Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تنتصر أفريقيا في معركتها ضد الإرهاب؟

مقومات نشوء العناصر المتطرفة تضرب بجذورها في مجتمعات القارة وتحشد قوتها من واقع الأزمات

لدى الجماعات الإرهابية مقدرة في الحصول على الأسلحة والمعدات العسكرية (غيتي)

 دخلت الحرب على الإرهاب في أفريقيا مرحلة جديدة، توشك تداعياتها أن تمتد لترتبط بالصراعات التي تئن منها القارة السمراء. وفي ضوء تحول التوازن الاستراتيجي على الأرض نشأ تركيز على ضرورة بناء قوات منفصلة خاصة لمكافحة الإرهاب، إذ لم تعد الأزمة داخلية فقط، فمقومات نشوء هذه العناصر الإرهابية تضرب بجذورها في أعماق المجتمع الأفريقي، وتحشد قوتها من واقع الأزمات التي تعانيها هذه الدول في إطارها الإقليمي ودون الإقليمي، بعد أن فشل التعامل معها كمشكلة منفصلة وعرضة للاستجابة داخل نطاق الدولة الواحدة.

ربما كان من المتوقع أن تجد أفريقيا حظها من الاهتمام العالمي بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان بشن حرب عالمية أخرى على الإرهاب في أفريقيا، ويتغير مسرحها وفقاً لذلك، وفي خضم المكافحة الدولية لمنبعه في الشرق الأوسط تسرب الإرهاب إلى أفريقيا لتكون مركزاً جديداً تتشكل خطورته من التحام الإرهاب الوافد مع التمرد الموجود أصلاً لأسباب أكثر من أن تحصى. وتكاد لا تغيب دولة من دول القارة عن هذه النشاطات، إما بطريقة مباشرة تنطلق منها العمليات الإرهابية على المجتمع المحلي، أو بطريقة غير مباشرة متأثرة بعمليات منسوبة لجماعات إرهابية مرتبطة بتنظيمي "القاعدة" و"داعش".

وتكون العمليات على مستويات ثلاثة، إما بزراعة هذه التنظيمات ورعايتها مثل نشاطها الكثيف في دول مالي ونيجيريا وبوركينا فاسو وموزمبيق والصومال، أو بمستوى تمثيلي بتنفيذ العمليات من على بُعد بواسطة انتحاريين، أو إطلاق عمليات محدودة مثلما حدث في ليبيا والجزائر وتشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا، أو ملامح تأسيس خلايا إرهابية متوقعة في بقية دول القارة.

بذور ثورية

لعبت الحركات النضالية النشطة منذ خمسينيات وحتى سبعينيات القرن الماضي دوراً في استقلال الدول الأفريقية، ولكنها نجحت من جهة أخرى في غرس بذور ثورية كان نتاجها ترسيخ فكرة التغيير بالعنف، وبعد أن كانت الفكرة الثورية موجهة ضد المستعمر، تحولت بعده إلى الحكومات الوطنية وأخذت طابعاً أيديولوجياً متمرداً، وأسهم تقديس الحركات الوطنية السابقة ثم تابعتها في ما بعد بأنها جالبة الاستقلال، في إعفائها من النقد حتى لو حملت السلاح ضد حكومتها التي جاءت بها، أو ضد حركات أخرى منافسة. وباستنادها إلى جذور الحركات النضالية، نشأت تيارات يسارية تنادي بالاشتراكية، وأخرى إسلامية متطرفة تنادي بالعدالة ومحاربة الحكام الذين ترى أن ولاءهم للمستعمرين السابقين وليس لشعوبهم.

وفي مفترق هذه الاختلافات يمكن أن تظهر أصوات المهمشين اقتصادياً واجتماعاً، والذين يعانون التمييز الديني أو الإثني، وكان هؤلاء هدفاً سهلاً للجماعات المتطرفة لاستقطابهم ليكونوا وقوداً في محرقة الإرهاب، ومن أقصى غرب القارة، حيث "بوكو حرام" في نيجيريا الممتدة إلى تشاد والنيجر والكاميرون إلى شرقها، حيث "حركة الشباب الصومالية" الممتدة إلى كينيا، دول فقيرة وغير مستقرة سياسياً ومهيأة تماماً لأن تتدرب فيها قوات هذه الجماعات على التشبيك الاجتماعي، والتدريب العسكري، والاختراق الجغرافي لدول الجوار.

عودة وشيكة

الموارد الأفريقية أضفت على القارة أشكالاً جديدة من الاهتمام الاستراتيجي، تمثلت في الاستعمار الأوروبي قديماً، ثم المبادرات الدولية التي تزعم إنقاذ القارة من أزماتها بدعوة من نخبها الذين علمهم المستعمر وكانوا الأقرب له حضاريا،ً وخرج منهم حكام ومنظرون سياسيون وغيرهم، وصولاً إلى مجيء الجماعات الإرهابية التي جعلت من هذه النخب، خصوصاً الحاكمة، هدفاً ثانوياً للوصول إلى الهدف الأولي المتمثل في السلطة والاستيلاء على الموارد.

وقد يفسر هذا التحول اندهاش العالم إزاء ثراء الجماعات الإرهابية ومقدرتها في الحصول على الأسلحة، وجذب الشباب العاطلين من العمل وإغرائهم بالمال، كما أنها في كل منطقة تمارس فيها نشاطها تحاول استغلال التركيبة الإثنية، ونجحت إلى حد ما في تحويل الصراع بينها وبين السلطات إلى صراع إثني وتأجيجه حتى لو لم تكن طرفاً فيه.

في الحملة الدولية على الإرهاب، يبدو الغرب ماضياً في طريقه ليرمي بثقله على أفريقيا، ولا شك أنه كان من آثار الصراع الذي ظهر على السطح فترة زمنية محدودة، ثم بداية المرحلة الثانية بعد انسحاب الولايات المتحدة وفرنسا من أفريقيا تبعها تلويح الجماعات الإرهابية باستخدام الموارد كجزء من أسلحة الصراع. وبالعودة الغربية الوشيكة ستصبح الموارد سلاحاً سياسياً ذا فاعلية خطيرة على مستوى عال، وذا أبعاد دولية شاسعة، بعد أن كان مجرد سلاح تتذرع به الإثنيات والقبائل في حربها معاً، وفي صراعها السياسي مع السلطات بدعوى التهميش.

متطلبات المكافحة

في ضوء الوضع السياسي المتغير في أفريقيا والجهود المبذولة من جانب الشركاء الدوليين، وهم فرنسا، وبعثة الأمم المتحدة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بدأ تركيز برامج المساعدة الدولية للدول الأفريقية في فترة الحرب الباردة على المساعدة الأمنية، ونشط الاتحاد السوفياتي وقتها والولايات المتحدة في مساعدة القوات المسلحة الأفريقية في أن تصبح أكثر كفاءة في عمليات حفظ السلام، وبعد تحول العالم إلى قطبية واحدة، ثم هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، تغيرت المساعدات الأمنية الأميركية وضمت الولايات المتحدة جيوش هذه الدول في حملتها العالمية لمكافحة الإرهاب، فكانت "مبادرة الساحل الشاملة" عام 2003، المكونة من مالي وموريتانيا وتشاد والنيجر، ثم ظهرت "شراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء" عام 2005 وشملت الجزائر والمغرب ونيجيريا والسنغال وتونس إضافة إلى بلدان "مبادرة الساحل الشاملة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

استندت برامج المساعدة الدولية ومنها الأميركية عام 2012، والاتحاد الأوروبي، خصوصاً شراكة "مكافحة الإرهاب عبر الصحراء" ومبادرة شرق أفريقيا إلى التركيز على بناء قدرات فعالة لمكافحة الإرهاب باستخدام العمليات العسكرية الهجومية، يختلف الأمر هذه المرة لوجود فاعلين دوليين على رأسهم قيادة القوات الأميركية في أفريقيا "أفريكوم"، والقوات الفرنسية التي تربط بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا، وروسيا، هؤلاء انغمسوا فعلياً في المكافحة، لكن تلاحقهم الانتقادات (خصوصاً أفريكوم) بأنهم قد نجحوا في تعزيز أرباح شركات الأسلحة.

تفككت "مجموعة دول الساحل الخمس" عقب انسحاب مالي، وفي تلك الأثناء كانت الجهود قد تمخض عنها إنشاء وحدات قادرة على التصدي لتنظيم "القاعدة"، وبدأت فرنسا في التدخل عام 2013 بحملة عسكرية في مالي "عملية سرفال" تلتها "عملية برخان" لحماية مصالحها ومصالح حلفائها الإقليميين في إقليم الساحل.

سطوة الإرهاب

في مكافحتها للإرهاب، تواجه أفريقيا أزماتها الداخلية وهي مشتركة في معظمها بين دولها، وأنتجت هذه الأوضاع عوامل هيأت التربة لنمو الجماعات الإرهابية وهي، أولاً، الصراعات في الدول الأفريقية معظمها مدفوع بالمظالم ضد الدولة، زادت منها السياسات الداخلية التي لعبت دوراً في تأجيجها، نسبة على رغبة الجماعات السياسية في تعزيز طموحاتهم ومصالحهم والحصول على امتيازات أو المحافظة عليها في مجتمعات تحترم كل ذي حظوة سياسية أو اجتماعية أو مادية أو ذي سلطة وجاه، ويلاحظ أن الجماعات المتمردة التي التحمت بالجماعات الإرهابية أو أفرزتها خاضعة لسيطرة جماعة إثنية أو قبلية ضد الإثنيات الأخرى.

ثانياً، لعبت الأحوال الاقتصادية دوراً كبيراً في زيادة سطوة الجماعات الإرهابية، إذ إن المجتمعات التي تعيش في فقر مدقع تحاول الخروج منه بأي شكل، فنشطت حركة تجارية غريبة على سكان المناطق الفقيرة، واتضح في ما بعد أن الجماعات الإرهابية تستقطب المتمردين على الدولة من المهمشين بمساعدتهم في التجارة بسيطرتها على طرقها أو الاستثمار، كما أنها لعبت دور الوسيط في النزاعات بين الرعاة والمزارعين في المناطق التي ضربها الجفاف، وغالباً ما يكونون من إثنيتين مختلفتين، وعندما فرضت دولة مالي حظراً على تحرك الإرهابيين من تنظيم "القاعدة" مع قطعان الماشية، تنكروا في زي الرعاة.

ثالثاً، نبعت من نشاط الحركات الإرهابية في الدمج بين التطرف الديني والإسلام السياسي، حركة جديدة تستقطب أفراداً من المجتمعات الأفريقية أصبحوا في ما بعد قادة، ولهؤلاء استراتيجية معينة هي تحدي المعتقدات التقليدية أو الصوفية، ونتج من هذا التوجه الجديد باعتباره تصحيحاً للدين توفير مكتسبات لزعامة وسلطة دينية جديدة جاذبة لأنها تقع في مرتبة وسطى بين التطرف والتصوف، كما نشط الاستقطاب من جهة أخرى بادعاء جماعات معينة متفوقة اجتماعياً أن جذورها تعود للنبي الكريم محمد، فتفرض سيطرتها وزعامتها على الجماعات المسلمة الأقل منها في التراتب الاجتماعي.

استراتيجية مضادة

تتجذر العناصر الإرهابية بعمق في المجتمع الأفريقي وتستمد كثيراً من قوتها من الأزمات التي تعانيها دول القارة، مما يعني أن الرد العسكري على هجمات هذه الجماعات ليس كافياً، ويلزم النظر في مشاريع تعالج هذه الأزمات بحلول سياسية واقتصادية واجتماعية، والاستعداد إلى ما قد يؤدي إليه استمرار الهجمات الإرهابية من تداعيات وتأثيرات محتملة في مستويات عدة أهمها، أولاً، الهجمات التي تنفذها الجماعات الإرهابية تفاقم الأزمات الأمنية التي تواجه القارة، إضافة إلى تنامي الخوف من تعقد التطرف الديني في أفريقيا وسط التوترات الإثنية القائمة، التي قد يترتب عليها اشتداد الصراعات والحاجة إلى مزيد من الدعم العسكري الخارجي.

ومع عدم إمكان مواجهة أفريقيا التهديد الإرهابي على أرضها وحيدة، فإن المهمة الماثلة هي أن تحديد الفرص المتاحة من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، يحتاج إلى تبني نهج أكثر شمولية وهو أن تكون هذه الدول مسؤولة مسؤولية مباشرة، وأن الجهود الإنسانية تمضي جنباً إلى جنب مع تعزيز أداء قواتها المسلحة حتى لا تعيد التجارب الماضية باستعانتها بالميليشيات في تنفيذ هجمات على المجموعات الإثنية المنضمة إلى الجماعات الإرهابية، ثم تتحول الميليشيات نفسها إلى جماعات إرهابية، ويتحول الصراع إلى إثني يستمر طويلاً بدلاً من صراع أمني ينتهي بانتهاء المعركة.

ثانياً، قد تستغل بعض الحكومات الأفريقية الوضع الراهن لتكثيف تدخلاتها في دول الجوار تحت ذريعة مواجهة عناصر الجماعات الإرهابية، الأمر الذي ربما يؤسس لخلافات وتوترات أخرى، إضافة إلى التوترات القائمة، ربما تصل إلى التدخلات العسكرية وفتح جبهات قتال عدة، مما يستلزم وجود استراتيجية مضادة لهذه الهجمات.

ثالثاً، وسط تراجع الأدوار الإقليمية والدولية وتركيزها في مكافحة الإرهاب على أهداف ترعى مصالحها فقط، ربما يتمدد نفوذ الإرهابيين في المنطقة وتنشط وفقاً له حركة دون إقليمية تشتت وحدة القارة بتعاون كل دولتين أو ثلاث معاً ضد أخرى مختلفة معها، ويمكن معرفة ذلك من الترابط بين التهديد الإرهابي في أفريقيا والصراعات الدائرة على نطاق أوسع في مناطق منها، ما ينبغي مواجهته بالتركيز على بناء قدرة منفصلة لمكافحة الإرهاب.

المزيد من تحلیل