Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل سرقت أميركا الطائرة الروسية "الحلم"؟

يرى كثيرون أن الطائرة السوفياتية "بوران" هي التي ألهمت مشروع مكوك الفضاء الأميركي ولاحقاً طائرة "دريم تشيسر" وغيرهما من خطط الطائرات المدارية القابلة لإعادة الاستخدام

طائرة "دريم" تشيسرستستخدم لنقل مجموعة من التجارب العلمية إلى محطة الفضاء الدولية (ناسا)

وقّعت الأسبوع الماضي مجموعة "سييرا سبيس" التابعة لشركة "سييرا نيفادا" الأميركية على اتفاقية مع وزارة الدفاع الأميركية تسمح لها باستخدام طائرة الفضاء الرائدة "دريم تشيسر" Dream Chaser إلى جانب العديد من المركبات الدفاعية.

تلبي إمكانية النقل هذه حاجة وزارة الدفاع إلى الخدمة السريعة لأغراض عسكرية وإنسانية. وإلى جانب عمل الشركة مع وكالة ناسا، تتعاون أيضاً مع الأمم المتحدة لإطلاق بعثة فضائية لإعطاء البلدان النامية فرصة لإجراء تجارب في الفضاء.

وقال مسؤولو الفضاء في "سييرا سبيس" في بيان صدر الشهر الماضي إن المراحل الأولى من اتفاقية البحث والتطوير التعاوني "توفر قدرات فريدة لتسلم البضائع والأفراد على مستوى العالم بشكل دقيق ومُجدٍ اقتصادياً وزمنياً... سيتعاون الطرفان في استكشاف النقل الفضائي كوسيلة جديدة للتوصيل الأرضي للمواد والأفراد بين نقطتين، كبديل ومكمل للأساليب الجوية والبرية والسطحية التقليدية... لسلاسل التوريد العالمية".

في عام 2024، ستستخدم طائرات "دريم تشيسر" في مهمات شحن لنقل مجموعة متنوعة من التجارب العلمية تصل حمولتها إلى وزن 5.5 طن إلى محطة الفضاء الدولية لصالح شركة "يوري" الألمانية المختصة بالتكنولوجيا الحيوية الفضائية، بحسب ما أعلنت "سييرا سبيس".

سترسل الشركة على الأقل ست رحلات شحن من دون بشر إلى محطة الفضاء الدولية بهذه الطائرات الفائقة، التي ستنطلق جميعها على متن صواريخ "فولكينو" من محطة "كيب كانافيرال" في فلوريدا.

تستقبل محطة الفضاء الدولية حالياً الشحنات بواسطة شركتي "نورثروب غرومان" و"سبيس إكس" التي صممت كبسولة خاصة تسمى "سبيس إكس دراغون" تقوم بإعادة الشحنات إلى الأرض، وستكون "دريم تشيسر" البديل لها.

في ربيع هذه السنة، قالت "سييرا سبيس" إنها كانت تحرز تقدماً جيداً في تصنيع أول طائرة فضائية من طراز "دريم تشيسر" وتتطلع إلى إنتاج إصدارات أخرى من المركبة يمكنها حمل أطقم بشرية وأداء مهام تخدم الأمن القومي للبلاد يمكن إطلاقها بحلول عام 2026.

في ذلك الوقت قال توم فايس، الرئيس التنفيذي لشركة "سييرا سبيس" إن الشركة ستمول العمل على النسخة المأهولة، ولكن على أمل أن تدعمه ناسا لمهام نقل طاقم محطة الفضاء الدولية في المستقبل. مضيفاً: "نعتقد أن لدينا فرصة جيدة حقاً بدعم ناسا للمشروع... دعمت ناسا المراحل السابقة من تطوير "دريم تشيسر" من خلال اتفاقيات قانون الفضاء بموجب برنامج تمويل تطوير الطواقم التجارية الخاص بها، لكنها لم تختر المركبة [دريم تشيسر] عندما منحت عقودها في عام 2014 إلى شركتي بوينغ وسبيس إيكس لاستكمال تطوير واختبار المركبات المأهولة".

وتابع فايس أن الشركة ترى اهتماماً بالرحلات المأهولة خارج نطاق وكالة ناسا، قائلاً: "نحن متحمسون جداً لمدى سرعة اتجاه قطاع السياحية ليتناسب مع "دريم تشيسر"... ستنقل هذه الرحلات الناس إلى محطات فضائية تجارية مثل محطة أوربيتال ريف، وهو مشروع تقوده شركة بلو أوريجين بالشراكة مع سييرا سبيس".

ناقشت الشركة أيضاً إنشاء نسخة من طائراتها الفريدة لاستخدامها في مهام الأمن القومي، لكنها قدمت تفاصيل قليلة حول كيفية اختلافها عن الإصدارين المخصصين للشحن أو نقل الطواقم. هناك تكهنات بأنها ستتمتع بقدرات مماثلة للطائرة الفضائية بوينغ X-37B  التابعة لقوة الفضاء الأميركية، والتي تحاط مهماتها بالسرية إلى حد كبير.

حلم سوفياتي ومركبات على الورق

في المقابل، كانت روسيا تعمل منذ سنوات على صناعة طائرة مماثلة تحمل اسم "بوران" (يعني بالعربية عاصفة الثلج)، وهي مركبة مدارية قابلة لإعادة الاستخدام، تعد المكافئ الروسي/ السوفياتي لمكوك الفضاء الأميركي من حيث التصميم والوظيفة.

بدأ هذا المشروع في المعهد المركزي لـ الهيدروأيرو ديناميكا في موسكو عام 1974، وجرى تعليقه رسمياً في عام 1993 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

في عام 1988 نجحت المركبة في إتمام رحلة غير مأهولة باستخدام صاروخ إنيرجا، وكانت المركبة الفضائية السوفياتية الوحيدة القابلة لإعادة الاستخدام التي أُطلقت إلى الفضاء.

 لكن في أحد أيام شهر مايو (أيار) قبل عشرين عاماً، انهار سقف أحد العنابر الضخمة في كازاخستان فوق الطائرة الفضائية الروسية الوحيدة التي تمتلك الهيكلية والميكانيكية اللتين تسمحان لها بالانطلاق في رحلة آمنة إلى الفضاء الخارجي.

غامرت المركبة "بوران" في السفر إلى الفضاء الخارجي في رحلة مأهولة مرة واحدة قبل تحطمها في عنبرها، حاصدة معها أرواح ثمانية عمال، بسبب سوء الصيانة وهطول غزير للأمطار.

يرى كثيرون أن الطائرة "بوران" هي التي حفزت مشروع مكوك الفضاء الأميركي الذي لم يتمكن من تحقيق هدفه إلا في عام 1979 في رحلة غير مأهولة انطلقت من مركز كيندي للفضاء. 

 

مشروع بريطاني

في 1982، استثمرت الحكومة البريطانية بدورها في فكرة إطلاق مركبة مدارية في رحلة غير مأهولة، على أمل إعطاء دفعة لبرنامج الفضاء البريطاني الذي كان يتقلص حينها. اختير نوع جديد من المحركات الهجينة لتشغيل المركبة الفضائية البريطانية، يحصل على الطاقة بالاستفادة من الهواء، وكان من المخطط أن تنطلق الطائرة في إقلاع أفقي من مدرج عادي ثم تتزايد سرعتها حتى تندفع إلى الفضاء بعد وصولها إلى علو مرتفع.

امتلكت المركبة "هوتول" ميزات عدة، إذ تتطلب المكوكات الفضائية انطلاقاً عمودياً محمولة على ظهر صواريخ معززة قادرة على استخدام خزانات الوقود الضخمة مرة واحدة فقط، بينما لا تحتاج هوتول سوى إلى مزلقة تعمل بالطاقة الصاروخية ومدرج أفقي عادي، بالتالي تكون تكلفة عملية الإطلاق أقل بكثير. إمكانية الوصول إلى الفضاء بواسطة طائرة مدارية، تخرج من قاعدتها على الأرض وتعود إليها وتهبط على مدرج ستحدث فرقاً هائلاً في الإنجازات التي يمكن تحقيقها في مجال الفضاء. في نهاية المطاف، لم يكتمل مشروع هوتول وتم التخلي عنه في عام 1989 بسبب عدم التعاون بين الحكومة البريطانية والشركاء التجاريين. كانت هناك محاولة بريطانية أخرى مع هوتول 2 الأقل تكلفة والتي تستعمل الهيدروجين السائل وقوداً لها في عام 1991 لكنها قوبلت كذلك بالرفض.  

كانت هناك أيضاً الطائرة "فينتشرستار"، وهي مشروع لشركة لوكهيد مارتن الأميركية التي تعد أكبر شركة للصناعات العسكرية في العالم من حيث الدخل، والتي كانت تسعى في جعل مركبتها هذه تأخذ مكان مكوك الفضاء الأميركي بقدرتها على إطلاق الأقمار الاصطناعية بتكلفة ضئيلة بالمقارنة، لكن المشروع ألغي بسبب مخاوف متعلقة بالتكلفة وبعض المشكلات التقنية في عام 2001.

في بداية هذه السنة أعلنت الصين أنها تطور طائرة فضاء فائقة السرعة ستطير إلى وجهتها عن طريق إطلاق صاروخ من الأرض بسرعة تزيد على 2600 ميل في الساعة تحمل اسم "تيانشينغ". وقالت الشركة المصنعة، سبيس ترانسبورتيشن إنها تسعى إلى اقتحام سوق السياحة الفضائية بحلول عام 2025.

كما تشمل خطط منظمة بحوث الفضاء الهندية المستقبلية تطوير طائرات قابلة لإعادة الاستخدام، وإطلاق رحلات فضائية بشرية، ومحطة فضائية، ومسابير فضائية بين كوكبية، ومهمة مركبة فضاء شمسية، وكلها مشاريع ما زالت على الورق.

منافسة تجارية

هناك الآن الكثير من الشركات الخاصة التي تسعى إلى جعل هذه الأحلام حقيقة واقعة وباتت قريبة جداً من هدفها. من بين الشركات المتنافسة: سبيس إكس وبلو أوريجين الأميركيتان، فيرجن أتلانتيك وبريستول سبيسبلانز البريطانيتان.

بدورها تؤمن شركة Aero2astro بأنها ستجعل الهند تتجاوز الحدود في مجال الفضاء تتجاوز، وتصبح أول مؤسسة هندية خاصة تصمم وتطور مركبة فضائية مدارية وتمتلك منصة إطلاق صاروخية خاصة بها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

امرأة وراء الطائرة الحلم

يشار إلى أن امرأة تدعى إيرين أوزمان، هي التي تقود الجهود وراء مركبة الفضاء الأميركية التي تقدر تكلفة إطلاقها بـ 250 مليون دولار أميركي.

علاوة على مشاركة سيدة الأعمال الأميركية من أصل تركي في ملكية شركة سييرا نيفادا، تشغل أوزمن منصب رئيس الشركة.

لطالما كانت أوزمن شخصية دؤوبة تعمل بجد واجتهاد وتسعى لإحداث تغيير مؤثر وجعل العالم مكاناً أفضل.

تقول إنها عندما كانت فتاة شابة خلال نشأتها في تركيا، كانت تعمل في أحد المصارف في النهار، وتدرس في المساء، بينما كانت تحلم بالمجيء إلى الولايات المتحدة.

في بداية ثمانينيات القرن المنصرم، غادرت أوزمن وطنها، وهي بالكاد تعرف اللغة الإنجليزية، وجاءت إلى الولايات المتحدة لمواصلة دراستها، فحصلت على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة نيفادا.

انتقلت ملكية شركة سييرا نيفادا عام 1994 إلى أوزمن وزوجها فاتح، فحولاها إلى شركة عالمية رائدة في مجال الفضاء والطيران والإلكترونيات. وتحت قيادة أوزمن وزوجها، نمت شركة سييرا نيفادا من شركة توظف عشرين شخصاً إلى مؤسسة عالمية برأس مال تبلغ قيمته 4.5 مليار دولار، لها 33 فرعاً في ألمانيا وتركيا و19 ولاية أميركية، ويشتغل بها أكثر من 5 آلاف شخص من بينهم مهندسون وخبراء أمنيون ومبرمجون وقادة عسكريون سابقون، وراحت تصنف من بين الشركات الأكثر ابتكاراً في مجال الفضاء، بينما وصلت أوزمن عام 2017 إلى قائمة مجلة "فوربس" لأغنى النساء العصاميات في أميركا، إلى جانب سيدات أعمال ومشاهير، من أمثال أوبرا وينفري وبيونسي نولز.

صحيح أن الهدف المعلن لكل هذه المشاريع هو خفض تكلفة النقل لصالح المشاريع العلمية التي تخدم البشرية، وتوسيع نطاق السياحة الفضائية بما يعود بالربح على شركات الفضاء وبالتالي الحفاظ على قدرتها على الاستمرار في أعمالها، لكن المركبات المدارية ستكون أيضاً مثالية للاستخدام العسكري، ما يمنح الدول القدرة على إطلاق الأقمار الاصطناعية، أو اعتراض الصواريخ، أو حتى الأسلحة الفضائية، بسرعة فائقة وتكلفة أقل. الزمن وحده كفيل بإثبات أي هذه الأحلام سيتحقق أولاً.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير