Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ارتفاع مطرد لتحويلات المغتربين التونسيين ينقذ مخزون العملات

شاركوا بكثافة في القروض الوطنية التي طرحتها الحكومة لتعبئة موارد مالية لتمويل الميزانية

أظهرت بيانات المركزي التونسي ارتفاع تحويلات العاملين بالخارج بنسبة 28 في المئة في 2021 مقارنة بـ2020 (أ ف ب)

ارتفعت تحويلات المغتربين التونسيين لتتحول إلى أهم مصدر للعملات في السنة الراهنة، وشهد حجم الأموال التي حولها التونسيون المقيمون في الخارج إلى بلدهم الأم نسقاً تصاعدياً منذ سنتين وتحديداً منذ اندلاع الأزمة الصحية لتتفوق على مداخيل القطاع السياحي الذي لطالما شكل المورد الأول للعملات في السابق. ويقيم أكثر من مليون ونصف المليون تونسي خارج أرض الوطن وتستقطب بلدان الاتحاد الأوروبي الجزء الأوفر منهم، وتأتي فرنسا على رأس القائمة تليها إيطاليا وألمانيا.
وأضحت هذه التحويلات عاملاً أساسياً لمواجهة نقص النقد الأجنبي في تونس ولمساندة احتياطي العملة الصعبة المتأثر بالأزمة المالية التي تمر بها البلاد بسبب تراجع القطاع السياحي وكذلك الاستثمار الذي بلغت نسبته 16 في المئة خلال عام 2021 ونسبة النمو الضعيفة التي بلغت 2.8 في المئة في الثلاثي الثاني من عام 2022 بحساب الانزلاق السنوي و3.1 في المئة في عام 2021. وبذلك تحول هذه المبالغ دون انهيار العملة المحلية التي وإن شهدت تراجعاً أمام الدولار فإنها تحافظ على استقرار نسبي تجاه اليورو. وأوصى باحثون بضرورة حسن الاستثمار في الثروة البشرية والمالية التي يمثلها المغتربون التونسيون وعدم الاكتفاء بمجرد الانتفاع من مدخراتهم، بل العمل على وضع استراتيجية متكاملة تصبو إلى استقطاب رؤوس أموالهم ودمجها في الاقتصاد الوطني عن طريق الاستثمار في المحافظ والاستثمار المباشر.

دعم الاحتياطي

بالنظر إلى التراجع الذي تشهده عائدات القطاع السياحي، أصبح للمهاجرين التونسيين دور محوري في إسناد الاقتصاد التونسي ومساعدة أسرهم، وبلغت تحويلات المغتربين 6.03 مليار دينار (1.88 مليار دولار) إلى حدود 31 أغسطس (آب) 2022 مقابل 5.1 مليار دينار (1.59 مليار دولار) في ذات الفترة من عام 2021 بزيادة قدرها 857.9 مليون دينار (268 مليون دولار)، في حين بلغت مداخيل القطاع السياحي 2.6 مليار دينار (812 مليون دولار) مقابل 1.4 مليار دينار (437 مليون دولار) قبل سنة بزيادة قدرها 1.199 مليار دينار (374 مليون دولار). وتفوقت قيمة تحويلات المغتربين على عائدات القطاع السياحي بنسبة 151.5 في المئة، ما يعكس أهميتها. وهي تمثل نحو 20.4 في المئة من احتياطي النقد الأجنبي البالغ حالياً 23.96 مليار دينار (7.48 مليار دولار).

وأظهرت بيانات "المركزي التونسي" ارتفاع تحويلات التونسيين العاملين بالخارج بنسبة 28 في المئة في 2021 مقارنة بـ2020، حيث بلغت مستوى قياسياً وصلت قيمته إلى  8.59 مليار دينار (2.68 مليار دولار).
ومنعت هذه التحويلات هبوط رصيد العملة الخارجية ما منع تعمق أزمة واردات المواد الأساسية المتفاقمة، وأفاد مدير عام ديوان التونسيين بالخارج (حكومي) محمد منصوري، بأن "قيمة التحويلات المالية للتونسيين بالخارج شهدت ارتفاعاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة وبلغت 4.8 مليار دينار (1.5 مليار دولار) إلى حدود شهر يوليو (تموز) 2022، مكنت من تغطية خدمات الدين الخارجي".
وكان البنك الدولي توقع في مايو (أيار) الماضي، أن تزيد تدفقات التحويلات المسجلة رسمياً من قبل المغتربين إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بنسبة 4.2 في المئة هذا العام لتصل إلى 630 مليار دولار في أعقاب تعاف قياسي بلغ 8.6 في المئة في عام 2021. وزادت، بحسب قاعدة بيانات البنك الدولي، التحويلات إلى البلدان النامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 7.6 في المئة سنة  2021 لتصل إلى 61 مليار دولار، بفضل التحسن القوي الذي تحقق في المغرب وبلغ 40 في المئة، ومصر بـ6.4 في المئة .

وفسر البنك الدولي العوامل الداعمة لهذه التدفقات بارتفاع النمو الاقتصادي في بلدان الاتحاد الأوروبي التي تستضيف المهاجرين، وكذلك الهجرة العابرة التي عززت التدفقات الوافدة إلى البلدان المضيفة المؤقتة مثل مصر والمغرب وتونس. وقد شكلت التحويلات منذ وقت طويل أكبر مصدر لتدفقات الموارد الخارجية على البلدان النامية في المنطقة، من بين تدفقات المساعدات الإنمائية الرسمية والاستثمار الأجنبي المباشر وتدفقات أسهم رأس المال والديون، حيث شكلت 61 في المئة من إجمالي التدفقات الوافدة في عام 2021.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


رؤوس أموال مهاجرة

وكشفت وزيرة المالية التونسية سهام البوغديري نمصية، لـ"اندبندنت عربية" أن "الوزارة تنظر في تطوير إطار قانوني يمكن المغتربين التونسيين من المشاركة في الاكتتاب والقروض الوطنية واقتناء السندات وفق طلب منهم، على أن يصدر قريباً".
في المقابل، انتقدت هيئات ممثلة للمغتربين التونسيين عدم توفير التسهيلات اللازمة الضرورية لدمج هذه الشريحة في الاقتصاد الوطني. وذكر النائب السابق بالبرلمان التونسي رئيس جمعية "صوت التونسيين بالخارج" (مستقلة) رياض جعيدان، أن "معدل التحويلات المالية لكل مغترب تونسي هو سبعة آلاف دينار (2.18 ألف دولار) سنوياً لأكثر من مليون ونصف المليون مهاجر. ويُقدر حجم نفقات المغتربين التونسيين خلال فترات العطل عند عودتهم إلى تونس، بثمانية في المئة من الناتج القومي الخام بينما تتراوح مدخراتهم بين 9 و10 في المئة من الناتج الإجمالي. وشارك المغتربون بكثافة في القرض الرقاعي  الوطني الذي طرحته الحكومة التونسية لتعبئة موارد مالية لتمويل الميزانية".
وقال جعيدان، إن "تحويلات المغتربين مرجحة للارتفاع في نهاية عام 2022 بحكم الزيادة التي سجلتها إلى حدود أغسطس (آب)، لكن على الرغم من هذه المستويات القياسية فإن الوضعية لا تزال بعيدة عن بعض البلدان المجاورة التي تسجل مداخيل ضخمة للعملات بفضل مغتربيها على غرار المغرب ومصر، إذ يفتقر المغتربون التونسيون إلى الخدمات المالية السلسة ويواجهون عسر فتح الحسابات بالعملة الأجنبية في تونس وتفاقم الإجراءات الإدارية والبيروقراطية خلال هذه العملية، كما لا يتمتعون بقوانين تفاضلية في حال قيامهم باستثمارات في تونس، على أنواعها بين استثمارات محفظة أو مباشرة، ما تسبب في عجز تونس عن جذب جزء مهم من التونسيين المقيمين بالخارج وهم مستثمرون كبار في بلدان عدة أهمها الولايات المتحدة وكندا والمغرب والإمارات حيث يحصلون على التسهيلات والأرضية الملائمة في هذه البلدان بعكس بلادهم". ودعا جعيدان إلى "وضع استراتيجية وطنية خاصة موجهة إلى المغتربين لاستقطابهم للاستثمار في تونس عن طريق منحهم الحوافز اللازمة وإقناعهم بتجديد الثقة في تونس عبر تطوير مناخ الاستثمار".

في السياق، تحدث الباحث الاقتصادي جمال بن جميع عن "ضرورة تطوير القوانين المهترئة البالية، وبالأساس قانون الصرف الذي يحول دون جذب المستثمرين التونسيين بالخارج الذين أضحوا يمثلون شريحة مهمة من المغتربين التونسيين وهم من رؤوس الأموال المؤثرة ببلدان الإقامة، وتحول التعطيلات والإجراءات الإدارية المطولة دون استقطابهم إلى سوق الاستثمار في تونس، كما لا تتوفر الرقمنة الشاملة بالإدارة التونسية والنصوص القانونية الخاصة المنظمة لمعاملاتهم في حال إقامتهم لمشاريع كبرى في تونس مع وجود مجلة استثمار (قانون الاستثمار) غير ملائمة ترفض مساواتهم بالمستثمر الأجنبي وتحرمهم من امتيازات عدة".