Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا سيحدث إذا سقطت القوى الثلاث العظمى في العالم؟

الولايات المتحدة والصين وروسيا معرضة للخطر وتداعيات انهيار أي منها كارثية

الحرب في أوكرانيا محطة رئيسية بالنسبة إلى روسيا والولايات المتحدة والصين (أ ف ب)

لم تدم قوة عظمى إلى الأبد، لكن عندما تتعرض الإمبراطوريات للسقوط يكون لانهيارها وقع مدو، مثلما حدث مع الإمبراطورية النمسوية المجرية (هابسبورغ) والإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، والآن تواجه القوى الثلاث العظمى في العالم (الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا) مستقبلاً غير مؤكد، لا يمكن معه استبعاد الانهيار والتفكك. وإذا ما حدث هذا سيزداد الارتباك والاضطراب داخل حدود كل منها وحول العالم. وستكون الولايات المتحدة الضعيفة أو المحاصرة أو المجزأة عاجزة عن دعم حلفائها في أوروبا وآسيا. وفي حال تذبذب نظام الكرملين بسبب عوامل ناشئة عن حرب أوكرانيا قد تصبح روسيا نسخة من يوغوسلافيا السابقة، غير قادرة على السيطرة على أراضيها التاريخية في القوقاز وسيبيريا وشرق آسيا. ويمكن للاضطرابات الاقتصادية أو السياسية في الصين أن تطلق العنان لاضطرابات إقليمية داخل البلاد وخارجها.

فهل تتوافر استراتيجيات للحد من تداعيات السقوط المحتمل؟

لئلا ننسى

في عام 1897 احتفلت الملكة فيكتوريا باليوبيل الماسي الذي يمثل أعلى درجات القوة الإمبراطورية البريطانية في ذكرى مرور 60 عاماً على وصولها إلى العرش. وفي هذه المناسبة ألف شاعر الإمبراطورية روديارد كيبلينغ قصيدة أشبه بالصلاة، أثارت ضجة واسعة لكونها تناولت ملاحظة غير مألوفة، فقد تحدث عن الفخر الذي يتبعه السقوط من خلال مناشدة الله بعدم التخلي عن بريطانيا، في إشارة تحذيرية للذين يحتفلون بالتفوق الإمبراطوري البريطاني بأنه قد يزول في أي لحظة. وأضاف جملة أصبحت مشهورة في الأدبيات العالمية هي "لئلا ننسى". والآن بعد 125 عاماً أصبح العالم مهووساً بانهيار الإمبراطوريات الجديدة التي حلت محل بريطانيا، وهي الولايات المتحدة، وبدرجة أقل الصين وروسيا.

يبدو أن الشعور بالخطر منتشر الآن في كل مكان، من المحادثات الدبلوماسية الصامتة في جميع أنحاء أوروبا والغرب إلى الكتب والتحليلات السياسية وحتى في أفلام هوليوود. وعلى رغم ما تبدو عليه أميركا الآن من قوة بدعمها أوكرانيا في مواجهة روسيا، وتحذيرها الصين من غزو تايوان، وصعود الدولار كعملة سائدة، فإن ذلك كله لا يعني أن الخلل الوظيفي الداخلي في الولايات المتحدة والاضطرابات الاجتماعية العنيفة لم يكونا قادرين على إشغال أميركا عن تنظيم العالم.

إشارات تحذير

كان الأميركيون مفتونين منذ فترة طويلة بسقوط الإمبراطورية الرومانية، وكثيراً ما يخشون مما إذا كان مصير مشابه ينتظرهم، خصوصاً مع إشارات التحذير المتلألئة التي يطلقها المجتمع الأكاديمي في الولايات المتحدة حول احتمال انهيار الديمقراطية الأميركية، مما قد يتسبب في عدم استقرار سياسي داخلي شديد، بما في ذلك اندلاع العنف المدني على نطاق واسع، واحتمال انحدار البلاد إلى حرب أهلية.

وبحسب الباحث توماس هومر ديكسون، في معهد كاسكيد، فإن ما دفع الولايات المتحدة إلى حافة فقدان ديمقراطيتها هو تأثير مضاعف بين عيوبها الأساسية والتحولات الأخيرة في الخصائص المادية للمجتمع التي تشمل ركود دخول الطبقة الوسطى، وانعدام الأمن الاقتصادي في المناطق الداخلية، وتركز النمو في المناطق الحضرية، وتحول اقتصاد البلاد بسبب التغير التكنولوجي والعولمة من قوة الصناعة كمصدر رئيس للثروة إلى قوة الأفكار وتكنولوجيا المعلومات والتمويل.

فجوات متعددة

وهناك عاملان جوهريان آخران، أولهما ديموغرافي، فقد أثار منظرو اليمين مخاوف من أن الثقافة الأميركية التقليدية تتراجع وقد تمحى مع الوقت، وأن البيض يستبدلون في المجتمع بسبب معدلات الهجرة المرتفعة والشيخوخة والزواج المختلط وتراجع الذهاب إلى الكنيسة، ما قلل من النسبة المئوية للمسيحيين البيض في أميركا. والعامل الثاني هو أنانية النخبة، فالأثرياء والأقوياء في أميركا غير مستعدين غالباً لدفع الضرائب، والاستثمار في الخدمات العامة التي من شأنها أن تقلل من الفجوات الاقتصادية والتعليمية والعرقية في البلاد.

وساعدت هذه الفجوات الاقتصادية والعرقية والاجتماعية على إحداث استقطاب أيديولوجي بين اليمين واليسار السياسيين. وأدى الاستقطاب المتفاقم إلى تعطيل الحكومة التي تعمل في ظل يمين ويسار سياسيين معزولين ويزداد احتقار كل منهما للآخر، فيما يعتقدان أن الأخطار وجودية، وأن الآخر يسعى لتدمير البلد الذي يحبه، فيما يتلاشى تأثير المعتدلين سياسياً بسرعة، بينما أصبح السكان المدنيون مدججين بأكثر من 400 مليون سلاح ناري من مختلف الأنواع.

وأسهمت العولمة في تقسيم الأميركيين إلى نصفين متحاربين، أولئك الذين انجرفوا في قيم حضارة عالمية جديدة، وأولئك الذين يرفضونها من أجل حياة أكثر تقليدية تعززها القومية الدينية. وبعد أن كانت الولايات المتحدة المعزولة بالمحيطات ديمقراطية متماسكة اجتماعياً تعمل بشكل جيد في عصر الطباعة والآلة الكاتبة أصبحت أقل نجاحاً في العصر الرقمي الذي غذى ابتكاراته الغضب الشعبوي.

من ضامن للأمن إلى مصدر للاضطراب

هكذا أصبحت أميركا القوة العظمى الأولى عالمياً أكثر ضعفاً في الداخل، وتحولت من الضامن الأكبر لأمن النظام العالمي إلى أكبر مصدر محتمل لاضطرابه. وطالما كانت هذه هي الحال فإن الدبلوماسيين والمسؤولين والسياسيين وعامة الناس داخل الولايات المتحدة وخارجها سيكونون مهووسين بانهيارها، سواء أكان ذلك بسبب الخوف الحقيقي من الانهيار أو لأنهم لن يتمكنوا من فعل أي شيء حيال ذلك، وفقاً للباحث والكاتب في صحيفة "أتلانتيك" الأميركية توم ماك تاغ.

وتشير الحرب بين روسيا وأوكرانيا وقيادة الولايات المتحدة الغرب إلى أن النظام الدولي أصبح أكثر اعتماداً على القوة العسكرية والاقتصادية والمالية الأميركية الآن عما كان عليه قبل بضع سنوات. مع ذلك هناك شعور قوى بأن الولايات المتحدة دخلت في مرحلة الانهيار النهائي. فهي منقسمة للغاية وغير متماسكة وعنيفة بإطلاق النار الجماعي في الأماكن العامة، ومختلة وظيفياً بما قد لا يسمح لها بالحفاظ على ما يطلق عليه مرحلة (باكس أميركا) أو السلام الأميركي أسوة بمرحلة (باكس رومانا) أو السلام الذي فرضته الدولة الرومانية القديمة ودام 200 عام. ويبدو أن موسكو وبكين تعتقدان أن التفكك الأميركي الكبير قد بدأ، بينما يشعر المسؤولون في أوروبا بالقلق من الانهيار الأميركي المفاجئ.

ليست أوروبا وحدها التي تشعر بالقلق بل دول شرق آسيا أيضاً، إذ تظل الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على موازنة النفوذ الإقليمي للصين، مما يعني أنه ستكون لانهيار أميركا عواقب تاريخية على مستوى العالم، فمن بولندا وأوكرانيا ودول البلطيق في أوروبا إلى اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية والفيليبين في آسيا يعتمد أمن النظام العالمي على القوة الأميركية.

أثر الانهيار الأميركي

لا يبدو أن أحداً يتمنى من الناحية الواقعية الانهيار الكامل للولايات المتحدة حتى في أكثر السيناريوهات تشاؤماً، إذ يظل اهتزاز السلطة في أميركا أو انخراطها في أزمات داخلية طويلة مثيراً للقلق، ليس بسبب تدهور النظام السياسي والمالي وانتشار الاضطرابات المتوقع في أنحاء الولايات المتحدة فحسب، بل بسبب الآثار الارتدادية على العالم أجمع أيضاً. فمن الناحية الاقتصادية يرتكز كثير من الأنظمة المالية في العالم على الدولار الأميركي الذي قد يصبح عديم القيمة في حال حدوث انهيار مالي هائل. وتمتلك الحكومات في جميع أنحاء العالم كميات ضخمة من الديون الأميركية التي قد تتخلف الولايات المتحدة عن سدادها، مما يجعل ممتلكاتها عديمة القيمة. وقد تفقد الصين تريليوني دولار على الفور وتصبح جميع الأدوات المالية بلا قيمة، ويتبخر معها 200 تريليون دولار، وستتوقف القروض والبنوك، مما يعني انهياراً يشمل جميع دول العالم. وتكفي نظرة واحدة على أزمة الرهن العقاري عام 2008 لرسم سيناريوهات أكثر سوءاً للاقتصاد العالمي يبدو معها الكساد العظيم الذي شهده العالم في ثلاثينيات القرن العشرين أو الحرب العالمية الثانية كنزهة قصيرة.

على الصعيد العسكري، من المرجح أن يؤدي انشغال القوات الأميركية بشؤونها الداخلية أو عجزها أو انسحابها من المشهد العالمي إلى انهيار النظام العالمي المبني على القواعد، الذي أنشأته الولايات المتحدة وحلفاؤها عقب الحرب العالمية الثانية. وهو ما قد يشجع على نوع من الانفلات الأمني بين الدول التي تشهد علاقاتها نزاعات على الأراضي أو الحدود أو المياه أو الثروات المعدنية، وكذلك بين حكومات الدول من ناحية والجماعات والميليشيات التي لا تخضع لنفوذ دول من ناحية أخرى. والأهم من ذلك أن البحرية الأميركية قد تعجز عن أداء دورها الذي مارسته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو تأمين خطوط الملاحة الدولية. وهذا يعني أن التجارة الدولية قد تصبح في خطر مع تزايد القرصنة الدولية وانخراط عديد من الدول المارقة أو وكلائها في عمليات ابتزاز ونهب. وهذا يعني تهديد سلاسل التوريد وانهيار التجارة والصناعة ونظام توزيع الغذاء في مختلف دول العالم وانتشار الفقر والمجاعات.

الانحدار

وإذا كان القرن العشرون قد تشكل عقب انهيار عدد من الإمبراطوريات في العقود الأولى من القرن الماضي وما أعقب ذلك من حروب واضطرابات جيوسياسية في العقود اللاحقة، فإن انحدار الإمبراطوريات أو القوى العظمى الحالية يمكن أن يؤدي إلى مشكلات أكبر، كما يقول خبير الجغرافيا السياسية في معهد أبحاث السياسة الخارجية في واشنطن روبرت كابلان.

على رغم أن القوى العظمى اليوم ليست إمبراطوريات فإن روسيا والصين تحملان آثار تراثهما الإمبراطوري، والولايات المتحدة على رغم أنها لم تحدد رسمياً على أنها إمبراطورية فإن توسعها في اتجاه الغرب في أميركا الشمالية وخلال حروبها الإقليمية الخارجية أعطى الولايات المتحدة نكهة إمبراطورية في القرن التاسع عشر. وفي حقبة ما بعد الحرب تمتعت بمستوى من الهيمنة العالمية لم تكن معروفة سابقاً إلا للإمبراطوريات.

ولهذا فإن ضعف الولايات المتحدة والصين وروسيا أو اكتشاف أنها أكثر هشاشة مما تبدو عليه يستلزم القدرة على التفكير بشكل مأسوي، من أجل تجنب المأساة وتطوير تصورات كافية في بكين وموسكو وواشنطن لتجنب أخطار الانهيار المحتمل، خصوصاً أن كلاً من روسيا والولايات المتحدة خاضت حروباً مدمرة للذات مثل حرب روسيا في أوكرانيا وحربي الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، أما الصين فإن هوسها بغزو تايوان يمكن أن يؤدي إلى تدمير نفسها.

في حال إضعاف أي من القوى العظمى أو جميعها سيزداد الارتباك والاضطراب داخل حدودها وحول العالم، كما يشير كابلان في مقال نشره موقع "فورين بوليسي". ومع مواجهة هذه القوى العظمى الثلاث مستقبلاً لا يمكن استبعاد الانهيار أو حدوث درجة من التفكك على رغم اختلاف المشكلات والتحديات من بلد إلى آخر.

خطر تفكك الاتحاد الروسي

تواجه روسيا الخطر الأكثر إلحاحاً، فحتى لو انتصرت بطريقة ما في حرب أوكرانيا ستتعين عليها مواجهة الكارثة الاقتصادية المتمثلة في الانفصال عن اقتصادات الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى ما لم يكن هناك سلام حقيقي. وهو أمر يبدو الآن غير مرجح، لذا قد تكون روسيا الرجل المريض في أوراسيا، كما كانت الإمبراطورية العثمانية. ومن المحتمل أن تؤدي حرب أوكرانيا إلى إجهاد الاقتصاد الروسي الضعيف، وإلى تقويض قوة النظام، وفضح القوات المسلحة الروسية كنمر من ورق، وإضعاف مكانة الرئيس فلاديمير بوتين بين النخب، ولا يستبعد المحللون داخل روسيا وخارجها إمكانية انهيار الاتحاد الروسي في نقطة ما وتحوله إلى سلسلة من الدول المستقلة.

ويشير ألكسندر موتيل وماكس بيزيور في تحليل لهما نشره موقع "إي يو أوبزيرفر" إلى مناطق وأقاليم عدة ستكون مرشحة للانفصال عن روسيا، وعلى رأسها في الجنوب سكان إنغوشيا والشيشان وداغستان الذين يبلغ عددهم الإجمالي 5.2 مليون نسمة، حيث تظهر الأنظمة السياسية الثلاثة هويات وطنية قوية، وتعتنق الإسلام، ولجأت إلى العنف ضد روسيا في الماضي.

وفي الشرق تظهر بعض المناطق مثل مقاطعة سخالين وبريمورسكي وخاباروفسك وكامتشاتكا وجمهورية سخا (ياقوتيا)، وهي مناطق مهمة استراتيجياً كونها تحتوي على مخزونات من الغاز والنفط ومنافذ لتصدير الفحم وتصدر 20 في المئة من إنتاج روسيا من الذهب. وفي قلب روسيا تعد تتارستان وباشكورتوستان من المناطق القليلة التي لديها ترتيب دستوري فريد يمنحها قدراً كبيراً من الحكم الذاتي، ويبلغ عدد سكانهما معاً نحو ثمانية ملايين نسمة.

وإذا أدت الحرب إلى انتصار أوكرانيا أو إذا وصلت إلى طريق مسدود، فإن عدم استقرار نظام بوتين سينمو بشكل كبير، ومن المرجح أن تنفجر بعض مناطق الاتحاد الروسي، خصوصاً إذا ما ظل الكرملين منشغلاً بالصراع على السلطة.

مشكلات عدم الاستقرار في الصين

أما بالنسبة إلى الصين فقد تباطأ نموها الاقتصادي السنوي وقد يصل قريباً إلى أرقام معدلات منخفضة، بعد أن هرب رأس المال من البلاد وباع المستثمرون الأجانب مليارات عدة من الدولارات من السندات الصينية ومليارات الدولارات الأخرى في الأسهم الصينية. وفي الوقت نفسه تقدم سكان الصين في السن وتقلصت قوتها العاملة، الأمر الذي لا يبشر بالخير بالنسبة إلى الاستقرار الداخلي في المستقبل، فمن خلال تقويض مستوى معيشة المواطن الصيني العادي يمكن أن تهدد السلام الاجتماعي، وقد تمتد الاضطرابات إلى الخارج.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى سبيل المثال يمكن للاضطرابات الاقتصادية أو السياسية في الصين أن تطلق العنان لاضطرابات إقليمية داخل البلاد، وتشجع الهند وكوريا الشمالية اللتين تقيدان سياساتهما الخارجية بسلوك بكين.

ويحذر رئيس مؤسسة السياسة الأميركية الصينية تشي وانغ هو من تحول الصين مرة أخرى إلى فوضى اقتصادية أو عنف مثلما حدث عقب الحرب العالمية الثانية، مشيراً إلى أن التداعيات ستكون أسوأ بالنظر إلى أن الصين حالياً تضم أكثر من سدس سكان العالم، وبسبب العولمة أصبح اقتصاد الصين متشابكاً مع اقتصاد العالم أكثر من أي وقت مضى. ولهذا فإن انهيار الصين أو حتى انحدارها سيمتد أثره عبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ والعالم بأسره.

ويعتبر الباحث في معهد كاتو كلارك باكارد أن إلحاق الضرر بنحو 1.3 مليار صيني لا علاقة لهم بالحزب الشيوعي ينذر بالخطر، لأن من شأن أي انزلاق قوي للصين أن يؤذي أيضاً الأميركيين من ذوي الدخل المنخفض والأقل ثراءً في جميع أنحاء العالم بسبب تداعيات تعثر ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

سيناريوهات البقاء

وبسبب هذه التحولات التي يشهدها العالم الآن من المحتمل أن تتشكل قوة عالمية جديدة، وفقاً لنتيجة المنافسات العسكرية والتطورات العالمية والداخلية. وفي أحد السيناريوهات تتراجع روسيا بشكل حاد بسبب حربها في أوكرانيا، وتجد الصين أنه من الصعب تحقيق قوة اقتصادية وتكنولوجية مستدامة في ظل الحزب الشيوعي الصيني الذي يرتد إلى اللينينية الأرثوذكسية، بينما تتغلب الولايات المتحدة على الاضطرابات الداخلية، وفي النهاية تعاود الظهور كقوة أحادية القطب كما حدث بعد الحرب الباردة.

وفي السيناريو الثاني يظهر عالم ثنائي القطب من الولايات المتحدة والصين، التي تحافظ على حراكها الاقتصادي حتى عندما تصبح أكثر استبداداً.

أما السيناريو الثالث فهو التراجع التدرجي لجميع القوى الثلاث، مما يؤدي إلى درجة أكبر من الفوضى في النظام الدولي.

وعلى رغم أن لا قوة عظمى تدوم إلى الأبد فإن المثال الأكثر إثارة للإعجاب على الصمود هو الإمبراطورية البيزنطية التي استمرت من 330 بعد الميلاد حتى غزو القسطنطينية خلال الحملة الصليبية الرابعة عام 1204، ثم استمرارها ضعيفة حتى هزمها العثمانيون عام 1453. وسبب استمرارها على مدى أكثر من ألف عام ربما يعود إلى عوامل عدة، أبرزها أنها كانت أقل ميلاً لتدمير أعدائها وإدراكها أن عدو اليوم يمكن أن يكون حليف الغد. وهو أمر لم يكن سهلاً أن تتبعه الولايات المتحدة التي تحاول فرض أجندتها على الآخرين، حتى عندما يؤدي ذلك إلى الإضرار بالمصالح الجيوسياسية لها.

لكن بعد دروس العراق وليبيا وأفغانستان جاء رد إدارة بايدن المحسوب نسبياً في أوكرانيا، بعدم اشتراك قوات أميركية في الحرب وتقديم النصح غير الرسمي للأوكرانيين بعدم توسيع حربهم إلى الأراضي الروسية، وهو ما يمثل نقطة تحول قد تساعد في تجنب الحروب الكارثية.

مع ذلك يروج البعض في واشنطن إلى أن مصير الولايات المتحدة هو التورط في أزمات خارجية وبعضها بالقوة العسكرية، على اعتبار أن تلك هي طبيعة العالم المتزايد في الكثافة السكانية والمتشابك مع بعضه بعضاً، وعلى أساس أن القوى العظمى ظلت على قيد الحياة دائماً بهذه الطريقة.

المزيد من تقارير