Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"متسلسل" مدونة أميركية أعادت تشكيل رؤية نظام العدالة

نتذكر المدونة الصوتية التي غيرت هذا النوع من البرامج الإذاعية بالتزامن مع حصول سيد على فرصة محاكمة جديدة بعدما قضى 23 عاماً خلف القضبان

سارة كينيغ (غيتي)

قبل ثماني سنوات، انطلق برنامج جديد عبر موجات الأثير. كانت المادة بسيطة، عزف خفيف على البيانو كخلفية لتسجيل صوتي لمكالمة هاتفية مصدرها السجن. ثم نسمع صوتي شخصين: الأول هو عدنان سيد، الرجل الذي مر على وجوده خلف القضبان حينها 14عاماً، وسارة كينيغ، الصحافية التي أمضت عاماً في محاولة معرفة ما إذا كان يستحق وجوده هناك.

بُثت حلقات الموسم الأول من مدونة "متسلسل" Serial الصوتية على مدار شهرين فقط، لكنها مثلت بداية ملحمة لا تزال مستمرة – وصلت إلى ذروتها أخيراً مع طلب المدعين في بالتيمور إبطال إدانة سيد. يعد هذا بحد ذاته تطوراً بالغ الأهمية، ويمكن لمس الأثر الذي أحدثته "متسلسل" بعيداً من قضية سيد. لقد أعادت المدونة تشكيل الطريقة التي ينظر بها العديد إلى نظام العدالة. لقد قدمت لبعض المستمعين فكرة أنه يمكن تناول قصص الجريمة ليس بغرض الترفيه فقط، أو حس الإثارة المحيط بالتكهنات حول المذنب، ولكن لأنها تثير أسئلة تستحق الطرح. فعلت ذلك من خلال مواجهة المستمعين، مراراً وتكراراً، بالوحشية اللامحدودة وراء إدانة يحتمل أن تكون خاطئة، والتذبذب الواضح للأدلة المستخدمة للوصول إليها. لم تكن “متسلسل” عملاً مناضلاً بشكل صريح، لكنها رسخت فكرة وجود طريقة للقيام بفعل نبيل انطلاقاً من قصة جريمة حقيقية.

ضمن المعايير المعروفة للمدونات الصوتية، كانت “متسلسل” تتمتع بكل السمات المميزة لعمل محترم منذ البداية. انطلقت كمدونة من تقديم كينيغ وإخراج جولي سنايدر متفرعة عن برنامج "هذه هي الحياة الأميركية" الإذاعي الشهير الذي كان إيرا غلاس يقدمه منذ عام 1995. تم سرد قصة قضية سيد بأسلوب إذاعي كلاسيكي. لكن بدلاً من تناول قصة الجريمة مباشرة، طلبت الحلقة الأولى من المستمعين التفكير في موضوع الذاكرة.

قالت كينيغ: "قضيت كل أيام العمل من العام الماضي في محاولة معرفة أين كان شاب في المدرسة الثانوية موجوداً لمدة ساعة بعد المدرسة في أحد الأيام من عام 1999 ... قبل أن أتطرق إلى سبب قيامي بهذا، أريد فقط أن أشير إلى شيء لم أفكر فيه حقاً قبل أن أبدأ العمل على هذه القصة، وهو - كم من الصعب حقاً تذكر الوقت الذي نمضيه، أقصد بطريقة مفصلة".

ثم قدمت الحلقة فقرة لمدة دقيقتين عن الذاكرة ونقاط ضعفها. طلبت كينيغ من المراهقين إعادة سرد الأمور التي قاموا بها قبل ستة أسابيع. من الواضح أن التمرين كان صعباً، وكانت ذكريات المراهقين ضبابية وغير مكتملة. ربطت كينيغ كل ذلك بقضية سيد، موضحة كيف أن مرور الوقت يعقّد تذكر الناس لحدث معين - بطرق يمكن أن تكون حاسمة عندما يكون الحدث المتناول في صميم قضية قتل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ركز الموسم الافتتاحي لـ “متسلسل” على مقتل هاي مين لي، طالبة في المدرسة الثانوية تعرضت للخنق حتى الموت في يناير (كانون الثاني) عام 1999. كانت تبلغ من العمر 18 عاماً حينها، ووفقاً لـ كينيغ، كانت فتاة "مسؤولة" وكذلك "ذكية وجميلة ومرحة ورياضية رائعة" تلعب الهوكي واللاكروس. دين صديقها السابق عدنان سيد، الذي كان آنذاك في الـ 17 من عمره، بقتلها وحكم عليه بالسجن مدى الحياة في عام 2000. وبقي مصراً على براءته منذ ذلك الحين.

يبدو من المحتمل أن انتباه الرأي العام على الصعيد الوطني لما كان سيوجه نحو قضية سيد ما لم تتناولها مدونة “متسلسل”. (في استعراض زمني نشرته نيويورك تايمز حديثاً لمعارك سيد القانونية، يتم القفز من إدانته في عام 2000 إلى عام إطلاق “متسلسل” في 2014). على مدار 12 حلقة، أخضعت كينيغ الأدلة المستخدمة لإدانة سيد للتحقق، بما في ذلك شهادات الشهود وبيانات الهاتف المحمول. في الحلقة السادسة، بعنوان "القضية ضد عدنان سيد"، شاركت جميع القرائن المستخدمة ضده - وهو جهد يتوافق مع تفاني “متسلسل” في البحث في كل من إمكان إدانته وإمكان براءته.

لم تُخف كينيغ أبداً شكوكها وتحفظاتها المتفرقة في القضية. طلب البرنامج من المستمعين رؤية عدنان سيد من كل النواحي، بينما يعترف أن هناك جوانب فيه أو في قصته لم تتكشف بعد. كان هذا النوع من المسحة الخفية مألوفاً لمستمعي الإذاعات العامة. (لقد جعلت برامج مثل “هذه هي الحياة الأمريكية” و “راديولاب” المشاركة في صياغة البرامج جزءاً من هويتها المسموعة، إذ تحتوي المادة التي تبث على الهواء في النهاية مقاطع صوتية مسجلة وراء الكواليس ولحظات صريحة من المقابلات). في سياق برنامج جرائم حقيقية، اتخذ الأمر بعداً إضافياً: عندما عبرت كينيغ على الهواء عن شكوكها حول نوع معين من الأدلة، أظهر ذلك هشاشة نظام العدالة الجنائية، وعدم متانة سلسلة الأحداث التي أوصلت سيد إلى السجن. من الناحية الصحافية، كان هناك نوع من الجدة في الأمر، بل وحتى التحرر: ماذا لو أدى البحث عن الحقيقة إلى مزيد من عدم اليقين بدلاً من ذلك؟ ماذا لو كان فهم ما لانعرفه هو أهم جزء في الحكاية كلها؟ ماذا لو كان البحث عن إجابات وإنتاج ساعات من المواد التي تستحق البث، ولكن من دون الوصول إلى إجابة نهائية، فعلاً منصفاً مؤثراً؟

ظل مستمعو “متسلسل” منقسمين حيال ذنب سيد. إذا كان لديك رأي في القضية، فمن المحتمل أنك تعرف شخصاً آخر لديه رأي مخالف تماماً. قالت كينيغ في بداية الموسم الأخير: "لقد مر عام منذ أن اتصلت بعدنان للمرة الأولى، ولا زلت أتحدث معه بانتظام ... لا زلت أطرح عليه أسئلة أساسية. لا يزال يخطر ببالي، لا أعرف، إنه سيتذكر شيئاً ما، أو ربما سينزعج مني لدرجة أنه سيعترف بكل شيء".

ثم نسمعها تقول لعدنان على الهاتف: "ما زلت أريد أن أعرف ماذا كنت تفعل بعد ظهر ذلك اليوم. أريد أن أعرف بحيازة من كان هاتفك، وأريد أن أعرف ماذا كنت تفعل بعد ظهر ذلك اليوم". يرد سيد: "كما تعلمين، لا أتذكر أي شيء أكثر من ذلك". كان هناك، على مدار الساعات المسجلة في الموسم الأول من “متسلسل”، إحساس مذهل يقول كيف من الممكن أننا لم نعرف هذا؟ كيف يمكن أن تبقى كل هذه الألغاز قائمة، وكيف يمكن أن تكون كل هذه الأسئلة بلا إجابة، بينما يسجن رجل لسنوات كما لو أنها حُلت؟ سيظهر استطلاع بسيط لآراء مستمعي “متسلسل” إجابات منقسمة حول احتمال إدانته، ولكن التجربة بينت أنه من الصعب العثور على مستمع للبرنامج يعتقد أن سيد قد حوكم محاكمة عادلة.

كانت “متسلسل” أول مدونة صوتية على الإطلاق تفوز بجائزة بيبودي. وتم استكشاف قضية سيد في فيلم وثائقي على شبكة إتش بي أو (يحمل أيضاً عنوان “القضية ضد عدنان سيد”) في عام 2019. أصدرت ربيعة شودري، محامية وصديقة لـ سيد، كتاباً بعنوان "قصة عدنان: البحث عن الحقيقة والعدالة بعد متسلسل" في عام 2016، وتقدم مدونة صوتية بعنوان "غير معلنة" حول الإدانات الخاطئة منذ عام 2015. استمرت "متسلسل" في موسم ثان يركز على قضية بوي بيرغدال، وهو جندي أميركي احتجزته حركة طالبان وتم اتهامه لاحقاً بالفرار من الخدمة. قدم الموسم الثالث من البرنامج حالات فردية متعددة، في محاولة لتوضيح آلية عمل نظام العدالة الجنائية.

تقول كينيغ في الحلقة الأولى من الموسم الثالث: "لا أعتقد أنه يمكننا فهم كيفية عمل نظام العدالة الجنائية من خلال التحقيق في قضية استثنائية واحدة... نحن نحتاج إلى البحث في الحالات العادية. نحتاج إلى قضاء عام على الأقل في مراقبة العدالة الجنائية العادية في أقل مكان استثنائي، وفي أثناء بحثنا وجدنا المكان في قلب البلاد – في كليفلاند".

من المستحيل عدم رؤية أثر “متسلسل” في عدد لا يحصى من المدونات الصوتية الخاصة بالجرائم الحقيقية التي صدرت في السنوات التي تلت إطلاقها. “خرجت واختفت” عام 2016، و “طبيب الموت” الذي تبثه شبكة وندري منذ عام 2018، و”الفناء الخلفي الخاص بك” في عام 2019 هي ثلاثة عناوين من مجموعة من المدونات الصوتية التي تبنت صيغة مشابهة، وتحكي قصة حالة واحدة محددة في كل موسم.

تغلغلت “متسلسل” في الثقافة الشعبية بقوة لدرجة أن برنامج “ساترداي نايت لايف” قدم اسكتشاً مستوحى منها في ديسمبر (كانون الأول) عام 2014، حيث لعبت سيسلي سترونغ دور كينيغ. هذا المقطع الكوميدي الذي قلد أسلوب تقديم كينيغ لـ “متسلسل” وطريقة كتابتها وصيغتها وحتى الموضوع الذي تناولته المدونة في حلقتها الأولى، ما كان سيلقى صدى إلا إذا كان المشاهدون يعرفون المدونة جيداً. كان معدو “ساترداي نايت لايف” واثقين من معرفة الجمهور بها، وأثبت عدد المشاهدات التي حققها الاسكتش على "يوتيوب" البالغ 3.4 مشاهدة أنهم كانوا على حق.

في قضية سيد، جاء الإعلان يوم الأربعاء (14 سبتمبر) عن أن المدعين طلبوا من أحد القضاة إلغاء إدانة الرجل بمثابة تطور هائل بعد سنوات من المعارك القانونية المطولة.

ورد في بيان صحافي صادر عن مكتب المدعي العام على لسان المحامية مارلين موسبي أن "الدعوى المقدمة اليوم تدعم إجراء محاكمة جديدة لـ سيد استناداً إلى تحقيق استمر لمدة عام تقريباً قدم معلومات لم تكن مكشوفة وتطورات حديثة في شأن شخصين مشتبه فيهما بدلاً من سيد، ضافة إلى بيانات غير موثوق بها مستمدة من برج الهاتف الخلوي". يتابع البيان ليؤكد أن "الولاية لا تؤكد، في هذا الوقت، أن السيد سيد بريء"، لكن "وبينما لا يزال التحقيق مستمراً، عند النظر في مجمل الظروف، فإن الولاية تفتقر إلى الثقة في نزاهة الإدانة وتطلب منح السيد سيد محاكمة جديدة".

كما طلبت موسبي إطلاق سراح سيد من السجن، قائلة "نعتقد أن إبقاء السيد سيد محتجزاً بينما نواصل التحقيق في القضية في ضوء كل ما نعرفه الآن وعدم ثقتنا في نتائج المحاكمة الأولى، سيكون غير عادل".

جاء رد فعل على الطلب من الحساب الرسمي لـ “متسلسل” على "تويتر"، حيث نشر: "هذه أخبار مهمة. للمرة الأولى، يقول المدعون في بالتيمور إنهم لا يثقون في إدانة عدنان سيد ويطالبون بالإفراج عنه". لقد كانت التغريدة بياناً واقعياً تقليدياً، وتحليلاً موجزاً ​​لما نعرفه ولا يزال علينا أن نعرفه. رسالة مناسبة للحظة يجري العمل على بلوغها منذ ثماني سنوات.

عاد سيد إلى المحكمة يوم الإثنين (19 سبتمبر/أيلول) إذ تم تقديم الطلب أمام قاضي دائرة مدينة بالتيمور ميليسا فين، التي حكمت لمصلحة الادعاء وألغت إدانة الرجل البالغ من العمر 41 عاماً "مراعاة للعدالة".

بعد إطلاق سراحه رهن الإقامة الجبرية في منزله بينما يستمر التحقيق في مقتل لي، خرج سيد من قاعة المحكمة رجلاً حراً، وأخبر محاميته أنه "لا يستطيع تصديق أن ما حدث حقيقي".

استقبل بالهتافات عندما كان يهبط على سلالم المحكمة، مبتسماً وراسماً إشارة السلام بيده قبل ركوب سيارة كانت بانتظاره.

بموجب قانون الولاية، لدى المدعين 30 يوماً لتقرير ما إذا كان سيتم إسقاط التهم الموجهة إلى سيد أو إعادة القضية للمحاكمة.

رداً على القرار، قالت السيدة موسبي، المدعية العامة عن ولاية بالتيمور سيتي، للصحافيين خارج قاعة المحكمة: "لم نعلن بعد أن عدنان سيد بريء ولكننا نعلن، من أجل الإنصاف والعدالة، أنه يستحق محاكمة جديدة".

أصدرت مدونة "متسلسل" حلقة جديدة حول قضية سيد في صباح اليوم التالي للحكم، إذ قدمت تفاصيل جديدة حول الأدلة التي استخدمها المدعون لطلب محاكمة جديدة.

نُشرت هذه المقالة في الأصل في 16 سبتمبر وتم تحديثها في 20 سبتمبر لتسلط الضوء على إخلاء سبيل سيد.

© The Independent

المزيد من تقارير