Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جدل فقهي وقانوني في ليبيا بعد حكم بإعدام شاب متهم بالردة

حملة على مواقع التواصل لدعم المحكوم عليه ومنظمات حقوقية في الداخل والخارج تطالب بإطلاق سراحه

أمرت المحكمة بلصق الحكم في محل إقامة الشاب وإذاعته بإذاعة مصراتة المحلية (أ ف ب)

أصدرت محكمة جنايات مدينة مصراتة الليبية حكماً مثيراً للجدل بإعدام الشاب ضياء الدين بلاعو بتهمة الردة عن الإسلام بعد سنوات من المحاكمة رفض خلالها قبول الاستتابة التي عرضتها عليه المحكمة وتمسك بقراره بالتحول إلى الديانة المسيحية.

وأشعل الحكم جدلاً واسعاً بين رواد التواصل الاجتماعي شاركت فيه بعض الشخصيات العامة بين معارض للحكم يرى فيه حجراً على الحريات، خصوصاً حرية الاعتقاد، وبين مؤيد له متمسك بنصوص التراث الإسلامي وأحكام الشريعة التي يقرها القانون الليبي والتي تضع المرتد عن الإسلام بين خيارين لا ثالث لهما إما الموت أو قبول التوبة.

ردة حافظ القرآن

الغريب في قضية الشاب الليبي ضياء الدين بلاعو، البالغ من العمر 25 سنة وخريج كلية "تقنية المعلومات" في مصراتة عام 2018، أنه كان قبل تبديل دينه بشكل مفاجئ حافظاً للقرآن الكريم عن ظهر قلب، بحسب التهم الموجهة إليه، الأمر الذي صدم كل المقربين منه.

وبدأت محاكمة بلاعو عام 2019 ونقلت مصادر صحافية ليبية عن مقربين منه قولهم إن المحكمة عرضت منذ عام 2019 على ضياء التوبة لكنه أبى وأمرت المحكمة بلصق الحكم الصادر في محل إقامة الشاب وإذاعته بإذاعة مصراتة المحلية.

ولم تنفذ في ليبيا أية أحكام إعدام في الأعوام الأربعة الماضية على الرغم من صدور كثير منها وبحسب منظمة العفو الدولية سجل في البلاد 17 حكماً بالإعدام لم يتم تنفيذ أي منها عام 2020 وحده، علماً أنه لم يسجل أي حكم إعدام خلال 2019 وكذلك العام الماضي.

جدل قانوني وسجال شرعي

أثار الحكم موجة من الجدل القانوني حول صحته من المتوقع أن تستمر ويتسع نطاقها، لأنه استند إلى القانون رقم 20 لسنة 2016 الذي نص على تعديل بعض أحكام قانون العقوبات المقر من قبل المؤتمر العام "البرلمان السابق" قبل أن يلغى بقانون لاحق صدر عن مجلس النواب الحالي وهو القانون رقم 1 لسنة 2020 الذي تضمن إلغاء جميع القوانين الصادرة عن المؤتمر العام.

ورد مناصرو الحكم على هذه الحجج القانونية بحجج مماثلة قائلين إنه سبق للمحكمة العليا أن قضت بحل مجلس النواب، مما يترتب عليه بطلان ما صدر ويصدر عنه قانوناً، لذلك يعتبر القاضي محقاً في تكوين حكمه بناء على قانون المؤتمر الوطني العام.

وتقول المادة 291 من القانون رقم 20 المثير للجدل والصادر عن المؤتمر الوطني عام 2016 إنه "يعاقب بالإعدام حداً كل مسلم مكلف ارتد عن الإسلام بقول أو فعل وتسقط العقوبة بتوبة الجاني في أية مرحلة قبل تنفيذ الحكم ويعاقب بالسجن كل من صدر عنه ما يعد إساءة للدين الإسلامي ما لم يبلغ حد الردة، بينما يعاقب غير المسلم بالإعدام إذا أهان دين الإسلام علانية".

كما فتحت القضية سجالاً شرعياً بين المتمسكين بأحكام الردة الواردة في كتب معظم الفقهاء التي تنص على القتل بعد استتابة المرتد وإمهاله ثلاثة أيام وبين فريق يذهب إلى رأي مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الذي يسمح للمرتد بأن يتوب طوال حياته ويتغاضى عن استتابته خلال ثلاثة أيام، كما ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء بما يعني عملياً إلغاء حد الردة.

وسم لإنقاذ بلاعو

وأطلقت مجموعة من المتضامنين مع المحكوم عليه في ليبيا وسم (#أنقذوا_ضياء_بلاعو) في محاولة للضغط على السلطات الليبية لإلغاء الحكم الصادر بحقه من محكمة مصراتة، كما أعلنت مراكز حقوقية في البلاد وخارجها تضامنها معه من بينها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الذي دان الحكم الصادر بإعدام الناشط والمدون ‎ضياء الدين بلاعو بتهمة الردة عن الإسلام.

ووصف المركز في بيان له الحكم بإعدام بلاعو بأنه "انتهاك صارخ للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يكفل الحق في حرية الفكر والدين والمحاكمة العلنية والنزيهة" وذكر أن "ضياء الدين ظل قيد الاحتجاز منذ عام 2019، فيما هناك مزاعم مقلقة تتحدث عن تعرضه للتعذيب المبرح"، منوهاً إلى أن "التعذيب ممارسة واسعة النطاق في السجون الليبية التي يقع عدد منها خارج نطاق إشراف وزارتي العدل والداخلية."

ظاهرة متكررة

تعتبر ظاهرة التنصير أو التحول عن الإسلام إلى المسيحية من الظواهر الطارئة في ليبيا خلال الأعوام الأخيرة وتعد أشهر قضية أثيرت في هذا السياق تلك الخاصة بشبكة التنصير التي ألقي القبض عليها عام 2013.

وقتها أوقفت أجهزة الأمن الليبية شبكة مكونة من خمسة مصريين ومواطن سويدي يحمل الجنسية الأميركية وآخر من كوريا الجنوبية وامرأة من جنوب أفريقيا وفي حوزتهم 55 ألف نسخة من الإنجيل وأشرطة تبشيرية وكتب أطفال وملصقات كانت معدة للتوزيع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب جهاز الأمن الوقائي الذي تولى التحقيق في هذه القضية، حددت ست عائلات ليبية تحولت إلى المسيحية في الخفاء وشاب في مقتبل العمر رفض الأمن إعلان اسمه صراحة لأسباب اجتماعية وفتاة حصل الأمن على معلومات عنها دخلت هي الأخرى في الديانة المسيحية.

وحينها قال المنسق العام لجهاز الأمن الوقائي حسين بن حميد في تصريحات صحافية إن "جزءاً كبيراً من كتب التبشير دخلت مع الإغاثة الإنسانية في بداية الثورة عام 2011"، موضحاً أن "اعترافات المتهمين تؤكد تورط رجل أعمال مصري دخل إلى ليبيا مع اندلاع الثورة في العمليات التبشيرية"، وأكد أن "وزارة الداخلية والاستخبارات العامة تشرفان على متابعة سير التحقيقات للوصول إلى الحقائق" نافياً تورط شخصيات ليبية في العملية.

لكن القضية توارت عن الأنظار من دون أن يعرف أحد إلى أين وصلت التحقيقات الخاصة بها أو مصير الأشخاص الذين تم التأكد من تحولهم من الإسلام إلى المسيحية.

ليبيا والمسيحية

على الرغم من أن الإسلام هو ديانة الغالبية العظمى من سكان ليبيا بنسبة 97 في المئة منهم، فإن المسيحية تعتبر ثاني أكثر الديانات انتشاراً بعد الإسلام ويشكل أتباع الديانة المسيحية نحو 2.7 في المئة معظمهم من الأجانب، بحسب آخر الإحصاءات الصادرة عن الدولة.

ويعود تاريخ دخول المسيحية إلى البلاد لأواخر الحكم الروماني وبداية الحكم البيزنطي حين اعتنقها عدد من السكان، خصوصاً من الأمازيغ، وبنيت الكنائس في كثير من المدن الساحلية وعرفت ليبيا كثيراً من الشخصيات البارزة في التاريخ المسيحي مثل مرقس الإنجيلي وسمعان القوريني وأريوس وفيكتور الأول.

وبدأ الانتشار المسيحي بالانحسار مع وصول الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي وعام 1911 استعمرت ليبيا من قبل إيطاليا وشهدت الطائفة الكاثوليكية نمواً هائلاً في تلك السنوات، إذ تم بناء عدد من الكنائس الجديدة لمصلحة الجاليتين الإيطالية والمالطية اللتين استوطنتا في الأراضي الليبية.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي