Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غضب الإيرانيين يتعاظم فيما العالم يقف موقف المتفرج

مع اجتياح التظاهرات إيران، يسعى العالم سعياً حثيثاً ومتعثراً لصياغة رد مناسب

إنها من أكثر التظاهرات المناهضة للحكومة درامية في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مدى 43 عاماً، إذ تشهد المدن الكبرى والبلدات الصغيرة والمشهد الاجتماعي والأقليات العرقية الكردية وصولاً إلى الفرس والأذريين اضطرابات كبيرة.

وأدت التظاهرات في الشارع إلى مقتل 26 شخصاً على الأقل خلال الأسبوع الماضي، بحسب ما نقل التلفزيون الرسمي الإيراني يوم الجمعة، بعد سبعة أيام من اندلاع مواجهات في الشارع بين المتظاهرين والشرطة خلال الليل.

ولكن على رغم غضب المتظاهرين، يشكك المحللون والدبلوماسيون في أن اندلاع الاضطرابات السياسية غير المنظمة التي تفتقر إلى القيادة قد يؤدي إلى الإطاحة بالنظام أو حتى إحداث تغيير بسيط ضمن الأنظمة الإيرانية الصارمة والمتعددة الطبقات التي تفرض السيطرة  وتحكم القبضة.

وفي هذا السياق، يقول حميد رضا عزيزي، وهو خبير في الشؤون الإيرانية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، وهي خلية دراسات [معهد بحثي] مقرها برلين، "علينا أن نضع جانباً كل التخيلات [الأوهام] بأن انهيار الجمهورية الإسلامية بات وشيكاً. يتمتع النظام السياسي بكثير من القدرة في ما يتعلق بطرق القمع التي لم يلجأ إليها بعد. ولكن على مدى وقت طويل صببنا تركيزنا على نحو خاطئ على الكيان السياسي نفسه الذي قد يخرج أم لا من هذه العملية أو تلك. في الوقت الحالي، تعتبر التظاهرات بحد ذاتها ومصير المجتمع أهم من طبيعة النظام السياسي المستقبلي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع هذا، رصد المحللون أبعاداً مختلفة بشأن الموجة الأخيرة من الاضطرابات السياسية التي بوسعها أن تحدد وجه إيران لسنوات طويلة، ويمكنها ربما أن تبدل حسابات القادة الغربيين الذين، على رغم اشمئزازهم من النظام الإيراني، يسعون إلى إبرام اتفاق نووي مع طهران وربما الاستفادة عبر ذلك من موارد الطاقة الإيرانية الهائلة لخفض أسعار النفط والغاز العالمية.

حتى أن المشككين يحذرون من تعذر حصول أي شيء في إيران. منذ ما يقارب 45 عاماً، قلة توقعت بأن الاحتجاجات في الشارع على خلفية مقالة صحافية أغضبت طلاب الدين في مدينة قم الشيعية قد تؤدي بعد أشهر إلى انهيار النظام الملكي الإيراني وإنشاء نظام ثيوقراطي.

واندلعت الاحتجاجات هذا الشهر بعد وفاة مهسا أميني، 22 سنة، في 16 سبتمبر (أيلول) الحالي إثر القاء القبض عليها بتاريخ 13 سبتمبر في طهران من قبل فرقة شبه عسكرية صارمة تفرض قواعد اللباس الإسلامي، ودخلت [الشابة] في غيبوبة أثناء توقيفها في ظروف ما زالت غامضة حتى الساعة.

وخلافاً للاحتجاجات السابقة المتجذرة بمظالم اقتصادية أو سياسية، اندلعت هذه الموجة جراء رد فعل شعبي عاطفي عميق احتجاجاً على وفاة أميني المتحدرة من إثنية عرقية كردية التي تزعم أسرتها أنها تعرضت للتعذيب الجسدي على يد سجانيها.

 

ودفعت الاحتجاجات المتأججة والعنيفة الناس من مختلف أطياف الانقسام الجندري والسياسي والاقتصادي والعرقي في إيران بالنزول إلى الشوارع. اجتمعوا معاً في عرض غير مسبوق للوحدة والغضب العام تجاه قوات الأمن ورموز السلطة، بما في ذلك محطات الشرطة ومقار المجموعات شبه العسكرية ومجموعات الدعوة الدينية العامة.

وفي هذا الإطار، اعتبر مهدي غدسي وهو متخصص في الشؤون الإيرانية في معهد فيينا للدراسات الاقتصادية الدولية أن "هذه الاحتجاجات مختلفة عن التي سبقتها. لا قائد لها حتى الساعة ولكن لا شك أن القادة سيبرزون. إنها عملية ستستغرق بعض الوقت".

وسبق لإيران أن شهدت مثل هذه الأحداث من قبل. ففي عام 2009، وبعد إعادة انتخاب المتشدد الشعبوي محمود أحمدي نجاد رئيساً للجمهورية بشكل متنازع عليه، نزل مئات آلاف الإيرانيين إلى الشوارع للاحتجاج مطلقين شرارة الاضطراب السياسي والقمع التي استمرت أشهراً عدة. ومنذ عام 2019، هز إيران عديد من الاحتجاجات السياسية على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية.

وبدلت جولتا التظاهرات والاحتجاجات الحسابات في الخارج، إذ رأى المسؤولون في واشنطن في ظل إدارتي الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترمب وفي أماكن أخرى في الغرب في تلك الاحتجاجات فرصة لإطاحة النظام الإسلامي الذي تحكم بإيران بعد الثورة الإسلامية عام 1979.

ولكن فشلت الحالتان في التوصل إلى تغيير سياسي واستتبعت بجهود النظام لتكثيف القمع وتطهير المعتدلين من صفوفه. وبدا أن السلطات الإيرانية تستعد فعلاً لعملية قمع قاسية، إذ شبهت المتظاهرين بتنظيم داعش "الجهادي".

وفي هذا الصدد، أعلن الحرس الثوري في بيان أصدره يوم الثلاثاء، "في سياق مؤآمرته، جمع العدو كل قدراته وحشدها ونظمها وزودها بأسلحة العنف".

ولطالما تساءل الخبراء السياسيون حول قدرة الاحتجاجات على إحداث التغيير في أماكن مثل إيران. وفي السنوات الأخيرة، دفعت التظاهرات في روسيا وهونغ كونغ بالقادة الاستبداديين إلى زيادة القمع. وأدى انتشار أدوات المراقبة الإلكترونية المتطورة إلى تسهيل قمع المعارضين على يد الحكام المستبدين.

نظرياً، بوسع الاحتجاجات في الشارع وما تلاها من موجات القمع أن تفتت النخبة الحاكمة وتحدث انفراجاً سياسياً. بيد أن النظام في إيران نجح في تهميش منهجي لأي إصلاحيين محتملين من التراتبية الهرمية، مما أدى إلى تمكين [ترجيح كفة] الجيش والأمن والمتشددين الدينيين المغالين في الولاء للمرشد الأعلى علي خامنئي.

إن مسألة فعالية [نجاعة] التظاهرات ليست نظرية أكاديمية فحسب. ويعيش صناع السياسات الغربيين صراعاً لاتخاذ القرار بشأن الدعم النظري أو المادي الذي يتوجب عليهم تقديمه للمحتجين.

حتى الساعة، أصدر كل من البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية بيانات دعم قوية نسبياً. وقال الرئيس جو بايدن في خطابه أمام الأمم المتحدة هذا الأسبوع، "نقف إلى جانب شعب إيران الشجاع والإيرانيات الشجاعات الذين يتظاهرون اليوم دفاعاً عن أبسط حقوقهم".

وأصدرت وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث في المملكة المتحدة بياناً صحافياً فاتراً داعية فيه النظام إلى ممارسة "ضبط النفس" في مساعي قمع التظاهرات. وسلطت وسائل الإعلام في المملكة العربية السعودية وإسرائيل المعاديتين لإيران، الضوء على أهمية التظاهرات وأولتها تغطية كبيرة على خلاف الدول الصديقة لإيران على غرار العراق وقطر.

في الواقع، يشعر عديد من البلدان بالحيرة، فهل عليها تعديل سياساتها تجاه إيران لتأخذ في الاعتبار [ما يترتب على] الاحتجاجات المتعاظمة المناهضة للنظام.

وفي هذا الجانب، صرح أحد المسؤولين الغربيين "بوسعنا تضخيم أهمية الأصوات الإيرانية بشكل كبير بالتأكيد، ولكن كيف نقتنص الفرصة ونحولها إلى تغيير فعلي؟".

وبوسع رفع أصوات الإيرانيين أن يؤدي إلى التأثير في موظفي النظام وفي ضمائرهم وحملهم على التحدث علناً، أو على الأقل وقف آلية القمع حتى ولو تم ذلك بهدوء. وقال أحد المسؤولين "توقفوا عن القدوم إلى العمل وعن توقيف الأشخاص. لا يمكن لآلية القمع أن تعمل فيما يتراجع الجنود عن دورهم، ولكن كيف يتحول ذلك إلى تغيير سياسي مع قائد جديد ونظام جديد؟".

يتساءل كثيرون عما بوسع الجهات الخارجية فعله لمساعدة المتظاهرين. يوم الخميس حجبت السلطات الإيرانية شبكة الإنترنت عن غالبية البلاد، مما قلص من قدرة المحتجين على التواصل مع بعضهم بعضاً ومع شطر راجح من العالم الخارجي.

وأيد بعض المناصرين الاقتراح الذي تقدم به ملياردير التكنولوجيا إيلون ماسك بتهريب معدات خدمة "ستارلينك" للإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية إلى إيران، بيد أن مشروعاً كهذا قد يؤدي إلى تعريض الذين ينقلون ويخفون هذه المعدات لأخطار كبيرة، وقد لا يكون لها أي تأثير قبل أسابيع.

واقترح غدسي تعزيز مكانة مسيح علي نجاد، وهي صحافية وناشطة إيرانية منفية ومقدمة برنامج "فويس أوف أميركا" (Voice of America) الشهير التي دعت النساء الإيرانيات إلى إزالة حجابهن وإطلاق الحركة الاحتجاجية، وقال "بوسع مسيح علي نجاد أن تكون قائدة عظيمة. هذا التحرك مدين لها. هي شجاعة وتتمتع بالكاريزما. لم يسبق لنا أن رأينا في أي مكان في العالم امرأة تتولى قيادة ثورة".

© The Independent

المزيد من تقارير