Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فوضى الترجمة في مصر تسفر عن سباق على الأدب الصيني

رواية "اختفاء فتاة" صدرت بالعربية في صيغتين مختلفتين عن وزارة الثقافة

التنافس في عالم الترجمة (سوشيل ميديا)

جاءت ترجمة رواية "اختفاء فتاة اسمها تشن غينفانغ"، للكاتب الصيني شي إيفنغ، إلى العربية (ترجمة وتقديم ميرا أحمد) في سياق فوز تلك الترجمة بالمركز الأول في مسابقة نظمها المركز القومي المصري للترجمة، بالتعاون مع المركز الثقافي الصيني في القاهرة. ولكن الغريب هو أن العمل نفسه صدر في الوقت ذاته بترجمة أخرى أنجزتها رضوى عمرو إمبابي عن الهيئة المصرية العامة للكتاب تحت عنوان "اختفاء الآنسة تشن غينفانغ"، ما يشي بانعدام التنسيق بين جهتين تتبعان وزارة الثقافة المصرية، ويطرح سؤالاً بشأن الجهة التي التزمت بدفع حقوق الترجمة للمؤلف، والجهة التي سطت على الحقوق نفسها.

نقدم هنا مراجعة للترجمة التي نشرها المركز القومي المصري للترجمة باعتباره الجهة التي يرجح أنها صاحبة الحق في نشر ترجمة فازت بالمركز الأول في مسابقة شارك المركز في تنظيمها، علماً أن هناك من يؤكد أن الترجمة الأخرى شاركت في المسابقة نفسها، لكنها لم تفز بالمركز الذي يؤهلها للنشر.       

لقاء بعد اختفاء

 

تبدأ الرواية التي فازت بجوائز عدة في الصين، بلقاء وليد مصادفة بين الراوي، وهو شاب في الثلاثين من عمره، وفتاة تماثله في العمر، بعد انقطاع تواصلهما لعشر سنوات، علماً أن بداية تعارفهما ترجع إلى سنوات دراستهما في المرحلة الإعدادية حيث جمعتهما مدرسة قريبة من منزليهما في منطقة فقيرة في العاصمة بكين. هذا اللقاء يدفع السارد بضمير المتكلم وهو نفسه الشاب الثلاثيني إلى استرجاع ما يتذكره عن تلك الفتاة المنحدرة من أسرة ريفية قدمت إلى بكين بحثاً عن حياة أفضل في فترة بلغت ذروتها في التسعينيات واتسمت بتجاوز قيم الثورة الثقافية والانفتاح على ثقافة الغرب، في المأكل والملبس والفنون، وكذلك في الاستثمار بهدف تحقيق ربح مادي سريع في سياق تغلب عليه العشوائية ويفتقر بالطبع إلى أفكار مجتمعية أصيلة.

الفتاة "تشن غينفانغ" لم تتمكن من استكمال تعليمها لفشل أسرتها في التكيف مع الوضع في بكين. الأسرة تقرر العودة إلى مسقط رأسها الريفي، لكن تشن غينفانغ تصر على البقاء في العاصمة يحدوها الأمل في أن تتمكن من الحصول على المال الكافي لتمكينها من العيش كإنسانة على حد تعبيرها بعدما تعرضت كثيراً للتنمر بسبب أصلها الريفي وفقرها المدقع، الذي هو بتعريف الأمم المتحدة في عام 1995: "حالة تتسم بالحرمان الشديد من الحاجات الإنسانية الأساسية، بما في ذلك الغذاء ومياه الشرب المأمونة ومرافق الصرف الصحي والصحة والمأوى والتعليم والمعلومات". أما راوي حكايتها والذي لا يذكر اسمه أبداً في متن العمل، فقد اشترى لها والده وهو في سن الثامنة آلة كمان ليتعلم العزف عليها، على أمل أن يصبح في المستقبل عازفاً مشهوراً يكسب الكثير من المال، لكنه نجح في أن يعزف بمهارة أكسبته جوائز مدرسية لا قيمة لها في حقيقة الأمر، بما أنه عندما حاول الالتحاق بمعهد للموسيقى بعد دراسته الثانوية، صدمته لجنة الاختبار بأن رفضت قبوله لافتقاره للموهبة التي تكفل له التميز، فالتحق بجامعة عامة، وعمل بعد التخرج في وظيفة حكومية براتب ضئيل، سرعان ما تركها ليبحث عن حظه في مجال البزينس الثقافي، إذا جاز التعبير.

السرد بالتوازي

ومن هنا سيواصل لقاءاته مع تشن غينفانغ ليكتشف أنها قد غيرت اسمها وتنفق في بذخ وتستخدم في تحركاتها سيارة يقودها لها سائق قالت إنه يعمل أيضاً سكرتيراً خاصاً لها، بعدما أسست شركة استثمار في حي راق في بكين. وهكذا يمضي السرد بالتوازي بين حكاية السرد عن نفسه وحكايته عن تلك الفتاة التي أدرك أنه متعلق بها على نحو غامض خصوصاً بعدما انفصل عنه زوجته التي لطالما عاش عالة عليها، قبل أن تسافر إلى أميركا؛ سعياً وراء مناخ أفضل لجني الأموال.    

خلال غيابها عن محيطه لعشر سنوات، كان يسمع من زملاء لهما أنها بعد أن صارت وحيدة في بكين، كانت تصادق شباباً للحصول منهم على المال، وسرقت من أحدهم مبلغاً كبيراً، قبل أن تختفي تماماً عن الأنظار، وعندما التقاها مجدداً وجد أنها فجأة صارت جميلة "تضع أحمر الشفتين وظلالاً لعينيها وصبغت شعرها بلون أصفر زاهٍ، فبدت تقاسيم وجهها مع الزينة أكثر وضوحاً حتى أنها صارت تحمل نكهة الفتيات الغربيات". ومع ذلك كانت تسكن عينيها "نظرات شرسة ووقحة". تدخن سجائر من ماركة "مارلبورو" وترتاد المطاعم الفاخرة. نشأت بينهما علاقة جديدة كانت بتعبيره "أشبه بحصنٍ معلق في الهواء". طلبت منه أن يتوسط لها لدى أحد رجال الأعمال في زمن الانفتاح هذا، وتحديداً في عام 2012، ليأخذ منها مالاً يوظفه في مشاريعه ويعطيه ربحاً منتظماً، وصارحته بأنها ستكافئه في حال نجاحه في تلك المهمة بمبلغ يكفيه عبء العمل لسنوات عدة.

أوروبا تتدخل

وفي خلفية ذلك نعرف من السارد أن في السنوات الأخيرة استثمرت دول أوروبية في مجال الطاقة النظيفة، فأطلقت حكومات محلية في الصين العديد من المشروعات في هذا المجال ومنحت الفرص لكثير من المضاربين في سوق الأوراق المالية، فجمع أحدهم ويدعى "أغي بي" أموال عدد من الأشخاص واتجه من بكين إلى جيانغسو ليضع يديه على شركات متوسطة رأس المال، لتغير نشاطها وتركب الموجة الجديدة. لم يكن هدفهم من العمل في مجال إنتاج الطاقة الشمسية الحصول على العملات الصعبة من عمليات تصدير الطاقة، بل كان استغلال هذه الصناعة للحصول على مزيد من القروض البنكية ورؤوس الأموال الاستثمارية والحصول على مكاسب من القطاعات المالية في الدولة.

 

وسيتضح أن الأموال التي دفعتها "تشن غينفانغ" لرجل الأعمال "أغي بي" كانت جمعتها من أهل بلدتها الأصلية بداعي استثمارها مقابل أرباح مغرية، وبانهيار هذا الاستثمار. وجدت الفتاة الطموحة نفسها مطاردة من الشرطة، لتنتهي الرواية بالقبض عليها. وسبق ذلك انتباه الاتحاد الأوروبي إلى أن الصين دعمت العديد من شركات تصنيع الطاقة الكهروضوئية لاحتكار الأسواق بأسعار مخفضة، فهدد بفرض رسوم جمركية باهظة على البضائع الصينية، فسحبت بكين يدها من العديد من المشروعات التي كانت قد بدأت بالفعل... "فصارت حشود المضاربين مثل أسماك طفت على الشاطئ بعد انحسار المياه".  

سيرة الانفتاح

وجاء في تقديم المترجمة: "‎في السنوات الأخيرة ظهرت مجموعة من الكتاب أطلق عليها كتاب ما بعد السبعينيات حتى صاروا العمود الفقري للأدب الصيني المعاصر، وقد أظهرت كتاباتهم سمات أسلوبية فريدة وجماليات بليغة وعكست أعمالهم الروائية الحياة الواقعية المعاصرة، وحملوا على عاتقهم مشكلات المجتمع الراهن وكان من بين هؤلاء الكتاب، كاتب الرواية شي إيفنغ".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حصلت الرواية في نسختها الصينية على جائزة أحد الأعمال العشرة للكتاب الشباب في الدورة الأولى لمضيق تايوان وجائزة فنغ مو في دورتها الخامسة وجائزة لوشون في دورتها السابعة للرواية القصيرة، ورشحت في عام 2016 لجائزة "ي ودا فو للرواية القصيرة".

‎ولا تعد الرواية سيرة لبطلتها "تشن غينفانغ" فحسب، بل هي كما تقول - ميرا أحمد - سيرة للصين أيضاً، إذ تصف تحول الشخصية الرئيسية من الذل والخنوع إلى العدوانية والعبثية، خلال عشرين عاماً من التطور السريع للصين ورغبة "تشن" في الثراء السريع والعيش حياة النبلاء ما جعلها تقع في فخ المجتمع وتسقط في هوة سحيقة بعد انهيار الصرح الذي شيَّدته بالتزامن مع التغيرات العالمية.

‎وكما تقول ميرا أحمد فإن رواية "اختفاء فتاة اسمها تشن غينفانغ"، يطلق عليها "رواية غاتسبي العظيم في طرازها الصيني"، ويرى بعض النقاد أن هذه الرواية قد أعادت تقاليد الكاتبين لاو شي وماو دون، في الكتابة الإبداعية. ورواية "غاتسبي العظيم" للكاتب الأميركي فرنسيس سكوت فيتزجيرالد، نشرت للمرة الأولى عام 1925 وتعتبر واحدة من كلاسيكيات الأدب الأميركي وإحدى أهم الوثائق الأدبية التي أرَّخت لعقد العشرينيات الهادر، الذي يعد فترة مفصلية شكلت نقطة تحول في حياة الأميركيين، أخلاقياً ومادياً واجتماعياً، أطلق عليها فيتزجيرالد "عصر الجاز"، فأضحى المسمى في ما بعد المصطلح المعتمد في الدوائر الأدبية، الأكاديمية منها وغير الأكاديمية، بحسب ويكيبيديا.

ولمؤلف رواية "اختفاء فتاة اسمها تشن دينفانغ"، المولود في بكين عام 1979 أعمال أدبية أخرى مهمة منها: "ثمار تحت الراية الحمراء"، و"وقعتُ في حب بكين"، و"حبيبتي"، و"صراع الأجيال"، وفي عام 2017 فازت روايته "عيون العالم" بجائزة "بايهوا" للرواية القصيرة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة