Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان "المتنازع" على طريق المصالحة بين البشر والطبيعة

مراكز لحماية الحيوانات المهددة وتأمين تكاثرها ومسابقة لتغيير النظرة إليها من "فريسة" إلى "فن"

الصيد الجائر يشكل صلب الثقافة الشعبية للأفراد والجماعات في التعامل مع كائنات الطبيعة (اندبندنت عربية)

بكثير من الرهبة والخوف ينظر اللبناني إلى الحياة البرية، إذ إن كثيراً من أفكاره حيالها مستمد من القصص المصورة للأطفال وبعض الممارسات المعتادة كالصيد الجائر التي تشكل صلب الثقافة الشعبية للأفراد والجماعات.

وينهض هذا المنطلق أساساً لفهم بعض السلوكيات الضارة بالبيئة، كما يفسر الصعوبات التي يواجهها الناشطون البيئيون في مجال الحفاظ على التنوع الطبيعي والإيكولوجي.

لكن في المقابل تتنوع النشاطات التي يقوم بها أنصار البيئة في لبنان التي تتراوح بين إقامة مراكز لحماية الحيوانات وتأمين تكاثرها وتحقيق المصالحة بين البشر وبعض الحيوانات، وصولاً إلى استخدام الفن والتصوير كعامل إضافي لتغيير النظرة إلى الحيوان من طريدة للقتل إلى موضوع للتأمل.

غربة الكائن الخجول

لم يكن سهلاً إقناع العامة بفكرة أن الضباع اللبنانية كائنات وديعة لا تهاجم البشر وتلعب دوراً أساسياً في تنقية الطبيعة لأن هذا الأمر يخالف النظرة الشعبية الشائعة التي تصنف الضبع ضمن فئة الوحوش المفترسة، لذلك يجب النظر بكثير من التقدير إلى جهود الناشطين البيئيين في لبنان الساعين إلى الحفاظ على حماية التنوع البيئي، تحديداً الضبع اللبناني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يشير منير أبي سعيد من "مركز التعرف على الحياة البرية" إلى أن المركز انطلق منذ 22 عاماً عندما بدأ فريق من البيئيين السباحة عكس التيار الفكري السائد بغية الحفاظ على البيئة وحماية التنوع، ويشدد على أولوية التوعية بضرورة حماية الضبع لأنه "كائن جبان لا يهاجم أحداً بل يحاول الهرب بجميع الحيل الممكنة، كما أنه حيوان قمام يغتذي من جثث الحيوانات الميتة وعظامها، لذلك يلعب دوراً في تنظيف الطبيعة ومنع انتشار الروائح والأمراض ويمتلك الضبع أقوى فك لحيوان بري وتقدر قوة عضته بـ8 أطنان ضغطاً، لذلك فهو يلتهم العظام المتبقية من الحيوانات الميتة ليقوم لاحقاً بتفتيتها بما لديه من سائل معوي قبل أن يخرجها كسماد طبيعي، بالتالي هو يحول دون تحجر تلك العظام وبقائها في الطبيعة".

وفي منطق يحمل كثيراً من الثقة والتحدي يرد أبي سعيد على روايات من هنا وهناك بأن الضبع يهاجم البشر قائلاً "إذا لم تر ذلك لا تصدقه، لم يسبق لنا أن وثقناه".

قاد الشغف بعض الناشطين لإنقاذ حياة عدد من الضباع بسبب الصيد الجائر في الجنوب وعكار، إضافة إلى تحفيز عملية تكاثر حيوانات أخرى وأطلق قرابة 27 ضبعاً إلى البرية وبسبب عدم القدرة المادية على شراء أطواق التتبع الرقمية، يعول الناشطون على القدرة الإلهية ونشر الوعي المجتمعي من أجل استمرار هذه المجموعة على قيد الحياة، لذلك تبقى الحيوانات البرية سواء الضبع أو الذئب أو الهرير وغيرها معرضة للانقراض في حال لم نتمكن من تغيير الأفكار القائلة إن "كل ما هو بري مؤذ بالضرورة".

مجازر الطيور المهاجرة

ننطلق صعوداً نحو السماء لنرافق الطيور المهاجرة في محطة الرعب التي تعيشها أثناء المرور فوق لبنان وبلدان الشرق الأوسط فقد اعتدنا في بلداننا على التعامل مع الحيوانات باعتبارها "أشياء جامدة" وليست أرواحاً، الأمر الذي يقود إلى مجازر مروعة لا يبالي بها بعض الناس الذين يتسابقون إلى نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.

لذلك تأتي مبادرة الناشط ميشال صوان لإنشاء مركز لرعاية الطيور الجارحة وعلاجها في الخالدية زغرتا شمال لبنان لتؤكد إمكان تغيير هذه الأفكار بجهود بسيطة، إذ أعد مأوى للطيور وسط منطقة غنية بالغابات وبدأ بخطوات بسيطة وصولاً إلى بناء ستة أقفاص بمقاييس دولية.

كرس صوان جزءاً من وقته لمنح الطيور الجريحة كماً من الاهتمام والحب وأسهم من خلال مركزه في علاج عشرات النسور واللقالق ورعايتها إضافة إلى الحوام بأنواعها مثل العقبان والبواشق والبوم قبل إطلاقها مجدداً، واستقبل المركز العام الماضي ما يزيد على 100 طائر نجح في علاج بعضها، فيما لم يوفق في إنقاذ آخر أو أصيب عدد منها بإعاقة دائمة.

انضم صوان إلى جهد دولي لإنقاذ الطيور وحمايتها في لبنان من الصيد الجائر تحت عنوان "عملية المشرق لإنقاذ الطيور"، فتمكن الخبراء من إحصاء 409 أنواع من الطيور بعضها مهاجر والآخر مقيم ويتطلب الحفاظ عليها جهداً جماعياً واستطاع أخيراً إنقاذ "خفرع" وهي التسمية التي أطلقت على طائر الرخمة أو الطائر المشهور بـ"النسر المصري" المهدد بالانقراض الذي يخضع لبرنامج إعادة تأهيل وتكاثر وهو واحد من ملايين الطيور التي تعيش أو تعبر أجواء لبنان وتتطلب رعاية وحماية.

يصف صوان رواد الصيد الجائر بهدف التسلية بـ"القواصين" بسبب عدم احترامهم المعايير البيئية ومواسم الصيد والقوانين، مطالباً بتشديد العقوبات ضدهم ومنع استخدام الأدوات الخطرة كالدبق والشباك والكهرباء والليزر في الصيد وفرض رقابة على المحال التي تتاجر بالأفراخ والطيور البرية الممنوعة وتبيع الخرطوش الكبير.

"أهلا بهالطلة"

"صيادو الصور" عوضاً عن "صيادي الطيور" هو ما تحاول بلوغه حملة حماية الطيور الحوامة المهاجرة "Save our Soaring birds" التي أطلقتها جمعية "الأرض لبنان"، وتهدف الحملة التي ترفع شعار "أهلا بهالطلة" إلى إطلاق جائزة لمن "يصطاد" أجمل صورة للطيور المهاجرة عوضاً عن قتلها على أن يعلن الفائز في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.

يوضح بول أبي راشد وهو ناشط بيئي في الحملة أنها دعوة إلى التمتع بجمال الطيور التي تطير بكثافة كبيرة خلال الهجرة الخريفية، إذ تتجه من أوروبا نحو أفريقيا، مشيراً إلى أن "الطيور الحوامة مهددة بالانقراض على المدى البعيد"، علماً أنها "من الكائنات الأكثر فائدة للإنسان والزراعة"، ويتحدث عن "فرع جديد للسياحة هو سياحة تأمل الطيور المهاجرة التي لا يمكن رؤيتها بهذه الكثافة في أي بلد آخر، فمشهد طيران ألف صقر أو نسر أمر نادر ويمكن النظر إليه كعامل لتشجيع السياحة البيئية وقدوم سياح من الخارج، تحديداً أولئك المهتمين بمراقبة هجرات الطيور".

يعتبر لبنان مركزاً لتجمع الطيور المهاجرة والوافدة من مختلف الدول الأوروبية، تمهيداً لانطلاقها إلى غايتها الأخيرة في أفريقيا ويقدر أبي راشد عدد الطيور المهاجرة التي تستقبلها البلاد سنوياً بـ600 مليون ويقول "كل المطلوب هو حمايتها وتأمين بعض الأماكن للضيافة وهناك مناطق أكثر عرضة لتلك الأسراب على غرار روم جزين وعازور وحريصا وغوسطا ويحشوش وجورة الترمس والغينة وغبالة، أي على طول خط يرى فيه الطير البحر عن يمينه خلال مجيئه من أوروبا وأثناء سيره فوق الوديان التي تمنحه الدفء ساعياً نحو أفريقيا".

يخشى أبي راشد من استمرار عمليات قتل الطيور أثناء تجمعها في الوديان أو صعودها وارتكاب المجازر بحقها، علماً أن "قتل الطيور الحوامة يأتي لإشباع نزعة عنيفة والتسلية والاستمتاع بالقتل وليس من أجل الأكل. ومن هنا تأتي أهمية المبادرة والدعوة إلى تصوير تلك الطيور بدلاً من قتلها والحصول على جوائز ثمينة، أي جعل الفن أداة لحماية التنوع البيئي".

وينوه إلى فوائد كبيرة للطيور الجارحة من الباشق إلى الباز والعقاب، إضافة إلى فئة اللقلق والبجع وطير الكركي إذ إنها تنظف الطبيعة والمزارع وتكافح تزايد الأفاعي والفئران والقوارض الضارة التي بات المزارعون يلجأون إلى السموم الضارة للقضاء عليها، مؤكداً أن "السلسلة الطبيعية تؤمن حلولاً مستدامة ونظيفة".

المزيد من بيئة