في وقت تنذر فيه أزمة الطاقة بشتاء أكثر برودة وأصعب حول العالم خصوصاً في أوروبا، قال الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو" السعودية النفطية العملاقة أمين الناصر إن الأمل يبدو ضئيلاً في إنهاء أزمة الطاقة العالمية قريباً، مؤكداً أن أزمة الطاقة لن تنتهي حال انتهاء الصراع الروسي - الأوكراني الذي أدى بالتأكيد إلى تكثيف آثار أزمة الطاقة، لكنه ليس السبب الجذري. الناصر أضاف في كلمته أمام منتدى شلمبرجير الرقمي المنعقد في سويسرا، إن الزيادات في استثمارات النفط والغاز هذا العام قليلة للغاية ومتأخرة جداً وقصيرة الأمد إلى حد بعيد. وأشار إلى أن تلك الاستثمارات تراجعت بأكثر من 50 في المئة بين 2014 والعام الماضي، من 700 مليار دولار إلى ما يزيد قليلاً على 300 مليار دولار، فيما يثير القلق أيضاً أن حقول النفط حول العالم تتراجع في المتوسط بنحو ستة في المئة سنوياً، وأكثر من 20 في المئة في بعض الحقول القديمة العام الماضي. وتابع "هناك عوامل خوف تتسبب في تقلص استثمارات النفط والغاز في المشاريع الكبيرة وطويلة الأجل، فالمهيمن على ساحة النقاش حالياً هي استثمارات قصيرة الأجل لا تعالج مشكلات أمن الطاقة على المدى الطويل"، مشيراً إلى أنه في ظل هذه المستويات يحتاج الحفاظ على الإنتاج إلى كثير من رأس المال، بينما تتطلب عمليات زيادة الإنتاج مزيداً من الاستثمارات. وبحسب الناصر لا تزال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تمثل 10 في المئة فقط من توليد الطاقة العالمية، وأقل من اثنين في المئة من إمدادات الطاقة الأولية العالمية، حتى السيارات الكهربائية تشكل أقل من اثنين في المئة من إجمالي عدد المركبات وتواجه الآن ارتفاعاً في أسعار الكهرباء.
الطلب على النفط "متوازن"
وأشار إلى أن الطلب العالمي على النفط متوازن إلى حد ما في الوقت الحالي، إلا أنه عندما يتعافى الاقتصاد العالمي فمن المتوقع أن يرتفع الطلب بشكل أكبر، مما يستهلك الفائض الضئيل من طاقة الإنتاج النفطي الاحتياطية، مضيفاً أنه بحلول الوقت الذي يستيقظ فيه العالم على هذه التحديات، ربما يكون الأوان قد فات لتغيير المسار. وقال الناصر إن الطاقة الاحتياطية العالمية الفعالة تبلغ نحو 1.5 في المئة من الطلب العالمي، ومخزونات النفط منخفضة، لكن "عامل الخوف" لا يزال يمنع استثمارات النفط والغاز المهمة، ويتسبب في "انكماش" المشاريع طويلة الأجل. ووضعت شركة أرامكو السعودية خططاً استثمارية لزيادة الطاقة الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يومياً بحلول عام 2027. وأضاف أمين الناصر أن "مواجهة أزمة الطاقة العالمية حتى الآن تظهر سوء فهم عميقاً لكيفية الوصول للأزمة". وأوضح الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو" السعودية النفطية العملاقة، أن الأسباب الحقيقية لحال انعدام أمن الطاقة خلال الفترة الحالية هي قلة الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز من دون وجود بدائل جاهزة أو خطط احتياطية. وأضاف "عندما يتعافى الاقتصاد العالمي فإننا نتوقع أن ينتعش الطلب أكثر على الوقود".
فواتير الطاقة
ولفت الناصر إلى أن تطبيق حد أقصى لفواتير الطاقة وفرض ضرائب على شركات النفط ليسا حلاً مستداماً طويل الأجل أو مفيداً لأزمة الطاقة العالمية. وأضاف أمين الناصر أن "تجميد أو وضع حد لفواتير الطاقة قد يساعد المستهلكين في المدى القصير، لكنه لا يعالج الأسباب الحقيقية وليس الحل الطويل الأجل". يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يعتزم جمع أكثر من 140 مليار يورو (140 مليار دولار) لتخفيف وطأة عاصفة كلفة المعيشة على المستهلكين من خلال وضع سقف لإيرادات منتجي الكهرباء منخفضة الكلفة. وتقترح المفوضية الأوروبية حداً أقصى لإيرادات الشركات التي تنتج الكهرباء بتكاليف منخفضة لا بالغاز باهظ الثمن، كما أنها تقترح ضريبة موقتة على منتجي الوقود الأحفوري.
شدد أمين الناصر في كلمته على أهمية تحقيق توافق عالمي جديد في الآراء والمواقف، محدداً ثلاثة محاور استراتيجية، هي إدراك صانعي السياسات وغيرهم من أصحاب المصلحة بأن إمدادات الطاقة التقليدية الوفيرة والمعقولة الكلفة لا تزال مطلوبة على المدى الطويل إلى جانب العمل على الحد من الانبعاثات الكربونية الناتجة من الطاقة التقليدية، وزيادة كفاءة استخدام الطاقة مع تمكين التقنية في كليهما. أما المحور الثالث يتمثل في إنتاج طاقة متجددة وطاقة منخفضة الكربون تكمل بشكل مطرد المصادر التقليدية المعروفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحول حاجة العالم إلى التوحد خلف خطة تحول جديدة وذات صدقية للطاقة، قال الناصر "بينما يشتد ضغط أزمة الطاقة للأسف، فإن مجتمعات العالم بحاجة ماسة إلى المساعدة، ومن وجهة نظري فإن أفضل مساعدة يمكن أن يقدمها صانعو السياسات وجميع أصحاب المصلحة هو عالم موحد حول خطة تحول جديدة أكثر موثوقية، ومواصلة الجهود للتقدم في المحاور الاستراتيجية الثلاثة التي حددتها في كلمتي وهذه هي الطريقة التي نقدم بها مستقبل طاقة أكثر أماناً واستدامة". وبشأن عواقب عدم وجود خطة موثوقة ومتزنة للتحول قال أمين الناصر، إنه "عندما يوجه اللوم إلى مستثمري النفط والغاز وتوضع الصعوبات أمامهم، وتفكك محطات الكهرباء التي تعمل بالنفط والفحم، وعندما تفشل في تنويع إمدادات الطاقة بخاصة الغاز، وتعارض إنشاء محطات تسليم الغاز المسال وترفض الطاقة النووية، كان ينظر إلى ذلك على أنها خطط للتحول تقوم على أسس صحيحة". وأضاف "لكن ما حدث كما أظهرت الأزمة، كانت خطة التحول مجرد سلسلة من قصور الرمال التي جرفتها موجات الواقع، والآن هناك مليارات من الناس حول العالم يواجهون تحديات الوصول إلى إمدادات طاقة موثوقة وبأسعار معقولة، ويواجهون ارتفاعاً في كلفة المعيشة، وهذه الظروف ستكون على الأرجح شديدة وطويلة الأمد".
أسعار النفط
وعلى صعيد أسعار النفط فقد إرتفعت خلال تعاملات اليوم وسط مؤشرات على تراجع الإمدادات، وقبل زيادة أخرى متوقعة في أسعار الفائدة الأميركية قد تحد من النمو الاقتصادي والطلب على الوقود لدى أكبر مستهلك للنفط في العالم.وارتفع سعر العقود الآجلة لخام برنت القياسي - تسليم شهر نوفمبر (تشرين الثاني) بنسبة 0.45 في المئة، مسجلاً 92.41 دولار للبرميل. وارتفع سعر العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط - تسليم أكتوبر (تشرين الأول) الذي ينتهي اليوم الثلاثاء - بنسبة 0.51 في المئة إلى 86.17 دولار للبرميل، وبلغ العقد الأكثر نشاطاً لتسليم نوفمبر (تشرين الثاني) 85.53 دولار، بزيادة 17 سنتاً أو 0.2 في المئة. وفي مؤشر على شح الإمدادات الأساسية، أظهرت وثيقة من منظمة أوبك وحلفائها بقيادة روسيا أن المجموعة التي تعرف باسم "أوبك+" لم تصل إلى أهدافها الخاصة بإنتاج النفط بفارق 3.583 مليون برميل يومياً في أغسطس (آب)، أي بما يقدر بنحو 3.5 في المئة من الطلب العالمي على النفط.ومع ذلك، يتجه خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط نحو تسجيل أسوأ انخفاض ربع سنوي بالنسبة المئوية منذ بداية جائحة كورونا. واستقر الدولار قريباً من أعلى مستوى خلال 20 عاماً في مواجهة العملات الرئيسة الأخرى، ما جعل النفط أكثر كلفة لحائزي العملات الأخرى، وذلك قبيل صدور قرارات منتظرة هذا الأسبوع لمجلس الاحتياطي الاتحادي والبنوك المركزية الأخرى. ومن المرجح أن يرفع مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي أسعار الفائدة الأربعاء 75 نقطة أساس أخرى لكبح جماح التضخم.