لكن المشترك بينهما هو أزمة الثقة بالقانون وبالمؤسسات المكلفة إنفاذه.

أرشيف طويل

أعادت الأحداث الأخيرة إلى ذاكرة اللبنانيين، سلسلة طويلة من الوقائع التي ظهر فيها النواب بمظهر الخارجين على القانون أو من يستخدم القوة لاسترجاع "حق مفترض" حسب أعرافه من خارج المؤسسات أو الأطر الدستورية. ويزخر أرشيف الحوادث بكثير منها منذ فترة الاستقلال إلى عصر السوشيال ميديا.

ويحضر في ذاكرة اللبنانيين مداهمة نائب بيروت صائب سلام لأحد السنترالات، وما يحكى عن اتهام أحد نواب عكار سليمان العلي بالوقوف وراء مقتل النائب محمد العبود عام 1953، وصولاً إلى سلسلة أحداث خلال العقد الأخير من الزمن.

اتخذت الأحداث أخيراً أشكالاً مختلفة، ففي بعض الحالات طغى عليها طابع "الحمية على ذوي القربة"، كما حدث مع نائب عكار معين المرعبي الذي هاجم محطة الكهرباء في حلبا عام 2017، وحطم الأقفال لإعادة التيار الكهربائي إلى المنطقة، وتكرر هذا المشهد في الجنوب مع أحد نواب حركة أمل التي يرأسها نبيه بري رأس السلطة التشريعية ورئيس مجلس النواب اللبناني، في مارس (آذار) 2022 مع النائب علي خريس عندما اقتحم محطة صور الكهربائية.

كما أخذت طابع "تخبئة المطلوبين للعدالة" على غرار ما حصل في أحداث زحلة في البقاع بعد خلاف بين أنصار النائب السابق إيلي ماروني وإلياس سكاف، وأحداث قبرشمون في الجبل والصدام بين أنصار الحزب التقدمي الاشتراكي (وليد جنبلاط) والديمقراطي اللبناني (طلال إرسلان المتحالف مع وئام وهاب) خلال زيارة النائب جبران باسيل إلى الجبل، وتهريب المتهمين إلى سوريا في يوليو (تموز) 2019.

وما زالت راسخة في ذاكرة اللبنانيين حادثة إطلاق مرافق أكرم شهيب النار لتفريق المتظاهرين في ليلة انطلاق انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ومن ثم صدم سيارات النواب للمتظاهرين الذين يحيطون مجلس النواب في الفترة اللاحقة لانطلاق الانتفاضة.

وفي بعض الأحيان يأخذ التدخل طابعاً عائلياً، كما حصل مع دخول النائب السابق نواف الموسوي إلى أحد مخافر الجنوب في الدامور عام 2019 يرافقه 20 مسلحاً لمناصرة ابنته في خلاف عائلي مع زوجها، الذي أدى لاحقاً إلى استقالته من مجلس النواب. وكذلك الصدام بين النائب هادي حبيش والمدعي العام الاستئنافي في جبل لبنان غادة عون في ديسمبر (كانون الأول) 2019، بعد دخوله مكتبها لمناقشة ملف خاص بإحدى المديرات العامات (هدى سلوم) حيث تربطه بها صلة قرابة عائلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي 20 أبريل (نيسان) من العام الحالي، اتهمت مجموعة من المحامين نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي بجناية القتل القصدي، بعد محاولة دهس مجموعة من المودعين المتظاهرين أمام المجلس النيابي، وفي 29 يوليو 2022 اعتدى النائب حكمت ديب على موظفة وأشهر مسدسه.

وبين هذا وذاك تطول القائمة التي تؤكد تجاوز النواب للقانون ولحدود الحصانة التي منحهم إياها الدستور، التي خصصت من أجل تأمين الحماية لهم من الملاحقة القانونية في معرض ممارستهم لعملهم التشريعي.

وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال أو التغاضي عن بعض المظاهر التي لا تقل عنفاً عن استخدام السلاح للقتل والترويع، لناحية اعتداء النواب على الأملاك العامة البحرية والعقارات المشاعية من عكار إلى أقصى الجنوب، ناهيك بتغطية مخالفات البناء واستخدامها ورقة في الانتخابات النيابية والبلدية في ظل غياب شبه تام لمؤسسات الدولة الأمنية والقضائية، لتصل بعض المخالفات إلى إقرار تشريعات خاصة للإعفاء من الضرائب والرسوم على حساب خزينة الدولة.

للنائب قانونه الخاص

هذا غيض من فيض، الحوادث التي تضع علامات استفهام حول رسوخ القيم الديمقراطية في لبنان، وكيفية تحول النائب من رجل تشريع إلى فرد "سوبر مان" فوق القانون، وبحسب العميد السابق لكلية الإعلام، جرجس صدقة، يعود ذلك إلى عدم انتظام عمل المؤسسات واعتبار السياسي نفسه محصناً وصلاحياته فوق القضاء وفوق القانون، لذلك "يتصرف بأسلوب لا أخلاقي ولا قانوني".

يقول صدقة إن "الرأي العام في لبنان لا يلعب دوره أيضاً، وكذلك وسائل الإعلام التي تحابي السياسي ولا تسلط الضوء على تلك المخالفات، لذلك تستمر وتزداد"، ويستغرب "نجد أن الرأي العام يقف موقف المبهور من سلوكيات السياسي وفي كثير من الأحيان يصفقون له".

وبحسب العميد السابق لكلية الإعلام، "يتضح أننا أمام نموذج لا يعترف بقوة القانون، ولا المؤسسات التي تطبق القانون من خلال التدخل السياسي في القضاء، لكن هذا الأمر لا يعني التعميم لأن هناك أيضاً نواباً يقدمون عملاً نموذجياً في التشريع واحترام القانون والمؤسسات". ويعتبر صدقة أن "من الخطأ التعميم، لكن نحن أمام تقييم لتصرفات بعض السياسيين ممن يتنقلون بمواكب جرارة، ويقوم المرافقون بزجر المواطنين وشتمهم من أجل فتح الطريق أمام الزعيم"، وفي هذا تعبير عن "شعور بالفوقية لدى السياسي تجاه الناس".

يشير صدقة إلى أن النائب هو من "قادة الرأي" ويجب أن يلعب دور "القدوة" من أجل الحفاظ على المصلحة العامة واحترام القانون، لكن الواقع على خلاف ذلك، بحيث نجده يعلي سيادة المصلحة الخاصة والعشيرة على حساب بناء الدولة، منبهاً بأن خرق القانون لا يقتصر على من يمتلك حصانة دستورية، وإنما يتجاوزها إلى حزبيين، نواب ووزراء سابقين، مما يعني أن "هناك بعض من في الطبقة يتصرفون كشبيحة باعتبارهم فوق القانون والقضاء"، ولا يقتصر عملهم على الفوقية وإنما يتجاوزها إلى الاعتداء على كل ما هو ملك عام.

ويعلق العميد صدقة على حادثة النائبة سينتيا زرازير لناحية استيفاء حقها بالذات (وديعتها) من البنك، واصفاً إياها بحالة سوريالية بين مصارف تخالف القانون وتحتجز أموال الناس، ونائبة تستعمل قوتها المعنوية، مما يؤكد أننا أمام انهيار لمؤسسات الدولة وسلطاتها، مضيفاً "النائب المؤتمن على القانون يتجاوز القانون من أجل الحصول على وديعته، وهذا يصنف ضمن العنف المعنوي على غرار الأساليب الأخرى لتحصيل الحقوق، وكأننا بتنا أمام حالة بدائية في المجتمعات وسيادة شريعة الغاب".

الحرب الأهلية

تحولت مخالفة القانون إلى "تقليد" في السياسة اللبنانية، ويجزم العميد صدقة بأن تلك المخالفات كانت موجودة قبل الحرب الأهلية، لكنها تفاقمت إلى حد كبير بسببها، قائلاً "منذ 50 عاماً يسود السلوك الميليشياوي في لبنان، وتتحمل الحرب الأهلية مسؤولية كبيرة في ترسيخ هذه العادات المبنية على القوة والسلاح، وتخطي القانون وانعدام سلطة الدولة".

ويتحدث صدقة "عن تغيير في الذهنية اللبنانية، وتقبل هذه السلوكيات من قبل شريحة كبيرة من الرأي العام بسبب نشوء ثلاثة أجيال في ظل الحرب وامتداداتها، لأن هناك جيلاً نشأ وترعرع وتعايش مع صورة الزعيم الذي يمكنه تجاوز القانون". ويرى صدقة أن مبادرة الناس لأخذ الحق بالذات هو ترجمة لعدم الثقة بمؤسسات الدولة، وتقدم الوضع القبلي على دولة القانون.

وعن دور الإعلام الجديد في فضح هذه الممارسات في ظل تقاطع المصالح بين السياسة ومؤسسات الإعلام، يؤكد صدقة أنه لعب دوراً إيجابياً لناحية الكشف عن المخالفات ونشرها على وجه السرعة خارج نطاق الرقابة والمصالح، ولعبت وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات دوراً في تسليط الضوء على تلك الأفعال وجعلها موضع نقاش، وأثبتت الدراسات دوراً مهماً للإعلام البديل والإعلام الرديف في المناقشة الحرة والتفلت من القيود المهنية والمالية والسياسية.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي