Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"ذي أونيون" في مواجهة المحكمة العليا سعيا لحماية الحق في التهكم

أودع موقع "ذي أونيون" (The Onion) مذكرة لدى المحكمة العليا دفاعاً عن رجل اعتقل بتهمة السخرية من صفحة "فيسبوك" التابعة لقسم شرطته المحلية، لكن هل يفهم القضاة النكتة؟

"القضاء الفيدرالي يتشكل كلياً من موظفين مهووسين باللاتينية..." (اندبندنت/ رويترز/ غيتي)

ليس من الضروري أن تكون كوميدياً لتعرف أن شرح أي نكتة يفسد النكتة. ومع ذلك، هذا بالتحديد ما يفعله الموقع الأميركي الإخباري الساخر "ذي أونيون" (The Onion)، ولو على مضض، سعياً منه لحماية حقه في أن يلقي هذه النكات بلا خوف من التعرض للاعتقال.

أودع الموقع الذي يسمي نفسه "أهم نشرة إخبارية في العالم" مذكرة لدى المحكمة العليا هذا الأسبوع باعتباره صديق المحكمة، دعماً لرجل اعتقل وحوكم لإنشائه صفحة ساخرة على "فيسبوك" لقسم الشرطة المحلي. وقد رفضت محكمة محلية في أبريل (نيسان) من هذا العام النظر في ادعاء بالحق المدني رفعه آنثوني نوفاك، مما دفعه إلى التماس تدخل المحكمة العليا، مشيراً إلى انتهاك حقوقه بموجب التعديل الدستوري الأول والرابع.

قد تمثل هذه القضية اختباراً مهماً في البلد الذي قدم إلى العالم مارك توين، لحق الفنانين الساخرين في تقليد الآخرين دون إثارة حفيظة القانون.

وقد رفع موقع "ذي أونيون"، المعروف بعناوينه الساخرة والفظة (مثل "هوس هاري بوتر يجتاح الأطفال والكهول غريبـي الأطوار والمخيفين") وبلجوئه للسخرية من أجل تناول المواضيع الجادة مثل عمليات إطلاق النار الجماعي ("لا سبيل لتفادي هذه الحادثة"، كما تقول الدولة الوحيدة التي تقع فيها هذه الحادثة باستمرار")، مذكرة من 23 صفحة دعماً للسيد نوفاك يوم الإثنين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتضمن هذه المذكرة دفاعاً حماسياً عن الحق في السخرية كما يكفله التعديل الدستوري الأول. وهي بحد ذاتها كذلك عمل ساخر جزئياً.

وجاء في المذكرة "من موقعهم كأهم كتاب ساخرين في العالم، لدى كتاب "ذي أونيون" مصلحة شخصية كذلك في منع السلطات السياسية من سجن الفنانين الفكاهيين. وتودع هذه المذكرة (لدى المحكمة) في سبيل التخفيف من عقابهم المستقبلي على الأقل".

كما تشير إلى أن "القضاء الفيدرالي يتشكل كلياً من موظفين مهووسين باللاتينية: فهم يقتبسون أقوال الشاعر اللاتيني كاتولوس باللغة اللاتينية الأصلية داخل مكاتبهم الخاصة. ويهمسون عبارة (مراعاة ما سبق تقريره) بنعومة في أذن زوجاتهن" قبل أن تعلن أن كتاب الموقع "موهوبون أكثر بكثير" من جوناثان سويفت "الخائب".

تختلف لغة المذكرة عن اللغة الجدية الاعتيادية لأي مذكرة أخرى من نوعها، ولكن هذا هو المغزى منها تحديداً وفقاً لكاتبها الرئيس، مايك غيليس، كبير الكتاب في "ذي أونيون".

صرح غيليس لـ"اندبندنت" عبر الهاتف هذا الأسبوع بقوله "آمل أن تفهم كما كانت النية منها، أي إنها دفاع صادق عن السخرية، وعن السبب الذي يؤهل السخرية للتمتع بهذه المساحة للتعبير عبر التاريخ، والسبب الذي يحتم تمتع جميع المواطنين الأميركيين بهذا النوع من الحماية".

تأسست "ذي أونيون" في ويسكونسن عام 1988 باعتبارها صحيفة جامعية صغيرة وتطورت حتى قدرت قيمتها في عام 2016 بـ500 مليون دولار. وعلمت بالقضية عن طريق أحد أصدقاء مدير تحريرها، وهو شخص كان يعمل على الدعوى.

ويقول السيد غيليس "درس فريقنا القانوني، كما فريق التحرير الموضوع وقررنا أن المسألة ليست لافتة بحد ذاتها فقط، بل هي تمثيل رمزي لنوع الحماية التي نريد أن تعطى للقانون الذي يرعى السخرية في الولايات المتحدة، وهي الحماية التي توفرت تاريخياً في الولايات المتحدة". 

وكتب الجزء الأكبر من نص المذكرة مرة واحدة، مستعيناً بملاحظات الفريق القانوني العامل في "ذي أونيون"، كما ذلك التابع للسيد نوفاك.

وتتمحور المذكرة حول قضية السيد نوفاك، وهو من سكان مدينة بارما في ولاية أوهايو. في مارس (آذار) 2016، أنشأ السيد نوفاك صفحة ساخرة على منصة "فيسبوك" للتهكم على صفحة قسم شرطة بارما الإلكترونية. بعد تلقيه 12 اتصالاً هاتفياً تقريباً من مواطنين لم يفهموا الدعابة، أوقف قسم شرطة بارما السيد نوفاك وصادر أجهزته الإلكترونية ووجه إليه تهمة بموجب قانون جنائي يجرم استخدام الحاسوب للتشويش على عمليات الشرطة، ثم خضع السيد نوفاك للمحاكمة لكن الحكم صدر بأنه غير مذنب.

ربما كانت القضية ستنتهي عند هذه المرحلة، لكن عندما رفع دعوى حق مدني بسبب اعتقاله، رفضت محكمة الاستئناف للدائرة السادسة النظر فيها. وكانت حجة المحكمة أنه "من المنطقي (بالنسبة إلى الشرطة) أن تعتقد أن جزءاً من نشاط السيد نوفاك على (فيسبوك) لم يكن سخرية"، ويعود ذلك جزئياً إلى أن السيد نوفاك "محا بعض التعليقات التي أوضحت بأن الصفحة مزيفة".

لكن "ذي أونيون" التي خدعت سياسيين ووسائل إعلامية أخرى لسنوات بحيث صدقوا أن عناوين مقالاتها الساخرة هي أخبار حقيقية، وجدت ثغرة في حجة المحكمة. فهي تحاجج بأن شرط الحكومة بأن يعرف السيد نوفاك عن عمله على أنه سخرية يخالف الغاية الأساسية من العمل نفسه.

ويقول السيد غيليس "أظن أن محكمة الدائرة السادسة أخطأت في فهم طبيعة السخرية. فهي فعلياً تقليد الشيء. وهي تحاول خداع القارئ في البداية. ليس كلياً، لكن عبر جعله يشعر بأنه يسير على طريق فيه مكيدة قبل أن يصدم بالنكتة".   

وتلفت المذكرة إلى أن "المغزى هو أن السخرية المجردة من القدرة على الخداع تصبح عقيمة فعلياً، إذ جردت من الأدوات التي ينص عليها اشتقاقها التاريخي والتي تسمح لها بأن تمارس لعبة الخفة الكلامية هذه، المرة تلو الأخرى: فهي تتبنى شكلاً معيناً لكي يتسنى لها انتقاده من الداخل".

ويتابع نص المذكرة "ببسيط العبارة، يجب أن يقلد الأصل على نحو يمكن تصديقه".

وفي سبيل إثبات هذه النقطة، "تميط (مذكرة ذي أونيون) اللثام"، بحسب وصف السيد غيليس، عن طريقة عمل كتابها في تقليد وسائل الإعلام والزعماء الذين يسخرون منهم. ويتضمن الجزء الأول من هذا العرض مثالاً مفصلاً عن خبر يمكن أن يكتبه موقع "ذي أونيون"، وهو: "المحكمة العليا تحكم بأن المحكمة العليا هي الحكم"، ويشرح سبب تقليد الأسلوب الصارم الذي تتبعه وكالة "أسوشيتد برس" الإخبارية.

وتقول المذكرة "يهيئ هذا الشكل من الخطاب البلاغي توقعات القارئ للتعابير القادمة، وهي توقعات تتعارض كلياً مع محتوى المقال".

وتتابع المذكرة دفاعها عن أسلوب السخرية، كما عن هدفه وقوته، إذ تقول صحيفة "ذي أونيون" إن الكتاب الساخرين "قادرون على المشاركة في عبادة شخصية الديكتاتور، والإشارة إلى الخدع البلاغية التي يوظفها السياسيون في التغرير بناخبيهم، وحتى إضعاف محاولات المؤسسات الحكومية الدعائية على أرض الواقع".  

وتشير إلى أمثلة عديدة لمقالات نشرتها "ذي أونيون" صدق الأشخاص أنفسهم الذين تسخر منهم أنها حقيقية. وتلفت في هذا الإطار إلى مقال أصدرته "ذي أونيون" في عام 2012 صرحت فيه بأن كيم يونغ أون هو أكثر رجال الكوكب إثارة، وأعادت نشره وكالة الأخبار الصينية مع عرض للصور يرافقه، فيما دق عضو الكونغرس الجمهوري جون فليمينغ ناقوس الخطر في دائرته الانتخابية حين صدق عنواناً لخبر نشرته صحيفة "ذي أونيون" يقول "التخطيط الأسري" تفتتح مجمعاً مخصصاً للإجهاض قيمته 8 مليارات دولار".

وتقول المذكرة "ليس الهدف من كل هذا أن رؤية شخصيات مسؤولين خدعوا بالأخبار الساخرة واعتقدوها حقيقية هو أمر مضحك، مع أنه قد يكون مضحكاً للغاية، ولكن المغزى هو أن السخرية تسدد ضربة إلى شعورهم الشخصي بالزهو بأنفسهم لأنهم صدقوا ما قد يراه أي شخص عاقل مبالغة سخيفة عن آرائهم الخاصة".

ويؤكد السيد غيليس أن حماية السخرية تستند إلى وجود "قارئ عاقل". وهو ما يعني: أنه ليس من الضروري أن يفهم الجميع السخرية لكي تستحق الحماية، بل إن يفهمها فقط شخص منطقي.

ويضيف "أشرت في المذكرة إلى أن تصديق كيم يونغ أون حقاً بأنه أكثر الرجال إثارة في مطلع العقد الماضي، هذا مؤشر إلى أنه شخص غير عقلاني، ولكن القارئ العادي قادر بلا شك أن يميز أن هذا الخبر غير معقول".

ويتابع السيد غيليس قائلاً إن "عدد الأشخاص الذين صدقوا نكاتنا كبير جداً، ولكن معظمهم من المضللين أو شديدي الارتباك أو الذين يروجون للدعايات الخاطئة أو الاستبداديين".

ويقول، "أعتقد أن السبب يعود إلى أنهم يعيشون في عالم مضخم ومنفصل اختلقوه لأنفسهم، لذلك عندما نؤلف مقالاً ساخراً، يكون على تماس مع الفقاعة التي يعيشون فيها. أعتقد أن محكمة الدائرة السادسة قللت فعلاً من أهمية القارئ لأن ما نفعله لن يكون مضحكاً أبداً لو لم يكن الناس قادرون على تمييز حقيقته في مرحلة من المراحل". 

كما يعلق السيد غيليس بقوله إن تدخل "ذي أونيون" نادر وقد جرى على مضض.

ويضيف "لا أعتقد أن أي أحد يريد أن يرى الكوميدي يبرز نفسه ويشرح كل النقاط التي تبرر أهمية ما يفعله يومياً. أعتقد أن حصول ذلك بين الفينة والأخرى مثير للاهتمام لأنه نادراً ما يجري الخوض في هذا الموضوع".

لكن السؤال المطروح هو: هل يفهم قضاة المحكمة العليا هذه النكتة؟ ففي النهاية، لا تشتهر هذه المؤسسة بحس الفكاهة.

ويرد السيد غيليس "بالعكس. أعتقد أن القاضي كلارنس توماس ألقى نكتة في عام 2013 وكانت مضحكة للغاية، بحسب كل الروايات".

© The Independent

المزيد من منوعات