Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد التحذير الأممي هل بات العراق "دولة  فاشلة"؟

الفساد المستشري والصراع على الكراسي يضع البلاد في فوهة البارود

تحذيرات بلاسخارت ترافقت مع تحذير مفاجئ من الخارجية البريطانية لرعاياها من السفر إلى المحافظات العراقية (أ ف ب)

في كل إحاطة تقدمها إلى مجلس الأمن الدولي، تضع ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جنين بلاسخارت، يدها على حال البلاد وتطلق تنبيهات للعالم بما وصلت إليه.

وفي كل مرة  تبدو بلاسخارت كأنها تجس نبض معتل لتعرف حالته، فهو لم يشف بعد، ووجدت أنه خلال الأشهر الإثنى عشر الأخيرة كان للشقاق ولعبة النفوذ السياسي الأولوية على حساب الشعور بالواجب المشترك.

وقالت إن كل الأطراف الفاعلة على امتداد الطيف السياسي تركت البلد في مأزق طويل الأمد، وكان العراقيون رهينة لوضع لا يمكن التنبؤ به، ولا يمكن احتماله ليتحول إلى اشتباكات مسلحة.

بلاسخارت دقت جرس الإنذار وهي تراقب الاشتباكات قريبة منها في المنطقة الخضراء، حيث اقتُحمت مؤسسات الدولة والرئاسات، وصارت أصوات الرصاص والقنص بالقرب من رأسها، لتكتب محذرة "لا يوجد أي مبرر للعنف"، لافتة إلى "وجود مخاطر لا تزال واقعية للغاية لوقوع مزيد من الفتنة وسفك الدماء".

عشرات القتلى سقطوا إثر مجابهات التظاهرات والاقتحامات للمنطقة الدولية الخضراء، بعد أن فشل الحوار بين الأطراف المتصارعة على المال والسلطة والمناصب، وفشلت العملية السياسية بتقريب وجهات النظر للتحول إلى وبال في حياة العراقيين الذين التزموا بيوتهم وتحولوا لأغلبية صامتة، بل صادمة.

حلول وتسويات

ترى بلاسخارت في إحاطتها أنه "لكي يؤتي الحوار أكله، من المهم جداً أن تشارك فيه الأطراف كافة، هناك حلول لكن فقط لو كان هناك استعداد للوصول إلى تسويات، ففي نهاية المطاف يعود الأمر كله إلى الإدارة السياسية، لكن خيبة أمل الشعب وصلت عنان السماء، لقد فقد عديد من العراقيين الثقة في قدرة الطبقة السياسية على العمل لصالح البلد وشعبه، ولن يؤدي استمرار الإخفاق في معالجة فقدان الثقة هذه سوى إلى تفاقم مشكلات العراق".

وتعزو الممثلة الأممية جوهر الأزمة العراقية إلى "تجاهل النظام السياسي ومنظومة الحكم احتياجات الشعب في وقت يمثل الفساد المستشري سبباً جذرياً رئيساً للاختلال الوظيفي في البلاد، فلا يمكن لأي زعيم يدعي أنه محمي منه، وإبقاء المنظومة كما هي سيرتد بنتائج سلبية".

النظام السياسي لا يعمل

الكاتب عباس الكناني وصف إحاطة بلاسخارت قائلاً "على الرغم من الدعوات المتكررة للحوار بين القوى السياسية العراقية التي وجهتها الممثلة الأممية وتحميلها جميع القوى المسؤولية عن الأوضاع الراهنة، لكنها وجهت طعنات للعملية السياسية"، ومن أخطرها أن "النظام السياسي يعمل ضد مصالح الشعب، وإذا بقي على حاله فالقادم أسوأ، وأن النظام بحاجة إلى تغيير بنيوي"، وأضاف أن هذه دعوة صريحة للمجتمع الدولي لتبني فكرة تغيير النظام السياسي في العراق أو نزع الشرعية عنه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار الكناني إلى أن قول بلاسخارت "الطبقة السياسية غير قادرة على حسم الأزمة" يدفع نحو تدخل دولي في العراق، خصوصاً عندما أعلنت عن توقعها بحدوث الأسوأ.

يأتي اتهام بلاسخارت قادة الأحزاب بالفساد صراحة، وبأن أحزابهم مجرد مكائن للفساد تستغل مؤسسات الدولة ومواردها لمصالحها الخاصة، أطلقته من داخل مجلس الأمن، يعني صراحة أن هناك إدانة دولية لجميع القوى الحاكمة والنافذة في المشهد السياسي المالي واعتبار أن قادتها مجرد لصوص كبار وقتلة لا يهمهم سوى جمع الأموال.

الدولة الفاشلة

كان المرشح لرئاسة الوزراء، الوزير السابق محمد توفيق علاوي  قد أكد أن "العراق دولة فاشلة بجميع المقاييس، ففي الفساد هو في قمة القائمة بمستويات قياسية لا مثيل لها في جميع أنحاء العالم، لا بل إنه الدولة الأولى في مستوى الفساد".

وقال علاوي إن "الخدمات هي الأسوأ بين دول المنطقة، لا كهرباء، مع العلم أنه صرف أكثر من ثمانين مليار دولار على الكهرباء، في حين أن ربع هذا المبلغ يوفر أفضل شبكة كهربائية تكفي العراق لعشرات السنين المقبلة".

وأشار إلى أن "ماء الشرب في أعلى درجات التلوث، ولا توجد دولة في العالم تعرض فيها عشرات الآلاف من المواطنين إلى التسمم خلال بضعة أيام بسبب مياه الشرب الملوثة".

كما لفت إلى أن "البنى التحتية هي الأسوأ من بين دول المنطقة، ويقتل سنوياً مئات الأشخاص بسبب الشوارع الرديئة"، إضافة إلى "أسوأ شبكة صرف صحي، بل حتى نفايات المستشفيات تلقى من دون معالجة في الأنهار"،  وكذلك "تدهور النظام الصحي والتعليمي وزيادة البطالة وانعدام حقوق الإنسان والانفلات الأمني وانتشار المخدرات".

تحذير بريطاني

تحذيرات بلاسخارت ترافقت مع تحذير مفاجئ من الخارجية البريطانية لرعاياها من السفر إلى المحافظات العراقية عدا كردستان فقط عند الضرورة.

وقال التحذير إن العراق لا يزال عرضة للتوترات الإقليمية مع وجود مجموعة ميليشيات وصفتها بأنها "تعادي الوجود الغربي وتشكل تهديداً للمملكة المتحدة ومصالح أخرى، بما في ذلك الهجمات على القواعد العسكرية للتحالف العالمي والمباني الدبلوماسية والمواطنين الأجانب".

وأشار التحذير إلى "تصاعد التوترات بسبب المفاوضات الطويلة بشأن تشكيل الحكومة بعد الانتخابات التي جرت في أكتوبر (تشرين الأول) 2021".

شديد التقلب

وفي حين وصفت المندوبة الأممية الوضع بأنه "شديد التقلب"، إلا أنها أكدت "لا نملك عصا سحرية، ففي نهاية المطاف يعود الأمر كله إلى الإرادة السياسية".

في نهاية المطاف يقع العراق اليوم في عالم مجهول بات العراقيون يخشونه بسبب احتمالية الصدام المرجح بين الأطراف الشيعية التي تدهورت حالها بعد استقالة نواب الصدر الـ73 من البرلمان، وتعطيل أية محاولة لانتخاب رئيس الجمهورية مرشح الكرد، أو رئيس الحكومة مرشح الإطار التنسيقي الشيعي، مما جعل بلاسخارت تدق جرس الإنذار بقوة هذه المرة.

تصريحات بلاسخارت ترافقها أيضاً عاصفة من اللمز من أطراف الإطار الشيعي، الذي يرى في إحاطتها تدخلاً سافراً يفتح الباب أمام التدخل الخارجي، الذي يرفضونه ويشرحون بأن ما يحدث شأن عراقي يمكن تخطيه بالحوار.

المزيد من تقارير