Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الطلاق في فلسطين... واحدة بعد أخرى تسقط أوراق الزيتون

8 آلاف حالة سنوياً في الضفة الغربية وقطاع غزة والمتهمون: مواقع التواصل والفقر والاغتراب

سوء الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها الفلسطينيون من الأسباب الرئيسة لارتفاع معدلات الطلاق (غيتي)

فور خروجها من مقر قاعة المحكمة الشرعية في مدينة رام لله، همت وفاء (48 سنة) بتحطيم هواتفها النقالة وأجشهت بالبكاء والصراخ والشتائم أمام أبنائها وأحفادها الذين حضروا لمواساتها، غير مكترثة بالحكمة وضبط النفس التي اعتادت إظهارهما طوال سنوات أمام عائلتها، فزواجها الذي استمر بانسجام وحب، بحسب قولها لأكثر من 30 سنة، انتهى بطلاق سريع كلمح البصر، بعد أن فضل زوجها الخمسيني هجرها والارتباط بفتاة تصغرها بـ 20 سنة، وكان قد وقع في حبها عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال فترة وجيزة.

تصاعد ملحوظ

قصة وفاء ليست إلا واحدة من آلاف قصص الطلاق التي تصل يومياً إلى المحاكم الفلسطينية، إذ أفادت معطيات رسمية بأن نسب الطلاق في الضفة الغربية وقطاع غزة ارتفعت خلال السنوات الأخيرة، وسجل القطاع وحده العام الماضي 4319 حالة وفق إحصاءات المجلس الأعلى للقضاء الشرعي، بنسبة زيادة 23.6 في المئة على عام 2020 التي سجل فيها 3446 حالة، كان منها نصيب وفير لحالات الطلاق ما قبل الدخول، فيما سجل الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2020 ما يزيد على 8000 حالة طلاق في الضفة الغربية والقطاع معاً.

ووفقاً للتقرير الإحصائي السنوي لديوان قاضي القضاة والمحاكم الشرعية، فقد ارتفع المجموع العام لحالات الطلاق في فلسطين بشكل ملحوظ، ومنذ عام 1997 وحتى 2020 ارتفع عدد الحالات في الأراضي الفلسطينية بمعدل خمسة آلاف حالة سنوياً، ونصف حالات الطلاق المسجلة خلال السنوات الخمس الأخيرة تمت قبل الزفاف، بيد أن نصف حالات الطلاق الأخرى كانت بين الأزواج الشباب.

وترصد دائرة الإرشاد الأسري في المحكمة الشرعية في رام الله بالضفة الغربية، تلقي حالتي طلاق يومياً على أقل تقدير، أغلبها تتعلق بخلافات زوجية واتهامات بالخيانة على مواقع التواصل.

ويشير تقرير شركة "آيبوك" المتخصصة في مجال مواقع التواصل إلى أن نسبة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في فلسطين بحسب الجنس وصلت إلى 53.1 في المئة من الذكور، مقابل 46.3 في المئة من الإناث، إذ بلغت نسب مستخدمي "فيسبوك – ميتا" 95.16 في المئة، ويتابع "تويتر" 26.14 في المئة، في حين أن 81.53 في المئة يشاهدون "يوتيوب"، و63.28 في المئة يتابعون "إنستغرام". ويوضح التقرير أن نسبة استخدام الهاتف المحمول في تصفح وسائل التواصل تصل إلى 83 في المئة من باقي الأجهزة المستخدمة.

إشكاليات وأسباب

وفي حين ذهب بعض المتخصصين إلى أن نسب الطلاق عادية، رأى البعض الآخر أنها تثير المخاوف، إذ أصبحت بمثابة ناقوس خطر يجب أخذه بعين الحسبان، لا سيما على ضوء ما يمكن وصفه بالتفكك الاجتماعي الذي تعانيه بعض الأسر الفلسطينية.

بدوره، يقول المحكم الشرعي في قضايا النزاع والشقاق في المحاكم الشرعية بالضفة الغربية لؤي عمر إن "فلسطين تشهد زيادة في عدد حالات الطلاق، الأمر الذي يستدعي الوقوف بجدية على أسباب الظاهرة، وزيادة التوعية والتثقيف بين الأزواج حول قدسية الارتباط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح أن "أبرز أسباب الطلاق المسجلة لدينا تدخل الأهل في خلافات الزوجين وإصرارهم على الطلاق، والتسرع في إجراء عقود الزواج، وبخاصة بالنسبة إلى الفئة الشابة، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به الشعب الفلسطيني ككل، مع إغفال الجانب الإصلاحي والإرشادي وأهميته في إصلاح ذات البين، كما أن عدم وجود تكافؤ اجتماعي وتعليمي بين الزوجين كان سبباً أيضاً لحدوث عديد من المشكلات، في حين أن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي والاستعمال السيئ لوسائل الاتصالات الحديثة في العالم الافتراضي وما تخلفه من تجاوزات، أصبحا من أسباب رفع دعاوى الطلاق بالمحاكم".

من جهتها، تؤكد رئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينة سماح جبر، أن "إدمان الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لا يرتبط بالضرورة بالخيانة الزوجية التي قد تؤدي إلى الطلاق، فالشعور بضعف تقبل الشريك، والإشكاليات المادية، وضغوط العمل، والجوانب السلوكية للطرفين، والغيرة والشك، وغيرهما، قد تفضي إلى الانفصال، كما أن إدمان الأزواج على مواقع التواصل يبدأ كوسيلة للهرب من الواقع، لأنهم دائماً ما يبحثون عن الرضا خارج علاقاتهم الزوجية الشرعية والمتاحة، والمتعارف عليها اجتماعياً أيضاً، وقد باتت هذه المواقع أداة قد توصل الزوجين إلى حال اغتراب نفسي وجسدي عن بعضهما البعض".

مبادرات مجتمعية

في الوقت الذي دعا اختصاصيون اجتماعيون ونفسيون إلى التقليل من قضاء الأوقات على وسائل التواصل الاجتماعي، لأن الاستخدام المفرط لهذه المواقع يؤدي إلى الشعور بعدم الاكتفاء الزوجي، ما يرفع من احتمالات الطلاق، دعا آخرون إلى أهمية عقد دورات للمقبلين على الزواج مثل دراسة برامج تعلم قيم ومهارات العلاقات الزوجية على غرار التجربة الماليزية، حيث استطاعت هذه الأخيرة تخفيض نسبة الطلاق من 32 في المئة إلى ثمانية في المئة من خلال تطبيق "رخصة الزواج" التي من دونها لا يسمح للشباب بالزواج، وتدرس في هذه الدورات مواد شرعية حول الحياة الاجتماعية قبل وبعد الزواج، وأيضاً حول الحياة الصحية والنفسية والروحية للمتزوجين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولما للطلاق من مآلات اجتماعية خطرة على الأسرة والأطفال والمجتمع الفلسطيني ككل، وتزامناً مع ارتفاع معدلاته في صفوف المتزوجين بقطاع غزة، أطلقت وزارة العدل (التابعة لحركة "حماس") قراراً يقضي بحصول المقبلين على الزواج للمرة الأولى من الشباب والفتيات على رخصة زواج آمن إلزامية، وتقع هذه الرخصة ضمن إجراءات عقد الزواج كباقي الإجراءات، مثل الفحص الطبي والإجراءات الإدارية والقانونية، ومن دونها لا يمكن إتمام عقد الزواج، وتتلخص رخصة "الزواج الآمن" التي تشرف عليها ست هيئات حكومية في القطاع في تأهيل المقبلين على الزواج من الجوانب النفسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والشرعية.

ويهدف مشروع "الزواج الآمن" وفقاً للقائمين عليه إلى "تأهيل وتهيئة الشباب والفتيات لمرحلة ما قبل الزواج وبعده، عبر نشر التوعية الشاملة بحقوق وواجبات كلا الطرفين، ومفاهيم الثقافة الأسرية الصحيحة في ضوء تعاليم وأحكام الشريعة والقانون، وتهيئة الجو الأسري السليم لتنشئة الأبناء نشأة صالحة وزيادة الترابط الأسري".

رئيسة لجنة الإرشاد الأسري الحكومية اعتدال قنيطة تقول إن مشروع "الزواج الآمن" يعتبر خطوة اجتماعية ممتازة للحد من بعض التصرفات السلبية التي ترافق الحياة المشتركة الجديدة، وتطبيقها سيخفف حالات الطلاق التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في قطاع غزة، حيث إن المشروع سيمر بأربع مراحل، تبدأ بإعداد منهج دورات نفسية واجتماعية وصحية واقتصادية وشرعية تنفذ على مرحلتين، كل واحدة بواقع 30 ساعة تدريبية، وخلال ستة أشهر سيتم تنفيذ 240 دورة تدريبية لخاطبين سيتلقون التدريب بعد عقد الزواج مباشرة.

ملفات الطلاق المتزايدة في الضفة والقطاع التي تعتبر مقلقة لكثيرين، دفعت مجموعة من الشباب لتأسيس ملتقى "لتسكنوا إليها" الذي يهدف إلى تأهيل المقبلين على الزواج والخاطبين لتأسيس حال من الوعي لحاجات شريك الحياة والتعرف إليه، وكيفية اختياره. ويعمل الملتقى الذي تأسس منذ عام 2015 على توفير مجموعة من الملتقيات والمحاضرات والمبادرات والمؤتمرات وورش العمل في مدينة رام الله، تعلم المقبلين على الزواج مهارات مثل التواصل الفعال، وإدارة النزاعات الزوجية، وتربية الأطفال، وإدارة ميزانية الأسرة، إضافة إلى تعليم قيم مثل الاحترام المتبادل والالتزام بالعلاقة الزوجية، وهي قيم لها عظيم الأثر على استدامة الزواج وتقليل مخاطر الطلاق، كما يقولون.

وأخيراً تطلقت

وفي حين ينهمك متطوعون شباب من الضفة والقطاع لإنشاء جسور جديدة بين الشباب من جهة والمتخصصين والباحثين من جهة أخرى لتوفير الإجابات عن الأسئلة المتعلقة باختيار شريك الحياة والحياة الزوجية، ينهمك آخرون بإعلان خبر الطلاق بطرق جديدة ومستهجنة في كثير من الأحيان داخل المجتمع الفلسطيني مثل ما بات يعرف بـ "حفلات الطلاق".

ورصد رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لحفلات طلاق مختلفة لفتيات فلسطينيات من الضفة الغربية وقطاع غزة وصفت بأنها تحد للعادات والتقاليد الاجتماعية، حيث قامت إحداهن بنشر صور لاحتفال طلاقها تحت عبارة "أخيراً تطلقت" ضم عائلتها وصديقاتها المقربات اللاتي عبرن لها عن سعادتهن بجرأتها وتحديها بعض العادات، وقد تجرأت أخريات على نشر صورهن يستقبلن التهاني والتبريكات وهن يفتخرن بنشر وثيقة الطلاق، ونشرت إحداهن صورة لطبق حلوى كبير مزين بعبارة "مبروك الطلاق".

ديانا زريق (35 سنة) من مدينة جنين شمال الضفة الغربية رفضت هذه الاحتفالات والمظاهر، واصفة إياها بالانحطاط الأخلاقي والتقليد الأعمى. وأضافت أن "فرحة النساء بالطلاق ونشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي لا تعبر عن شيء إنساني" في حين رأت شمس (28 سنة) من قطاع غزة أن احتفالات الطلاق "جاءت للتعبير عن فرحة الفتيات الغامرة بالفكاك من زواج مرير بالتأكيد، ودعوة الأهل والأحبة والأصحاب للاحتفال والبهجة بالحرية والخلاص هي كمن يشعر بالإنجاز والفخر والنجاح في المدرسة والجامعة والعمل".

مآلات اجتماعية

مما لا شك فيه أن سوء الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها الفلسطينيون من الأسباب الرئيسة لارتفاع معدلات الطلاق، لأن ما يقارب 30 في المئة من السكان الفلسطينين يعانون الفقر، وثلث سكان قطاع غزة يعانون الفقر المدقع، وقد أدى تدهور الظروف الاقتصادية إلى جانب تجميد تحويل أموال الضرائب من إسرائيل، إلى إجبار السلطة الفلسطينية على خفض رواتب موظفيها بنحو 50 في المئة، وهو ما وضع مئات الآلاف منهم في ظروف نفسية واجتماعية سيئة، وبالرغم من ذلك لا تزال ظاهرة الطلاق من المشكلات الاجتماعية الأكثر قلقاً وخطراً على المجتمع الفلسطيني، لما قد ينجم عنها من تفكك أسري واختلال في النسيج الاجتماعي.

الأخصائية الاجتماعية عروب أبو زعرور تقول إن "الأطفال هم أول ضحايا الطلاق نفسياً وعاطفياً، فالطفل بعد طلاق والديه يقع في اضطراب، وقليلاً ما يسيطر على توازنه، ويشعر في كثير من الأحيان بأنه كاللعبة تنقل من يد إلى أخرى ومن بيت إلى آخر، فمرة عند الأم، وحيناً عند الأب، وتارة عند العمة، وأخرى عند الخالة والخال، وأحياناً في الملجأ أو في مقار الشرطة، وهذا التنقل يعرضه لأشياء ستؤثر على سلوكه لا محالة، وقد تنعكس على نفسيته، لأن الطلاق ألم ثقيل جداً بالنسبة إليه، إذ إن عليه أن ينتظر الأوقات الرسمية لملاقاة أمه أو أبيه".

تعديلات قانونية

وفقاً لحقوق العائلة في حضانة الأولاد في قانون الأحوال الشخصية الأردني لعام 1976 "يسمح القاضي في قطاع غزة، فور وقوع الطلاق، بحضانة النساء المطلقات للصغير بعد سبع سنوات إلى تسع، وللصغيرة بعد تسع إلى 11 سنة، إذا تبين أن صالحهما تقتضي ذلك"، في حين نصت المادة 162 من القانون نفسه على أن "تمتد حضانة الأم التي حبست نفسها على تربية وحضانة أولادها إلى بلوغهم"، لكن لم يحدد القانون ما هو سن البلوغ.

وعلى رغم أن المحاكم الشرعية في الضفة الغربية ما زالت تعمل وفقاً لأحكام قانون الأحوال الشخصية الأردني لعام 1976، فقد أصدرت الجهات المتخصصة في المحاكم الشرعية تعميماً جديداً يسمح للأم باحتضان أطفالها حتى بلوغهم 15 سنة، وفيما تجبر الفتاة في هذا السن على المكوث مع والدها، يمنح للذكور حق الاختيار بين الطرفين.

ويطالب حقوقيون فلسطينيون إلى جانب مؤسسات ومراكز نسوية واجتماعية منذ سنوات برفع سن حضانة الأم المطلقة لأطفالها من كلا الجنسين حتى سن 18 عاماً أسوة بالقانون الأردني، في حين يرى مراقبون أن واقع الانقسام السياسي الراهن بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعطيل دور المجلس التشريعي الفلسطيني، جعل من الصعوبة بمكان الوصول إلى قانون موحد في هذا الشأن.

المزيد من تقارير