Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النساء يتصدرن قيادة أوروبا في الحرب والأخطار

يظهرن كفاءة في إدارة الأزمات وقائدات اليمين في صعود من تاتشر وميركل وحتى ليز تراس

من بين 16 قيادة نسائية في أوروبا فإن أولئك اللائي يتقلدن السلطة التنفيذية تتراوح أعمارهن بين 36 و55 سنة (أ ف ب)

في الصورة التي جمعت قادة "قمة الهند وبلدان الشمال الأوروبي" في كوبنهاغن مايو (أيار) الماضي، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس الوزراء النرويجي غوناس غار ستور الرجلين الوحيدين في مجموعة من ستة رؤساء دول، إذ كان جميع رؤساء الوزراء الأربعة من الدنمارك وفنلندا وإيسلندا والسويد من النساء، كما تشمل البلدان الأخرى التي تشغل فيها النساء مناصب عليا في أوروبا مولدوفا وإستونيا وفرنسا واليونان والمجر وأيسلندا وكوسوفو وليتوانيا وصربيا، وأخيراً انضمت لها المملكة المتحدة بعد انتخاب رئيسة الوزراء ليز تراس، وإيطاليا بعد انتخاب جورجيا ميلوني، جنباً إلى جنب مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.

بوادر الصحوة النسائية

في حين أن هذه النسبة من التمثيل النسائي ليست المرجوة في أوروبا التي تسعى لنسبة تمثيل تبلغ 50 في المئة على صعيد البرلمانات والحكومات الأوروبية، غير أن وجود أكثر من 16 سيدة على رأس الدول والمناصب الأعلى في القارة العجوز ينظر إليه باعتباره خطوة كبيرة وثمرة لجهود ماضية لتمكين النساء في أوروبا، وربما يتساءل آخرون عما إذا كان المشهد هو بوادر صحوة نسائية أوروبية.

من بين 16 قيادة نسائية في أوروبا، فإن أولئك اللائي يتقلدن السلطة التنفيذية تتراوح أعمارهن بين 36 و55 سنة، وترى أومو بافا الأستاذة ورئيسة برنامج "جان مونيه" لدي مركز الدراسات الأوروبية في جامعة "جواهر لال نهرو"، أن صعود القيادات النسائية يرجع إلى عوامل مثل السياسة التقدمية والتمثيل الأفضل في إطار برامج الاتحاد الأوروبي وظهور جيل الشباب.

وتضيف في تعليقات صحافية سابقة "كان هناك تحرك تصاعدي عام في أوروبا نتيجة لسياسات الرفاه والتقدمية على مر السنين، وقد ساعد كثير من برامج الاتحاد الأوروبي أيضاً في الضغط من أجل تمثيل سياسي أكبر للمرأة، لذا قد يكون هذا انعكاس لذلك".

وتشير إلى أن معظم القيادات النسائية مثل رئيسة وزراء فنلندا سانا مارين، صغيرات سن بالنسبة إلى المناصب التي يشغلن، فهذه المجموعة الشابة تفكر بشكل مختلف في السياسة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لدعم قيادة المرأة وزيادة عدد النساء في مراكز صنع القرار وبخاصة البرلمانات الأوروبية، فإنه وفقاً لموقع "عين على أوروبا" أدخلت أنظمة تخصيص الحصص في عديد من الانتخابات البرلمانية لدى الدول الأوروبية، سواء من الناحية التشريعية أو الطوعية.

فمن الناحية النظرية، تجبر هذه الأداة الأحزاب السياسية على تقديم قوائم متوازنة بين الجنسين للمرشحين، على الرغم من عدم فرض نظام "الكوتا". وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، وضعت سياسات لدعم المرأة في السياسة.

أدت كل هذه الإجراءات بلا شك إلى زيادة حضور المرأة في البرلمان الأوروبي الذي شهد زيادة مطردة في نسبة الأعضاء النساء من 16 في المئة عام 1979 إلى 39.5 في المئة عام 2021. ومع ذلك، يرى المراقبون في أوروبا أن هذه الإجراءات لم تترجم في أية دولة أوروبية إلى مساواة فعالة بين الجنسين داخل الهيئات التشريعية.

القيادة وقت الأزمة

يتصادف تولي أولئك النساء لتلك المناصب الأعلى مع مرور القارة العجوز بما يمكن وصفه بأنه "أحلك أوقاتها" منذ الحرب العالمية الثانية، حيث تواجه تهديداً أمنياً وأزمة اقتصادية ناهيك بأزمة الطاقة في ظل الحرب الروسية - الأوكرانية المتفاقمة، ما قد يدفع بتدقيق أكبر في أداء تلك الحكومات التي تتزعمها قيادات نسائية، بخاصة أن النساء طالما كن موضع انتقاد وتدقيق أكثر من نظرائهن من الرجال.

لكن بالعودة أكثر قليلاً من عامين إلى الوراء وقت شيوع وباء كورونا عالمياً، فإن الدراسات الأكاديمية أظهرت أن تلك البلدان التي تقودها النساء أبدت أداء أفضل في مكافحة الفيروس القاتل الذي أودى بحياة نحو ستة ملايين ونصف المليون شخص حول العالم.

يقول معهد الجامعة الأوروبية في إيطاليا، "إذا أخذنا في الاعتبار المنظمات الدولية أو المناصب السياسية الحاسمة وراء رؤساء الحكومات، فقد زاد عدد القيادات النسائية حول العالم في العامين الماضيين".

ووفقاً لكوستانزا هيرمانين الباحثة لدى المعهد، فإن زيادة عدد القيادات النسائية لا ينبغي أن تكون مفاجأة كبيرة، إذ تميل المنظمات إلى اللجوء إلى القيادة النسائية في أوقات الأزمات.

وبحسب مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو"، "عندما تمنح النساء أخيراً فرصة لإثبات وجودهن في منصب رفيع، يمنحن شيئاً مكسوراً بالفعل بحيث تكون فرص الفشل عالية".

ويعتقد بعض المراقبين أنه يتم اختيار القيادات النسائية عندما تفقد المناصب العليا بعض جاذبيتها وسلطتها. ومن الأمثلة على ذلك تعيين فون دير لاين في ذروة نجاح الأحزاب المتشككة في الاتحاد الأوروبي وتعيين أوكونغو إيويالا عندما فقدت منظمة التجارة العالمية بالفعل معظم شرعيتها.

مع ذلك، يقول المعهد الأوروبي إن النساء تظهر عادة كفاءة في إدارة الأزمات، فبينما يحرص الرجال على تجنب المخاطر الاقتصادية، فإن النساء أكثر استعداداً لتحمل تلك المخاطر على المدى القصير لتجنب مخاطر أخرى مثل فقدان الأرواح، وربما هذا ما يفسر على سبيل المثال إقدام البلدان التي تقودها النساء على إجراءات الإغلاق في وقت مبكر خلال جائحة فيروس كورنا.

وباختصار، تقول هيرمانين إن استراتيجية تجنب المخاطر التي تمارسها النساء تضمن أيضاً انتعاشاً اقتصادياً أكثر استدامة في أعقاب الجائحة. على الرغم من أن هذه النتائج تظل محل خلاف، حيث يشير آخرون إلى أن حجم عينة البلدان التي تقودها النساء في المناصب التنفيذية (نحو 16 من 194) صغير جداً بحيث لا يمكن أن يقدم أي استنتاج إحصائي قاطع.

ووفقاً لورقة بحثية نشرها معهد اقتصادات العمل في بون بألمانيا، فإنه على صعيد البلدان النامية، أدت الزيادة في التمثيل السياسي للمرأة إلى توفير أفضل للمنافع العامة، لا سيما في ما يتعلق بالتعليم والصحة.

 وفي البلدان المتقدمة في حين لم يؤثر التمثيل النسائي الأعلى في السياسات العامة عند قياسها بأنماط الإنفاق، لكن تظهر الأدلة الحديثة أن التمثيل النسائي قد أحدث تغييرات في المداولات البرلمانية وخيارات سياسية محددة (مثل مزيد من الرعاية العامة للأطفال)، كما أدى ارتفاع التمثيل النسائي إلى تحسين الجودة المؤسسية من خلال الحد من الفساد وتقليص المدفوعات.

نساء اليمين يهيمن

واحد من الأمور التي يسعى المراقبون لتفسيرها على صعيد تقلد مزيد من النساء للمناصب الرئيسة في أوروبا، هو انتماء أغلب تلك القيادات النسائية للتيار اليميني سواء الوسط أو المتشدد، فأحدث مثال على ذلك هو رئيسة وزراء إيطاليا المنتخبة حديثاً التي تنتمي لحزب "إخوة إيطاليا" اليميني المتطرف، وكانت مارغريت تاتشر وهي أول رئيسة وزراء لبريطانيا ومن بعدها تريزا ماى وحالياً ليز تراس جميعهن من حزب "المحافظين" في المملكة المتحدة، وتنحدر رئيسة المفوضية الأوروبية دير لاين من الحزب الديمقراطي المسيحي المحافظ في ألمانيا، الذي تنتمي إليه إنغيلا ميركل المستشارة الألمانية السابقة الأكثر بقاء في المنصب لمدة16 عاماً. وتنتمي رئيسة البرلمان الأوروبي روبيرتا ميتسولا لحزب يميني من مالطا وتعرف بمناهضة الإجهاض، كما أن كريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي ووزيرة المالية الفرنسية السابقة جاءت أيضاً من حكومة يمينية.

على المستوى الأوروبي، يقول مراقبون إن جميع القيادات النسائية تنتمي إلى مجموعة "حزب الشعب" الأوروبي، وهو كيان يميني "معتدل"، لكنه كان سابقاً يضم أحزاباً ذات مواقف رجعية، كما أن بعض النساء ينتمين لليمين المتشدد، مثل الإيطالية ميلوني والزعيمة السياسية الفرنسية مارين لوبن.

وفي تقرير سابق طرحت شبكة "يورونيوز" تساؤلاً مفاده "لماذا كل هؤلاء النساء على يمين الطيف السياسي؟ والأهم من ذلك، لماذا يواجه اليسار الذي يزعم أنه أكثر اهتماماً بالمساواة بين الجنسين، عديداً من الصعوبات في تقديم امرأة قائدة؟".

يفترض المراقبون أن النساء من اليمين لديهن "قيم أسرية" قوية، بالتالي فهن "جديرات بالثقة"، إذ كانت لدى القائدات مثل تاتشر وميركل قيم عائلية تقليدية قوية، وعندما كن قادرات ليس فقط على الوصول إلى السلطة بل والاحتفاظ بهذه القيم أيضاً، نمت ثقة الناس بهن.

مع ذلك، لا يزال ينظر إلى قيادة البلاد على أنها دور "ذكوري" في أوروبا، ولا يزال ينظر إلى النساء، حتى لو أصبحن رئيسات دول أو رئيسات حكومات، من خلال تلك العدسة، وهو ما يوصي المراقبون في أوروبا باستمرار العمل على مكافحته من خلال برامج موسعة.

المزيد من تقارير