Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يضر تحديد السعرات الحرارية في قوائم الطعام أكثر مما ينفع؟

وسط تقارير تفيد بأن الحكومة قد تطيح جزءاً من استراتيجية مكافحة السمنة التي كانت قد وضعتها نضع تحت المجهر التداعيات المحتملة لهذا القرار

احتساب السعرات الحرارية يضر بالأشخاص الذين يعانون من اضطراب الأكل (غيتي)

لطالما كان الخروج لتناول العشاء أمراً في غاية السهولة. تتركون المقلاة وتقشير الخضراوات وغسيل الأطباق في المنزل وتخرجون لتناول العشاء في مكان ما. تفتحون قائمة الطعام، حيث تتوافر الخيارات اللذيذة من دون أي عناء. هكذا كانت تسير الأمور إلى أن فرضت الحكومة أخيراً قانوناً مثيراً للجدل في أبريل (نيسان) على كل مطعم ومقهى ومطبخ لإعداد الوجبات الجاهزة لديه ما يزيد على 250 موظفاً أن يضيف ملصقات تحدد عدد السعرات الحرارية في كل طبق موجود على قائمة الطعام، رحب البعض بالفكرة فيما عارضها آخرون بشدة، فقد زعم رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون أنه من شأن هذه الخطوة أن "تعالج مستويات السمنة (البدانة)"، و"تعزز الصحة في البلاد"، بيد أنه بعد أقل من ستة أشهر على بدء تطبيق هذا الإجراء، ووصول إلى ليز تراس إلى رئاسة الحكومة، يبدو أن خطر غض النظر عنه داهم. وفي هذا السياق، يفيد أحد التقارير أن تراس قد تقوم بتخفيض عدد المطاعم الملزمة تطبيق هذا الإصلاح، فيما يشير آخر إلى أنها قد تطيح تلك السياسة برمتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتمثل إحدى أبرز النقاط المعارضة لهذه القانون في أن احتساب السعرات الحرارية لا معنى له عندما يتعلق الأمر بتقييم مدى صحة أي نظام غذائي، هذا لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار العناصر الغذائية التي يتشكل منها طعامنا كالبروتينات والدهون والنشويات (الكربوهيدرات) والسكر. وفي هذا السياق تقول الجمعية البريطانية للسمنة، وهي جمعية خيرية تعمل لتحسين حياة الأشخاص الذين يعانون الوزن الزائد في أنحاء المملكة المتحدة إنه "فيما تعتبر الشفافية بالمطلق أمراً جيداً"، فإن السياسة لا تذهب أبعد من ذلك لتثقيف الأشخاص حول التغذية. فعلى سبيل المثال، أدت ببعض الأشخاص إلى التخلي عن خيارات تناول الطعام الصحي (كالسلطة مثلاً) لصالح خيارات "غير صحية" (كالبرغر) لأن الأولى تحتوي على سعرات حرارية أكثر.

وتقول لويز باين، وهي خبيرة تغذية ونائبة رئيس الجمعية "في بعض الحالات، يؤثر ذلك سلباً على خيارات تناول الطعام لأن الأمر لا يتعلق بالسعرات الحرارية. يحق للأشخاص أن يعرفوا عدد السعرات الحرارية في طعامهم، ولكن كمية الدهون المشبعة والسكر يجب أن تكون هي أيضاً مذكورة"،

بيد أن هنالك من اعتبر الأمر مفيداً، فبالنسبة لبعض الأشخاص الذين يعانون الوزن الزائد، أدى تحديد عدد السعرات الحرارية على قائمة الطعام دور الرادع عن تناول الأطعمة ذات السعرات الحرارية الكثيرة. وفي هذا الإطار، قالت إيلاين بلاكس (47 سنة)، "في الماضي، كان صعباً للغاية اتخاذ القرار في شأن الأطعمة التي تناسبك". وقصدت أخيراً مقهى يقدم حصراً الفطائر وكعك المافين وسواها من الحلويات "كنت في حيرة من أمري بين شراء بعضها وتأنيب الضمير في شأن السكر الذي سيدخل إلى جسمي. جعل ملصق السعرات الحرارية عملية الاختيار أبسط فقررت أن الأمر لا يستحق العناء ولم أشتر شيئاً بعد أن اطلعت عليه". بالنسبة إلى الآخرين على غرار ترايسي سيفليت كاري، كان الأمر بمثابة "تنبيه" في شأن كمية السعرات الحرارية التي قد تحتويها بعض الأطباق اليومية في المطاعم وشجعت على القيام بمزيد من المناقشات المتعلقة بالطعام. وأضافت "أعتقد أن هذا الأمر جعل الأشخاص يفكرون أكثر في الطعام الذي يتناولونه. من الشائع أن يضع الناس ثقتهم العمياء في مطعم ليقدم لهم طعاماً صحياً، ولكننا بتنا الآن نسأل من أين تأتي هذه السعرات الحرارية".

مع ذلك، قد يكون لملصقات السعرات الحرارية تأثيراً مدمراً أحياناً. وأثار الخبراء أحد أكثر المسائل أهمية ألا وهي أن تنمي تلك الملصقات قد تغذي عادات مضطربة في تناول الطعام. وفي أبريل (نيسان) الماضي، وجد استطلاع أجرته منظمة "يو غوف" (YouGov) أن نصف النساء البالغة أعمارهن بين 18 و29 سنة لا يؤيدن ذكر عدد السعرات الحرارية في قوائم الطعام لهذا السبب. وبحسب الجمعية البريطانية للسمنة، بسبب تأثير ثقافة الحمية الغذائية على النساء أكثر من الرجال، تصبح النساء أكثر تأثراً بالمعلومات الإضافية مقارنة بالرجال. وتقول بلاكس إن زوجها لا يعير تلك الملصقات اهتماماً كما تفعل هي، فيما تعتبر كاري أنها "دائمة" التنبه لعدد السعرات الحرارية عندما تنظر إلى قائمة طعام جديدة. وفي المقلب الآخر، أشار ستيفان باربر (58 سنة) إلى أنه لا يفكر "مطلقاً" في شأن السعرات الحرارية في طعامه، وأن التغير الذي طرأ على قوائم الطعام لم يترك أي أثر على خياراته في تناول الطعام. وأضاف "أبحث عن طبق صحي أحياناً كشريحة من اللحم مثلاً، ولكن لا يهمني عدد السعرات الحرارية التي تحتويها".

وأتى بعض أكثر الأصوات المنتقدة لملصقات السعرات الحرارية عند إقرارها من قبل الجمعيات المعنية باضطرابات تناول الطعام. وبحسب جمعية "بيت" (Beat)، يعاني 1.25 مليون شخص في المملكة المتحدة من اضطرابات الأكل. وفي هذا الإطار، يقول طوم كوين مدير الشؤون الخارجية في الجمعية "بشكل عام، غالباً ما يتحدث الأشخاص الذين ندعمهم عن التأثير السلبي لاحتساب السعرات الحرارية على اضطراب الأكل الذي يعانونه، ونحن نعلم أن بوسع احتساب السعرات الحرارية أن يبقي الأشخاص في حال سيئة لفترة أطول. وتشير كارا مود التي تتماثل للشفاء حالياً من مرض فقدان الشهية العصبي (anorexia) إلى أن الملصقات تتعارض مع بعض السلوكيات الصحية التي اعتمدتها لتحسين علاقتها بالطعام. وتشرح قائلة "يتمثل قسم كبير من العلاج في تعلم عدم التركيز بالكامل على السعرات الحرارية وأن تسمح لنفسك بتناول ما تريد عندما تشاء. يبدو هذا الأمر شبه مستحيل عندما ترى السعرات الحرارية أمامك في مقهى أو مطعم"، مضيفة أن هذا الأمر دفعها إلى تجنب الخروج لتناول الطعام.

وفي إطار السياسة الجديدة، بوسع الذين يعانون اضطرابات في الأكل أن يطلبوا قائمة طعام خالية من السعرات الحرارية، ولكن هذا البند غير معلوم بشكل واسع، كما يمكنه أن يطرح عامل ضغط إضافياً.

وتقول دانيكا كافيل التي عانت في السابق من اضطراب الأكل بأن الخروج لتناول الطعام هو "خطوة هائلة" للمرضى المصابين بهذا الاضطراب. وتضيف وايت "بوسع تلك الملصقات أن تؤدي إلى أفكار سلبية لأن الأشخاص سينظرون إلى عدد السعرات الحرارية ويفكرون بشكل سلبي في أن تناول هذا الطبق سيؤثر على وزنهم وشكل جسمهم". وكانت جمعية "بيت" حثت الحكومة على تجنب أي تشريع من شأنه أن يضر بمستخدميه. وأضاف كوين "من المهم أن تقوم السياسات الصحية بحماية الأشخاص الذين يعانون اضطرابات الأكل وأن ترتكز على الأدلة الدامغة المرتبطة بالجودة".

وقدم البحث المرتبط بتأثير ذكر السعرات الحرارية على قوائم الطعام نتائج مختلطة. ويأتي معظم الأدلة من الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة، حيث أصبح ذكر السعرات الحرارية على قوائم المطاعم التي لديها 20 فرعاً أو أكثر إلزامياً منذ عام 2008. ووجدت دراسة أجرتها جامعة مينيسوتا أن ما من فارق شاسع في استهلاك السعرات الحرارية (بمعدل 15 سعراً حرارياً) بين الأشخاص الذين طلبوا طعاماً من قائمة تحمل ملصقات للسعرات الحرارية وأولئك الذين طلبوا طعاماً من قوائم لا تحتوي على تلك الملصقات.

كما وجدت دراسة أجريت عام 2019، وشملت أكثر من 5500 شخص تراوحوا بين بالغين وأطفال وأهالي بأن تصنيف السعرات الحرارية في مطاعم ماك دونالدز في الولايات المتحدة أدى بعديد من الأشخاص أن يلاحظوا أن وجود السعرات الحرارية على قائمة الطعام لا يؤثر على عدد السعرات التي يشترونها. وفي الدراسات التي وجدت فارقاً، كان ذلك صغيراً، فقد وجدت دراسة أجريت في نيويورك واستطلعت أكثر من 15 ألف بالغ أنه في المعدل استهلك الأشخاص الذين اطلعوا على قوائم الطعام التي تظهر السعرات الحرارية 100 سعر حراري أقل من أولئك الذين لم يفعلوا. وقال الباحثون إنه بعد تعديل النتائج بحسب العوامل الديموغرافية وسواها، بلغ متوسط تخفيض السعرات الحرارية 78 سعر حراري.

وحذر أولئك الذين يؤيدون تلك السياسة بأن وضع ملصقات السعرات الحرارية وحدها ليست كافية لحل مشكلة الصحة العامة المتفاقمة. وقدرت الحكومة أن 63 في المئة من البالغين في المملكة المتحدة يعانون الوزن الزائد في زيادة بلغت أكثر من 10 في المئة (52.9 في المئة) عن عام 1993. إضافة إلى ذلك، يقدر إنفاق هيئة الخدمات الصحية الوطنية على الحالات المرضية المتعلقة بالسمنة بنحو 6.1 مليار جنيه استرليني (6.6 مليار دولار). وفي إطار متصل، خلصت دراسة أجرتها جامعة كامبريدج في يناير (كانون الثاني) 2021 إلى أن سياسات مكافحة السمنة في إنجلترا على مدى العقود الثلاثة الماضية كانت غير ملائمة. واعتبر الخبراء أن الإجراءات "فشلت بشكل كبير" بسبب المشكلات في كيفية تطبيقها واعتمادها على محاولة إقناع الأشخاص لتغيير سلوكياتهم بدل معالجة المسائل التي تؤدي إلى السمنة المفرطة. وفي هذا السياق، يصر تام فري، رئيس المنتدى الوطني للسمنة، أنه في حين تعتبر السعرات الحرارية من المعلومات المفيدة والمهمة على قوائم الطعام، إلا أن هذه الخطوة "تبقى في إطار المكسب المحدود" في حال لم تتخذ الحكومة مزيداً من الخطوات الجذرية.

ويمكن أن تتمثل إحدى الخطوات التحويلية المحتملة في أن تقوم الحكومة بتوسيع ضريبة صناعة المشروبات الغازية، وهي ضريبة على المشروبات الغازية المصنعة التي تحتوي على أكثر من خمسة غرامات من السكر في 100 ملل، لتشمل الملح والسكر في الطعام المصنع. ويقول فري إن نجاح الضريبة الحالية يؤكد أن من شأن ذلك أن يحفز الشركات للمساعدة في تعزيز صحة الأشخاص.

وجاء ذلك في دعوة أطلقها المؤسس الشريك لسلسلة الوجبات السريعة "ليون" (Leon) هنري ديمبلبي في "استراتيجية الطعام الوطنية" (National Foof Strategy) المؤلفة من جزأين، وهي عبارة عن مراجعة مستقلة للنظام الغذائي بتفويض من الحكومة، بيد أن هذا الاقتراح لقي تجاهلاً من قبل رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون الذي قال إنه لا يود "البدء بفرض ضرائب جديدة" وبأنه يتوجب على الأشخاص "أن يأكلوا أقل". ويضيف فري أن "أي حكومة لا تأخذ حجم مشكلة السمنة الزائدة أو البدانة بجدية هي حكومة مزرية، وهذا ما حصل فعلاً. لقد أدخلت الحكومة نموذج السعرات الحرارية بشكل سهل للغاية لأنه لم يكلفها شيئاً ويعتبر وضعاً مربحاً في الحالتين مما يظهر بأننا نسير في الاتجاه الصحيح".

بعد ستة أشهر من بدء تطبيق ملصقات السعرات الحرارية، تقترح ردود الفعل من الخبراء وأفراد من الشعب والأشخاص المعرضين لاضطرابات الأكل بأن الخطوة اتسمت بتأثير محدود على الأشخاص الذين تستهدفهم وتؤثر بشكل كبير على تجربة تناول الطعام في الخارج لأولئك المعرضين لاضطرابات الأكل، بالتالي من الواضح أن وضع ملصقات السعرات الحرارية بمفرده لن يحل واحدة من أكثر مشكلات الصحة العامة إلحاحاً في المملكة المتحدة.

© The Independent

المزيد من صحة