Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التضخم يرفع أسعار السلع في مصر ولا أمل بانخفاضها

موجة غلاء تضرب الأسواق والمواطنون لا يملكون سوى الترشيد والتقشف وغياب الرقابة يفاقم الأزمة

شهدت السلع في مصر قفزة كبيرة في الأسعار (أ ف ب)

لا صوت يعلو في مصر فوق صوت التضخم وارتفاع أسعار السلع على المستويات كافة، الأساس منها وغير الضرورية كذلك، بعدما سيطر على أحاديث المصريين اليومية في جلسات المقاهي ووسائل النقل الجماعي العام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

وعلت نبرة ارتفاع أسعار السلع خلال سبتمبر (أيلول)، لتزيد حدتها في الفترة الحالية، وهو ما ترجمه الجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء إلى لغة الأرقام، بعدما أعلن ارتفاع مؤشرات التضخم خلال سبتمبر الماضي.

وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، الإثنين الماضي، ارتفاع التضخم لأسعار المستهلكين إلى 15 في المئة خلال سبتمبر الماضي، في مقابل نحو 14.6 في المئة خلال أغسطس (آب)، مسجلاً أعلى معدل للتضخم السنوي لأسعار المستهلكين في مدن مصر منذ نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2018، عندما سجل التضخم مستوى 15.7 في المئة.

وأرجع جهاز الإحصاء هذه الزيادة إلى ارتفاع أسعار مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 1.8 في المئة، وارتفاع مجموعة الألبان والجبن والبيض 4.4 في المئة، إضافة إلى ارتفاع مجموعة الخضراوات 6.2 في المئة، ومجموعة الدخان 3.5 في المئة، والسلع والخدمات المستخدمة في صيانة المنزل 3.7 في المئة.

معاناة يومية

ارتفاع أسعار السلع بشكل مخيف بشكل يومي، خصوصاً السلع الأساس منها، دفع "اندبندنت عربية" إلى محاولة تقصي الحقيقة بين المواطنين والتجار والمتخصصين والبائعين للوقوف على الأسباب الحقيقية، والبداية كانت مع "م. س"، مدرس بإحدى المدارس الحكومية الذي قال إن "الأسعار في مصر ترتفع بشكل يومي تقريباً، والأمر لا يتوقف على سلع محددة بعينها، بل إن موجة الارتفاع طالت كل شيء"، موضحاً أن "ما ينفقه على شراء المأكل والمشرب لأسرته المكونة من ثمانية أفراد ارتفع بمقدار يفوق الـ 50 في المئة منذ شهرين تقريباً"، لافتاً إلى أن "الأسعار زادت وتيرة ارتفاعها مع بداية العام الدراسي الجديد، وصاحبتها قفزة في أسعار العيش الفينو والألبان والبيض، بخلاف الأدوات المدرسية".

وأمام إحدى أسواق الجملة العشوائية بإحدى المناطق الشعبية بمحافظة الجيزة المجاورة للعاصمة، وقفت أسماء السيد، ربة منزل في العقد الرابع من عمرها، أمام بائع الخضراوات في مفاوضات يائسة لخفض بعض الأسعار، وبدا على ملامح وجهها فشل المفاوضات في اللحظة التي بدأت حديثها قائلة "أسعار الطماطم ارتفعت من أمس إلى اليوم بمقدار جنيه (0.05 دولار أميركي) من دون مبرر"، مضيفة "أمس كان كيلو الطماطم بسبعة جنيهات (0.35 دولار) وارتفع اليوم إلى ثمانية جنيهات (0.40 دولار) من دون سبب".

وتؤكد أسماء أن "ارتفاع الأسعار بشكل يومي أصبح أمراً مألوفاً لنا، بل إنني أتسوق بعض أصناف الفاكهة والخضراوات في الصباح بأسعار، وفي المساء بأسعار أخرى أغلى"، قائلة "لا توجد رقابة على التجار والبائعين، ونحن المواطنون أمام الأمر الواقع، فلا يمكن أن نتراجع عن شراء الحاجات الأساس مهما ارتفع سعرها، وما نستطيع تنفيذه هو تقليل الكميات".

وأمام فرن لبيع العيش الفينو (مخبز) يقف محمد إسماعيل الذي تخطى العقد الثاني من عمره ويعمل ترزياً، ممسكاً بأوراق نقدية فئة الـ 50 جنيهاً (2.54 دولار) لشراء عدد غير قليل من أرغفة الفينو، إذ تستخدمهم زوجته في إعداد السندويتشات لأبنائه الخمسة في مراحل التعليم المختلفة.

يبدأ محمد حديثه، "لدي خمسة من الأبناء في المراحل الدراسية المختلفة، ومع بدء العام الدراسي أشتري الفينو والبيض والجبن والألبان لإعداد طعام الإفطار أو السندويتشات لأبنائه".

ويضيف أنه وقف أمام البائع لشراء المعدل اليومي للأرغفة إلا أنه تفاجأ بارتفاع سعر الرغيف الواحد من جنيه إلى 1.5 جنيه (0.07 دولار) من دون سبب يذكر، "وانتقلت إلى محل آخر لشراء البيض واللبن والجبن وهنا كان الأمر أسوأ، إذ إن سعر البيضة ارتفع إلى ثلاثة جنيهات (0.15 دولار) وكيلو اللبن ارتفع بنحو جنيه للكيلو، كما ارتفعت أسعار الجبن بمقدار مماثل". وتابع، "كنت أنفق على وجبة إفطار الأبناء المدرسية 50 جنيهاً ولم يعد يكفي هذا المبلغ، وأصبحت أدفع 100 جنيه (5.08 دولار) لعدد السندويتشات نفسه من دون تغير يذكر أو إضافات أخرى".

ماذا يقول التجار؟

ومن المواطنين إلى التجار والبائعين انتقلت "اندبندنت عربية" لمزيد من التقصي، فقال صاحب أحد الأفران (مخابز) العيش الفينو، لم يرغب في ذكر اسمه، "إن سعر رغيف الفينو قفز الخميس الماضي من جنيه إلى 1.5 جنيه بسبب ارتفاع أسعار الدقيق بمقدار 2000 جنيه (101 دولار) للطن الواحد"، متسائلاً "هل يمكن البيع بأقل من سعر الكلفة ثم أجني خسائر؟".

وفي الجهة المقابلة يقف طارق سعفان وهو صاحب محل لبيع الألبان، لتغيير لافتة أسعار البيض من 2.5 جنيه (0.12 دولار) للبيضة الواحدة إلى 3ثلاثة جنيهات (0.15 دولار)، ويقول "إنني أفعل ذلك مضطراً. البيض في مصر أصبح بورصة يومية وفي كل لحظة السعر يتغير، وننتظر تاجر الجملة يومياً بقائمة أسعار جديدة على خلاف العام الماضي عندما كانت الأسعار تتغير مرة أو مرتين على الأكثر خلال العام الواحد".

في المقابل، قال رئيس شعبة الخضراوات والفاكهة باتحاد الغرف التجارية حاتم النجيب إن "أسعار الخضراوات والفاكهة في أسواق الجملة المنظمة ثابتة لا تتغير كما يحدث عند بائعي التجزئة أو البائعين بالمناطق الشعبية"، موضحاً أن "أسعار الطماطم سجلت اليوم ستة جنيهات (0.30 دولار) للكيلو الواحد، والخيار ثمانية جنيهات (0.40 دولار)، بينما هناك بعض الأسعار المرتفعة بالفعل نتيجة انتهاء موسم بعض الأصناف، مثل البامية التي سجلت في أسواق الجملة 25 جنيهاً (1.27 دولار)، وكذلك المانجو التي تتراوح أسعارها بين 20 جنيهاً (1.01 دولار) و40 جنيهاً (دولارين)".

الحلقات الوسيطة وغياب الرقابة

وأرجع رئيس شعبة الخضراوات والفاكهة باتحاد الغرف التجارية اختلاف الأسعار في بعض المناطق وارتفاعها في مناطق أخرى إلى تعدد الحلقات الوسيطة بداية من المزارعين في الحقول ومروراً بالتاجر ثم تاجر الجملة ثم التجزئة، حتى تصل إلى المستهلك النهائي قائلاً، "كلما زادت الحلقات الوسطية زاد هذا الفارق إلى جانب أسواق الجملة غير المنظمة التي انتشرت في القاهرة الكبرى وتضم محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، ووصل عددها إلى أكثر من 100 سوق"، مؤكداً أن "خطورة تلك الأسواق تكمن في التسعير العشوائي للسلع والمنتجات، ويجب على الحكومة والجهات الرقابية ضم تلك الأسواق إلى الأسواق المنتظمة المعترف بها التي لا تسمح بالتسعير العشوائي للسلع غير المبرر".

من جهة أخرى، قال رئيس شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية حازم المنوفي إن "هناك ارتفاعاً في أسعار يمكن تبريرها، وأخرى لا يمكن تبريرها"، موضحاً أن "ارتفاع أسعار البيض بأسعار تتراوح بين 2.5 جنيه وحتى ثلاثة جنيهات يمكن تبريره بارتفاع أسعار العلف عالمياً بعدما تضاعفت الأسعار في غضون ستة أشهر وحسب".

وتابع، "ارتفاع سعر كيلو السكر أخيراً من 11 جنيهاً (0.55 دولار) الشهر الماضي إلى 17 و18 جنيهاً (0.91 دولار) حالياً لا يمكن تبريره على الإطلاق، إذ إن مصر لديها اكتفاء ذاتي من السكر بنسبة تصل إلى 90 في المئة"، مشيراً إلى أن "ارتفاع أسعار السكر منذ أسبوعين أو ثلاثة إلى 13 جنيهاً (0.66 دولار) كان يمكن تبريرها بسبب تكالب مصانع الحلوى على السكر، وبسبب تصنيع حلاوة المولد النبوي"، مستدركاً "لكن بعد انتهاء الاحتفالات ليس هناك مبرر لاستمرار ارتفاع الأسعار حتى الآن".

ولفت رئيس شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية إلى أنه "منذ بداية الشهر الحالي ارتفعت أسعار الجبنة البيضاء المعبأة 10 في المئة، وبالمقدار نفسه زادت أسعار الشاي، كما ارتفع طن الدقيق من 9800 جنيه (497.84 دولار) إلى 12500 جنيه (635 دولار) بداية من أكتوبر (تشرين الأول)".

وحول تراجع أسعار القمح عالمياً، قال "بالفعل أسعار القمح تراجعت عالمياً لكن في الوقت نفسه ارتفعت كلفة النقل والشحن من خارج البلاد حتى تصل إلى المستهلك النهائي، وهذا يفسر سبب ارتفاع الدقيق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن السكر والدقيق إلى الرز الذي حققت فيه القاهرة اكتفاء ذاتياً أيضاً وتخطى حدود الـ 90 في المئة، ففي أحد محال البقالة (متجر لبيع سلع أساسية) يبدأ سعر الرز السائب من 12 جنيهاً (0.60 دولار) للكيلو المنخفض الجودة، أو ما يطلق عليه الرز "الكسر"، وحتى 18 جنيهاً (0.91 دولار) للصنف الأعلى جودة، أما الرز المعبأ في أكياس فيبدأ من 15 جنيهاً (0.76 دولار) للكيلو، ويصل إلى 20 جنيهاً (1.01 دولار) للأنواع الفاخرة المعبأة. أما في المنافذ التابعة للحكومة فسجل سعر الرز المعبأ نحو 15.5 جنيه للكيلو ليصل إلى 18 جنيهاً.

وحول ارتفاع أسعار البيض والدواجن على رغم وصول القاهرة إلى الاكتفاء الذاتي من الدواجن وبيض المائدة، قال رئيس شعبة الثروة الداجنة بغرفة القاهرة التجارية عبدالعزيز السيد "إن الثروة الداجنة تعاني خلال الفترة الحالية نقصاً حاداً في أحد أبرز مستلزمات الإنتاج، إذ تمثل الأعلاف 80 في المئة من مستلزمات الإنتاج، وهي تستورد من خارج البلاد"، موضحاً أن "لدينا بالفعل اكتفاء ذاتياً إذ ننتج أكثر من 14 مليار بيضة، و1.4 مليار طائر سنوياً، والأزمة هي نقص الأعلاف".

وأشار عبدالعزيز إلى أن "هناك بضائع ومستلزمات إنتاج وأعلاف بمليارات الدولارات محتجزة في الموانئ المصرية تنتظر الإفراج الجمركي بعد توفير الدولار"، مؤكداً أن "طن الأعلاف ارتفع عالمياً من 7 آلاف جنيه (355.6 دولار) مطلع العام الحالي إلى 14 ألف جنيه (711 دولاراً) حالياً، والأسعار زادت بنسبة 100 في المئة، وإنتاج طبق بيض يحوي 30 بيضة يستهلك تقريباً خمسة كيلوغرامات من العلف".

وتابع رئيس شعبة الثروة الداجنة بغرفة القاهرة التجارية أن "سعر كرتونة البيض تخرج حالياً من المزارع بنحو 70 جنيهاً (3.55 دولار) كسعر بيع الجملة، ومن المفترض أن تصل إلى 75 جنيهاً (3.81 دولار) إلى المستهلك النهائي، لكن نظراً لكثرة الحلقات الوسيطة وجشع بعض التجار تصل الكرتونة إلى 80 جنيهاً (4 دولارات)، وفي بعض الأماكن وصلت إلى 90 جنيهاً (4.57 دولارات)، وهو يعني أن سعر البيضة وصل إلى ثلاثة جنيهات"، محذراً من أن "استمرار أزمة البضائع العالقة في الموانئ المصرية قد يرفع سعر البيضة الواحدة إلى خمسة جنيهات (0.25 دولار)".

اكتفاء ذاتي ولكن!

وقال وزير التموين المصري على المصيلحي السبت الماضي إن "مصر لديها احتياط ستة أشهر من السكر"، مشيراً إلى أن "الإنتاج الجديد من سكر القصب سيبدأ في يناير (كانون الثاني) 2023، والبنجر سيبدأ في فبراير (شباط) 2023، وهو ما يعني أن مصر لديها احتياط يغطي حتى العام المقبل، ويغطي حتى الجزء الخاص ببداية الإنتاج"، مضيفاً في تصريحات نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، أن "مصر تنتج 90 في المئة من حاجاتها من السكر، وكل ما جرى استيراده نحو 400 ألف طن فقط، مشيراً إلى أنه "باستكمال مصنع القناة الموجود غرب المنيا والذي ستكون طاقته 600 ألف طن، فسنتمكن حينها من تصدير السكر".

وحول الاحتياط من الرز قال الوزير المصري "إننا نمتلك 3 أشهر من الاحتياط القديم"، لافتاً إلى أن "موسم حصاد الرز بدأ وأن المساحة المزروعة تصل إلى 1.4 مليون فدان وتنتج ما بين 5.5 إلى 6 ملايين طن شعير، ونستهدف 1.5 مليون طن شعير طوال العام حتى يكون لدينا احتياط في وزارة التموين"، مؤكداً أن "مصر لديها اكتفاء ذاتي من الرز".

اقرأ المزيد