Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشرطة عبر التاريخ ونظرات المواطنين إليها

من التعريف الإنجليزي إلى فرنسا أيام نابليون إلى الاتحاد السوفياتي وأخيراً الصين وإيران و"داعش"

شرطة مكافحة الشغب في السويد (أ ف ب/ غيتي)

تبدو مشاعر المواطنين تجاه الشرطة هادئة في الدول الديمقراطية التي تلتزم فيها المؤسسات الأمنية وعناصرها وضباطها القوانين. وهناك العلاقة المتشنجة بين رجال الشرطة والمواطنين في البلاد النامية، إذ تنتشر أعمال العنف والفساد والرشوة. وهناك العلاقة الضدية حين يشعر المواطنون بأن الشرطي عدوهم، خصوصاً في الأنظمة العسكرية الاستخباراتية أو أنظمة الحزب الواحد، إذ يقوم الشرطي بأدوار سياسية أبعد من إنفاذ القانون، وذلك تحت راية حماية الشعب، كما هو حال "الشرطة الشعبية" في الصين التي تضم مليوني منتسب، وتبلغ ميزانيتها ثمانية مليارات دولار بحسب أرقام عام 2019.

التكامل بين الشرطة والمواطنين

"الجمهور هو الشرطة، والشرطة هي الجمهور"، هذا ما ينص عليه المبدأ رقم 7 من "مبادئ العمل الشرطي" للملقب بأبي الشرطة الحديثة السير الإنجليزي روبرت بيل. وقد وضع المبادئ في عام 1829، وطبقها على إدارة شرطة لندن الكبرى، ثم تبنتها إدارات الشرطة في معظم أنحاء العالم، خصوصاً في بلدان الإمبراطورية الإنجليزية الشاسعة، ومنها إلى سائر المستعمرات والدول.

في تفسير هذا المبدأ أن المواطن هو الشرطي الأول، وفي حال قام كل مواطن بواجباته كما يجب لن يحتاج إلى رجال الشرطة الذين يلعبون دور الجمهور المشاهد الذي يراقب المواطنين ويعيدهم إلى السلوك القانوني إذا ما حادوا عنه.

وفي تفسير إضافي على المبدأ السابع للسير بيل هو أن على المواطنين أن يتعاونوا مع رجال الشرطة لإبلاغهم عن كل ما يخالف القانون، وأن هذا التعاون يحقق الهدف الذي أنشئت من أجله الشرطة، أي إشعار المواطنين بالأمان والأمن وبأنهم في المدينة الفاضلة الخالية من الجرائم.

هذه التفسيرات للمبدأ السابع فتحت نقاشاً عريضاً حول الخط الرفيع الذي يفصل بين الشرطة في الأنظمة التوتاليتارية الاستخباراتية التي تجعل من كل مواطن خفيراً أو مراقباً لجاره أو لأفراد أسرته، كما كانت الحال في ألمانيا الشرقية إبان الحكم الشيوعي، أو في سوريا أيام حكم "البعث"، وفي كوريا الشمالية والصين وروسيا الآن، وبين الشرطة في الدول الديمقراطية التي تطلب من المواطنين التعاون مع الشرطة وتقديم المعلومات لها.

والسؤال المطروح هو ألا يؤدي هذا التعاون إلى خلق مجتمع حذر وقلق يترقب وقوع الأحداث، كما يحصل اليوم مع الأوروبيين، مواطنين وشرطيين، بعد أن واجهوا أنواعاً جديدة من المخالفات اليومية التي يقوم بها المهاجرون حديثاً إلى أوروبا. وقد أدت كثرة هذه المخالفات في السويد وفنلندا وفرنسا وإيطاليا إلى صعود اليمين المعادي للمهاجرين من جهة وإلى استنفار رجال الشرطة لمواجهة هذه الأنواع الجديدة من المخالفات. ومنها الاعتداءات العنيفة على الفتيات والنساء والتحرش بهن في ليلة رأس السنة في عام 2015/ 2016 في كولونيا الألمانية. فتلك الأحداث كان لها انعكاسات على مختلف المستويات، وقلبت ثقافة الترحيب باللاجئين رأساً على عقب، بحسب تعريف "دولتشي فيتا" القناة التلفزيونية الألمانية الحكومية.

الشرطة والتكنولوجيا

النقاش الثاني الذي يستدعيه المبدأ السابع هو كيف سيتعاون المواطنون مع رجال الشرطة في العالم الافتراضي مثلاً، في ظل التوسع الهائل لشبكة التواصل بين الأفراد والجماعات حول العالم من دون رقابة أو روادع مهمة، على رغم الكم الهائل من الأخبار المضللة والكاذبة.

ترى إدارات عدة للشرطة حول العالم أن التكنولوجيا أسهمت في إنفاذ القانون ووسعت مساحة التواصل مع الجمهور عبر صفحات الشرطة على "فيسبوك" و"إنستغرام" و"سناب شات"، وأصبحت أقسام الشرطة أكثر سهولة وشفافية، لكن هذه الوسائل "الإيجابية" نفسها التي تصور عناصر الشرطة يقومون بمهامهم ويساعدون مشرداً أو محتاجاً، مثلاً، بإمكانها أن تعرض أشرطة فيديو "سلبية" يصورها مواطنون لعناصر الشرطة وهم يقومون بأعمال خارجة على القانون وعنيفة، مثل الفيديو الذي تم تصويره حين وضع الشرطي رجله على رقبة المواطن الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد. ونقل الفيديو مشاهد توسل فلويد أن يدعه يتنفس لأنه يختنق. فانتشر الفيديو عبر وسائل التواصل كالنار في الهشيم وتحرك المواطنون الأميركيون والحقوقيون والمنظمات والجمعيات المعنية بالتمييز العنصري وبإنفاذ القانون وغيرها كثير من الحركات التي راحت تنتقل من الولايات المتحدة إلى بريطانيا ومنها إلى هونغ كونغ وبعض العواصم الأوروبية من أجل الاعتذار عن كل تاريخ التمييز العنصري الأوروبي.

الشرطة الدينية والسرية والإلكترونية

في العالم اليوم أنواع مختلفة من الشرطة، فهناك "شرطة الأخلاق" كما في إيران، والتي تعمل على تطبيق قواعد الشريعة وفق رؤية السلطات، من قبيل مراقبة حجاب الفتيات، كما حصل مع الشابة مهسا أميني التي أدى تسريب فيديو لمقتلها خلال توقيفها والتحقيق معها إلى اشتعال الاحتجاجات والاضطرابات في أنحاء إيران ضد الشرطة والنظام. وما يحدث في إيران مثال على تحول الشرطة والمواطنين إلى طرفين مضادين متحاربين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهناك تنظيم "داعش" الذي قام بدور الشرطة الدينية في المناطق التي سيطر عليها بين عامي 2011 و2019. وقد نفذت هذه الشرطة عقوبات قاسية بحق مواطنين ومواطنات بحجة تنفيذ الشريعة الإسلامية.

أما في أفغانستان فتحاول حركة "طالبان" منذ توليها السلطة في أغسطس (آب) 2021 بعد الانسحاب الأميركي المفاجئ ألا تستفز المجتمع الدولي كثيراً، فخففت من المحظورات التي كانت تفرضها شرطتها في فترة توليها الحكم قبل الغزو الأميركي لأفغانستان، ولو أن هذه الشرطة ارتدت ملابس الشرطة المدنية الأفغانية السابقة.

وفي الاتحاد السوفياتي كانت هناك الشرطة السرية التي تعمل على ضبط النظام الحديدي من داخله، كما هي الشرطة الشعبية والشرطة السرية الصينية اليوم، والتي تعمل كهيكل أساسي لثبات النظام الحديدي. والصراع على أشده بين سكان هونغ كونغ والشرطة الصينية كي لا ينتقل هذا النظام الشمولي إلى المدينة ذات الحكم الذاتي. والشرطة السرية موجودة في كوبا وكوريا الشمالية وباكستان. ويرى بعض الباحثين أن الشرطة السرية باتت موجودة في دول العالم المتقدم، إذ تنتشر كاميرات المراقبة في كل مكان وتدار عبر الأقمار الاصطناعية. وعلى الشبكة العنكبوتية عموماً، حيث تقنيات الكشف والرصد والتجسس.

البدايات

بحسب موسوعة المعارف العالمية ENCYCLOPIDIA، فإن مصطلح الشرطة يعود إلى الأدب اليوناني بمعنى الأشخاص الذين يتولون الشؤون التي تؤثر في بقاء الدولة ونظامها. وبحلول القرن الـ 18، استخدمت الدول الأوروبية la Police (الفرنسية) وdie Polizei (الألمانية) للإشارة إلى الإدارة الداخلية والسلامة والحماية والمراقبة في منطقة ما. ومن المحتمل أن مصطلح الشرطة وصل إلى إنجلترا من فرنسا وكان يشير في البداية إلى الحكومة الجيدة التي تعتني بمواسير الصرف الصحي وبإنارة الشوارع وما شابه ذلك من أعمال في الميادين العامة.

في ما بعد، ظهرت الابتكارات الأوروبية النابليونية التي أوجدت للمرة الأولى الشرطة المركزية للدولة. وبحسب مؤرخ الشرطة كلايف إمسلي "فقد تفاخر ملازم من شرطة باريس أيام نابليون بأنه عندما يجتمع ثلاثة أشخاص في محادثة فمن المؤكد أن كلاً منهم يراقب الآخر".

المزيد من منوعات