اتخذ أعضاء في مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي في بنغازي قراراً أربك المعاملات المالية واقتصاد الدولة، ونص على تعديل سعر صرف الدينار في مقابل سلة العملات الأجنبية في غياب محافظ المصرف الصديق الكبير الذي رفض تنفيذ القرار واعتبره باطلاً من الناحية القانونية.
واعتبر القرار الذي رفع قيمة الدينار الليبي بشكل طفيف مؤشراً جديداً إلى عودة المؤسسات الليبية الكبرى لمرحلة الانقسام التي كانت عليها عام 2019، بدأت مع تشكيل البرلمان لحكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا في مارس (آذار) الماضي، التي تتخذ حالياً مدينة بنغازي شرق البلاد مقراً لها.
رفع قيمة الدينار
مصرف ليبيا المركزي بنغازي عدل سعر الصرف الدينار أمام الدولار إلى 4.25 دينار بدلاً من 4.48 دينار للدولار الواحد اعتباراً من الـ 16 من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وأشار إلى أن "هذا السعر سيسري على جميع الأغراض والأوجه والعمليات التي يستعمل فيها النقد الأجنبي لكل الأفراد والجهات الاعتبارية والعامة والخاصة الوطنية وغير الوطنية".
وفي المقابل رفض مصرف ليبيا المركزي بطرابلس الاعتراف بالقرار، مؤكداً "استمرار العمل بالسعر السابق الذي حدده المصرف قبل عامين"، مؤكداً أن "لجنة سعر الصرف لم تجتمع لمناقشة تعديل سعر الدينار ولم تقدم أي دراسة لمجلس الادارة توصي فيها بتعديل سعر الصرف"، وشدد على أن "أية تصريحات منسوبة إلى أعضاء اللجنة لا تعبر إلا عن رأي أصحابها".
تحذير من تجاهل القرار
وبعد هذا البيان حمل مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي "المسؤولية الكاملة لجهات الدولة التشريعية والتنفيذية كافة في إجبار محافظ المصرف الصديق الكبير على تنفيذ قرار تعديل سعر الصرف، لأن المجلس هو المخول الوحيد بإصدار هذا القرار".
وقالت إدارة المجلس في بيان إنها "دعت إلى انعقاد اجتماع مجلس الإدارة للنظر في سعر صرف الدينار الليبي، إلا أن الصديق الكبير رفض المشاركة فيه على رغم ركود التضخم الذي يمر بها الاقتصادي الليبي والظروف السياسية والضغط اليومي على معيشة المواطن".
وأضاف أن "تجاهل هموم الناس وعدم القدرة على التجاوب مع متغيرات الاقتصاد المحلي والدولي دليل واضح على عدم القدرة وتحمل المسؤولية، وهو تأكيد لما ورد في تقرير ديوان المحاسبة من تجاهل متعمد من مجلس إدارة المصرف المركزي للظروف الاقتصادية للدولة".
قرار صحيح
نائب محافظ مصرف ليبيا المركزي علي الحبري قال إن "تعديل سعر صرف الدينار قرار صحيح، وتم اتخاذه خلال اجتماع مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي صحيح النصاب، بحسب القانون المصرفي المعمول به". وأضاف، "نفي المركزي في طرابلس العمل بالقرار الصادر اليوم لا يعني شيئاً، فهذا اختصاص المجلس وسيفرض بقوة القانون".
وشارك عضو لجنة سعر الصرف بمصرف ليبيا المركزي مصباح العكاري رأي الحبري بقوله إن "قرار تعديل سعر الصرف صحيح لأن السعر الجديد حدد من قبل لجنة تتبع مصرف ليبيا المركزي أخدت العوامل المحيطة في الاعتبار لتحديد هذا السعر، ووضعت محاكاة فعلية مع الوضع المالي للدولة الليبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلن رئيس الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان فتحي باشاغا تأييده قرار المصرف المركزي في بنغازي.
وقال، "أشيد بقرار مصرف ليبيا المركزي بتعديل سعر الصرف وتعزيز القوة الشرائية للدينار الليبي، وهذه الخطوة تسهم في خفض أسعار السلع والتخفيف على المواطن الأعباء المعيشية التي أثقلت ظهره".
علاج غير ناجع
في المقابل، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي عطية الفيتوري إن "التضخم في الاقتصاد لا يعالج بتغيير سعر صرف العملة"، ورأى أنه "سواء تأكد أو لم يتأكد تنفيذ هذا الإجراء، سيظل الاقتصاد الليبي في حال من عدم اليقين، ويواجه موجة من عدم استقرار الأسعار وتدني مستوى معيشة الناس".
واعتبر الفيتوري أن القرارات التي يتم اتخاذها لمعالجة الأزمة الاقتصادية غير مدروسة وليست فعالة، "وهذا تخبط وسياسة عشوائية، خفض ورفع ثم بعد ذلك خفض للدينار، وهكذا الاقتصاد يدور ونحن ندور معه في حلقة مفرغة لا خروج منها".
وأشار إلى أن "القرار الذي اتخذه مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي الموحد في ديسمبر (كانون الأول) عام 2020، وبمقتضاه أصبح سعر صرف الدولار 4.48 دينار، استهدف المحافظة على مستوى احتياطاته من العملة الأجنبية بالتضحية بقيمة الدينار، إضافة إلى زيادة إيرادات الخزانة العامة من العملة الوطنية".
وأضاف، "نعلم أن الاحتياطات الأجنبية يمكن أن ترتفع بسبب ارتفاع إيرادات الصادرات من النفط، وبالتالي وجود فائض في ميزان المدفوعات، ويمكن أن تنخفض بتراجع أسعار النفط، وبالتالي يحدث عجز في ميزان المدفوعات".
ونوه إلى أن "الاحتياطات يمكن أن ترتفع أو تنخفض بسبب التغير في إيرادات العملة الأجنبية، وسبق وأن حدث هذا في الاقتصاد الليبي خلال ثمانينيات القرن الماضي، لكن لم تخفض قيمة الدينار، ثم بعد ذلك بدأت الاحتياطات تنمو مرة أخرى لتتجاوز الـ 100 مليار دولار، وبالتالي تتغير الاحتياطات ارتفاعاً وانخفاضاً مع المحافظة على ثبات سعر الصرف".
غير قابل للتنفيذ
واعتبر الباحث الاقتصادي عبدالحميد الفضيل أنه "على رغم الحاجة الملحة إلى تعزيز قيمة الدينار الليبي خصوصاً في ظل ارتفاع أسعار السلع والأزمة العالمية التي انعكست بشكل سلبي في قيمة الدخول الحقيقية للأفراد من خلال الارتفاع العام في مستوى الأسعار، فمن الناحية الفنية هذا السعر مطلب، لكن أعتقد أنه سيصطدم بمصرف ليبيا المركزي طرابلس، بخاصة بعد تأكيده أن هذا السعر لن يتم العمل به وسيبقى السعر السابق هو المعتمد".
وحذر الفضيل من أن "حال انقسام مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي ستكون عائقاً أمام تنفيذ أية سياسات نقدية مقبلة، وبحسب قانون المصارف من المفترض أن يجتمع مجلس إدارة المصرف شهرياً لمناقشة السياسات النقدية أو أية صعوبات مالية يواجهها الاقتصاد الليبي".
سعر منطقي
أستاذ الاقتصاد في جامعة بنغازي علي الفايدي رأى أن التعديل الجديد لسعر الصرف مناسب في الظروف الحالية، "ويوفر الاستدامة المالية للدولة في ظل الظروف المحيطة، ويؤدي إلى انخفاض أسعار السلع والخدمات كنتيجة منطقية لتقوية الدينار الليبي في حدود 15 في المئة، ومن المفترض والمنطقي أن تنخفض أسعار السلع والخدمات على الأقل بهذه النسبة".
وأكد الفايدي أن "رفع قيمة الدينار خطوة في الاتجاه الصحيح لمعالجة الأزمة الاقتصادية في ليبيا، وسيسهم في مجابهة التضخم والركود الاقتصادي من طريق تعزيز القدرة الشرائية للمواطن بزيادة قيمة وقوة عملته المحلية".
ورأى أن "القرار سيكون له أثر مباشر في حياة المواطن، وبالمقابل فلن يكون له تأثيرات سلبية بموازنة الدولة وميزان المدفوعات، خصوصاً أن الوضع المالي للدولة الليبية، بحسب نشرات مصرف ليبيا المركزي والتقارير التي يصدرها، يوضح أن هناك فوائض مالية كبيرة للدولة نتيجة استقرار أسعار النفط وكميات الإنتاج، مما يجعل شبح الاستدانة الدولية بعيداً كل البعد من الحال الليبية، عكس ما يتم الترويج له من بعض الأطراف".