Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينهي العنف في مدينة ليستر الإنجليزية 50 عاما من التناغم؟

صدمة في أوساط السكان والمسؤولين جراء الاشتباكات وسط تساؤل كثيرين: لماذا لم يتنبأ أحد باندلاع هذه الاضطرابات؟

هل بوسع الهدوء أن يعود مجدداً إلى مدينة لا تزال غارقة في التوترات؟ (غيتي)

بالنسبة إلى المراقب الخارجي يبدو شارع "غولدن ميل" [هو الاسم الآخر لشارع بيلغريف] في مدينة ليستر، كما درجت العادة، مفعماً بالحياة هذا الأسبوع.

خلال النهار تقوم متاجر الحرير وأزياء النساء وتجار المجوهرات والصرافة بتجارة نشطة بشكل جلي. وفي الليل، تسطع الأضواء لعدد لا يحصى من المطاعم النباتية ومحال الحلويات كما هي الحال دائماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولكن بالنسبة إلى المطلعين، كان صخب ونشاط شارع بيلغريف في المدينة صامتاً إلى حد ما.

دارميش لاخاني، مدير مطعم "بوبيز" في الشارع نفسه والعضو في جمعية بيلغريف للأعمال أشار إلى أن "الناس خائفون"، مضيفاً، "لقد انخفضت أعمالي بنسبة 30 في المئة. فالجميع قرر البقاء في المنزل وإغلاق نوافذه وستائره. لا أحد يشعر بالأمان".

كان ذلك في أعقاب عطلة نهاية أسبوع شهدت توترات تحولت إلى أعمال عنف.

فلقد اشتبك أكثر من 500 شاب هندوسي ومسلم مع بعضهم ومع الشرطة أيضاً خلال ليلتين من العنف الذي امتد على مساحة كبيرة من شرق ليستر. ترافقت مع تلك الأحداث تحطيم للسيارات وإلقاء زجاجات وحجارة كما أسفرت عن توقيف 20 شخصاً. والتي أسفرت أيضاً عن جرح 25 شرطياً على الأقل.

 

حجم العنف الذي ترافق مع تلك الحوادث دفع حينها الشرطة إلى تغيير مسار بعض دورياتها من جنازة الملكة التي اعتبرت أكبر عملية للشرطة في تاريخ المملكة المتحدة، ليتم إرسالها إلى ليستر للتعامل مع الحادثة.

تجد مدينة ليستر نفسها اليوم أمام مفترق طرق مفاجئ يلحق ضرراً كبيراً بسمعتها.

فالتنوع السلمي الذي عرفته المدينة على مدار نصف قرن والذي أصبح نموذجاً للاندماج والتناغم في جميع أنحاء العالم، يخشى قادة المدينة الآن من أن تطيح نهاية أسبوع واحد من العنف به وبمسار خمسة عقود من العمل الجدي.

فما الذي حصل بحق السماء؟ وكيف لم يتوقع أحد حصول ذلك؟ وهل بوسع الهدوء أن يعود مجدداً إلى مدينة لا تزال غارقة في التوترات؟

عندما اندلعت شرارة الاضطراب مساء السبت (17 سبتمبر/ أيلول)، كان دارميش لاخاني في معبد "بابس سوامينارايان" الهندوسي المجاور. طلبت الشرطة من المصلين البقاء في الداخل حفاظاً على سلامتهم، لكن الرجل ذا الـ 54 عاماً والأب لطفلين لم يستطع منع نفسه من الخروج لرؤية ما يحدث.

يقول لاخاني "إنها مدينتي ومنطقتي. كان عليّ رؤية ما يحدث بنفسي. كل أولئك الشبان الأوغاد يركضون في الشوارع ويرمون الأشياء. لم أستطع التفكير في شيء، شعرت بالإرباك. لم أصدق ما كنت أراه. أهذه هي ليستر؟ كنت تائهاً ومشوشاً". لم يكن لاخاني الشخص الوحيد الذي شعر بذلك.

حينها تم إبلاغ مالكو المطاعم بضرورة إسدال الستائر وإطفاء الأنوار مع استعار أعمال العنف. من بينهم كان مالك محطة غسل سيارات محلية الذي هرع إلى مكان عمله ليجد الشرطة تحاصر مئات المشاغبين هناك ليصف الوضع بأنه "كان مرعباً. الزجاج والقذارة في كل مكان".

تبدو الصدمة هنا حقيقية وشديدة لطالما افتخرت ليستر كثيراً بسمعتها في التماسك والألفة.

فقبول المهاجرين والتسامح من الركائز التي تشتهر بها المدينة. ويقال إن ذلك حصل منذ 50 عاماً عندما فتحت أبوابها أمام 10 آلاف من الآسيويين الأوغنديين الذي فروا من عيدي أمين الذي قام بطرد الأقلية الآسيوية من بلاده.

وعلى مدى خمسة عقود من ذلك، وهي فترة زمنية شهدت نمو عدد السكان من أصول آسيوية بنسبة 40 في المئة، لم تشهد المنطقة أي اشتباكات عرقية أو دينية فعلية. حتى نهاية الأسبوع الماضي.

ما زال غير واضح بالضبط كيف اندلعت أحداث يوم السبت وما زاد في تعقيداتها كانت تلك الادعاءات والادعاءات المضادة وتكهنات وسائل التواصل الاجتماعي والتضليل المتعمد على الحقيقة. فالبعض يقول إن الاضطراب بدأ من قبل مجموعة كبيرة من الرجال الهندوس الذين كانوا في مسيرة عبرت منطقة "غرين رود لاين" ذات الغالبية المسلمة.

وفي هذا يضيف البعض الآخر أن الهندوس كانت في تظاهرة سلمية وأن تظاهرة مضادة للمسلمين أفضت إلى نشوب العنف، لكن كثيرين يعتقدون أن الحقيقة تقع في مكان ما في منتصف هاتين الروايتين.

على أي حال، ما نعرفه فعلاً هو أن تلك الحوادث شكلت ذروة أسابيع من المناوشات الصغيرة التي حصلت بعد مباراة كريكيت بين الهند وباكستان في دبي في شهر أغسطس (آب) الماضي، ولكننا نعرف أيضاً أن الرياضة في نهاية المطاف لا علاقة لها بكل هذا.

في حين يفترض البعض أن التوترات الداخلية بين المجتمعات المحلية في ليستر نمت بشكل متزايد خلال السنوات الخمس الأخيرة، وذلك بسبب تبدل الديموغرافيات والتأثر بأمور السياسة حول العالم.

ويفترض أحد المزاعم بأن وصول أشخاص هندوس جدد للعيش في منطقة "هايفيلدز" ذات الغالبية المسلمة كان سبباً لحدوث عديد من المناوشات التي تظورت إلى عداوات على نطاق أوسع. وتقول مزاعم أخرى أن وصول هؤلاء جلب معهم السياسات الدينية – القومية من وطنهم الهندي.

ويقول البروفيسور نيل شكرابورتي، مدير مركز دراسات الكراهية في جامعة ليستر "ليس لديّ أدنى شك بأن التوترات الدينية في الهند وأفعال الحكومة المتشددة والعنيفة والقومية [ضد الأقليات المسلمة] تركت تأثيراً مباشراً على ما شهدناه هنا. فلولا وصول حزب بهاراتيا جاناتا  (BJP) إلى السلطة في الهند ولولا شيطنته للأقليات، لكان من الصعب تخيل نشوب هذه التوترات هنا". ويضيف شكرابورتي "ما يظهر ذلك، وما علينا الإقرار به هو أنه ليس في ليستر فقط وإنما في أي مكان تتعايش فيه مجموعات مختلفة، ما يجري على بعد آلاف الأميال عبر القارات والحدود سيتسبب بتداعيات مضاعفة في الديار. أصبح العالمي محلي. ففي عالم متصل ببعضه البعض، ستكشف الأحداث في أماكن أخرى التوترات المحلية إلى العلن وستفاقمها".

علاوة على ذلك، يعتقد البروفيسور شكرابورتي أن هنالك عامل حاسم يتعلق بطبيعة ليستر نفسها، ألا وهو الرضا عن الوضع القائم.

وتابع قائلاً "أعتقد أننا كمدينة، افترضنا بأن لدينا مناعة ضد هذا النوع من الأحداث التي نراها في أماكن أخرى. وهذا أمر مفهوم لأن صفة التسامح لدينا شكلت جزءاً من حمضنا النووي على مدى 50 عاماً، ولكن علينا أن نكون صادقين ومنفتحين وأذكياء بما فيه الكفاية لكي لا نختبئ من حقيقة وجود تلك التحديات هنا".

لماذا لم ير أحد قدوم ذلك العنف هو سؤال معقد وربما شائك.

يبدو أن إخفاق الشرطة والاستخبارات السياسية تركت مؤسسات المدينة غير مدركة لمدى احتدام التوترات، كما تم إلقاء اللوم أيضاً على غياب التنوع [العرقي] داخل مؤسسة الشرطة في ليستر، على وجه الخصوص، في جعل الأمر مفاجئاً بالنسبة لها وغير مستعدة أبداً للتعامل مع الأمر عندما احتدمت الأمور.

وفي هذا السياق، قال أحد أصحاب الأعمال الذي طلب عدم ذكر اسمه، "في مرحلة ما رأينا ثمانية من ضباط الشرطة يحاولون ردع 300 مشاغب. بدوا في غاية الخوف، كلهم، الثمانية معاً. كنت لأشعر بالخوف نفسه لو كنت مكانهم".

ومن جهة أخرى، قال قائد الشرطة الموقت روب نيكسون إن الشرطة "تعمل على توقيف الأشخاص الذين يلحقون ضرراً بمجتمعاتنا وسوقهم إلى العدالة".

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن، إلى أين تتجه ليستر بعد ذلك؟

بذل قادة المجتمعات ومنظمات التواصل بين الأديان وعمدة المدينة المنتخب السير بيتر سولسبي كل جهودهم للإعلان بأن الحلول تكمن في التواصل وليس في العنف. وقطع وعد بإجراء تحقيق مستقل، كما سلط هؤلاء الضوء على أن نصف الأشخاص العشرين الذين تم توقيفهم خلال نهاية الأسبوع ليسوا من ليستر أصلاً، فقد أتى خمسة منهم من برمنغهام وحدها.

وقال السير سولسبي يوم الأربعاء الماضي "يشير هذا الأمر إلى أن هنالك أشخاصاً لديهم أمور مختلفة يريدون تحقيقها وقد قدموا إلى ليستر من أجل ذلك"، لكن مزاعم العمدة، من جهة أخرى، أن الاضطراب "لا يمثل أي خطر يلوح في الأفق على ليستر" قوبلت بانتقادات ووصفت بالساذجة من قبل الموجودين على الأرض.

وقالت ياسمين سورتي، أمينة سر اتحاد المنظمات الإسلامية والمتطوعة في الإيست أند على مدى أكثر من 30 عاماً "هنالك توترات ومظالم وعلينا الإقرار بها لأننا إن لم نفعل فكيف بوسعنا معالجتها"؟

وتقول الأم لثلاثة أولاد والبالغة من العمر 55 عاماً بأنها شعرت بالخوف مرتين طيلة فترة حياتها في ليستر خلال أربعة عقود. كانت المرة الأولى عام 2010 عندما أقيمت مسيرة بارزة لرابطة الدفاع الإنجليزية (هي منظمة يمينية متطرفة معادية للإسلام) في المدينة. أما المرة الثانية فكانت هذا الأسبوع، تضيف سورتي أثناء حديثها مع "اندبندنت" وهي ترتدي حجابها في شارع بيلغريف – وهي منطقة ذات غالبية هندوسية.

 

وأصرت قائلة "إنها مسألة متعلقة بكل شخص هنا. لم يقل لي أحد أي شيء أو نظر إلى بشكل مختلف. أعرف أن الأشخاص هنا طيبون. أنا أعمل هنا، ولديّ كثير من الأصدقاء هنا أيضاً، لكن ما حدث جعلني أتساءل عندما خرجت من سيارتي، هل سأكون بخير"؟

حالها حال الجميع هنا، هي مقتنعة بأن أمسيتين من الاضطرابات لن تدمرا سمعة ليستر التي اكتسبت بعد طول عناء، ولكنها كما الجميع هنا، تعرف أن من السهل تدمير السمعة بسرعة كبيرة أيضاً، لذا حذرت من أن مزيداً من الاشتباكات من شأنها أن تضع وصمة غير الآمنة وغير الودية وغير المرحبة على المدينة. وأوضحت أن الضرر سيكون اجتماعياً واقتصادياً. وقالت "ما من رابحين في هذا الأمر، الجميع خاسرون. ستجرنا تلك الأحداث كلنا نحو الأسفل".

طريقة منع تكرار هذه الأحداث هو ما يشغل بال كثيرين من سكان ليستر. ويبدو أن هنالك إجماعاً متزايداً على وجوب تعزيز التواصل في المجتمع بما يتناسب مع القرن الواحد والعشرين.

ويقول البروفيسور شكرابورتي مجدداً " ما نجحت به ليستر دائماً كان ذلك التواصل بين مختلف أطيافها، بيد أن هذا النوع من التواصل قد عفا عليه الزمن. كمدينة، نعتمد على الحوار مع مجموعة محدودة من قادة المجتمع وصناع الرأي الذين قد يقومون بعمل جدي، ولكنهم قد لا يمثلون دائماً مختلف الأصوات التي تكونت في المدينة. علينا أن نفكر في طرق جديدة وأكثر تطوراً للإصغاء إلى جميع الأصوات والتواصل مع أولئك الذين يشعرون بغياب أصواتهم وآرائهم"، مشدداً على أن تلك المشكلة "ليست حكراً على ليستر وحدها. أعتقد أنه على جميع المدن والبلدات تعلم القيام بذلك بشكل أفضل".

في الجهة المقابلة من المدينة، في جامعة دي مونتفورت، توافقه نظيرته كيم صادق، الأستاذة المشاركة في العدالة المجتمعية والجنائية الرأي، حيث أشارت إلى أنه "لدينا عبارة سحرية للتواصل هنا. السمبوسة والشاي. تدعون الناس لتناول الشاي والسمبوسة وتتحدثون معهم في شأن ما ينبغي القيام به لتحسين منطقتهم، بيد أن المشكلة تكمن في أن هؤلاء هم أصلاً أشخاص يريدون أن يشتركوا في هذا، ما علينا القيام به هو إيجاد آليات أخرى للخروج إلى العلن والتحدث مع الناس الذين لا يبادرون ولا يأتون إلينا. هكذا نستطيع إيجاد مستقبل أفضل".

ولكن اليوم، في مطعم "بوبيز"، إنه الحاضر الذي يثير المخاوف. فعيد ديوالي يحل الشهر المقبل حيث يزعم البعض أن هذا الشارع يستضيف أضخم مهرجان للأضواء خارج الهند.

 

ومع هذا، حتى مع زينة الشوارع التي سبق أن وضعت - هنالك مخاوف من أن الناس قد لا يأتون. فهنالك قلق لا يساعده حقيقة أن الهند تلعب مقابل باكستان في كأس العالم للكريكيت في اليوم السابق.

ويقول لاخاني "إنها ليلة رائعة نعيشها كل عام. ليس للهندوس وحسب، فالجميع يأتي هنا. هندوس ومسلمون وسيخ ومسيحيون، الجميع. ويجب أن تجري الأمور على نحو جيد هذا العام. علينا أن نظهر للعالم أن هذه هي صورة ليستر الحقيقية وأننا نحتفل مع بعضنا بعضاً، وأننا مجتمع واحد".

© The Independent

المزيد من متابعات