Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نفط لبنان "التائه" وسط التجاذبات السياسية

القطاع دخل أسوة بغيره في سياق الصراعات الداخلية والإقليمية

انطلق الحديث الجدي في لبنان عن قطاع النفط بعد انسحاب الجيش السوري عام 2005 (أ ب)

منذ استقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي عام 1943 واقتصاد البلاد يرتكز على القطاع المصرفي والخدمات والسياحة، لكن دراسات واستكشافات أظهرت وجود كميات تجارية ضخمة من النفط والغاز على الساحل الشرقي للمتوسط، لا سيما ضمن المياه الإقليمية لبيروت قادرة في حال استثمارها أن تشكل نقلة نوعية على مستوى الاقتصاد.

انطلق الحديث الجدي في لبنان عن قطاع النفط بعد انسحاب الجيش السوري عام 2005، إذ بدأت الحكومات المتعاقبة وضع آليات قانونية للشروع في التنقيب عن النفط واستقطاب شركات عالمية للاستثمار في هذا القطاع من خلال تأسيس "هيئة إدارة قطاع البترول".

وهيئة إدارة قطاع البترول هي مؤسسة عامة ذات طابع خاص تتألف من ست وحدات (التخطيط الاستراتيجي والشؤون الفنية والهندسية والجيولوجيا والجيوفيزياء والشؤون القانونية والشؤون الاقتصادية والمالية والجودة والصحة والسلامة والبيئة) خاضعة لوصاية وزير الطاقة والمياه، ثم لرقابة رئاسة الحكومة.

وعلى رغم إنشاء هيئة لإدارة قطاع البترول وتشريع القوانين الأساسية وإقرار المراسيم التطبيقية، إضافة إلى تلزيم البلوكات النفطية، دخل هذا القطاع، أسوة بغيره، في سياق التجاذبات السياسية الداخلية والإقليمية، الأمر الذي حرم اللبنانيين فرصة لانتشالهم من الانهيار الاقتصادي والنهوض والازدهار والتخلص من المديونية.

تسييس الملف

رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل حاول أن ينسب لنفسه التقدم المحرز في القطاع النفطي ونشر عام 2012 دعاية انتخابية تتضمن عبارة "لبنان بلد نفطي... شكراً جبران باسيل"، الأمر الذي اعتبره خصومه محاولة تسييس لهذا الملف الحيوي.

ومنذ ذلك الحين انسحب الصراع السياسي على هيئة إدارة البترول التي بات تعيين الخبراء والمستشارين والعاملين فيها مندرجاً في إطار المحاصصة بين القوى السياسية، الأمر الذي جعلها عنواناً نفطياً غير فاعل ومنصة لهدر الأموال العامة، إذ يتقاضى العاملون فيها رواتب تعتبر الأعلى ضمن الإدارة اللبنانية من دون أن يكون هناك أي مردود مالي طيلة 12 عاماً متتالياً، علماً أن الهيئة تعمل بالتكليف منذ بداية عام 2019 بعد انتهاء ولايتها.

ويعتبر النائب السابق إيدي معلوف أن الفضل في إحياء مشروع النفط في لبنان يعود إلى باسيل الذي سعى على رغم الضغوط الدولية والمحلية إلى تنظيم هذا الملف.

وقال معلوف إن الهدف هو أن تكون للبنان قدرات اقتصادية تؤمن للأجيال المقبلة استقراراً وازدهاراً اقتصادياً، مضيفاً أن بعض القوى السياسية عمل على تسييس الملف وحاول عرقلة جهود باسيل.

في المقابل تحمل مصادر في الحزب التقدمي الاشتراكي، ما تعتبره "جشع الفريق العوني للسلطة" مسؤولية تسييس الملف النفطي إسوة بملف الكهرباء، مشيرة إلى أن جميع الملفات التي أدارها جبران باسيل كان مصرها الفشل.

توغل المنظومة

في السياق ذاته أشارت الباحثة في شؤون اقتصاد الطاقة زينة منصور إلى أنه "لو تبين أن لبنان يختزن كميات ضخمة من البترول يكون فعلاً يتجاوز أهمية إنشاء الهيئة العامة لإدارة النفط والغاز التي تقدمت كتلة اللقاء الديمقراطي في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2021 باقتراح قانون لتعديل دورها من الهيئة العامة لإدارة قطاع البترول إلى الهيئة الناظمة وتوسيع صلاحياتها من الدور الاستشاري إلى صلاحيات تقريرية بموجب القانون 132 لسنة 2010 والمرسوم التنفيذي الذي صدر في 2012"، وترى أن "مهمات هذه الهيئة تأتي من الناحية الاستشارية فقط وترفع تقارير غير ملزمة لوزير الوصاية، أي وزير الطاقة والموارد المائية الذي يرفعها بدوره إلى مجلس الوزراء لدراستها واتخاذ المناسب من القرارات، شرط تبرير هذه القرارات بالأدلة المناسبة، لكن تقاريرها واستشاراتها غير ملزمة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت منصور "في ما لو لبنان دولة نفطية كما هو معلن حتى الساعة، فإن حاجته لتنظيم قطاع البترول تتجاوز الهيئة الناظمة للغاز والنفط إلى إنشاء وزارة البترول على أن تبقى وزارة الطاقة هي وزارة الكهرباء والموارد المائية"، موضحة أن "دور الهيئة بصلاحياتها التي استمرت من 2012 إلى 2018 كان استشارياً غير ملزم وكان الهجوم عليها من قبل جمعيات المجتمع المدني"، ولفتت إلى أن "الهيئة من صلب دورها أن تتواصل مع المنظمات الدولية في مجال البترول، فضلاً عن المؤسسات الأكاديمية والجامعات ومنظمات المجتمع المدني، وإن أردنا تطوير هذا القطاع فلا يكفي وجود الهيئة الناظمة بل يجب وجود وزارة النفط والغاز وأن تكون هناك وزارة للموارد المائية والكهرومائية".

وتقترح كتلة اللقاء الديمقراطي أن يخضع الدخول إلى الهيئة الناظمة لمجلس الخدمة المدنية، فيما تخضع العقود التي تضعها هذه الهيئة بدورها لإدارة الشراء العام، وفق منصور التي أكدت أن لبنان لا يمكنه الاستمرار من دون وزارة نفط إذا كان يتجه فعلاً نحو دولة نفطية، كما لا يمكنه الاستمرار بلا مراقبين دوليين محايدين وخبراء ومستشارين دوليين من دول عريقة في تجربة استخراج النفط منذ خمسينيات القرن الماضي.

وفي ما يتعلق بكلفة الهيئة العامة لإدارة القطاع كشفت منصور عن أنها تقدر بين 7 ملايين دولار و12 مليون دولار خلال ستة أعوام، لكن عندما أقر راتب العضو من الأعضاء الستة بـ25 مليون ليرة، أي ما يقارب 16666 دولاراً، ما يعني أن راتب العضو خلال السنة الواحدة يبلغ 200 ألف دولار.

ولفتت إلى أن هذه العملية الحسابية للكلفة المهدورة تضاف إليها ملايين أخرى للاستشاريين وبعض الدراسات، إلى جانب الكلفة التشغيلية للمبنى وغيرها من المصاريف لتتجاوز بتقديرها 100 مليون دولار مقابل صفر عائد.

شركات وسيطة

في السياق ذاته أوضحت منصور أن هذه الطبقة السياسية بكل أركانها المتوغلة في الهيئة الناظمة وجميع مديريات وأقسام وزارة الطاقة والحكومة ومجلس الوزراء مجتمعاً قادرة على إنشاء شركات وسيطة، بعضها متخصص في النقل أو الشحن أو التكرير والتخزين والبيع، وشددت على ضرورة إعادة دراسة جميع الشركات التي أنشئت منذ بدء عمل الهيئة الناظمة أي منذ عام 2010 حتى تاريخ اليوم لمعرفة من هي هذه الشركات التي تتقدم بعروض ومناقصات بأسماء شركات وهمية.

وللاستيضاح عن تلك المعلومات اتصلت "اندبندنت عربية" بأعضاء من الهيئة إلا أنهم فضلوا عدم التصريح لأسباب تقنية وإدارية.

في تصريح سابق رفض رئيس هيئة إدارة قطاع البترول وليد نصر الاتهامات الموجهة إلى الهيئة بعدم الفاعلية والمحاصصة السائدة بعملها، مشيراً إلى أن قطاع ​النفط​ والغاز يتطلب قوانين خاصة يجب العمل عليها وهذا أحد أسباب بطء نشاطها ومؤكداً أن وزارة الطاقة منذ عام 2006 باشرت العمل لتطوير هذا القطاع.

الغموض والمحاصصة

بالنسبة إلى مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتايان يعتري استمرار الهيئة في عملها غموض المبرر القانوني بعد انتهاء ولايتها منذ أربعة أعوام، إذ إن موازنة الهيئة متوقفة، وتساءلت عن الآلية غير الواضحة التي تعتمدها الدولة للاستمرار في تأمين موازنتها من خارج موازنة شفافة.

وقالت هايتايان إن "آلية عملها ترتكز على المحاصصة بين الأحزاب لتضع كثيراً من أصحاب الكفاءات في قطاع النفط خارج سباق المنافسة المفترض خوضه بين أصحاب الكفاءات من الطوائف كافة"، لافتة إلى أن تشكيل الهيئة يجسد دليلاً واضحاً وفاضحاً على "المحاصصة"، وأردفت "فيما تؤكد الحكومات المتعاقبة اعتمادها آلية علمية تنافسية شفافة في جميع التعيينات الإدارية والكفيلة بإيصال الكفوء بعيداً من المحاصصة، لا تزال أبواب كثيرة مفتوحة لتنساب منها المحسوبيات بطريقة مرنة".

ومع تفاقم الوضع الاقتصادي وتدهور قطاعاته تتجه الأنظار إلى الثروة النفطية وفي حال صحت التوقعات حيالها فإن النفط والغاز سيشكلان مورداً لإعادة بناء وصوغ هيكلية جديدة للاقتصاد، لكن هايتايان تشير إلى أن الهيئة المسؤولة في هذا القطاع لا تمتلك سوى قرارات استشارية أكثر منها ناظمة، إذ إن قانون الأنشطة البترولية على البر رقم 132/2010 والصادر عام 2010 الذي حدد عملها كهيئة ناظمة وليس كهيئة استشارية، يوضح أن أداءها أقرب إلى الهيئة الاستشارية، فيما بات التدخل السياسي فاضحاً من خلال الحكومة.

خمس سنوات

بدورها أوضحت المحامية والمتخصصة في شؤون الطاقة كريستينا أبي حيدر أن الدولة اللبنانية لم تدفع أية أموال لاستكشاف الغاز والنفط، إنما الشركات التي خلقت هذا الائتلاف هي التي قدمت السيولة اللازمة لاستخراج النفط، وقالت إن "هناك احتمالاً كبيراً أن يصبح للبنان نفط وغاز، كون إسرائيل ومصر وقبرص تمتلك النفط والغاز، والدراسات الجيولوجية التي أجريت تضع بدورها هذه الفرضية، لكن من دون تحديد الكمية المتوقع استخراجها ولا كلفتها".

وأكدت أن "عملية الاستكشاف هذه تتطلب دراسة معمقة من قبل شركات متخصصة، وهذا لا يمكن أن يحصل بين ليلة وضحاها، مما يعني تلقائياً أن عملية الاستخراج قد تتطلب أعواماً عدة، ربما تتراوح بين خمس أو ست سنوات".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير