Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجبهة الشمالية... سوريا والعراق

هناك ساحتان حاليا لمواجهة عسكرية محتملة بين واشنطن وطهران

أرسلت الإدارة الأميركية تعزيزات عسكرية إلى الشرق الأوسط منها قاذفات بي 52 (رويترز)

مع احتدام المواجهة بين الولايات المتحدة الأميركية والنظام الإيراني في المنطقة، لا سيما بعد قيام الأخير بأعمال ميدانية عسكرية تخريبية ضد حلفاء الولايات المتحدة في اليمن والإمارات والسعودية وآخرها إسقاط طائرة "درون" أميركية، وبعدما حشدت إدارة الرئيس دونالد ترمب قدرات عسكرية واسعة، منها حاملة طائرات وسفن حربية وغواصات، إضافة إلى قاذفات بي 52 وبطاريات صواريخ الباتريوت ونشر وحدات خاصة في نقاط عدة من المنطقة، وبعدما نشرت إيران ميليشياتها في طول وعرض العراق وسوريا ودعمت المجموعات الحوثية بالسلاح المتقدم والصواريخ، ينظر المراقبون في واشنطن إلى ما يُسمى بالجبهة الشمالية لخط التماس بين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة والمحور الإيراني، بقيادة الباسدران أو الحرس الثوري الإيراني.

الجبهة الشمالية تضم ثلاث دول ولكن ساحتين في المرحلة الحالية. الدول هي العراق وسوريا ولبنان، أما الساحتان، فهما الانتشار الأميركي في سوريا والعراق، والتموضع والتوسع العسكري الإيراني في البلدين.

المنطق الاستراتيجي يقول لنا بوضوح إن الساحة المقبلة للمواجهة بين أميركا وإيران وحلفائهما لن تكون في منطقة الخليج فقط، فهنالك مياه تفصل إيران عن السواحل العربية، ولن تكون بالضرورة في اليمن، لأن التحالف العربي سيدعم بكل قدراته ليحسم الوضع ضد الحوثيين، ولكن بتوقيت معين. أما في الجبهة الشمالية، كما توصف، أي في العراق وسوريا، فهناك انتشار أميركي مباشر.

إن القيادة الإيرانية تهدف إلى زعزعة الوجود الأميركي في سوريا والعراق، وهي تسعى إلى ذلك بطرق مختلفة. المرحلة الأولى ستكون عبر تحرك للمجموعات الأمنية المرتبطة بالميليشيات الشيعية في العراق من ناحية، وتلك المرتبطة بحزب الله والميليشيات المؤيدة لنظام الأسد في سوريا.

القوة العسكرية المنتشرة في العراق كبيرة ومتغلغلة في طول وعرض البلاد، وهي منتشرة في محيط إقليم كردستان وعاصمته أربيل، وهي منتشرة أيضاً في نقاط عديدة في منطقة سهل نينوى وجبل سنجار، وهي أيضاً منتشرة في عمق صحراء الأنبار. أما في المناطق ذات الأكثرية الشيعية، فهذه الميليشيات منتشرة في كل المناطق والبلدات وفي عمق المدن من بغداد وحتى البصرة.

ما نشاهده منذ بضعة أسابيع، هو تقدم هذه الميليشيات، المعروفة باسم الحشد الشعبي والمسيطر عليها من قبل الباسدران، باتجاه مواقع الانتشار الأميركي من قواعد ومراكز مشاة، إضافة إلى تهديد المتعاقدين الأميركيين. هذا وقد علم أن واشنطن قد طلبت من معظم المتعاقدين غير الموجودين في القواعد الأميركية أن يبدأوا الانسحاب من دولة العراق، وهذا إن دل على شيء، فإن هذا القرار يسبق أو يحاول استباق عمليات تقوم بها ميليشيات الحشد والكوادر الأمنية الإيرانية في العراق ضد القوات الأميركية، ولكن بتقديرنا أن هكذا أمر سيصدر مباشرة من طهران، لأنه مرتبط بالاستراتيجية الإيرانية العامة في المنطقة. فإيران لا تريد أن تصيب أميركيين بهجمات تنفذها قواتها العسكرية قبل أن تكون مستعدة لهذه المواجهة في طول وعرض المنطقة، إنما المواجهة آتية لا محال حسب تحليل الأمن القومي الأميركي.

أما في سوريا، فالميليشيات التابعة للنظام تسيطر على خطوط التماس مع مناطق الأكراد، وهي المناطق التي تنتشر فيها القوات الأميركية وتحميها في الوقت ذاته. القوات العسكرية الأميركية الموجودة في تلك المناطق قليلة العدد، لكنها مدعومة بقوة جوية تحمي مناطق شاسعة في سوريا من تقدم ميليشيات حزب الله والنظام، كما ساعدت في السابق قوات سوريا الديمقراطية، بما فيها من أكراد وعرب ومسيحيين، لإزالة جيوب داعش المتبقية.

إن الهدف الأول الذي قد تعتمده طهران في مواجهة القوات الأميركية والحليفة في الجبهة الشمالية السورية العراقية، هو فصل تلك القوات بين الدولتين، بمعنى أن ميليشيات إيران وحلفاءها قد يحاولون السيطرة على الحدود بين العراق وسوريا والأردن ليفصلوا القوات الأميركية الموجودة في سوريا ويعزلوها، فلن يكون لها ممر إلى أي من الدول الخارجية، بما فيها الأردن والعراق. أما في العراق، فالاستراتيجية الإيرانية تحاول أن تحاصر المعاقل الأميركية على الأرض، لكي يتحول أي عمل للطيران الحربي الأميركي إلى عمل من دون فعالية تذكر.

المرحلة الثانية حسب التحليل العسكري الاستراتيجي في الدولتين، هي الإطباق على القوات الأميركية ومحاصرتها بشكل قد يدفع واشنطن إلى التفاوض حول انسحابها، ويكون انسحابها مذلاً للغاية.

الاستراتيجية الأميركية تعتمد الآن على تعزيز نقاط وجودها في العراق وسوريا، وهذا ما يحاول الإيرانيون أن يوقفوه بعمليات إرهابية وتهديدات كما يجري حالياً ومنذ إسقاط الطائرة المسيرة.

الأميركيون سيستعملون طائراتهم بكثافة ويعززون قواتهم في مناطق سوريا الديمقراطية، وقد تكون هناك مفاجأة تأتي من الجنوب، أي من الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة. أما في العراق، فسيكون موقف الحكومة العراقية صعباً للغاية، خصوصاً أن الولايات المتحدة ستُخيّر بغداد ما بين الانضمام إلى القوات الإيرانية أو الإبقاء على تحالفها معها. فإذا لم يتدخل الجيش العراقي في حال هاجمت الميليشيات الإيرانية مواقع الأميركيين، فهذه القوات لن تتدخل أيضاً ضد الأميركيين إذا ما قاموا بمهاجمة ومطاردة الميليشيات المؤيدة لإيران.

أما لبنان، فسيكون الساحة الأخيرة إذا ما اندلعت مواجهة بين حزب الله والقوات الأميركية، ولتلك الساحة سنخصص مقالاً خاصاً.

المزيد من آراء