في عام 2021 شارك لبنان للمرة الأولى في تحدي تطبيقات الفضاء تحت إدارة وكالة الفضاء الأميركية "ناسا". أقيم حينها الحدث بنسخته الـ 10 على مدى 48 ساعة في أكتوبر (تشرين الأول)2021 بصورة افتراضية بسبب ظروف الجائحة، فيما يقام في العام الحالي تحت عنوان Make Space، في الأول والثاني من أكتوبر المقبل بشكل يسمح فيه بالمشاركة الفعلية أو الافتراضية.
على الرغم من وجود العقول والطاقات التي تستحق التقدير فيه، لم يكن لبنان ممثلاً يوماً في هذا المجال الذي يعنى بالفضاء، وانضم في النسخة الـ 10 ليتنافس مع 150 دولة عربية وأجنبية مشاركة وحل بين أهم سبع دول في العالم من مشاركته الأولى هذه إلى جانب دول كاليابان التي تنفق مليارات الدولارات في هذا المجال.
ويشكل تحدي تطبيقات الفضاء منصة يمكن لكل من لديه شغف في الإبداع والابتكار بالتكنولوجيا والعلوم والأرض والفضاء، فيواجه التحديات التي يضعها خبراء "ناسا" التي تتفاوت في مستوى المهارة والموضوع المطروح والهدف، وتغطي مجموعة من التخصصات والاهتمامات في سبيل إحداث تغيير على مستوى العالم وحل مشكلات تواجهها البشرية، وفي الوقت نفسه يحفز المجتمعات لتلتقي مع بعضها وتقدم أفكاراً مبتكرة.
التحدي اللبناني
يوضح القائد المحلي للتحدي الدولي لتطبيقات الفضاء التابع لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" أنطوان طنوس لـ"اندبندنت عربية" أنه "لطالما توقع أن يذهب لبنان بعيداً في هذا المجال، على الرغم من الأزمات المتتالية والحروب، وغياب الدعم الرسمي له"، واعتبر أن "مشاركة لبنان في هذا التحدي العالمي، الذي انطلق منذ عام 2012، إنجاز حقيقي أسهم في زرع الأرزة في الفضاء وفي تسليط الضوء على الطاقات اللبنانية والعقول بعد أن فتح الباب للشباب للدخول إلى هذا العالم عبر تقديم مشاريع خاصة".
وأشار إلى أنه لتوسيع التعاون في تحدي تطبيقات الفضاء وإيصال العدد الأكبر من المجتمعات تنضم إلى وكالة "ناسا" وكالات الفضاء الأوروبية واليابانية والكندية والأسترالية والبرازيلية ولجنة الأنشطة الفضائية الوطنية من الأرجنتين ووكالة الفضاء الأرغوانية ووكالة الفضاء الوطنية لجنوب أفريقيا إضافة إلى الوطنية البحرينية.
وتابع طنوس، "عندما تقدمت إلى فريق NASA Space Apps بطلب لقبول مشاركة لبنان لم أتوقع نيل الموافقة، لكني فوجئت بها وحصولي على إذن من (ناسا). جمعت عدداً كبيرة من العقول اللبنانية من مختلف الفئات المجتمعية والفئات العمرية، بينهم أطفال، ومن مختلف المستويات التعليمية للعمل على المهمات التي يحددها التحدي، فالمشاركة هنا لا تركز حتى على المستوى التعليمي، بل على الموهبة، لأن كثيرين يتمتعون بها ولم تسنح لهم فرصة التعلم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما مجموعات التحديات الـ22 التي يطرحها موقع NASA Space apps Challenge لهذا العام ويتقدم فيها مشاركون بالآلاف من حول العالم للعمل مع بيانات الوكالة في سباق مدته 48 ساعة، فتدور حول مشاريع في مجالات الذكاء الاصطناعي والتغيير المناخي والشمس والكواكب، كتحدي تشييد مسكن قابل للعيش في كوكب المريخ وعن الفيروسات وسبل مواجهتها والألعاب الإلكترونية وتنظيم البيانات والتكنولوجيا وتطوير البرمجيات والاستكشاف ومواضيع متنوعة أخرى تهدف إلى إيجاد حلول لمشكلات تتم مواجهتها في الأرض والفضاء.
يشار إلى أنه إقامة ورش عمل مكثفة ويتقدم المشاركون بأفكارهم ومشاريعهم مع فيديوهات تسجل إلى حين تقديمها أمام لجنة التحكيم من المتخصصين لبتها واختيار الفرق الفائزة، فيما يتولى شركاء وكالات الفضاء اختيار خبراء في هذا المجال للحكم على عروض المشاريع، ويتطلب ذلك مشواراً طويلاً من تاريخ تقديم الطلبات، وفي العام الماضي كانت هناك مئات الطلبات اختير 204 منها للمشاركة من لبنان مع 40 متطوعاً وقد وصل 24 فريقاً إلى النهائيات.
غياب رسمي
اليوم، في النسخة الـ11 من الهاكاثون العالمي الأكبر الذي يجمع متخصصين من العالم، هناك 300 مشارك في التحدي بدعم من جامعات في لبنان ومدارس ومن جهات معينة، في وقت تغيب الدولة تماماً، وحتى اليوم لم يكن من الممكن الحصول على أي دعم منها، ويؤكد طنوس أنه "ثمة حاجة ملحة حالياً لتوفير التمويل للاستمرار بالتقدم في هذا المجال ومواكبة العقول اللبنانية وتشغيل المشاريع التي يقدمها المشاركون".
بدورها بدأت وزارة التربية والتعليم العالي تظهر اهتماماً في هذا المجال، على أمل أن يجري العمل على إدخاله في المنهج التعليمي.
عن تجربة مشاركته في تحدي تطبيقات الفضاء في هذا العام بعد فوزه العام الماضي بالمرتبة الثانية مع فريقه، يتحدث نور بو نصر أنه "تخصص بجامعة الروح القدس في الكسليك بمجال هندسة البرمجيات ويتابع دراسته للحصول على ماجستير في الذكاء الاصطناعي بإيطاليا، شعر باندفاع للمشاركة بعد سماعه عن التحدي ليخوض التجربة"، يضيف، "بعد أن شاركنا في ورش العمل ومررنا بالمراحل المطلوبة وكانت مشاركتنا في تحدي Landing On Mars، عملنا على ابتكار لعبة إلكترونية تتضمن محاكاة للهبوط على المريخ، وعملت فيها على نظام يقوم على الذكاء الاصطناعي ويعلم اللاعب ويزوده بمعلومات متجددة دوماً حول الكواكب مع تعليمه كيفية الهبوط على المريخ لاعتبار أن ذلك يتطلب طريقة معينة، وكان لكل من الشباب في الفريق دور معين لعبه في تنفيذ المشروع".
يؤكد بو نصر "سعي الفريق إلى بلوغ مستويات أعلى من العام الماضي"، ويشير إلى أنهم "لم يكونوا حاضرين كما المشاركين من دول أخرى الذين كانت لديهم مشاريع أكثر تطوراً، أما في هذا العام فيؤكد أنهم أكثر استعداداً على أمل الوصول إلى مرتبة أعلى، وربما الذهاب إلى وكالة الفضاء في حال الفوز لمشاهدة إطلاق صاروخ في الولايات المتحدة".
لطالما كانت "ناسا" مجرد حلم لكثيرين، من خلال تحدي التطبيقات استطاعت أن تصل إلى الأجيال الجديدة فتضع ما تبذله من جهود وما تحققه من اكتشافات في عالم الفضاء والعلوم، لتعود بالنفع على العالم أجمع، أما بالنسبة إلى لبنان، فالخطوة تؤكد طاقات شبابه وسط ظروف صعبة يضطرون معها لما يعرف بهجرة العقول بسبب غياب الفرص.