Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قوة الدولار تربك الدول الصاعدة وتزيد تعقيد أزمة ديونها

تلقي بأثقالها الكبيرة على عمليات سداد القروض وفوائدها

أزمة عالمية ترتسم مع رفع الفائدة والتضخم وأزمة الإمدادت وقوة الدولار (منتدى دافوس)

لفتت صحيفة "لوموند" الفرنسية إلى أن ارتفاع الدولار أمام العملات الرئيسة الأخرى خلال الآونة الأخيرة يهدد بمفاقمة عبء الديون المترتبة على الاقتصادات الصاعدة [أو الناشئة]. وذكّرت بأن ارتفاع قيمة العملة الخضراء كثيراً ما رافقته عواصف مالية، على غرار ما حصل في تسعينيات القرن العشرين. وأضافت، "منذ بداية عام 2022، ارتفع الدولار بـ 39 في المئة في مقابل السيدي الغاني، و28 في المئة إزاء الليرة التركية، و45 في المئة أمام الروبية السريلانكية. وفي أغسطس (آب)، قدّر "البنك الدولي" أن عملات الأسواق الناشئة فقدت في المتوسط 11 في المئة من قيمتها مقارنة بالدولار منذ يناير (كانون الثاني). وبعبارة أخرى، شهدت كل سلعة مستوردة بالعملة الأميركية زيادة في سعرها بـ 11 في المئة".

وكذلك أشارت الصحيفة إلى أن هذا الارتفاع في الأسعار يُضَاف إلى الزيادة في كلفة الأغذية والطاقة المسجلة منذ بداية الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير (شباط)، التي تغذي ارتفاع الأسعار في الدول النامية وتفاقم هشاشة أفقر البلدان. ونقلت عن رئيس "قسم الاقتصاد الكلي والتجارة والاستثمار" في "البنك الدولي"، مارسيلو إستيفاو، "تنفق الشركات في هذه المناطق مزيداً من المال على الواردات، ما قد يقلل من استثماراتها". ويقتصر التطور الإيجابي الوحيد على أن تراجع قيمة عملات البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل يعزز القدرة التنافسية لصادراتها إلى الولايات المتحدة.

في المقابل، لم يترك ارتفاع قيمة الدولار، الذي كثيراً ما كان مصحوباً بعواصف مالية، لم يترك سوى ذكريات سيئة للبلدان الصاعدة، وفق "لوموند". ففي عام 1994، أدى الرفع الحاد لمعدلات الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى هرب رؤوس الأموال من المكسيك، وانخفاض سريع في قيمة البيزو في مقابل الدولار وقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي المكسيكي، وفي نهاية المطاف. وبعد بضع سنوات، في عامي 1997 و1998، شهدت "نمور" جنوب شرق آسيا [تايلاند وماليزيا والفيليبين وإندونيسيا] اضطرابات مشابهة. وعام 2013، تسبب احتمال رفع معدلات الفائدة الأميركية في إثارة الذعر بين المستثمرين، الذين أعادوا رؤوس أموالهم إلى الدول الغنية.

وأشارت الصحيفة إلى أن الدولار القوي لطالما كان نقطة ضعف الأسواق الناشئة. ووفق الصحيفة نفسها، تحتاج الأسواق الصاعدة إلى الاستدانة بالعملة الأميركية لتمويل تنميتها، لكنها تقع تحت رحمة السياسات النقدية التي ينتهجها مجلس الاحتياطي الفيدرالي. ومع ذلك، فقد استُخلِصت دروساً من الأزمات السابقة. إذ ذكر كبير الاقتصاديين في "مؤسسة الاستشارات السيادية العالمية"، جوليان مارسيلي، "لقد طورت أسواق ناشئة، لا سيما في آسيا، أسواق سنداتها بالعملات المحلية كي تكون أقل اعتماداً على الدولار، وعززت مصارفها المركزية احتياطاتها من العملات الأجنبية من أجل أن تتحمل في شكل أفضل تدفقات رأس المال إلى الخارج في حال حصولها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي السياق نفسه، أفادت "لوموند" بأن وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني تقدر أن متوسط الدين العام للبلدان الصاعدة ارتفع من 18 في المئة إلى 31 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي بين عامي 2013 و2021. وفي أفريقيا، تجاوز العتبة الرمزية البالغة 100 مليار دولار سنوياً عام 2021. وتخلفت بلدان عدة كسريلانكا وناميبيا، عن التسديد بالفعل، وكذلك يمكن أن تنمو قائمة الدول المتخلفة عن التسديد. ويواجه ما يقرب من ربع الأسواق الصاعدة، مع أكثر من 60 في المئة من الدول المنخفضة الدخل، صعوبات شديدة تتعلق بديونها، بحسب المديرة العامة لـ "صندوق النقد الدولي"، كريستالينا جورجيفا. ووفق الصحيفة نفسها، "يتمثل السيناريو الأكثر ترجيحاً بزعزعة استقرار الاقتصادات الصغيرة أو الضعيفة كباكستان أو سريلانكا، من دون أن تمتد الزعزعة إلى مجموعة الأسواق الناشئة بأكملها، على عكس الأزمات السابقة".

وبحسب "لوموند" أيضاً، تبيّن بيانات مقدمة من "معهد التمويل الدولي" أن من المتوقع أن تتحسن الحالة. إذ جذبت الدول الناشئة 27 مليار دولار من رأس المال الأجنبي في أغسطس (آب)، بعد خمسة أشهر متتالية من التدفقات النقدية إلى خارجها.

وخلصت الصحيفة إلى أن "ارتفاع معدلات الفائدة في الولايات المتحدة شكل السبب الرئيس لتدفقات رأس المال الخارجة من البلدان الناشئة"، بحسب المعهد المذكور آنفاً. في المقابل، "إن زيادات [مجلس الاحتياط الفيدرالي لمعدلات الفائدة] لم تعد ملحة، وستتمكن الأسواق الناشئة من تحقيق الاستقرار". لكن هذا الرأي لا يحظى بإجماع الخبراء. ففي رأي مارسيلي، "مع التباطؤ الاقتصادي في الصين والحرب في أوكرانيا، ستستمر فترة عدم اليقين وسيستمر الدولار في الارتفاع بوصفه ملاذاً آمناً للمستثمرين".