بعد ساعات من اعتقاله في مركز أمني غير معروف، نقلت مصادر من عائلة المجاهد الجزائري لخضر بورقعة، أن وكيل الجمهورية العسكري أمر بفتح تحقيق يُعتقد أنه يتعلق بتصريحات بورقعة يشبه فيها ممارسات الجيش الجزائري بـ"الميليشياوية". يأتي هذا في سياق حملة دعائية رسمية لنفي أنباء عن تمتع مساجين من كبار المسؤولين بامتيازات "خمس نجوم" في سجن الحراش.
للمرة الثالثة على التوالي، تستدعي جهة أمنية، شخصية بدعوى تصريحات ضد المؤسسة العسكرية. وبعد اعتقال اللواء المتقاعد علي غديري في سجن الحراش، واللواء المتقاعد حسين بن حديد، نُقل المجاهد المعروف لخضر بورقعة إلى التحقيق، من قبل جهة أمنية لم تعلن عنها عائلته بعد، لكن الأخيرة قالت لاحقاً إن "وكيل الجمهورية العسكري أمر بفتح تحقيق في فحوى تصريحات أدلى بها بورقعة في تجمع أحزاب قوى البديل الديمقراطي الذي عُقد الأسبوع الماضي".
تصريحات منددة
وكان بورقعة قد أدلى بتصريح ندد فيه بممارسات النظام الحالي، واعتبرها استمرارية لممارسات النظام ذاته منذ استقلال البلاد عام 1962، وأضاف "الجيش لم يعُد سليل جيش التحرير الوطني، الآن هناك مافيا، هي الوحيدة في العالم التي لديها وزارة عدل"، قاصداً اعتقالات طالت شخصيات ومتظاهرين في الجمعتين الأخيرتين.
وإن تأكد اعتقال بورقعة بأمر من النائب العسكري للبليدة، فإن الأمر قد يعني التحقيق في تلك التصريحات، على أساس مواد تمنع "الحط من معنويات أفراد الجيش الوطني الشعبي". ويلاحظ أن في ذلك رسالة تقول بعدم استثناء أي شخصية مهما كانت رمزيتها، والرائد لخضر بورقعة قائد سابق للمنطقة العسكرية الرابعة التابعة للثورة التحريرية وأحد المؤسسين لجبهة القوى الاشتراكية وأبرز الرافضين أيضاً لقرارات أول مجلس تأسيسي في تاريخ الجزائر سنة بعد الاستقلال.
بيان صادر عن شخصيات سياسية
وأصدرت شخصيات سياسية وإعلامية بياناً اعتبرت فيه هذا الاعتقال بمثابة "انحراف خطير ومزلق آخر من مزالق السلطة". وأضاف نص البيان "ندين هذا التعسف ونندد بهذه الاعتداءات الصارخة على القانون والأخلاق وحقوق الإنسان ونطالب بالإفراج الفوري عنه، فمكان المجاهد لخضر بورقعة مع الشعب الجزائري، وقد يسهم بسلطته الرمزية في بناء التوافق التاريخي بهدف بناء دولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية، التي ضحى من أجلها شهداء الثورة التحريرية وأجيال من المناضلين والمناضلات منذ أكثر من نصف قرن".
إذاً هذه أبرز معطيات قضية اعتقال المجاهد لخضر بورقعة البارحة السبت 29 يونيو (حزيران) 2019 من بيته في الساعة الثانية فجراً. فبعدما قضى ليلته لدى أجهزة أمن لم تُعرف هويتها بعد، وبعد كل الضجة الإعلامية التي أثارها هذا الاعتقال الذي وصفه الكثيرون بـ"الاختطاف"، وبعد كل الاستنكار الذي صدر عن أحزاب وشخصيات وحقوقيين ونشطاء مدنيين وصحافيين ومثقفين، لا تزال الأمور مبهمة.
رواية الاعتقال
قال فضيل بومالة، ناشط سياسي جزائري في روايته عن اعتقال بورقعة "جاء عناصر أمن في السيارة ذاتها التي اقتادته سابقاً إلى مكان مجهول، وطلبت من عائلة المجاهد لخضر بورقعة إعطاءها ملابس، على الرغم من أنهم قالوا حين اقتادوه: لا داعي لارتداء ملابسك، فإننا سنعيدك إلى البيت بعد قليل".
وبحسب بومالة، فكل "استفسارات العائلة حول أسباب اعتقاله والجهة التي اعتقلته ومكان اعتقاله ووضعه الصحي، لم تجد أية أجوبة. وعندما رفضت العائلة تسليم أي شيء وتحميل السلطة القائمة عواقب هذا الاختطاف التعسفي المنافي كلياً للقانون، أُبلغوا بأنهم تلقوا أمراً للتحقيق معه من جانب الوكيل العسكري، وأن الأمور ستتضح خلال الساعات المقبلة".
ولم يؤكد القضاء العسكري هذه المعلومات، وفي العادة كانت تصدر بيانات في الأسابيع الأخيرة حينما يتعلق الأمر بتحقيقات في مجال اختصاصه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"إضعاف معنويات الجيش" أو "إهانة هيئة نظامية"
تشير الإجراءات المتخذة من قبل وكيل الجمهورية العسكري، إلى نية في عدم تسامح المؤسسة العسكرية مع التصريحات التي تعتبرها ضمن نطاق تهم "إضعاف معنويات أفراد الجيش الوطني الشعبي" أو "إهانة هيئة نظامية".
وهذه التهم وُجهت سابقاً إلى الجنرال المتقاعد حسين بن حديد، بسبب تصريحات وحوارات صحافية في جرائد جزائرية.
"لا سجون خمس نجوم"
وأمام عدد الاعتقالات التي طاولت سياسيين جزائريين سابقين، والأنباء المتداولة من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، عن "سجن خمس نجوم" لكبار المسؤولين السابقين ورجال أعمال في سجن الحراش شرق العاصمة، نفى المدير العام لإدارة السجون مختار فليون أي تعامل خاص أو مميز يحظى به المسؤولون أو رجال الأعمال المتهمون بقضايا فساد، على غرار الوزيرين الأولين السابقين.
وقال فليون "لا يوجد أي تمييز في التعامل مع السجناء والقانون يطبق على الجميع، وما يروّج بشأن قاعات فخمة لهذه الشخصيات مجرد إشاعات".
ولا يقتنع بعض الجزائريين بحقيقة سجن مسؤولين كبار، لا سيما الوزيرين الأولين السابقين أحمد أويحي وعبد المالك سلال، وهي قناعة يغذّيها مدونون يقولون إن الأمر في النهاية "مسرحية حصل التوافق على فصولها".
الحقوق والواجبات ذاتها
وأشار فليون إلى أن "الدولة الجزائرية تطبق القانون الصادر عام 2006 على السجناء من دون تمييز، وهم يخضعون للمعاملة ذاتها ويتمتعون بالحقوق والواجبات ذاته". وفي السياق، تحدث المدير العام لإدارة السجون عن الوضع الصحي للأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، موضحاً أنها "تحظى بحقوقها الكاملة والرعاية الصحية اللازمة وفقاً للقوانين والتنظيمات المعمول بها، شأنها شأن باقي النزيلات".
وقال محامون يزورون دورياً سجن الحراش لـ "اندبندنت عربية"، إن الذين اعتُقلوا في بداية الحراك، وُضعوا في غرف العزل في الطابق الأرضي للسجن، حيث أُحيل إلى ذلك العنبر السفلي، رجل الأعمال علي حداد أولاً، ثم تبعه رجل الأعمال أسعد ربراب".