Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجزائر "العاصمة البيضاء" تفقد لقبها في زحمة الألوان

مطالبات بسن قوانين وتشريعات أكثر صرامة تتعلق خصوصاً بشكل البناء الخارجي

أحد أزقة مدينة القصبة في الجزيار (الإذاعة الجزائرية)

بين ضغط النمو الديمغرافي وتجاهل اللمسة الجمالية تواجه الجزائر أزمة هوية عمرانية، بعد أن انتشرت البنايات المربعة والمستطيلة أفقياً وعمودياً في مختف المناطق، فيما أخذت البنايات الفردية في التوسع بشكل عشوائي هندسياً وتشييداً.

اختلالات وفوضى وتصنيف

ويلاحظ المتجول في شوارع مدن الجزائر اختلالات غير مفهومة في المنظر العام، تطبعها فوضى عمرانية تطرح تساؤلات واستفهامات عدة، في ظل افتقاد المباني الحديثة المترامية على أطراف المدن لكل معالم الهوية العمرانية في مقابل البنايات الموروثة عن فترة الحكم العثماني والاحتلال الفرنسي التي لا تزال تحافظ على جمالها على رغم اهتراء بعضها. وهي تمثل الهويتين العثمانية المتسمة بالأقواس والزخارف ونقوش الحرف العربي، وما يرتبط بالحضارة الإسلامية والفرنسية المعروفة بمنحوتاتها وتماثيلها وهندستها الجمالية التي تشير إلى الحضارة الغربية المسيحية.

ويكشف احتلال مدينة الجزائر المرتبة 146 في آخر تصنيف للمدن التي يصعب العيش فيها عبر العالم، عن حقيقة الوضع الذي باتت عليه عاصمة البلاد بسبب ظواهر وتعديات نتيجة التصميم العمراني الذي شهدته مختلف المناطق منذ سنوات التسعينيات. إذ يشدد المهتمون بالهندسة والعمران على أن عدم احترام الجماليات في تشييد البنايات، يقدم مدناً باهتة غير صالحة لأن تكون نموذجاً للمدن المتحضرة.

الإسكان قبل الجمال

وفي السياق أشار الباحث في التاريخ والهندسة المعمارية مصطفى بن حموش إلى أن فرنسا امتلكت جيشاً من المعماريين، وكانت حريصة على أن يبقى الجمال العمراني طاغياً، وتبقى الواجهة في الشارع موحدة، لكن في الوقت الحالي فقدت الجزائر الثقافة العمرانية. وأضاف أنه على رغم أن الجزائريين بعد الاستعمار الفرنسي حافظوا قليلاً على المتعارف من أنواع البنايات، خصوصاً في جنوب البلاد مثل "غرداية" و"وادي سوف"، غير أن الوضع تدهور تدريجاً بعد أن أصبحت طاغية لدى السلطات فكرة الإسكان بعيداً من الاهتمام بالحفاظ على ثقافة عمرانية واحدة.

قوانين وتشريعات أكثر صرامةً

من جانبه اعتبر أستاذ القانون نجيب بيطام أن "أسوأ نمط عمراني في قارة أفريقيا، هو ذلك الموجود في الجزائر. فقطاع غزة بكل ما جرى فيه من حروب، لا يزال يحافظ على اللون الأبيض فحسب، في حين أنك تجد الجزائر العاصمة الملقبة بـ (العاصمة البيضاء) مزخرفة من دون نمط عمراني واحد". وأوضح أنه على رغم وجود القوانين العمرانية والمعايير التي تنظم هذا المجال، إلا أنه لا توجد متابعة ولا مراقبة أو تطبيق من قبل شرطة العمران، أو جهات الرقابة التقنية التي تركز جهدها غالباً على محاربة البناء الفوضوي فحسب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع بيطام أنه بات من الضروري سن قوانين وتشريعات أكثر صرامة، مثل منح رخص مرفقة بتعهد لاستكمال البناء وفق الضوابط والمعايير، لاسيما من ناحية الحفاظ على الشكل الخارجي، ويشمل ذلك تصميم البناء وطلاء المنزل من الخارج، مع معاقبة المخالفين لهذه التشريعات بشدة، لتنظيم النمط العمراني في البلد والحفاظ عليه من التشوهات.

البناء الفردي العشوائي

في حين تبرر الحكومة الوضع الذي بات عليه عمران البلاد إلى ضغط طلبات السكن نتيجة النمو الديمغرافي، خصوصاً في المدن جراء الأزمة الأمنية التي فرضت على سكان المناطق الداخلية والريفية، للاقتراب من المدن والتجمعات السكنية الكبرى، فإن البناء الفردي العشوائي له مبررات يكشف عنها المهندس المعماري عبدالحق ضيف قائلاً إن البناء من دون تخطيط ولا مراعاة للحس الجمالي، نابع في الأساس من عدم الاعتماد على مكاتب دراسات مختصة في مجال الهندسة والعمران، بل إن كثيرين ممن يلجؤون إلى المختصين في الهندسة المعمارية، لا يعتمدون على المخططات التي وضعت تحت تصرفهم. وأضاف أن كل مواطن يشيد بحسب ما يملك من مال وعدد أفراد العائلة، أما الأبعاد الجمالية فهي آخر الاهتمامات، حتى الميسورين منهم يشيدون عمارات وفيلات ضخمة من دون أية لمسة فنية أو جمالية.

ويواصل ضيف أن المتجول في شوارع وأزقة بعض المناطق يلاحظ كثرة البنايات غير المكتملة بسبب العجز المالي لأصحابها، تجاور مبان زجاجية من خمسة طوابق، ما يمنح أحياء يصعب تصنيفها بين عصرية وفاخرة وشعبية، الأمر الذي خلق أحياء مشوهة عمرانياً.

أكثر من ثلاثة ملايين و600 ألف وحدة سكنية

أكثر من ثلاثة ملايين و600 ألف وحدة سكنية بصيغ مختلفة شيدتها الحكومات المتعاقبة منذ 1999، لكن بهندسة بعيدة من خصوصية الفرد الجزائري وهويته ومضمون حضارته، بل بالعكس جاءت بلمسة جافة وخالية من الإبداع، على رغم القدرة لجعلها تتمتع بمزايا جمالية وجعلها مقصداً سياحياً. وهو ما أشار إليه الرئيس عبدالمجيد تبون على هامش توزيع جائزة الهندسة العمرانية، حين قال إن "الأحياء السكنية التي تم إنجازها هي مجرد مراقد".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات