Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفقر يدفع تلاميذ وأهاليهم في بريطانيا إلى سرقة الطعام لسد رمقهم

تحقيق خاص: يسلط مديرو المدارس والعاملون مع الشباب الضوء على أزمة الجوع المتزايدة بين الأسر التي تعاني الفقر لكن أبناءها غير مؤهلين للحصول على وجبات مدرسية مجانية.

يحضر الأطفال حافظات طعام فارغة لتجنب الشعور بالخجل من عدم إحضار أي طعام إلى المدرسة (غيتي)

 

كشف تحقيق مشترك أجرته "اندبندنت" بالتعاون مع صحيفة "إيفنينغ ستاندرد" عن أزمة جوع متفاقمة بين أطفال الأسر التي تعاني الفقر ولكنها غير مؤهلة للحصول على وجبات مدرسية مجانية.

يقول مديرو المدارس والعاملون مع الشباب إن هذا الوضع يؤدي إلى زيادة السلوك اليائس لدى بعض الأطفال وأمهاتهم الذين يكافحون في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، بما في ذلك قيام الطلاب البائسين بسرقة الطعام من المتاجر في مناطقهم والمطعم المدرسي لدرء الجوع، ولجوء الأمهات إلى السرقة والمخاطرة بارتكاب جنح جنائية لإطعام عائلاتهن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول مديرو المدارس إن الفئة التي يشعرون حيالها "بالقلق الشديد" هي ليست أطفال العائلات الأشد فقراً، لكن الطبقة التي تعلوها، أولئك غير المؤهلين للحصول على وجبات مدرسية مجانية والمعرضون لخطر قضاء يوم كامل من دون طعام أو تناول وجبات غذاء غير كافية إطلاقاً.

حالياً يعيش 800 ألف طفل في إنجلترا ضمن أسر تعتمد على معونات الائتمان الشامل الحكومية (معونة تمنح شهرياً لأصحاب الدخل المنخفض أو للعاطلين عن العمل لمساعدتهم في تحمل كلفة معيشتهم)، لكنهم غير مؤهلين للحصول على وجبات مدرسية مجانية لأن دخل الأسرة السنوي (باستثناء الدعم الحكومي) يتجاوز 7400 جنيه استرليني، وفقاً لبيانات جمعية العمل ضد فقر الأطفال الخيرية. تطبق الحكومة هذا الحد الأدنى للدخل، البالغ 617 جنيهاً استرلينياً فقط في الشهر بعد الضريبة، بغض النظر عن عدد الأطفال في الأسرة، ويؤثر غالباً في الأسر العاملة ذات الدخل المنخفض.

مديرو المدارس أفادوا أيضاً بأن الأطفال يحضرون حافظات طعام فارغة لتجنب الشعور بالخجل من عدم إحضار أي طعام إلى المدرسة، بينما يقوم بعض التلاميذ "بتنظيف مطعم المدرسة" كي يسمح لهم بتناول وجبة مدرسية مجانية.

جوش هو أحد هؤلاء الأطفال الذين يثيرون القلق. كان يعاني الجوع لكنه لم يرد الضغط على والدته بطلب المال لشراء الغداء. كان الشاب البالغ من العمر 15 سنة من جنوب لندن شاهد إشعار الإخلاء من مالك منزلهم وسمع مكالمات هاتفية متوترة حول الديون المتزايدة. عملت والدته بدوام جزئي كمشرفة طعام في المدرسة، لكن قلقها راح يزداد تحت وطأة تكاليف المعيشة المتفاقمة. لم يؤد هذا فقط إلى عدم توفر النقود اللازمة لتأمين الفطور لجوش وشقيقته الصغرى إيفا، ولكن أيضاً إلى عدم توفر أي طعام لوجبة الغداء، دخل والدته العازبة المنخفض يعني أنهم يعيشون في فقر، ولكنهم تجاوزوا الحد الأدنى للأجور الذي يؤهلهم للحصول على وجبات مدرسية مجانية.

بدافع اليأس، راح جوش يفعل شيئاً لم يفعله من قبل. بدأ في السرقة من المتجر القريب. السندويشات ورقائق البطاطا والوجبات الخفيفة. لم يسرق أبداً أشياء غالية الثمن، وكان دائماً يأخذ ما يكفي فقط لسد الرمق. لقد نجى بفعلته في البداية، لكن إدارة السوبرماركت أدركت فعلته فمنعته من الدخول. وجد نفسه مجدداً يتحمل الجوع حتى موعد العشاء، ومجدداً لم يرد أن يثقل كاهل والدته.

بدلاً من ذلك، بدأ في السرقة من مطعم المدرسة. في تلك المرحلة، علم بمحنته جاك برايس، عامل رئيس مع الشباب في جميعة ’لايفز نات نايفز’ الخيرية التي تعمل مع مدرسة جوش وعديد من المدارس الأخرى في منطقة كرويدن في لندن لتقديم الدعم لحوالى 70 تلميذاً محروماً.

يقول برايس البالغ من العمر 24 سنة، "لا يتناول أي من الأطفال الذين أتعامل معهم وجبة الإفطار في المنزل، لكنني قلق أكثر تجاه أولئك الذين لا يتناولون الغداء أيضاً. لجأ حوالى 20 طالباً من أصل الـ 70 الذين أقدم لهم الدعم إلى سرقة الطعام. في البداية، كنت مصدوماً، ولكن ليس بعد الآن. لقد أصبحت الممارسة أكثر شيوعاً. مع ارتفاع كلفة المعيشة، ليس الأطفال الأشد فقراً هم الأكثر عرضة للخطر، ولكن المجموعة التي تعلوهم مباشرة، الشباب الذين يعيشون في فقر ولكنهم لا يحصلون على وجبات مدرسية مجانية".

توفر الحكومة حالياً وجبات مدرسية مجانية لـ 1.9 مليون طفل في إنجلترا، بما في ذلك الوجبات التي تشمل جميع التلاميذ من مرحلة التحضيري وحتى الصف الثاني الابتدائي، لكن معايير الأهلية الصارمة تنطبق أيضاً على تلاميذ الصف الثالث وما فوق.

 متحدث باسم وزارة التعليم قال "لقد قمنا بتوسيع نطاق الحصول على وجبات مدرسية مجانية أكثر من أية حكومة أخرى في العقود الأخيرة. نحن نستثمر أيضاً ما يصل إلى 24 مليون جنيه استرليني (26.5 مليون دولار أميركي) في برنامج الإفطار المدرسي الوطني، الذي يوفر وجبات إفطار مجانية في [بعض] المدارس في [بعض] المناطق المحرومة ".

ومع ذلك، هناك 800 ألف طفل في إنجلترا، مثل جوش، يعيشون في أسر تعتمد على المساعدات الحكومية لكنهم لا يحصلون على طعام مجاني في المدرسة، وفقاً لجمعية العمل ضد فقر الأطفال. إذ ذكر متحدث باسم المنظمة أن "عتبة الأهلية المنخفضة هذه تعني أن عديداً من الأطفال من الأسر العاملة الفقيرة لا يحق لهم الحصول على وجبات مدرسية مجانية، على رغم أن آباءهم غير قادرين على تغطية تكاليف الطعام".

يقول مديرو المدارس وعاملو الدعم في المؤسسات الخيرية إنهم قلقون للغاية بشأن هذه المجموعة من الأطفال، وأعرب بعضهم عن قلقهم من أن الجوع يجبر بعض الأطفال اليائسين على الإجرام.

وتشير مساعدة مديرة إحدى المدارس الثانوية بجنوب لندن، التي تضم ألف تلميذ، إنها تضبط الطلاب بانتظام وهم يسرقون من مطعم المدرسة، موضحة "لقد زادت حالات سرقة الطلاب الطعام إلى حوالى 15 حادثة يومياً. عادة، يأخذون مشروباً أو بعض قطع البسكويت، وعادة ما يكون ذلك طعاماً يحتوي على نسبة عالية من السكر. لقد واجهت أحد الأطفال ذات مرة وبدا أنه على وشك البكاء. أنا أغض الطرف الآن. إنهم يخاطرون بشكل كبير لأن الإمساك بهم أمام أقرانهم أمر مهين. يحصل حوالى 30 في المئة من طلابنا على وجبات مدرسية مجانية، لكن 50 في المئة منهم يعيشون في فقر لكنهم غير مؤهلين. أنا قلقة حيالهم... تشعر أن هؤلاء الأطفال الذين يسرقون يائسون ولم يأكلوا منذ الليلة السابقة. أراقب الطلاب بانتظام، بما في ذلك عرفاء الصف، الذين يعرضون لتنظيف المطعم حتى يمنحهم العاملون هناك وجبة مجانية في نهاية استراحة الغداء. من المخجل أن يضطر الأطفال إلى القيام بذلك. ليس لدى الأشخاص خارج المدارس أية فكرة عن مدى سوء الأمور. خلال 28 عاماً أمضيتها في هذه المهنة، لم تكن الأحوال بهذا السوء أبداً كما هي الآن".

بينما أبلغ مديرو مدارس آخرون عن حالات ضبطت فيها الأمهات وهن يسرقن، ويخاطرن بارتكاب جنحة جنائية من أجل إطعام أطفالهن.

يقول نيكولاس كابستيك، مدير مدرسة دروف الابتدائية في منطقة سويندن "جاءت إلي إحدى الأمهات وانهارت بالبكاء. عندما سألتها عن السبب أخبرتني أنه ألقي القبض عليها لسرقتها من متجر لإطعام أسرتها. قبض عليها وهي تخفي علبة معكرونة في أكمامها، وصلصة طماطم في جيبها وقطعة خبز صغيرة تحت معطفها. هذه ليست مواد غالية الثمن حقاً. قالت إنها كانت المرة الأولى التي تسرق فيها".

وأضاف "كانت تشعر بالذل تماماً عندما أتت إلي، وخائفة من أن تجلب العار لأطفالها ومحيطها. إنها تعمل عاملة نظافة بدوام جزئي، وكانت قلقة من فقدان وظيفتها. تمكنت من التحدث إلى الشرطة وتلقت السيدة إنذاراً لكن لم يتم توجيه تهمة إليها. هذه الأم في الثلاثينيات من عمرها ولديها ثلاثة أطفال، واحد في المدرسة الابتدائية واثنان في المدرسة الثانوية، زوجها أيضاً من ذوي الدخل المنخفض. أشعر بالاشمئزاز من العيش في مجتمع قادر على السماح بحدوث هذا للآباء الذين يعملون بجد ويبذلون قصارى جهدهم".

في ملتقى سبرينغ كومينيتي، وهي مؤسسة خيرية في بيكهام تقدم الدعم وبنك طعام وأنشطة للطلاب من الأسر ذات الدخل المنخفض، شهدت الرئيسة التنفيذية فيليسيا بوشورين أيضاً حالات لأمهات مضطربات يسرقن لإطعام أسرهن، إذ قالت "أتت إلي أم عزباء لديها أربعة أطفال تراوح أعمارهم بين تسع و17 سنة الأسبوع الماضي بسبب الديون التي ترتبت عليها جراء كلفة إصلاح مجمدة الطعام المعطلة في منزلها. كانت بحاجة إلى طعام لكنها لم تكن تملك المال، فذهبت إلى السوبر ماركت وسرقت. أمسكوا بها لكنها دافعت عن حجتها فأشفق عليها المشرفون على السوبر ماركت وتركوها تغادر. عندما خرجت من المتجر، سألها زبون آخر شهد الحادثة ’لماذا فعلت ذلك؟’، قالت ’لإطعام أطفالي’. شعر الزبون باستياء شديد، فأعطاها 45 جنيهاً استرلينياً. كانت تخاطر بوضع اسمها في السجلات الجنائية لإطعام أطفالها. إنها ليست الأم الوحيدة التي أخبرتنا أنها اضطرت إلى السرقة للبقاء على قيد الحياة".

بالنسبة إلى جاك برايس، فإن مساعدة التلاميذ الذين لا يتناولون الطعام ليست مهمة سهلة لأن كبرياءهم في الغالب يمنعهم من الاعتراف بذلك. يقول "عندما تسألهم عما إذا كانوا قد أكلوا، فإنهم يظهرون رباطة جأش ويقولون عبارات مثل ’سوف آكل عندما أعود إلى المنزل’. نحن نرى تأثير ذلك في سلوك الأطفال الذين يصابون بالخمول وعدم القدرة على التركيز. إنهم موجودون في المدرسة، ولكن الشيء الذي يسيطر على تفكيرهم هو الطعام أو المال... لا أعتقد أن أي طفل يريد سرقة الطعام. لا ينبغي تشويه سمعة هؤلاء الصغار. السرقة هي عرض من أعراض مشكلة مجتمعية خطيرة تحتاج إلى إجراء حكومي عاجل".

بدورها تقول زميلته إيلي ويليامسون، البالغة من العمر 23 سنة، التي تعمل مع الشباب في جمعية ’لايفز نات نايفز’، وتدعم أطفالاً محرومين في ثلاث مدارس أخرى في منطقة كرويدن، إنها رأت شباباً لم يتورطوا في الإجرام من قبل يتخذون خيارات سيئة بسبب الضغوط المالية لكلفة المعيشة على الأسرة.

تقول "إليكم مثلاً، أنطون البالغ من العمر 14 سنة، الذي لا يحصل على وجبات مدرسية مجانية لأن والدته العازبة تكسب ما يزيد على الحد الأدنى للأجور، لكن موقد الطعام في منزلهم لا يعمل، وإذا لم تستطع جدته إعطاءه بعض النقود، فإنه سيجوع. لقد رأيته يتحول من شاب لطيف ومتوازن ومحترم إلى شخص مهووس بالمال. لقد أدى ذلك إلى قيامه بالسرقة والمجازفة الكبيرة بمستقبله. قرأت له قانون أعمال الشغب لكنه التفت إلي بغضب وقال ’أنا لست غبياً، أعرف ما أفعل’. ثم بدأ في البكاء... كان يعلم أنني كنت محقة. كان يحاول الموازنة بين خياراته ثم قال ’لكن إذا فعلت ما تقولينه، فلن يكون لدي نقود للطعام وغيره من الأشياء، فماذا أفعل؟’ . لقد آلمني كلامه. لقد استنتج، وهو شاب في الـ14 من عمره، أن حصوله على الطعام ليس مضموناً، ويجب عليه التحول إلى الجريمة ليأكل".

تم تغيير أسماء الأطفال للحفاظ على خصوصيتهم.

© The Independent

المزيد من متابعات