Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة السكن في ليبيا "أكبر" من كونها اقتصادية

تقف وراءها أيضاً أبعاد أمنية وسياسية وقانونية

ناشد البعض الدولة  الاعتناء بالقرى السكنية المهمشة عبر توفير الخدمات الصحية والتعلمية والبنية التحتية وتوفير الأمن (اندبندنت عربية)

أصبح الحصول على عقار سكني في ليبيا، خصوصاً بالمدن الكبرى على غرار العاصمة طرابلس في الغرب أو في بنغازي شرق البلاد أمراً يقتصر على الطبقة الغنية فحسب.

ووصل ثمن الوحدة السكنية الواحدة في طرابلس داخل المخططات العمرانية التي تتوافر فيها الخدمات الأساسية مثل المدارس والمراكز الصحية والأسواق إلى مليون دينار ليبي، أي ما يقارب 200 ألف دولار أميركي، وفق المهندس المعماري محمد غالب القبلاوي في حين تتراوح الإيجارات بين 1500 دينار (300 دولار) إلى 4000 دينار (900 دولار) في المناطق الآمنة. 

وشهدت سوق العقارات هذا الارتفاع في الأسعار خلال العشرية الأخيرة، خصوصاً منذ عام 2014 إثر عملية فجر ليبيا، أي ما يعرف بحرب المطار وعملية الكرامة، مما تسبب في موجة نزوح لساكني المناطق المتضررة من الاشتباكات نحو أحياء معينة كحي فنيسيا في بنغازي أو منطقة بنعاشور والنوفليين بطرابلس لأنها تصنف مناطق آمنة مقارنة ببقية المناطق الأخرى. 

وألقت هذه الظروف بظلالها على المواطن البسيط الذي لا يتعدى مرتبه في بعض الدوائر الحكومية 1000 دينار (200 دولار)، لا سيما في ظل توقف برنامج الإسكان الحكومي منذ 2011.

أسعار خيالية 

المواطن محمد العابد قال في حديث إلى "اندبندنت عربية" إنه على الرغم من بلوغه الـ40 سنة، لكنه لم يتمكن من الزواج بسبب أسعار العقارات التي وصفها بالخيالية وغير المناسبة للطبقة الوسطى التي اختفت تقريباً في ليبيا بفعل الخلل بين الطلب والعرض، وأضاف أنه "لم يترك باباً إلا وطرقه، سواء مكاتب العقارات أو مواقعها التي اكتسحت صفحات الإنترنت من دون أن يجد ضالته حتى في الضواحي الموجودة خارج المدن الكبرى التي تفتقد أبسط الخدمات الأساسية مثل الصرف الصحي أو الطرقات أو المدارس، إذ يستغرق الوصول على سبيل المثال إلى أقرب مدرسة قرابة الساعة"، وفق قوله. 

وطالب العابد الدولة "بإعادة تفعيل برنامج الإسكان الحكومي وتطوير القوانين الخاصة بمجال العقارات"، واصفاً البرنامج الذي ذهبت إليه حكومة عبدالحميد الدبيبة والمتمثل في تقديم قروض سكنية للشباب بداية الشهر الحالي "بالفاشل في ظل توقف برنامج الإسكان الحكومي منذ 2011".

حلول حكومية

في إطار السعي إلى الحد من أزمة السكن التي تعصف بالبلاد أعلن رئيس الحكومة الوطنية عبدالحميد الدبيبة بداية الشهر الحالي أن حكومته ستبدأ بتقديم مساحات أرضية وقروض سكنية للشباب بقيمة 150 ألف دينار ليبي (30 ألف دولار) كحل مبدئي لمعالجة أزمة السكن، وهي خطوة يراها خبراء في المجال العقاري "غير مناسبة في ظل إغلاق الأبواب أمام عودة الشركات العقارية الأجنبية وعدم فتح الدولة المجال أمام القطاع الخاص لتسلم المشاريع السكنية المتوقفة منذ انهيار نظام معمر القذافي عام 2011".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أسباب أمنية وسياسة

المهندس المتخصص في الشأن المعماري ومنظم منتدى العمران الليبي محمد غالب القبلاوي قال إن "ارتفاع أسعار العقارات تقف وراءها أسباب عدة منها الأمنية والسياسية والاقتصادية والقانونية"، ويرى في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن "السبب الرئيس هو الوضع الأمني الذي شهدته البلاد، لا سيما منذ عام 2014 عندما عايشت العاصمة عملية فجر ليبيا العسكرية التي تسببت في دمار وحدات سكنية عدة وأيضاً عملية الكرامة في بنغازي وانتشار تنظيم ’داعش‘ في درنة وبعض مناطق الجنوب، مما أسفر عن موجة نزوح سكانية ضخمة نحو العاصمة، الأمر الذي أفرز خللاً بين الطلب والعرض وأدى بدوره إلى ارتفاع أسعار الأراضي السكنية وجعل حصول المواطن ذي الدخل المتوسط على مسكن أمراً في غاية الصعوبة، بخاصة مع وصول كلف السكن إلى ذروتها عام 2018 على أثر تدهور الدينار الليبي أمام بقية العملات الأجنبية".

وأضاف أن "العامل السياسي بدوره ألقى بظلاله على مجال العقارات، إذ تسبب تعاقب الحكومات على البلد أيضاً في تفاقم هذه الإشكالية بحيث تم تهجير المعارضين السياسيين والأمنيين من طرابلس وبنغازي، مما خلق لوبيات تتحكم في هذا المجال".

قانون هش 

وأشار القبلاوي إلى أن "الجمود القانوني في مجال التطوير العقاري عصف بمجال العقارات وأدى إلى انتشار الأحياء السكنية العشوائية في ضواحي المدن الليبية، خصوصاً العاصمة السياسية التي أضحت تعاني تشوهاً عقارياً أتى حتى على المناطق الخضراء"، وقال إن "البلد يفتقر إلى قانون خاص بالتطوير العقاري فالقانون الموجود حالياً هو عبارة عن مواد متناثرة باعتبار أن مفهوم التطوير العقاري لم ينضج بعد في ليبيا، تحديداً في القطاع الخاص، أما في القطاع العام، فإنه يتغير وفق الرؤى السياسية".

وأوضح أن "مفهوم التطوير العقاري في فترة الاشتراكية العقارية كان مجرد خطة هدفها الرئيس كيفية توفير مساكن للشعب الذي أصبح عدده يتزايد من دون التركيز على بقية الخدمات أو ما يعرف في المجال العقاري بالتنمية المكانية"، مضيفاً أن "عدم دخول الشركات الأجنبية إلى السوق العقارية في ليبيا زاد من تفاقم أزمة السكن بسبب غياب الضمانات الأمنية والقانونية وهي النقطة التي ستتم مناقشتها في منتدى العمران بمدينة إسطنبول التركية الذي يعقد في 3 و 4  أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي".

الحلول الممكنة 

لحل أزمة السكن في ليبيا اقترح القبلاوي أن "تتجه الدولة إلى الاعتناء بالقرى السكنية المهمشة، سواء بالغرب أو الشرق أو الجنوب، عبر توفير الخدمات الصحية والتعلمية والبنية التحتية والظروف الأمنية في هذه المناطق حتى لا يضطر أهلها إلى النزوح إلى المدن الكبرى".

وأشار إلى أن "قرية يفرن الأمازيغية مثلاً التي تقع في الغرب الليبي تقريباً أصبحت تعاني فراغاً سكانياً بسبب شح الخدمات وصعوبة المناخ هناك في حين أن منطقة مرزق الغنية بالأحواض النفطية هجرها سكانها الأصليون بفعل تدهور الوضع الأمني واختاروا النزوح نحو عاصمة الجنوب سبها أو بنعازي بحثاً عن الأمن وفرص العمل، مما تسبب في تغير التركيبة الديموغرافية هناك، حيث سيطرت قوات أجنبية مسلحة على هذه المنطقة مقابل تفجر سكاني في بقية المدن فأدى ذلك إلى خلل في الطلب والعرض وارتفعت بذلك أسعار المساكن". 

وشجع القبلاوي الدولة على "ضرورة التوجه نحو التوسع العمودي عبر إتاحة الفرص أمام المجال الخاص الذي أثبت جدارته من خلال تشييد قرى سكنية عدة شرق طرابلس متكاملة الخدمات"، وطالب "بضرورة ربط جميع ضواحي ليبيا بالمدن الكبرى لتسهيل الوصول إلى الخدمات الضرورية"، مشدداً على "أهمية إنشاء قانون خاص بالاستثمار الأجنبي لفتح باب المنافسة في المجال العقاري حتى يرتفع العرض أمام الطلب فتنخفض أسعار الوحدات السكنية".

المزيد من العالم العربي