Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جهاد الأطرش: التمثيل الإذاعي منطلق للنجاح التلفزيوني

صاحب الصوت الفريد أدى عشرات الشخصيات التراثية ورافق انطلاقة الشاشة الصغيرة

الممثل اللبناني المخضرم جهاد الأطرش (صفحة فيسبوك)

جهاد الأطرش من أهم الممثلين اللبنانيين الذين لعبوا دوراً مهماً وأساسياً في إثراء الفن العربي عموماً والفن اللبناني بشكل خاص، من خلال أعماله الإذاعية والتلفزيونية ودبلجة الأفلام الأجنبية والمسلسلات. وقد جسد بصوته شخصيات الرسوم المتحركة التي انتشرت على نطاق واسع وأبرزها شخصية "دوق فيلد" في المسلسل الكرتوني الشهير "غريندايزر" كذلك وضع صوته على كثير من البرامج الوثائقية.

كان يحب الطيران ويحلم بأن يصبح كابتن طائرة، لكن عشقه للفن كان أكبر. وبدأ مسيرته الفنية في الإذاعة اللبنانية بأدوار صغيرة قبل أن يختاره المخرج شكيب خوري الذي آمن بموهبته، للعب دور رئيس في البرنامج الإذاعي "الملك بن ذي يزن" الذي شكل انطلاقته الفنية الحقيقية، لينتقل بعدها إلى التلفزيون مع المخرج باسم نصر في برنامج "ابن شارع". وكرت السبحة وشارك بعده في كثير من المسلسلات، مجسداً من خلال أدواره الأساسية الشخصيات المهمة التي تركت أثراً كبيراً في الشعر والأدب والعلوم والفلسفة العربية، كما كانت له تجارب مختلفة في السينما والمسرح.

حلم البداية

 

الأطرش الذي يعتبر من أبرز الممثلين الذين أسهموا في تأسيس الدراما اللبنانية والعربية وانتشارها، بدأ مساره الفني عام 1962 وعن هذه المرحلة يقول "كنا نعمل على الهواء مباشرة وكان يحصل تعاون على مستوى عال بين الكتاب والمخرجين والممثلين، وهو ما أسهم في مرحلة لاحقة في تطور الدراما. ولقد أنتج (تلفزيون لبنان والمشرق) بشكل خاص للعالم العربي كل التراث العربي من ناحية الأدباء والشعراء والفلاسفة والمفكرين، وكنا نمثل كل هذه الأدوار مباشرة على الهواء. وأنا كنت محظوظاً لأنني مثلت 90 في المئة من هذه الشخصيات، لأن المخرجين كانوا معجبين بنطقي وأدائي. كل من نجح في أداء اللغة العربية انطلق من الإذاعة بشكل خاص، لكنني في طفولتي كنت معجباً بالطائرات، وكنت أشعر بالدهشة عندما أشاهد هذه الكتلة الضخمة وهي تنطلق من على المدرج ومن ثم تطير في الجو وتحلق عالياً ثم تتوارى عن الأنظار. ولو أنني لم أنجح في التمثيل لكنت اخترت لنفسي مهنة طيار وحتى الآن لا تزال الطائرة تدهشني".

وعن الظروف التي جعلته يتخلى عن حلمه الأساسي بالطيران والانتقال إلى مجال الفن والتمثيل، يوضح "الأفلام هي التي جعلتني أتعلق بالتمثيل، لأن المدرسة التي كنت أدرس فيها كانت تأتي بأفلام إنجليزية وأميركية لكي نشاهدها، كما أن الطلاب الذين يكبروننا سناً كانوا يشاركون في مسرحيات من الأدب العالمي والعربي. أما نحن فكنا نكتب المسرحيات منذ الطفولة تحت إشراف الأساتذة الذين كانوا يتابعوننا من الناحية الأدبية، حتى إنني في سن الـ12 كتبت مسرحية (تضحية أم) متأثراً بوفاة والدي وتضحية والدتي التي اهتمت بتربية أربعة أطفال، كما أنني تأثرت كثيراً بأسمهان وفريد الأطرش الذي كنت أشعر أنه يغني بإحساسي. بدايتي الفنية كانت في الإذاعة اللبنانية عام 1959 حيث تدربنا على الوقوف أمام الميكروفون، ثم انطلقنا بأدوار إذاعية صغيرة، إلى أن آمن بموهبتنا بعض المخرجين وأطلقونا إذاعياً، وخصوصاً المخرج شكيب خوري الذي كان قد عاد إلى لبنان بعد أن تخصص في مجال المسرح في بريطانيا، ونقل إلينا من خبرته، ثم إنه أسند إليَّ أول دور بطولة في عمل إذاعي من خلال مسلسل (الملك بن ذي يزن) المؤلف من 33 حلقة، وقد بث يومها في رمضان وعيد الفطر. وهذه التجربة تعد أول انطلاقة كبرى لي، ثم طلبني المخرج باسم نصر للمشاركة بدور رئيس في حلقة تلفزيونية بعنوان (ابن شارع)، ومن خلال هذا العمل كانت انطلاقتي التلفزيونية لأنني أجدت دوري".

 

ثم يضيف: "ومن بعدها انطلقنا مع جوزف غريب ومحمد غنيم اللذين شكلا فرقة تلفزيونية وكنا نتدرب على العمل لمدة شهر كامل وكأننا نعد العمل للمسرح. وكانت أعمالاً باللغة الفصحى مترجمة عن أعمال الأدب العالمي، وهي لاقت نجاحاً واستحساناً، لأننا كنا نتدرب عليها بشكل دقيق. بعدها انتقلت للعمل مع الفنان إلياس رزق في البرنامج الشهير (مسرح الحياة) و(أسود وأبيض) مع إيلي ضاهر و(حكمت المحكمة) مع إلياس متى وفاضل سعيد عقل. وكرت السبحة مع (كان يا ما كان) و(شهرزاد) و(من تراثنا) و(الأدب العربي) و(الشعر العربي) و(حكاية قصيدة). وكان حظي كبيراً أنني قدمت شخصيات معظم الأدباء والشعراء العرب مثل امرئ القيس وزهير بن أبي سلمى وطرفة بن العبد وكعب بن زهير والفرزدق وجرير، ثم انتقلت إلى العلماء العرب كالخوارزمي وابن الهيثم والمسعودي وسواهم. ومن ثم إلى الفلاسفة كابن خلدون وابن طفيل وغيرهما. ومن بعد إلى أعمال تتناول القيادات الإسلامية كطارق بن زياد وعقبة بن نافع والظاهر بيبرس وسعد بن أبي وقاص، وكنت أمثل كل هذه الأعمال مباشرة على الهواء". 

عاشق الميكروفونصاحب الصو

في المقابل يؤكد الأطرش أنه عاشق للميكروفون ويفضله على التلفزيون، ويضيف "من خلال الصوت يستطيع الممثل أن يفعل ما لا يستطيع فعله بشخصيته. التشخيص قد يحدد بعض جوانب الشخصية، ولكن عندما تكون مساحة الصوت كبيرة يمكن تطوير الشخصيات مهما كانت قوية، شرط أن يكون الصوت معداً لذلك. التمثيلية الإذاعية لا تحتاج إلى إنتاج كبير كما في التلفزيون الذي يتطلب ديكوراً وملابس وكاميرات ومساحة معينة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعما إذا كان يعتبر أن صوته هو الكنز الذي اعتمد عليه في المسلسلات الإذاعية كما في أعمال الدبلجة، يجيب "هذا صحيح، ولكن الصوت يحتاج إلى تدريبات كثيرة كتلك التي يقوم بها المطرب الذي يغني، لكن ما فاتني هو دراسة الموسيقى، لأنني كنت أعشق القصائد الجميلة التي تغنيها أم كلثوم وفيروز ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش. أنا أقرأ الشعر بطريقة ممتازة، وكنت أتمنى لو أنني تمكنت من الغناء، ولقد سمع صوتي فريد الأطرش وأعجب به ووعدني بأن يأخذني إلى مصر شرط أن أنهي دراستي الجامعية، ولكن خلال الفترة التي كنت أدرس فيها توفاه الله، كما أنني تعرضت لحادثة وفارقت الحياة للحظات ثم عدت ولكنني فقدت ذاكرتي لفترة معينة. وقد أخبرني الطبيب أن هناك اضطراباً في النقطة المتعلقة بفهم الموسيقى وترجمتها، ولذلك أنا لا أستطيع مماشاة الإيقاع، لأنه يفوتني ولا أسمعه في اللحظة نفسها. وهذا الأمر حال بيني وبين الغناء، ولا أنكر أنني أشعر بالحسرة لأنني لم أغن". 

الأطرش الذي كانت له تجارب مضيئة في الدوبلاج يعتبر أنه مجال عظيم جداً، ويتابع "تكمن عظمة الدوبلاج بأننا إذا لم نستطع تمثيل شخصية عالمية مهمة، فيمكننا أن نضع صوتنا عليها وأن نمثلها بإحساسنا ومشاعرنا وقدراتنا الفنية والصوتية. الدوبلاج يرضي غرور الفنان أحياناً، وأنا أشعر بفخر كبير لأنني وضعت صوتي على (النبي زكريا) و(الإمام الرضا) و(الإمام جعفر الصادق) و(الإمام الحسين) و(أبي بكر الصديق). وعلى شخصيات كرتونية عشقها الأطفال كما الكبار. الدوبلاج مهنة عظيمة أحبها وأحترمها وأقدرها. ووضعت صوتي على عدد من الأعمال العلمية التي تكمن أهميتها بأنها تستمر وتبقى ويتلهف الإنسان لمشاهدتها دائماً. ولكننا فقدنا هذه المهنة إلى حد ما في لبنان، وانتقلت إلى أماكن أخرى وبعض الدول المجاورة التي كانت أكثر إخلاصاً منا لها".

تلفزيون لبنان والمشرق

عن السبب الذي حال دون تركيزه على المسرح بما أنه كان يقوم بتدريبات العمل المسرحي قبل تصوير أي عمل تلفزيوني، يجيب "أنا شاركت في بعض الأعمال المسرحية من بينها (القديس شربل) مع ريمون جبارة و(الفارس) مع مروان وغدي وأسامة الرحباني، كما مثلت في (لوحة عمر) لجبران خليل جبران في كازينو لبنان. عندما نجحنا إذاعياً وكان المسرح مزدهراً حينها، كنا ملتزمين بتقديم عمل تلفزيوني يومياً، وإذا انتهينا مثلاً من التصوير عند الساعة التاسعة ليلاً، كنا نأخذ معنا النص إلى البيت لحفظه وتصويره في اليوم التالي. النجاح الكبير الذي حققناه تلفزيونياً وإذاعياً أو المردود المادي الكبير الذي كنا نجنيه، كان يفوق أضعافاً مضاعفة مردود العمل المسرحي. وهناك سبب آخر مهم بالنسبة إلى الممثل هو الشهرة، والمجال الذي نشرنا في العالم العربي ليس المسرح، بل التلفزيون وشركات الإنتاج الإذاعي التي كانت تصدر أعمالنا بشكل متواصل وعلى مدار السنة إلى دول الخليج العربي. فكل الإنتاج الذي كان يعرض حينذاك في العالم العربي كان مصدره لبنان بشكل خاص، لذلك حرص (تلفزيون لبنان والمشرق) على إنتاج أعمال لا خلاف عليها في مجالات الشعر والأدب والفلسفة والعلوم، لأنها تشكل التراث الذي يعتز به كل مواطن عربي". 

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات