Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أطفال المغرب... توالي الاعتداءات الجنسية والمأساة مستمرة

شبكات منظمة تقف وراء هذه الممارسات

رئيسة جمعية "ما تقيش ولدي" نجاة انور (على اليمين) خلال ندوة خاصة بالمرأة (موقع جمعية "ما تقيش ولدي")

يثار خلال الأعوام الأخيرة العديد من قضايا الاعتداءات الجنسية على الأطفال بالمغرب، خصوصاً من طرف الأجانب الذين يأتون إلى البلد مستغلين الفقر والجهل الذي تعيشه نسبة كبيرة من تلك الفئة، حتى أصبح الأمر يُشكل ظاهرة يُنعت المغرب من خلالها بوجهة للسياحة الجنسية.

وكان آخر تلك القضايا ما أصبح يُعرف بـ "بيدوفيلات طنجة"، وصُدم الرأي العام المغربي بكشف شاب مغربي لاستغلال منظم من طرف مواطنين إسبان لأطفال مغاربة في "مركز ماري" الذي تديره إحدى الجمعيات المدنية الإسبانية المعنية بالأطفال المتشردين بمدينة طنجة، واتهم الشاب المغربي، الذي كان يقيم في تلك الجمعية، مواطناً إسبانياً يدعى فليكس راموس باستغلاله جنسياً لأكثر من ستة أعوام مقابل إيهامه بمساعدته على الهجرة والعمل في أوروبا، إضافة إلى استغلالهم من طرف مواطنات إسبانيات كذلك.

شبكة منظمة

وتقف وراء تلك الممارسات شبكات منظمة تستغل وضعية أطفال الشوارع وتوقع بهم في مجال الدعارة الشاذة، وعن حيثيات القضية قالت نجاة أنور رئيسة جمعية "ما تقيش ولدي" (لا تمس ولدي) في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، إن الجمعية قامت برفع دعوى لدى وكيل الملك عندما علمت بمعاناة شاب مغربي (يبلغ 19 سنة) تعرض لاعتداءات جنسية منذ أن كان في 13 من عمره، من طرف مواطن إسباني مشهور يملك قناة تلفزيونية بماربيا الإسبانية، وهو معتقل، وكان يوهم ضحاياه القاصرين بأنه سيشغلهم فيها مقابل استغلالهم جنسياً، وكان يصطحب أصدقاءه من المشاهير بعد أن ينظم جلسات للجنس على أطفال المركز بحسب رواية الضحية.

أضافت أنور أن الأمر لا يتعلق فقط بالرجال، فقد ثبت تورط نساء إسبانيا في استغلال هؤلاء الأطفال جنسياً، إذ كانت مسؤولة بالمركز على علاقة بأحد الأطفال القاصرين، بينما أجهضت أستاذة مرتين على إثر حملها من علاقة مع أطفال آخرين.

إن تلك الجلسات كانت تجري في فنادق فخمة، وكان المعتدون يصطحبون ضحاياهم إلى المطاعم والحانات الراقية، ما يوحي إلى أن هناك شبكة منظمة تقف وراء استغلال وضعية أطفال الشوارع، كما يؤكد ذلك تعرض الشاب للتعذيب من طرف أشخاص ملثمين من أجل إسكاته، بالتالي يجب فتح تحقيق قضائي لوضع حد لممارسات شنيعة في حق أطفال أبرياء يوجدون في وضعية صعبة.

الإطار القانوني

يقول الباحث المغربي في القانون الخاص محمد زروق في دراسته للحماية القانونية للقاصرين لدى المشرع المغربي "على الرغم من مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية الموقع بنيويورك في 25 مايو (أيار) عام 2000، والترسانة الجنائية المجرمة لكل فعل يمكن أن يكون بمثابة اعتداء أو إيذاء موجه ضد الطفل، تبقى النصوص القانونية في هذا الصدد محتشمة، لاعتبارات عدة أبرزها عدم وجود نص قانوني جنائي ينص على جريمة الاستغلال الجنسي للأطفال".

وأضاف أن المشرّع المغربي في الفرع السادس من القانون الجنائي المتعلق بانتهاك الآداب، يعاقب على أفعال هتك عرض أو محاولة هتكه المرتكب على كل طفل أو طفلة يقل عمره عن 18 سنة بعقوبة حبسية تتراوح بين سنتين وخمس سنوات طبقاً للفصل 484 من القانون الجنائي، وتتضاعف العقوبة في حالة اقتران هتك العرض بالعنف ضد الطفل الذي يقل عمره عن 18 سنة أو كان عاجزاً أو معاقاً أو معروفاً بضعف قواه العقلية، فإن الجاني يعاقب بالسجن من 10 إلى 20 سنة مثلما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 485 من القانون الجنائي.

غياب تجريم صريح

وخَلص زروق إلى أنه "على الرغم من كل هذه النصوص الجنائية الموجهة ضد كل شخص سوّلت له نفسه إيذاء طفل يقل عمره عن 18 سنة بالفعل أو القول، تبقى هذه الترسانة الجنائية عاجزة أمام اجتثاث ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال، وإن غياب نص قانوني صريح يؤطر هذه الظاهرة يجعل القضاء مقيداً في التعامل مع هذه الجريمة".

وتابع أن "المشرع المغربي أصبح ملزماً بالتدخل لوضع حد لهذه الظاهرة، كما تجدر الإشارة إلى أن العقوبات القضائية وحدها غير كافية، خصوصاً أن هذه الآفة يتداخل فيها ما هو تربوي وتوعوي ويتعلق الأمر بالأسرة والمدرسة والإعلام بالأساس بغية تكسير جدار الصمت الملتصق بهذه الجريمة من جهة، وقانوني زجري متمثل في عقوبات رادعة من جهة ثانية".

حلول... وعلى الدولة إعادة النظر في تشريعاتها

وتختلف آراء المختصين بخصوص الآليات الواجب اعتمادها من أجل الحد من تلك الظاهرة، ويَعتبر محمد رشيد الشريعي رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الانسان لـ "اندبندنت عربية"، أن آفة اغتصاب الأطفال في المغرب من خلال متابعتنا اليومية هي في تصاعد مستمر، وللأسف، فالقضاء لا يتعامل بحزم وصرامة من خلال إدانة تعطي إشارة لمرتكبي مثل هذه الجرائم أن هناك خطاً أحمر، علماً أن هذه الجرائم المرتكبة في حق الأطفال تعد من الجرائم الخطيرة على اعتبار الأثر النفسي الذي يترسخ لدى هذه الفئة العمرية الصغيرة، مما يترتب علية عقدة نفسية طيلة الحياة".

أضاف الشريعي "لقد وجب على الدولة إعادة النظر في تشريعاتها لكون هذا الجرح يوازي جريمة القتل (النفسي) للضحية، إن المغتصَب من المحتمل أن يصبح مغتصِباً أو مجرماً في المستقبل، بالتالي من الواجب إحالته إلى مراكز الاستماع والمواكبة النفسية، إضافة إلى توعية المجتمع، سواء من طرف وزارة التربية الوطنية أو وزارة الداخلية أو القضاء، وذلك عبر ندوات في كل المؤسسات من أجل تحذير الأطفال من هذه الظاهرة التي لا تنفك تتضخم".

ويرى أبو بكر حركات المختص في علم النفس والباحث في علم الاجتماع، أنه لا جدوى ترجى من تشديد العقوبات فقط، بل يجب أن تكون بالموازاة مع مواكبة نفسية وجنسية، واعتبر أن البيدوفيليا مرض لأنه يؤدي إلى سلوك قهري، ويعي الكثيرون من مغتصبي الأطفال أن ما يقومون به انحراف في السلوك ويدخل في خانة الإجرام، وأضاف أن ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال موجودة في جميع المجتمعات في العالم، لكن بنسب متفاوتة، وأن الفرق يكمن في أن بعض هذه المجتمعات تضع، بالموازاة مع الآليات القانونية، علاجات نفسية وجنسية للمعتدي، بالتالي فإنها تعالج المشكل من جذوره، في حين هناك دول، مثل المغرب، تعالج الأمر بشكل قانوني فقط، وهو أمر غير كاف.

لمحاربة هذه الظاهرة

وقالت نجاة أنور إن ظاهرة الاعتداءات الجنسية على الأطفال يجب محاربتها بشكل جذري، خصوصاً أنها أخذت مساراً آخر، وأصبح هؤلاء المجرمون يبحثون عن أطفال الشارع، لأنهم يعتبرونهم فريسة سهلة، وطالبت السلطات بالحماية الفورية لهؤلاء الأطفال، كما دعت القضاء بإصدار أقصى العقوبات في قضية الإسباني لكي يكون عبرة لكل من يفكر في استغلال القاصرين.

وعلى الرغم من العدد الهائل لقضايا الاعتداءات الجنسية على الأطفال بالمغرب، إلا أن ذلك لا يشكل الا الجزء البارز من جبل الجليد باعتبار أن غالبية الأسر تختار التستر على القضية وعدم إبلاغ السلطات الأمنية في حال الاعتداء على طفلها مخافة الفضيحة، وما زالت تلك القضايا تدخل في إطار "التابوهات" المسكوت عنها في المجتمع المغربي.

المزيد من تحقيقات ومطولات