Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يتفوق المنتخب النسائي الأميركي لكرة القدم بينما يفشل الرجال؟

تَعرّف على الأسباب القانونية والتاريخية والعالمية

المنتخب النسائي الاميركي يحتفل بالفوز ببطولة العالم للفيفا العام 2015 (غيتي)

بينما يستعد المنتخب النسائي الأميركي لخوض مباراة الدور قبل النهائي في كأس العالم لكرة القدم ضد منتخب إنكلترا  "الثلاثاء" ، يثبت من جديد جدارته العالمية كأفضل منتخب كرة قدم نسائي في العالم – وفق تصنيف الفيفا - بعد أن فاز الجمعة الماضية على البلد المضيف - فرنسا – بهدفين مقابل هدف في معركة فاصلة  ، وإذا فاز بمباراة انكلترا والمباراة التالية سيكون قد حقق الفوز الرابع بكأس العالم من اجمالي سبع بطولات منذ انطلاق المسابقة تاريخيا عام 1991 الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة حول سبب تقدم منتخب النساء دون الرجال في كرة القدم رغم حصولهن على أموال أقل من الاتحاد الوطني لكرة القدم في الولايات المتحدة.

قبل 3 أسابيع ، اكتسح الفريق النسائي الأميركي نظيره التايلاندي في بطولة كأس العالم لكرة القدم التي تجري الآن في فرنسا ، حيث سجل المنتخب الأميركي 13 هدفا في مرمى تايلاند مقابل لا شيء ، وهو أكبر عدد من الأهداف يسجله أي فريق في هذه اللعبة طوال التاريخ وهو أيضا عدد أكبر من جميع الأهداف التي سجلها فريق الرجال الأمريكي في كل مبارياته ببطولات كأس العالم.

 

مقارنات كاشفة

كان وصول منتخب الرجال الأميركي إلى الدور قبل النهائي في كأس العالم 2002 هو الانجاز الوحيد له ، فهو  لم يحقق أي انجاز مهم خلال مشاركاته الست الأخرى بالبطولة العالمية منذ عام 1990 ، بل إنه لم يتأهل إلى منافسات العام الماضي 2018 في موسكو ، وحين استضافت الولايات المتحدة البطولة عام 1994 خرج من دور ال16 بعد هزيمته أمام البرازيل ، كما أنه لم يحقق أي ميدالية على صعيد المشاركات الأوليمبية.

والآن يحتل منتخب الرجال المركز ال 30 في ترتيب الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" لأفضل المنتخبات الوطنية.

في المقابل لم يخسر منتخب السيدات الأميركي سوى مبارتين فقط من بين مبارياته ال 43 الأخيرة وهو يحتفظ حاليا بصدارة أفضل المنتخبات الوطنية في العالم ، ولم يتراجع قط عن المرتبة الثانية في تاريخ تصنيفات الفيفا ، ومنذ البدء في تنظيم بطولات كأس العالم للسيدات عام 1991 فاز المنتخب الأميركي بثلاثٍ من إجمالي سبع بطولات ، منها البطولة الأخيرة 2015 وهو يسعى الآن للفوز بالبطولة الحالية ، فضلا عن أنه لم يحقق مركزاً أسوأ من المركز الثالث في البطولاث الثلاث الأخرى ، كما فاز بالميدالية الذهبية في الأوليمبياد الصيفية ثلاث مرات في أعوام 2004 ، 2008 ، 2012.

 أسباب التفوق النسائي

تتعدد أسباب تفوق كرة القدم النسائية في الولايات المتحدة ما بين قانونية وتاريخية وعالمية  ، لكن أحد أهم الأسباب التي أحدثت أثرا فارقا منح الأميريكيات تميزا ، فقد تمثل في قانون الحقوق المدنية الفيدرالي الذي حظر في تعديله التاسع عام 1972 على أي مؤسسة تعليمية تتلقى تمويلا فيدراليا ، التمييز بين الجنسين في جميع المجالات بما فيها الأنشطة الرياضية ، وهو ما فتح الباب أمام فتيات المدارس والجامعات للاشتراك بكثافة في برامج كرة القدم النسائية.

ووفقا لرابطة الاتحاد الوطني للمدارس العليا الثانوية في الولايات المتحدة ، قفز عدد الفتيات اللائي تمارسن كرة القدم في المدارس الثانوية من 700 طالبة فقط عام 1972 إلى 122 ألف طالبة عام 1991 بزيادة 17 ألف في المئة ، ثم قفز هذا العدد إلى 390 ألف طالبة عام 2018 فضلا عن مئات الآلاف من الطالبات الصغيرات في المدارس الإبتدائية والمتوسطة.

وساعد على انخراط الطالبات المتفوقات في اللعبة أن فرصهن في الفوز بمنح دراسية خلال تعليمهن الجامعي تتزايد كثيرا.

عوامل تاريخية

كان فوز الولايات المتحدة بأول كأس عالم ينظمها الفيفا للسيدات عام 1991 عاملا مشجعا لآلاف الفتيات المتحمسات حيث أصبحت لاعبات الفريق الأميركي أيقونات ونجمات للمجتمع مثل "ميا هام" و "براندي شاستين" ، وتعزز ذلك ببطولين تاليتين كانت أولاهما عام 1999التي شهدت فيها المباراة النهائية مع الصين معركة فاصلة توقفت فيها الأنفاس حتى اللحظات الأخيرة مع ضربات الجزاء الترجيحية ، لتفوز في نهايتها الولايات المتحدة بالبطولة بخمسة أهداف مقابل أربعة للصين.

بعد انتهاء المباراة التي شاهدها الملايين ، بدا أن كل فتاة في الولايات المتحدة تريد لعب كرة القدم.

أما البطولة الأخيرة عام 2015 والتي فاز بها المنتخب النسائي الأميركي ، فقد أعطت دفعة أخرى إلى الأمام ، لتزيد من شعبية اللعبة ومن الاهتمام الأميركي بها بصفة عامة حيث أظهرت دراسات اعلامية أن نسب مشاهدة مباريات المنتخب النسائي على المستوى الوطني تعادل نسب مشاهدات منتخب الرجال بل وتتفوق عليه في بعض المباريات ففي المباراة النهائية لكأس العالم عام 2015 وصل عدد المشاهدات إلى نحو 26 مليون مشاهد ، وهو رقم تاريخي لم يُسجل من قبل في مباريات الرجال أوالنساء في الولايات المتحدة الأميركية.

جماهيرية واسعة بين الفتيات

وهكذا أصبحت كرة القدم النسائية، اللعبة المفضلة لكثير من الفتيات لتصبح رابع لعبة شعبية للطالبات في الولايات المتحدة بعد "كرة الطائرة" مباشرة ، مما ساعد على انتقاء العناصر الأفضل للمنتخب الوطني الأميركي.

وتشير احصاءات الفيفا إلى أن عدد اللاعبات المسجلات في كرة القدم بالولايات المتحدة وكندا يزيد عن عدد اللاعبات السجلات في أوروبا في حين أن عدد اللاعبات في باقي التجمعات الجغرافية حول العالم لا يمثل سوى 9% فقط من إجمالي عدد اللاعبات المسجلات في العالم.

وحتى عام 2006 لم يكن هناك سوى 3 ملايين لاعبة كرة قدم مسجلة حول العالم نصفهم في الولايات المتحدة وحدها.

غير أن أحد أهم العوامل المشجعة للعبة ، هو ذلك الاحساس بالفخر بين اللاعبات الأميريكيات حين تشاهدن تدفق الجمهور الغفير على ستادات بطولة كأس العالم في فرنسا بعد عناء سفر طويل ، ونظرة آلاف الفتيات الصغيرات إليهن -ومعظمهن طالبات في المدارس- كأنهن سفيرات تشكلن مثلاً أعلى لهن حول العالم ، ما يحول اللاعبات الأميريكيات إلى محاربات على أرض الملعب واثقات من المستقبل.

أسباب عالمية

لكن الجماهيرية الواسعة التي يحظى بها المنتخب النسائي لكرة القدم في الولايات المتحدة خاصة بين الفتيات ، لم تكن العامل الوحيد ، إذ يتعلق الأمر أيضا بأسباب عالمية خارج الولايات المتحدة ، وهي ضعف وجود منافسين أقوياء بسبب حظر اللعبة في العديد من البلدان لعشرات السنين ، فبريطانيا حظرت انخراط الفتيات في كرة القدم النسائية بين 1921 وحتى 1971 ، كما فعلت ألمانيا ذات الأمر بين عامي 1955 وحتى 1970 ، وحتى البرازيل التي يتنفسون فيها كرة القدم ، فقد حظرت اللعبة على النساء بين 1941 وحتى 1981 بدعوى أن اللعبة لا تناسب النساء.

كما يشكل السبب المالي جزءا آخر  ، حيث أظهرت دراسة أخيرة أن نصف عدد اللاعبات المحترفات لكرة القدم لا تتلقين أجرا ، وثلثهن يحتاج إلى وظيفة ثانية تساعدهن على تحمل أعباء الحياة كما أن 20 % منهن تعانين من التمييز على أساس النوع.

لماذا لم ينجح منتخب الرجال؟

لا تتوفر إجابة بسيطة بين خبراء كرة القدم عن سبب فشل منتخب الرجال في تحقيق ما أنجزته النساء ، لكنهم يشيرون إلى عدة عوامل ومنها أن الثقافة الشعبية الأميركية لم تكن حتى وقت قريب تولي اهتماما جيدا للعبة مثلما تعطي الألعاب الأخرى ، فضلا عن أن المنتخبات المنافسة في أميركا اللاتينية وأوروبا وغيرها ، تحظى باستثمارات هائلة واهتماما شعبيا واسعا يضع اللعبة في بؤرة الاهتمام بالنسبة للرجال.

ومع ذلك فهم لا ينفون أن الولايات المتحدة فشلت باستمرار في زيادة أعداد اللاعبين الموهوبين للفوز بلقب عالمي.

معركة التمييز المالي مستمرة

رغم الانجازات المتواصلة للمنتخب الوطني الأميركي للسيدات إلا أن لاعباته لازلن تواجهن مشكلة عويصة ، تتمثل في التمييز المالي بينهن وبين المنتخب الوطني للرجال ، حيث تقلن إنهن تحُصلن على 90 ألف دولار نظير مشاركتهن في مباريات بطولة كأس العالم ، في حين لو كُنّ من الرجال لحصُلن على 550 ألف دولار ، وتشير اللاعبات إلى أنهن حصلن في البطولة الماضية التي فزن بها عام 2015 على مكافأة قدرها مليون وسبعمئة وثلاثون ألف دولار ، في حين أن منتخب الرجال خسروا فى دور ال 16 من كأس العالم عام 2014 وحصلوا على خمسة ملايين وثلاثمئة وثمانون ألف دولار.

وفي حين يشير اتحاد الكرة الأميركي – وهو هيئة فيدرالية تُشرف على المنتخبات الوطنية -  إلى أن الفارق المالي لا يرجع إلى النوع وإنما إلى اجمالي العائد المالي من مشاركات الفرق المختلفة الذي تتحصل عليه من تذاكر دخول المباريات في الولايات المتحدة ، إلا أن تحقيقا صحفيا أجرته "وول ستريت جورنال" كشف أن مبيعات تذاكر مباريات النساء في الولايات المتحدة حققت عائدا أعلى من مباريات الرجال في الفترة من 2016 وحتى 2018.

وتحت ضغط الجماهيرية التي يكتسبها المنتخب النسائي رضخ اتحاد الكرة الأميركي ووافق على التفاوض مع لاعبات المنتخب ال 28 بعد أن لجأن إلى القضاء الأميركي قبل أشهر قليلة في ولاية كاليفورنيا لاسترداد حقوقهن.

الاهتمام بالكرة النسائية يتزايد

يقول خبراء كرة القدم ، إن فوز المنتخب النسائي الأميركي بالبطولة الحالية لكأس العالم سوف يجدد حماسة الفتيات الصغيرات للالتحاق بممارسة اللعبة وسيكون ذلك دافعا نحو مزيد من انتشار جماهيرية اللعبة مما يساهم في الإبقاء على قوة الدفع التي اكتسبتها ، كما أن ذلك سوف يدفع اتحاد الكرة الأميركي على تغيير نظرته واتخاذ موقف إيجابي على الصعيد المالي مما ينعكس بالإيجاب على مستقبل اللعبة.

وبالرغم من إدراك الأميركيين أن الدول الأوروبية ضاعفت من انفاقها على كرة القدم النسائية من 50 مليون يورو إلى 112 مليون يورو من أجل اجتذاب أفضل المدربين وتطوير برامج التدريب ، إلا أنهم يراهنون على مضاعفة الاهتمام في الداخل الأميركي بالكرة النسائية ، ودليلهم على ذلك عدد من المؤشرات ليس اقلها ارتفاع عدد المشاهدات للمباريات النسائية في شبكات التليفزيون الأميركية والتي يرافقها اقبال إعلاني ملحوظ حيث تشير شبكة "فوكس" التليفزيونية إلى أن سعر الإعلانات في مباراة أميركا – أسبانيا قبل أيام وصلت إلى 140 ألف دولار لكل 30 ثانية فقط مقابل 40 ألف دولار في البطولة الماضية ، وهو نفس السعر الذي حققته اعلانات منتخب الرجال في دور ال 16 عام 2014.

 

المزيد من رياضة