Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

احتفالات "جدع النار" تعيد البسمة للنيل الأزرق

أعياد الحصاد تشهد مشاركة واسعة من السكان خوفاً من "اللعنة"

أهازيج ورقصات تصاحب أعياد الحصاد بالنيل الأزرق تنتهي بطرد الأرواح الشريرة (اندبندنت عربية - حسن حمزة)

يستعد سكان منطقة جنوب النيل الأزرق في السودان المتاخمة لدولة جنوب السودان، بخاصة إثنية "البرتا"، هذه الأيام، لإطلاق احتفالات أعياد الحصاد التي تسمى بـ "جدع النار" أو "الهوكي"، إذ تبدأ طقوس هذه العادة السنوية خلال أكتوبر (تشرين الأول) وتستمر شهراً كاملاً تتخللها الأهازيج والرقصات وتنتهي بإلقاء الحجارة على النيران المشتعلة بغية طرد الأرواح الشريرة من المنطقة بحسب اعتقاد هذه الجماعات.

ويقام هذا الاحتفال، الذي يختلف من منطقة لأخرى، على أرض واسعة يتجمع فيها عدد كبير من سكان الإقليم بمختلف إثنياتهم، فالرجال يحملون الحراب والعصي، بينما تقوم النساء بإطلاق الزغاريد بأصوات مدوية لإشعال الحماسة والبهجة وسط الحضور الذي يكون معظمه قد قطع مسافات بعيدة من أجل المشاركة في هذه الطقوس التي تمثل أهم حدث على مدار العام.

الإصابة باللعنة

وبحسب أستاذ الاقتصاد في جامعة النيل الأزرق حسن حمزة، فإن السودان يعدّ من أكثر دول العالم ثراء بالتنوع الثقافي والعرقي والديني، وهذا ما هو موجود في إقليم النيل الأزرق الذي يضم قبائل عدة تزخر بتعدد وتنوع في الثقافات واللغات والإرث والتراث، ومن أهم الطقوس التي يمارسها سكان هذا الإقليم، طقس "جدع النار"، ويسمى محلياً "مو طاغا"، وفيه يحتفل جميع السكان بالحصاد ومباركة الإنتاج الزراعي. وعلى رغم أن هذه الاحتفالات تقام في كل مناطق الإقليم، إلا أن كل منطقة لها طابعها الخاص في الرقص، وكذلك في تسميته، فبعض القبائل تطلق عليه "الهوكي" وأخرى تسميه "إبمبم"، لكن المضمون واحد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أضاف حمزة "في العادة تبدأ الاحتفالات في أكتوبر (تشرين الأول)، وتستمر شهراً كاملاً، ويحدد توقيتها وفقاً للأشهر القمرية، وتحرص كل المجتمعات والقبائل التي تسكن هذه المنطقة على المشاركة في هذه الاحتفالات وفقاً للعادات والتقاليد المتبعة، فهناك اعتقاد بأن الشخص الذي لا يحضر هذه الاحتفالات تصيبه اللعنة، لذلك يتوافد الناس من مناطق بعيدة، كما يتم في هذا التجمع إصلاح ذات البين بين الأشخاص المتخاصمين لأسباب مختلفة، فضلاً عن الحرص على زيارة الأهل والأقارب والمعارف بخاصة الذين فقدوا ذويهم خلال الفترات الماضية، ومباركة الزواج، والدعاء بالشفاء لكل مريض".

ولفت إلى أن هناك اختلافات بسيطة في الطقوس المتبعة في هذه الاحتفالات بين المجموعات السكانية، فمثلاً في منطقة الكيلي يتم في هذه الاحتفالات "جدع النار" دفن رمز العادة، ويطلق عليه اسم "إبمبم"، ويحدد زمن الدفن بواسطة شخص يسمى "خوديا".

تأبين الملوك

ومضى أستاذ الاقتصاد قائلاً "بالنسبة للرقص هناك رقصتان، الأولى تسمى كشيلي يمارسها الرجال فقط، إذ يتجمعون في شكل دائري وتكون صدورهم عارية وأحذيتهم من لحاء شجر التبلدي. ويتواجد داخل الدائرة الفنان الذي ينشد أغاني الحماسة بواسطة الربابة، وكذلك أصحاب الألقاب المتوارثة بمن فيهم ملك المنطقة، وأيضاً بعض الحكامات اللواتي ينشدن أغاني تراثية لها طلب خاص في مثل هذه المناسبة. أما الرقصة الثانية فهي خاصة بالنساء واسمها إبمبم ويكون رأس المرأة عند ممارسة الرقص مكشوفاً من دون غطاء، وإذا غطت رأسها تجلد".

وتابع "يتواصل الغناء والرقص في هذه الاحتفالات حتى صباح اليوم التالي وبعدها يتم جدع النار ويقدم أثناءها النصح والإرشاد والمشورة للملك وتأبين الملوك السابقين، وقبل انتهاء الاحتفال يصطف الجميع في خط مستقيم باتجاه القبلة ويكون كل شخص حاملاً أعواداً مشتعلة بالنيران ويعدون سبع مرات ثم ترمى الأعواد بقوة باتجاه القبلة، والحكمة في ذلك أنهم يطردون الروح الشريرة التي صاحبت عملية الزراعة ومباركة المحصول الجديد، ثم يتجه الجميع إلى الرقص ودق النحاس وزيارة الأهل، ثم التجمع في مكان واحد لمناقشة قضاياهم وكأنه مؤتمر عام، ويكون لكل قبيلة ومجموعة مكان خاص بها في هذا التجمع".

ونوه حمزة إلى أن الحروب التي شهدتها المنطقة في الفترات الماضية أثرت في زخم هذه الاحتفالات، فلم تكن كما كانت في السابق نظراً لتنقل بعض السكان لمناطق لا تتوافر فيها أدوات الغناء وميدان اللعب الذي تمارس فيه تلك الطقوس، لكنها بكل تأكيد تعيد هذه الاحتفالات الفرح والابتسامة واللحمة بين أهل هذه المنطقة التي شهدت اشتباكات قبلية راح ضحيتها عشرات القتلى.

حماية المحاصيل

وفي السياق، قال أستاذ الفلكلور في معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية التابع لجامعة الخرطوم علي إبراهيم الضو إن "احتفالات طقس جدع النار التي يمارسها سكان منطقة النيل الأزرق تهدف لحماية المحاصيل الزراعية وضمان نموها بصورة جيدة، وهي شبيهة بالأسبار التي يمارسها الكجور في منطقة جبال النوبة في إقليم جنوب كردفان".

وتابع الضو "هذه الاحتفالات يصحبها كثير من الممارسات الطقسية وأنماط من الأغاني والرقصات يشارك فيها الجميع سوى الرجال والنساء والشباب من الجنسين". وبيّن أستاذ الفلكلور أنه سمي بـ "جدع النار" نظراً لقيام السكان المحتفلين بقذف أعواد مشتعلة في المرحلة الأخيرة منه تجاه المشرق، لكن يطلق عليه السكان المحليون اسم "هوكي". وأكد أن النزاعات التي تقع في الإقليم من وقت لآخر منذ اندلاع الحرب في 2011 أثرت كثيراً في ممارسة هذا الطقس لنزوح كثيرين من سكان القرى إلى المدن، بالتالي انفرط عقد العلاقة بين المزارع والأرض والعرّاف الذي يقوم بحماية المحاصيل الزراعية.

المزيد من تحقيقات ومطولات