Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحديات "العدالة المناخية" أمام "كوب 27"

عرضت الظواهر المناخية القاسية ملايين الناس لانعدام الأمن الغذائي والمائي الحاد

متطوعون يشاركون في حملة لتنظيف مجرى نهر النيل في القاهرة، الخميس 29 سبتمبر الحالي (أ ب)

في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل يجتمع قادة العالم وخبراء المنظمات البيئية وغيرها من الهيئات التابعة للأمم المتحدة إضافة إلى رجال الأعمال على ساحل البحر الأحمر في مدينة شرم الشيخ المصرية لمناقشة قضية تغير المناخ والآثار المتفاقمة للظاهرة، لا سيما ما يطال الدول النامية. فبعد تقارير دولية قاتمة في شأن الوضع عالمياً منذ قمة غلاسكو، العام الماضي، يعول علماء البيئة حول العالم على مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ "كوب 27" (COP 27)، لهذا العام من أجل التوصل إلى تدابير من شأنها تغيير قواعد اللعبة وخفض الانبعاثات.
وفقاً لموقع الأمم المتحدة، فإن القمة تهدف من بين أمور أخرى إلى النظر في آثار تغير المناخ وابتكار الحلول في أفريقيا. فمن المفارقات في ما يتعلق بقضية التغير المناخي أو ما يعرف بـ"الاحترار العالمي" أن الدول الأقل تسبباً في الظاهرة هي الأكثر تأثراً بعواقبها، وينطبق ذلك بشكل رئيس على دول الشرق الأوسط والنامية بشكل عام إذ تتصل الانبعاثات الضارة المسببة للظاهرة بالنشاط الصناعي والدول الصناعية الكبرى، كما أن الظاهرة هي نتاج ممارسات للدول التي حققت تنمية بالفعل على مدار عقود من الزمن.

فتاريخياً تعد الولايات المتحدة أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فإجمالي تراكماتها بين عامي 1913 و2013 أكثر من 10 أضعاف من الهند، بينما في المستويات الحالية تعتبر الصين أكبر ملوث باعتبارها أكبر مصدر في العالم للانبعاثات الكربونية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، بنحو الربع على مستوى العالم وفقاً لأحدث تقرير صادر عن الاتحاد الأوروبي عام 2018. وهي أكبر مستهلك للفحم في العالم وهو أكثر مصادر الطاقة تلوثاً ولكنها في المقابل أكبر مستثمر في مصادر الطاقة البديلة.

ووفقاً للإحصاءات الدولية، أصدرت الصين ما يقرب من ضعفين ونصف ضعف انبعاثات الولايات المتحدة عام 2019، بنصيب 27 في المئة من حصة الانبعاثات العالمية، تليها الولايات المتحدة بحصة 11 في المئة ثم الهند والاتحاد الأوروبي بحصص 3.4 و3.3 في المئة على التوالي تليها إندونيسيا وروسيا والبرازيل واليابان بحصص أقل من اثنين في المئة لكل منهم، وأخيراً إيران والسعودية بأقل من واحد في المئة.

"كوب 27 و28" فرصة للشرق الأوسط

ويقول مراقبون، إنه على الرغم من أن قمة المناخ المقبلة في شرم الشيخ "كوب 27"، هي تجمع عالمي في نطاقها فإنها تمثل صفقة كبيرة للمضيفين المصريين ونظرائهم في أماكن أخرى في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، باعتباره الأول بين مؤتمرين متتاليين من مؤتمرات الأطراف المناخية تعقد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث من المقرر أن تستضيف الإمارات مؤتمر الأطراف الـ28 (كوب 28)، إذ يمكن أن توفر استضافة بلدان المنطقة لتلك المؤتمرات الزخم لتسريع العمل ضد التهديدات التي ستضرب المنطقة أكثر من غيرها.

وفق ورقة بحثية صدرت أخيراً، عن وكالة الاتحاد الأوروبي، فإن هذا الجزء من العالم معرض بشكل فريد لتغير المناخ وفي الوقت نفسه فإنه غير مستعد بشكل فريد. وكشفت دراسة صادرة عن "الاتحاد من أجل المتوسط"، وهي منظمة تجمع دول البحر المتوسط، في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أن هذه المنطقة من العالم الأكثر تأثراً بظاهرة الاحتباس الحراري كما أنها ثاني أكثر المناطق بعد القطب الشمالي تأثراً، علماً أن الأخير غير مأهول بالسكان بينما منطقة البحر المتوسط يعيش فيها 500 مليون نسمة. وأظهرت الدراسة أن أحد الآثار المحتملة لذلك هي زيادة معدل الفقر المائي فيها إضافة إلى تأثر التنوع البيولوجي وكمية الأسماك.

وقدرت دراسة شملت 135 دولة نشرها المنتدى الاقتصادي العالمي في أبريل (نيسان) الماضي أن تغير المناخ قد يؤدي إلى خسارة أربعة في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي السنوي بحلول عام 2050 وأن يضرب العديد من المناطق الفقيرة في العالم بشكل مؤلم. فتعرض بنغلاديش والهند وباكستان وسريلانكا لحرائق الغابات والفيضانات والعواصف الكبرى وأيضاً نقص المياه، يعني أن جنوب آسيا معرضة للخطر بنسبة 10 إلى 18 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وهو ما يقرب من ثلاثة أضعاف مثيله في أميركا الشمالية و10 أضعاف أوروبا وهي المنطقة الأقل تضرراً، كما تواجه مناطق آسيا الوسطى والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء خسائر كبيرة أيضاً، وتواجه بلدان شرق آسيا والمحيط الهادئ مستويات خسائر مماثلة لتلك التي تتعرض لها أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولكن بشكل رئيس بسبب العواصف والفيضانات بدلاً من موجات الحرارة والجفاف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


العدالة المناخية

عدم تكافؤ توزيع الآثار الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري بين الدول المنتجة والدول الأكثر تضرراً التي غالباً ما تكون مجتمعات فقيرة ومحرومة من الخدمات، دفع إلى تعالي الأصوات الدولية حول "العدالة المناخية"، وهو ليس مصطلحاً فحسب بل حركة تعترف بأن تغير المناخ يمكن أن يكون له تأثيرات اجتماعية واقتصادية وصحية عامة مختلفة وآثار ضارة أخرى على السكان المحرومين. يسعى المدافعون عن العدالة المناخية إلى معالجة أوجه عدم المساواة بشكل مباشر من خلال استراتيجيات طويلة الأجل للتخفيف والتكيف.
وفقاً لموقع الأمم المتحدة، يعيش ما يقرب من نصف البشرية في منطقة خطر، إذ عرضت الظواهر المناخية القاسية ملايين الناس لانعدام الأمن الغذائي والمائي الحاد، لا سيما في "أفريقيا وآسيا وأميركا الوسطى والجنوبية والجزر الصغيرة والقطب الشمالي"، وهي الأماكن التي لم تسهم إلا قليلاً في تغير المناخ. وتقول "إنقر أندرسون"، خبيرة البيئة والاقتصاد التي ترأس برنامج الأمم المتحدة للبيئة، "عندما نعلم أن واحداً من كل ثلاثة مواطنين أفارقة يواجه شح المياه فإننا نفهم عدم المساواة المناخية، ثم نفهم أن هؤلاء الأشخاص الذين هم جيراني هنا في نيروبي ينتجون انبعاثات منخفضة للغاية من ثاني أكسيد الكربون". وتضيف أنه "عندما تسافر إلى جزر المحيط الهادئ، ستدرك بشكل واضح الظلم الناجم عن ذلك كله. هذه دول لم تكن لها يد في ما يحدث من حيث تغير المناخ لكنها تشعر بالعبء الأكبر".
وحذرت أندرسون "سنشعر جميعاً بهذا العبء الأكبر… كل ما في الأمر أن البعض يشعر بذلك عاجلاً وبشكل أصعب من الآخرين. ولذا، نعم، الحديث عن الخسائر والأضرار أمر بالغ الأهمية ويفرض ضغوطاً شديدة على العالم في ما يتعلق بمسألة العدالة". وقال روبرتو سيفون أريفالو، كبير محللي الائتمان الحكومي لدى مجموعة التصنيف الائتماني "ستاندرد أند بورز"، في تعليقات لمنتدى الاقتصادي العالمي إنه "بدرجات مختلفة، هذه مشكلة تخص العالم أجمع، الشيء الوحيد الملح حقاً هو الحاجة إلى الدعم الدولي لعديد من هذه الأجزاء (الأفقر) من العالم".

التكيف وبناء المناعة

وضعت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، التي وقعها قادة العالم في قمة الأرض عام 1992، هيكلاً قانونياً عريضاً للتعاون العالمي في شأن مكافحة الظاهرة، وينص على أن الدول المتقدمة ستوفر الدعم المالي وغيره، إضافة إلى أشكال المساعدة الإنمائية الأخرى من خلال ثلاثة مبادئ: المبدأ الوقائي، مبدأ الحق في التنمية، ومبدأ الاشتراك في المسؤولية المتباينة وفقاً لقدرات كل بلد.

من هذا المنطلق تشكل ما يعرف بـ"تحالف التكيف وبناء المناعة" الذي تلعب فيه مصر دوراً رئيساً حيث تعمل على رفع متطلبات الدول النامية في مواجهة تغير المناخ، وخلال قمة الأمم المتحدة للمناخ في عام 2019 ترأست مصر بالشراكة مع جمهورية مالاوي والمملكة المتحدة "تحالف التكيف والتحمل" كممثلة للقارة الأفريقية، والرئاسة المشتركة لمجموعة "أصدقاء التكيف" في نيويورك.

كما توفر اتفاقية باريس للمناخ التي تبنتها 197 دولة في مؤتمر الأطراف الـ21 في ديسمبر (كانون الأول) 2015، إطاراً للدول المتقدمة لمساعدة الدول النامية في جهود التخفيف من حدة المناخ والتكيف معها مع إنشاء إطار للرصد والإبلاغ بشفافية عن الأهداف المناخية للدول. وتستهدف الاتفاقية بشكل أساس إبقاء ارتفاع درجة الحرارة العالمية أقل بكثير من درجتين ومتابعة أفضل الجهود الدولية للحد من الزيادة إلى 1.5 درجة مئوية، وهو يحتاج إلى خطط وطنية واسعة تستلزم إنفاق المليارات على البنية التحتية والصناعات وحتى تغيير العادات اليومية للمجتمعات. 
وسابقاً، كشف مصدر دبلوماسي لدى الأمم المتحدة في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية"، أن "المجتمع الدولي يتعامل مع الظاهرة باعتبارها تحدياً دولياً وخطراً داهماً للجميع، لكن الدول النامية دائماً تلجأ إلى مبدأ المسؤولية المشتركة والأعباء المتباينة وليس من الإنصاف تقاسم أعبائها بشكل متساو لأن المساهمة في إنتاج الظاهرة لم تكن متساوية، فضلاً عن أن الدول النامية ليست لديها القدرات والطاقات التي تمكنها من التعامل مع آثارها بالقدر ذاته من الفاعلية مثل الدول الصناعية الغنية". 

تعهدات من دون تنفيذ

مع أن الدعوة إلى التكيف واضحة، فإن بعض المجتمعات الأكثر عرضة لتغير المناخ هي الأقل قدرة على التكيف لأنها فقيرة أو تنتمي إلى البلدان النامية التي تكافح بالفعل من أجل إيجاد موارد كافية لتلبية الأساسات مثل الرعاية الصحية والتعليم. فوفق الأمم المتحدة قد تصل تكاليف التكيف التقديرية في البلدان النامية إلى 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030. وفي الوقت الحالي تنفق نسبة تقدر بـ21 في المئة فقط من التمويل المتعلق بالمناخ الذي تقدمه البلدان الأكثر ثراء لمساعدة الدول النامية في التكيف والقدرة على الصمود، أي نحو 16.8 مليار دولار سنوياً.
لكن في حين شهدت المؤتمرات السابقة التي أجريت في إطار اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ اتفاقات على تخصيص موارد مالية بقيمة 100 مليار دولار لدعم الدول النامية في مواجهة الظاهرة، لكن بحسب المصدر الدبلوماسي لم يتم الإيفاء بهذا المبلغ، لأن الدول الصناعية تتبنى وجهة نظر أخرى تقوم على مبدأ المسؤولية الجماعية، إضافة إلى السعي إلى تأجيل التعامل مع جانب التمويل وإحالته على القطاع الخاص.
وفي العام الماضي في مؤتمر الأطراف "كوب 26"، اعتمدت الدول "ميثاق غلاسكو للمناخ" الذي يدعو إلى مضاعفة التمويل لدعم الدول النامية في التكيف مع آثار تغير المناخ وبناء المرونة، كما أنشأت "قمة غلاسكو" برنامج عمل لتحديد هدف عالمي في شأن التكيف، الذي سيحدد الاحتياجات الجماعية والحلول لأزمة المناخ التي تؤثر بالفعل على العديد من الدول. وهو ما سيحتاج لمراجعته والتدقيق في ما أنجز خلال المؤتمر المقبل في شرم الشيخ.

أهداف واضحة وخريطة طريقويقول معهد المصادر العالمية، إن المطلوب الآن من مؤتمر شرم الشيخ تحديد أهداف تمويلية واضحة للتخفيف والتكيف وتمويل الخسائر والأضرار. وبالنسبة للبلدان المتقدمة وبخاصة مجموعة الدول السبع (التي ستوفر الجزء الأكبر من هذا التمويل)، ينبغي الوصول إلى إجمالي 600 مليار دولار في تمويل المناخ بين عامي 2020 و2025، وهو مبلغ التمويل الذي كان سيتاح في هذه الفترة لو أسدت البلدان المتقدمة بتعهدها السنوي البالغ 100 مليار دولار. ومن ثم يجب أن يستكمل ذلك بخطة وخريطة طريق لزيادة تمويل قائم على المنح يسهل الوصول إليه وشفاف، وخصوصاً من أجل أهداف التكيف.
وبينما تستعد البلدان لتحديد هدف تمويل جماعي جديد يدخل حيز التنفيذ بعد عام 2025 يوصي المعهد المتخصص في أبحاث البيئة، مقره واشنطن، بتحديد أهداف تمويلية واضحة لتعبئة القطاع الخاص والجهات الفاعلة الأخرى غير الحكومية، مع الاعتراف بالدور الذي لا غنى عنه للتمويل العام من البلدان المتقدمة.

المزيد من تقارير