Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تخرج الأزمة الاقتصادية في بريطانيا عن السيطرة؟

الاسترليني يتأرجح بتصريحات متناقضة من البنك المركزي والحكومة غير قادرة على استعادة ثقة السوق

عاد الاسترليني لمنحى الهبوط بعد أن شهد بعض الاستقرار إثر إعلان البنك نهاية الشهر الماضي التدخل بشراء سندات الدين السيادي (رويترز)

ارتفع سعر صرف العملة البريطانية، الجنيه الاسترليني، في تعاملات صباح الأربعاء إثر تقرير نشرته صحيفة "الفاينانشيال تايمز" نفت فيه قول بعض المصرفيين أن محافظ بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) أبلغهم بشكل غير رسمي أن البنك يمكن أن يمدد برنامج شراء السندات الموقت بعد نهاية مدته يوم الجمعة.

وكانت تصريحات محافظ البنك أدندرو بايلي الثلاثاء من واشنطن، حيث يشارك في مؤتمر مالي، أدت إلى هبوط الاسترليني إلى ما دون 1.1 دولار للجنيه، قبل أن يعاود الارتفاع فوق هذا المستوى في ساعات الصباح الأولى الأربعاء.

ومنذ بداية الأسبوع، عاد الاسترليني لمنحى الهبوط بعد أن كان سعره شهد بعض الاستقرار إثر إعلان البنك نهاية الشهر الماضي التدخل بشراء سندات الدين السيادي لوقف الانهيار في سوق السندات ولحماية صناديق معاشات التقاعد من الإفلاس.

وكذلك تراجع حكومة ليز تراس عن بند خفض الضرائب على الأغنياء في بريطانيا الذي تضمنته الميزانية التكميلية التي أعلنها وزير الخزانة كوازي كوارتنغ الشهر الماضي وأدت إلى رد فعل عنيف من الأسواق ببيع المستثمرين الكثيف للاسترليني ولسندات الدين البريطانية.

لكن منذ بداية الأسبوع، عاد الاضطراب للأسواق حتى بعدما أعلن بنك إنجلترا عن زيادة حجم مشترياته من السندات، وشهد العائد على سندات الدين السيادي قصيرة الأجل ارتفاعاً غير مسبوق ما جعل البنك يعلن عن شمولها في برنامج شراء السندات الموقت. وكان البرنامج محدد المدة والحجم يستهدف شراء السندات طويلة الأجل فحسب.

رسائل متضاربة

وحين أكد أندرو بايلي الثلاثاء أن برنامج شراء السندات سينتهي الجمعة كما هو محدد، محذرا صناديق معاشات التقاعد "رسالتي (لصناديق التقاعد) أن أمامكم ثلاثة أيام قبل نهاية البرنامج"، أصيبت الأسواق بالذعر. وبدأت موجة بيع هائلة لسندات الدين البريطاني هوت بالأسعار وارتفاع العائد عليها إلى مستويات غير مسبوقة.

وقدرت الأسواق أن تصريح محافظ البنك المركزي يعني أنه سيبدأ عملية بيع ما على كشوف حساباته من سندات الدين، وهو الإجراء الذي أجله البنك بعد إعلان الميزانية التكميلية خشية انهيار الأسواق. بالتالي ينتظر أن يبدأ البنك التخلص مما لديه من سندات بنهاية هذا الشهر، أي يتحول من مشترٍ إلى بائع، بعدما أجل تحوله إلى بائع بعد بيانات الحكومة التي أثارت الاضطراب الشهر الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ظل تلك البيانات المتضاربة من بنك إنجلترا، يشعر المستثمرون أن البنك المركزي فقد السيطرة بالفعل على الأمور ولم يعد قادراً على اتخاذ إجراء يمكن أن يعيد الثقة للأسواق. فالوضع الاقتصادي في بريطانيا، مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم يحتم على البنك الاستمرار في سياسة التشديد النقدي وبقوة، أي رفع سعر الفائدة وسحب السيولة من السوق عبر بيع السندات وليس شرائها. وكان برنامج التيسير الكمي خلال أزمة وباء كورونا وما قبلها جعل بنك إنجلترا أكبر حائز لسندات الدين الحكومي البريطاني.

في مقابلة مع شبكة "سي أن بي سي" الأميركية يقول ستيوارت كول من شركة "إكويتي كابيتال" إن البيانات والتصريحات المتتالية من بنك إنجلترا تشير إلى أنه "فقد السيطرة" على سوق السندات. بينما يصر مسؤولو البنك المركزي على أن التدخل في السوق هذه المرة بشراء ما يقارب 70 مليار دولار (65 مليار جنيه استرليني) من سندات الدين ليس برنامج تيسير كمي وإنما حماية لصناديق معاشات التقاعد بتوفير مشتر لهم إذا أرادوا البيع في وقت يبيع الجميع ولا يوجد مشترون لسندات الدين السيادي البريطاني.

ولن يتخذ البنك قراراً حاسماً قبل اجتماع لجنة السياسات النقدية في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وفي حال استمرار تلك البيانات المتضاربة، وعدم قدرة الحكومة على استعادة ثقة السوق في بياناتها المالية على رغم تراجعها عن قرار خفض الضرائب وتمويل الخفض بزيادة الاقتراض، يتوقع المحللون أن يستمر سوق السندات في التراجع مع ارتفاع العائد على سندات الدين البريطاني وانهيار قيمتها.

الثقة المفقودة

لا يقتصر التضارب على بيانات وتصريحات البنك المركزي، بل إن الحكومة البريطانية أيضاً تبدو غير قادرة على استعادة الثقة في الاقتصاد البريطاني. وهي ثقة تحتاجها هذه الحكومة بشدة لاعتمادها في إصدار سندات دين لتمويل الاقتراض الهائل على المستثمرين الأجانب.

وعلى رغم الأنباء التي ذكرت أن رئيسة الحكومة ليز تراس طلبت مراجعة لكل التخفيضات الضريبية في الميزانية التكميلية، وليس فقط ضريبة الدخل على الأغنياء، إلا أن أحداً في السوق لا يعبر ذلك مجدياً. حتى إعلان وزير الخزانة كوازي كوارتنغ تقديم الإعلان عن خطته المالية لتمويل العجز إلى يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي بدلاً من الشهر المقبل لم تترك انطباعاً إيجابياً في السوق.

وفي كل الأحوال، حتى لو تراجعت الحكومة عن كل ما أعلن في الميزانية التكميلية فإنها ستكون مضطرة لتدبير ما يزيد على 60 مليار دولار (60 مليار جنيه استرليني) من التخفيضات في الانفاق في وقت تتعرض كل وزاراتها وإداراتها لضغوط ميزانية هائلة.

وبحسب ما قاله محلل الشؤون الاقتصادية في شبكة "سكاي نيوز" البريطانية إد كونواي فإن من الواضح أن ثقة العالم في قدرة الحكومة البريطانية على وقف التدهور في الاقتصاد، التي فقدت الشهر الماضي، لن تكون استعادتها أمراً ممكناً في المدى القريب.

بالتالي، ينتظر أن تظل الأسواق في اضطراب، بخاصة سوق السندات وأيضاً سعر صرف الاسترليني على الأقل في ما تبقى من هذا الشهر وحتى اجتماع البنك المركزي الشهر المقبل. وحتى حينئذ، لا تثق الأسواق في أن أي إجراء موقت يتخذه البنك أو الحكومة بشأن السياسة النقدية والمالية سيستمر ولا يتم تغييره إلى نقيضه بعد أيام.

انكماش الاقتصاد

ومما زاد من التشاؤم بشأن توقعات أداء الاقتصاد البريطاني بشكل عام وثقة العالم فيه، ما جاء في إعلان مكتب الإحصاء الوطني البريطاني الأربعاء بشأن النشاط الاقتصادي في أغسطس (آب). إذ أعلن المكتب أن الناتج المحلي الإجمالي انكمش في الشهر قبل الماضي بنسبة 0.3- في المئة. كما تمت مراجعة بيانات شهر يوليو (تموز) بالخفض من نمو بنسبة 0.2 في المئة إلى نسبة 0.1 في المئة.

ويتوقع في ضوء أداء الاقتصاد في الأشهر الأخيرة أن يشهد الشهر الماضي انكماشاً أكبر مرجحاً احتمالات الركود الاقتصادي بقوة. لكن وزير الأعمال في حكومة ليز تراس جاكوب ريس-موغ انتقد أرقام مكتب الإحصاء الوطني وقال في مقابلة مع "سكاي نيوز" إن تلك الأرقام "تقديرية وتتم مراجعتها في ما بعد".

ويعد ريس-موغ الشخصية الأقوى المتبقية من فريق بريكست من حزب المحافظين في حكومة ليز تراس بعد ابتعاد بوريس جونسون ومايكل غوف ودومينيك راب وساجد جافيد وريشي سوناك عن المناصب القيادية.

ومن غير المرجح أن يقنع دفاعه السوق ولا المستثمرين الأجانب بقدرة الحكومة على التصدي للتحديات الاقتصادية، إذ إن أرقام انكماش النشاط الاقتصادي تكمل الصورة القاتمة التي تتحيل لها الأسواق بسبب السياسات النقدية والمالية المتضاربة.