بعد تصويت البرلمان العراقي على رئيس الجمهورية الجديد عبداللطيف رشيد وتكليف مرشح "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية" الموالي لإيران محمد شياع السوداني تشكيل الحكومة المقبلة، تتزايد التساؤلات بشأن ما سيلي تلك الخطوة من حراك تصعيدي سواء على مستوى التيار الصدري تحديداً، فضلاً عن بقية القوى المناوئة للنفوذ الإيراني في البلاد.
وتبدو كل السيناريوهات مفتوحة خلال المرحلة المقبلة، ففي حين يعتقد مراقبون أن الفترة المقبلة قد تشهد حراكاً احتجاجياً واسعاً، يرى طيف آخر أن وسائل التصعيد ربما لن تقتصر على التظاهرات وقد تشهد أشكالاً عدة ربما تصل إلى حدود الصدام المباشر.
صمت يثير التساؤلات
يحيط الغموض الخطوات المحتملة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي أعلن اعتزاله التدخل في الشأن السياسي مطلع شهر سبتمبر (أيلول) الماضي بعد الصدامات الدامية التي جرت نهاية شهر أغسطس (آب) 2022، بين "سرايا السلام" التابعة للتيار الصدري والميليشيات الموالية لإيران على أعتاب المنطقة الخضراء الحكومية.
وإضافة إلى اعتزال الصدر لم تبد الأجواء القيادية داخل التيار الصدري أيضاً أي تفاعل واضح مع ما جرى من تطورات سياسية، ما يجعل كل الاحتمالات واردة خلال المرحلة المقبلة.
ولعل ما يرجح تصاعد المواقف الرافضة من قبل جمهور التيار الصدري هي إعلانه المتكرر خلال الأشهر الماضية رفض تكليف السوداني في أكثر من مناسبة، خصوصاً أن الأخير ينتمي إلى كتلة "دولة القانون" التي يترأسها نوري المالكي المقرب من طهران الذي يعد أحد أبرز خصوم التيار الصدري على الساحة العراقية.
ويرجح مراقبون ألا يكتفي التصعيد المقبل بمساحة
الاحتجاج فحسب، بل سيدخل مراحل جديدة بأشكال عدة قد تصل إلى حدود الصدامات المسلحة على غرار ما جرى خلال الفترة الماضية.
دوامة جديدة من التوترات
في المقابل يعتقد مراقبون أن أي احتجاجات مقبلة أو تحركات تصعيدية من قبل التيار الصدري ربما لا تحتاج إلى توجيه مباشر من زعيم التيار مقتدى الصدر، وأن القواعد الشعبية للتيار قد تتحرك في سياق غير مباشر نتيجة ما جرى من متغيرات على الساحة السياسية أدت في النهاية إلى استقالة نواب "الكتلة الصدرية"، وتمكن الإطار التنسيقي من الوصول إلى السلطة بعد خسارته الانتخابات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويدور عديد من التساؤلات حول صمت الصدر أو سكوته عن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وما إذا كان يمثل جزءاً من اعتزاله العمل السياسي، إذ يرى رئيس مركز "كلواذا" للدراسات باسل حسين أن الاحتمالات مفتوحة وربما يمثل صمته استسلام للأمر الواقع، لكنه في المقابل قد يفاجئ الجميع بتحركات تضع العصا في عجلة تشكيل الحكومة في أية لحظة.
ويضيف حسين أن تشكيل الحكومة من دون التفاهم مع الصدر "سيجعلها في قلق مستمر وفي حال من عدم الاستقرار"، مبيناً أن هذا الأمر سيجعل الحكومة المقبلة "تدور في دوامة من التوترات المستمرة حتى وإن لم يقدم التيار الصدري على تصعيد مباشر".
بداية صراع أوسع
بالتزامن مع احتمالات أن يقود
التيار الصدري حملة تصعيدية بالضد من تكليف السوداني، ترفض قوى الانتفاضة العراقية وما يطلق عليها بالقوى "التشرينية" هذا التكليف، خصوصاً مع اتهاماتها المستمرة للميليشيات المنضوية ضمن "الإطار التنسيقي" بالمسؤولية المباشرة عن مقتل نحو800 متظاهر وعشرات الآلاف من الجرحى خلال احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) 2019، فضلاً عن الاتهامات المستمرة لتلك الميليشيات بعشرات عمليات الاغتيال التي طاولت ناشطين بارزين.
ويقول رئيس المركز العراقي الأسترالي للأبحاث أحمد الياسري، إن الأجواء السياسية في العراق ما تزال مضطربة على رغم شعور قوى "الإطار التنسيقي" بنشوة الانتصار بعد ما جرى اليوم، لافتاً إلى أن تكليف السوداني لا يمثل سوى "بداية صراع لم يحسم بعد".
ويضيف لـ"اندبندنت عربية" أن المرحلة المقبلة وخيارات "الإطار التنسيقي" فيها هي التي ستحدد ملامح تحركات التيار الصدري، وفي حال إصرار الإطار على تمرير السوداني كرئيس للوزراء "سيفتح الباب بشكل مؤكد أمام حراك احتجاجي واسع لن يكون مقتصراً على القواعد الشعبية للتيار الصدري بل سيشمل كل الأجواء الرافضة للنفوذ الإيراني".
وتبدو مساحة التصعيد غير محصورة في خيارات الاحتجاج، بحسب الياسري الذي يشير إلى أن "كل الخيارات مفتوحة أمام التيار الصدري، وهذا الأمر هو ما يزيد المرحلة المقبلة تعقيداً".
وعلى رغم حال الإحباط التي تسود أجواء الناشطين المناهضين للنفوذ الإيراني فضلاً عن قواعد التيار الصدري الشعبية، يعتقد الياسري أن "غياب التيار عن معادلة السلطة هذه المرة سيعطيه زخماً أكبر في أوساط الاحتجاجات، وربما يعيد رسم ملامح العلاقة بينهم وبين بقية أطراف الاحتجاج".
ويرى أن إعلان زعيم التيار الصدري اعتزاله العمل السياسي الذي ربما تعتبره الأجواء المقربة من طهران مكسباً يمثل في حقيقة الأمر "الخطر الأكبر الذي سيواجه قوى الإطار في المرحلة المقبلة"، مردفاً أن غياب الصدر عن المشهد يمثل تهديداً صريحاً لتلك القوى من أن أي تصعيد مقبل مهما كان شكله لن يكون خاضعاً لقيادة بالإمكان التفاوض معها أو تسليط الضغط عليها للوصول إلى تسويات".
ويلفت أن خطوة اعتزال الصدر مثلت "فعلاً سياسياً مدروساً، إذ إنها ستخلي مسؤوليته عن أي تصعيد يجري في الفترة المقبلة، وستسهم أيضاً ببناء مشتركات جديدة بين اتباع التيار الصدري وكل مناهضي النفوذ الإيراني في البلاد".
انهيار النظام السياسي
لا تبدو احتمالات التصعيد المسلح مستبعدة في الفترة المقبلة، خصوصاً مع جملة الأحداث التي حصلت خلال الفترة الماضية من عمليات اغتيال وصراعات مسلحة بين عناصر تابعة للتيار الصدري من جهة وميليشيات موالية لإيران في محافظة البصرة أو ما سبقها من أحداث في المنطقة الخضراء الحكومية.
ويرى أستاذ العلوم السياسية هيثم الهيتي أن تكليف السوداني وحسم ملف الرئاسات "لا يمكن وصفه كانتصار للإطار التنسيقي"، لافتاً إلى أنها ستمثل "مرحلة بداية الانهيار السريع ليس للإطار فحسب بل ربما للنظام السياسي بشكله الحالي".
ويرجح الهيتي أن تكون الحكومة المقبلة الأكثر الحكومات هشاشة منذ الغزو الأميركي، خصوصاً مع حجم الغضب الشعبي الكبير على حلفاء طهران سواء ما حصل في انتفاضة تشرين أو ما تلاها من إشكالات معقدة مع التيار الصدري، مبيناً أن حكومة السوداني "ستنهار فور تشكيلها ولن تكون قادرة على إنجاز أي شيء".
وتتباين السيناريوهات المتوقعة خلال المرحلة المقبلة بحسب تعبير الهيتي بين "تعميق الصراع بشكل أكبر بين التيار الصدري والإطار التنسيقي الذي قد يتحول إلى صراع مسلح، واحتمالات تفجر الأوضاع العراقية من خلال احتجاجات ربما أكبر حتى مما حصل في أكتوبر 2019".
ويعتقد الهيتي أن مساحات الصراع في المرحلة الحالية ستكون "مفتوحة وواسعة" خصوصاً مع تجاوز حلفاء طهران في العراق "كل اشتراطات التيار الصدري لحسم الأزمة"، مبيناً أن ما جرى اليوم لا يمثل نهاية الأزمة السياسية بل وصولاً إلى "مرحلة اللا عودة".
وربما تعول الأطراف الموالية لإيران على اعتزال الصدر العمل السياسي في حسم الأزمة، لكن الإشكال لا يرتبط بالصدر فحسب، كما يعبر الهيتي الذي يشير إلى "خروج الصدر عن التدخل في المساحة السياسية لا يعني سكوت جمهور التيار"، مرجحاً حصول تحركات تلقائية من قبل مؤيدي التيار الصدري للاحتجاج على سرقة نتائج الانتخابات وتحويلها إلى فوز لجهة خاسرة.
ويختم أن تشكيل الإطار التنسيقي الحكومة المقبلة يأتي في ظل قمع التيار الصدري ومن قبله احتجاجات تشرين، وهو ما يمثل "محاولة خاطئة ستؤدي إلى انفجار أكبر قد يكون الممهد الرئيس لثورة عارمة ربما أكبر مما حصل في تشرين 2019".