Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"السيناريو القبرصي" يزيد تعقيد المشهد الليبي

توقيع عدد من مذكرات التفاهم بين حكومة الدبيبة وأنقرة أثار التساؤلات والمخاوف

بدأت هواجس الشعب الليبي ترتفع منذ 2020 خشية سقوط المنطقة الغربية تحت النفوذ التركي عندما صرح أردوغان بأنه "بصدد استرجاع النفوذ العثماني في ليبيا" (أ ف ب)

أثار اهتمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالقطب الغربي الليبي مخاوف محلية ودولية من تحويل الجزء الغربي إلى منطقة تركية، لا سيما على أثر استغلال أردوغان الانقسام السياسي والتقهقر الأمني الذي يعصف بالبلد منذ انهيار نظام معمر القذافي عام 2011، حيث عمل على دعم رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج عسكرياً، خلال حرب الرابع من أبريل (نيسان) 2019، التي شنها قائد قوات الجيش بالشرق الليبي خليفة حفتر على طرابلس، مقابل توقيع تركيا على مذكرتين، لحقتهما مذكرة تفاهم أخرى مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، بداية الشهر الحالي، تتيح لتركيا التنقيب على النفط والغاز في السواحل البحرية وفي الصحراء الليبية إضافة إلى التدريب الأمني للقوات المسلحة بالغرب الليبي.

الحماس التركي تجاه ليبيا فجر موجة من المخاوف يأتي على رأسها تكرار السيناريو القبرصي في ليبيا خصوصاً في ظل تعبير اليونان عن رفضها هذه المذكرة، إذ سبق وشهدت قبرص نزاعاً تركياً يونانياً عام 1976 انتهى باقتطاع الجزء الشمالي منها لصالح تركيا عام 1983 في وقت بقيت المنطقة الوسطى والجزء الجنوبي تابعين لليونان.

وبدأت هواجس الشعب الليبي ترتفع منذ 2020 خشية سقوط المنطقة الغربية تحت النفوذ التركي، عندما صرح أردوغان بأنه "بصدد استرجاع النفوذ العثماني في ليبيا"، ليؤكد بعد ذلك نائبه فؤاد أقطاي أن "بلاده تسعى إلى تحويل الغرب الليبي إلى منطقة تركية تبدأ بانتشار الجنود الأتراك وصولاً إلى الانفصال".

ووصلت أسهم المخاوف من الخطر الذي يحدق بسيادة البلد وأمنه القومي إلى ذروتها على أثر توقيع المذكرة الليبية- التركية، الإثنين 26 سبتمبر (أيلول)، حيث استبعد عدد من الباحثين في الشأن الليبي إعادة السيناريو القبرصي في البلد بينما أكد آخرون أن مصير ليبيا سيكون أخطر مما تعرضت له قبرص وستتحول إلى أرض خصبة للصراع الإقليمي على الثروات المنجمية بخاصة في ظل الفقر الطاقوي الذي يعصف بأوروبا على خلفية الأزمة الروسية- الأوكرانية.

إحياء صراع شرق المتوسط

وقال الأكاديمي والباحث في العلاقات الدولية أحمد عبود، إن "ما ينتظر ليبيا هو أخطر بكثير من السيناريو القبرصي إذ ستؤدي هذه المذكرات الموقعة بين تركيا وكل من حكومة السراج وحكومة الدبيبة إلى إحياء الصراع في شرق المتوسط باعتبار أن النزاع التركي- اليوناني على المياه الاقتصادية الإقليمية (صيد السمك) يعود إلى ما قبل 2011، لكنه تحول اليوم إلى صراع حول التنقيب على الغاز والنفط". وأضاف عبود "الخارجية الليبية في حقبة القذافي ترددت كثيراً في ترسيم المياه الاقتصادية الإقليمية خصوصاً أن تركيا لم تصادق إلى حد الآن على اتفاقية أعالي البحار التي خرجت للنور عام 1982 ووقعت عليها ليبيا عام 1994"، وأوضح أن "الدول التي تشترك مع ليبيا في شرق ساحل المتوسط على غرار اليونان ومصر وبخاصة إيطاليا التي تعد الجارة البحرية رقم واحد بالنسبة إلى ليبيا لن تصمت، لا سيما أن المناطق البحرية التي ستبدأ فيها تركيا بالتنقيب على الغاز والنفط من أكثر المناطق ثراء بهذه المواد ما سيجعل ليبيا سبباً في إحياء صراع شرق المتوسط من جديد الذي سبق واندلع بين تركيا واليونان حول جزيرة قبرص".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف المتخصص في العلاقات الدولية أن "تركيا تحاول الوصول إلى تنفيذ مشروعها المتمثل في ’الوطن الأزرق’ لكن خلافاتها حول ترسيم المياه الاقتصادية الإقليمية مع كل دول شرق المتوسط حال دون ذلك، فحاولت استغلال الهشاشة السياسية لكل من السراج والدبيبة لتحقيق مكاسب تساعدها على أن تكون في موقف قوة (النفط والغاز الليبي) خصوصاً أنها تواجه منتدى غاز شرق المتوسط الذي توجد فيه كل من مصر واليونان وإسرائيل. وحذر من اندلاع حرب بسبب المذكرة الليبية التركية بخاصة في ظل الفقر الطاقوي الذي تتخبط فيه الدول الأوروبية التي ستعيش شتاء قارساً بسبب الحرب الروسية– الأوكرانية، وتعطل إمدادات الغاز نحوها وأيضاً في ظل تعطل خط الغاز الممتد بين ليبيا وإيطاليا بسبب عمل تخريبي في الفترة الماضية. وقال عبود إن "كل هذه المؤشرات تقول إن المنطقة مقبلة على اشتعال إقليمي ستكون وقوده الاتفاقية التركية- الليبية التي قد تنتهي بسقوط المنطقة الغربية تحت سيطرة تركيا خصوصاً أنها ستكون موجودة بالسواحل الليبية ولديها قوة عسكرية على الأرض".

السيناريو القبرصي مستبعد

من جانبه، استبعد الباحث بالمركز المغاربي للإعلام والدراسات عز الدين عقيل، هذا السيناريو لأن وضع ليبيا يختلف تماماً عن قبرص، حيث كانت الأرض هي محور الصراع بين اليونان وتركيا، وانتهى بتقسيمها بين قبرص الشمالية التي تتمتع بحكم ذاتي في تركيا وقبرص الجنوبية التابعة لليونان، التي تكاد تكون دولة متكاملة الأركان وأكثر استقلالاً من قبرص الشمالية. وأكد عقيل أنه من "الصعب أن نشهد مواجهة بين الأتراك واليونانيين في ليبيا"، واستردك "في المقابل، يمكن أن يندلع صراع مباشر بينهم على ليبيا وعلى مناطق أخرى من بينها الجانب الشرقي للمتوسط لكي تدعي كل دولة حقوقها فيه".

وأشار عقيل إلى أن "اليونان ملتزمة باتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982 التي تحدد معايير التخريط البحري بينما تركيا تعتمد معايير تخريط بحرية أقدم ومتفق عليها قبل اتفاقية 1982، وأكبر دليل على أن ليبيا وتركيا على حق، اعتماد الأمم المتحدة للمذكرة الأولى بين ليبيا وتركيا في عهد حكومة السراج سنة 2019 والمتعلقة بالتخريط البحري بين الدولتين، لذلك مسألة إعادة السيناريو القبرصي في ليبيا غير واردة نهائياً".

حرب

وبخصوص إمكانية قيام حرب بينهما في ليبيا، أكد أنه "أمر غير منطقي بسبب عدم وجود توازن للقوى بينهما، فاليونان لا تمتلك قوات أمنية في ليبيا، في المقابل تركيا لديها قاعدة عسكرية كاملة في الوطية (نهاية الحدود الغربية قرب الحدود اللبيبة التونسية)، وستتمركز للتنقيب على النفط والغاز في السواحل البحرية الليبية وستجلب قوات أمنية بحرية لحماية منشآتها". وأوضح عقيل أن مسألة تقسيم ليبيا بين تركيا واليونان غير منطقية لأن هذه الاتفاقية جاءت لتبادل الشرعيات، أو بمعنى أدق هي حال انتهازية من قبل أردوغان للدبيبة الذي حصل من خلالها على اعتراف دولي بشرعيته مقابل منافع اقتصادية لتركيا، لأن الخطوات التركية دائماً ما تكون مدعومة من الدول العظمى، بالتالي هذه الاتفاقية أعطت بعداً شرعياً للدبيبة على حساب باشاغا. وختم بأن "إيطاليا وفرنسا المتصارعتين على ليبيا لن تسكتا على هذه الامتيازات التي تحصل عليها أردوغان في السواحل البحرية الليبية، لذلك من المنتظر أن نرى صراعاً إيطالياً- فرنسياً ضد أردوغان لأن الساحل الليبي يعتبر الساحل الرابع بالنسبة لأوروبا". وحذر عقيل من "توجه أردوغان للتنقيب على النفط في الصحراء الليبية لأنه سيدخل ليبيا في صراع دولي وفرنسا وإيطاليا لن تسكتا".

المزيد من متابعات