Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مواطن روسي من كل عشرة عانى التعذيب على يد الشرطة

ناشط حقوقي يشير إلى تجاهل السلطات وقائع الاضطهاد أثناء التوقيف

إيغور كاليابين مؤسس لجنة مكافحة التعذيب الروسية (أ.ف.ب.)

يمكن للتعذيب أن يصنع بعض الرجال ولكنّه يحطّم رجالاً آخرين.

بالنسبة إلى إيغور كاليابين، رجل الأعمال الروسي الذي أوقف عن طريق الخطأ في 1992 وضُرب أثناء الاحتجاز، كان المسار شاقاً ومضنياً. وانتقل من كونه شخصاً عانى التعذيب إلى معذّبٍ للشرطة، ومؤسّساً لمنظمة غير حكومية تهدف إلى مكافحة عنف الشرطة الروسيّة، وممولاً إياها من جيبه الخاص.

يوضح كاليابين أنّ لجنة مكافحة التعذيب وُلِدَتْ من واقعٍ مرعب يتمثّل في تجاهل السلطات الروسية عمليات التعذيب. إذ لم يمثل شرطي واحد أمام العدالة، بحسب ما أخبر صحيفة "الاندبندنت". وأُسقِطَت مئات الشكاوى الرسمية من قبل المدّعين العامين بالطريقة نفسها.

لم تُعَرْ أذنٌ صاغية إلى عددٍ من المتقدّمين بالشكاوى، وكان الاستنتاج نفسه دائماً بأن لا وجود لقضيّة تستأهل إقامة دعوى.

في 26 حزيران (يونيو) 2019 الذي تزامن مع "اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب"، أصدرت لجنة كاليابين استطلاعاً جديداً أجرته بالتعاون مع "مركز ليفادا" Levada Centre المستقلّ لتوثيق تجارب المواطنين الروس مع التعذيب. وأفضى الاستطلاع الذي شمل 3400 روسي من 53 منطقة، إلى أنّ مواطناً روسياً واحداً من كل عشرة عاش تجربة التعذيب شخصياً.

ولعلّ ما شكّل صدمةً أكبر تمثّل في غياب ردّ فعل غاضب تجاه هذا الواقع. فقد أورد ثلاثة من أصل 10 أنّ التعذيب كان مقبولاً "في ظروفٍ استثنائية"، فيما أشار 4 من أصل 10 إلى أنّه ساعد في كشف الجرائم.

 ورفض الكرملين قبول تلك الأرقام بعد أن اعترف أخيراً بسوء المعاملة أثناء سجن المحقّق الصحافي ايفان غولونوف. متحدثاً خلال المؤتمر اليومي مع الصحافيين، أشار ديمتري بيسكوف المتحدّث بإسم الكرملين، إلى أنّ الاستطلاع يحتاج إلى "تفكيكٍ دقيق... لدينا 30 شخصاً في هذا المؤتمر، هل عانى أيّ منكم التعذيب؟ إذا حصل ذلك فعلاً، اكشفوا عن أسمائكم."

ولا تحتفظ روسيا بإحصاءاتٍ رسمية عن التعذيب أثناء الاحتجاز، ولذا من الصعب تقييم أيّ الأمرين صحيح: أرقام الاستطلاع أو تأكيد بيسكوف.

ولا وجود أيضاً لبندٍ منفصل عن التعذيب أثناء التوقيف في القانون الجزائي. عوضاً عن ذلك، تقع كلّ الشكاوى المتعلقة بتعذيب الشرطة تحت خانة جرم أشمل هو "استغلال السلطة الرسمية". وكانت مندوبة الكرملين لحقوق الانسان تاتيانا موسكالكوفا قد دعمت حملة لتغيير القانون وإدخال بند قانوني بشأن جرم التعذيب، غير أنّ ذلك لاقى مقاومة من قبل التكتّل الأمني.

ويرى كاليابين أنّ لجنته تتعامل مع حوالى 150 من أسوأ الحالات سنوياً، كما يعتقد بأنه يتوجّب عليه مع لجنته، العمل على إبقائة منخفضاً كي يستطيعوا تولّي أعباء العمل بالشكل الصحيح.

وفي حالاتٍ نادرة يجري التوصّل فيها إلى إدانة مرتكبي التعذيب، يكون التعويض بخساً في العادة. ففي ابريل (نيسان) 2007 مثلاً، فَقَدَ أرتور ايفانوف من "نوفوشيبوكساركس" في وسط روسيا، سَمَعَهُ بعد أن ضُرب على رأسه. ثم نال تعويضاً بقيمة 20 ألف روبل (250 جنيه استرليني أو 317 دولاراً). وعام 2015، وُجِدَ ديمتري ديميدوف (37 عاماً) في مكتب أحد التحريين مصاباً بطلقٍ ناري في رأسه. وأظهر الطبيب الجنائي أنّه من غير الممكن أن يكون ديميدوف قد أطلق النار على نفسه، لكن القاضي حكم بمجرد دفع تعويض مالي. ومن أصل 4 ملايين روبل (50 ألف جنيه إسترليني أو حوالي 64 ألف دولار) طالبت بها والدته، لم تحصل على سوى 150 ألف روبل (2000 جنيه استرليني أو 2500 دولار أميركي).

ويفيد كاليابين إنّ التعذيب غالباً ما يجري وفق المناطق. إذ يمكن أن تتفاوت الممارسات في المقاطعة نفسها، بحسب مراكز الشرطة ورجالاتها. ولا تشكّل المدن الكبرى كموسكو استثناءً. في الواقع، تتخذ العاصمة مركزاً ريادياً في الشكاوى المرتبطة بعنف الشرطة، ولعلّ مردّ ذلك إلى أنّ سكّان موسكو أكثر إدراكاً لحقوقهم.

وفيما يتعلّق بسجلّ التعذيب، غالباً ما تبدأ الأمور بلكمة، لكن التعذيب بواسطة الصدمات الكهربائية أصبح واسع الانتشار. وتركز أسوأ الحالات على منطقة الشرج في أجساد الضحايا.

وشهدت السنوات القليلة الماضية عدداً من الروايات الصادمة عن التعذيب، وتناقلتها التقارير بشكلٍ واسع. ومنذ العام 2017، تعرض مئات الرجال المثليين جنسياً للتعذيب على أيدي الشرطة الشيشانية. وفي فبراير (شباط) من العام الجاري، برزت ادّعاءات موثوقة عن أعمال عنفٍ شديدة ارتُكبت عمداً ضدّ مجموعة "شهود يهوة" في سيبيريا.

وثمة قضية يرى كاليابين أنّه الأصعب بالنسبة إليه، تعود إلى العام 2015 و2016.

وفي التفاصيل، أوقفت الشرطة آرتيوم بونومارشوك (21 عاماً) في إحدى منتجعات مدينة "آنابا" على البحر الأسود. كانت التهمة التي يواجهها خطيرة للغاية إذ تمثّلت في شن اعتداء، غير أنّ ما استتبع ذلك فاق كلّ الوصف. أولاً، حُرم من التنفّس باستخدام قناع الغاز. ثمّ عمد رجال الشرطة إلى صعق مؤخرته بالصدمات الكهربائية، قبل أن يُغتَصَب بواسطة هراوة غُرِزَتْ بما يكفي من العمق كي تُلحِقَ ضرّراً بأمعائه.

وعلى الرغم من وجود أدلة كافية جُمِعَتْ ضدهم، لم تُوجّه تهم إلى ضباط الشرطة المسؤولين عن ذلك، وكذلك يحتفظون بعملهم. وفي تطور موازٍ يمتلك القدر نفسه من البشاعة، يواصل المدّعون دفع الاتهامات ضدّ بونومارشوك.

وينقل كاليابين إلى "الاندبندنت" أنّ إنفاذ القانون يصبح بحدّ ذاته سلوكاً وقحاً. ويشير إلى أنّ الشرطة كانت تحاول في الماضي عدم ترك أدلّة واضحة، وما عادوا ليبالوا بذلك حاضراً. كذلك أصبح العمل أشدّ صعوبة في غالبية المناطق المعتبر انها خطرة في روسيا. ومثلاً، في جمهوريات القوقاز الشمالية، تستمرّ المجموعة التي أسسها كاليابين في العمل بعد أن يقسّم أفرادها أنفسهم ضمن مجموعاتٍ متنقلة لتخفيف المخاطر التي يتوقعون مواجهتها، غير أنّ عدد الذين يبلّغون يتضاءل باستمرار خوفاً من العقاب. ويضيف، "في الشيشان، يشمل الخوف الأشخاص الذين تعرضوا إلى التعذيب، وعائلات أولئك الأشخاص التي تخشى بنسبة 100 في المئة أن تتعرض إلى الانتقام. إذ يعلمون أنّ شبّانهم سييوقفون وقد يُعذّبون أيضاً، ولذا يفكّرون ملياً قبل التقدّم بشكوى."

عام 2016، استُهدِف طاقم عمل كاليابين الخاص عندما أضرم رجل مقنّع النار في حافلةٍ كانوا يستقلونها أثناء جولة للصحافيين حول الشيشان. وآنذاك، ألقي اللوم على رمضان قاديروف الزعيم الشيشاني السريع الغضب الذي كان متهماً بما لا يُحصى من انتهاكات حقوق الانسان.

ويتحدّث كاليابين الذي يشير إلى أنّ فريقه لا يزال يتلقّي تهديداتٍ جديّة وقابلة للتطبيق، عن الخطر الذي يتعرّضون له، مصنّفاً إياه بأنه من نوع "المخاطر المهنية... يواجه الطيّارون ورجال الإطفاء والشرطة المخاطر. إنّها جزء من العمل. لن أختبىء أو أستسلم. عاجلاً أم آجلاً، سيتغيّر شيء ما. إنّها عملية بطيئة، لكننا نجحنا حتى اليوم في جلب 144 شرطياً أمام العدالة. لولا عملنا لما كان حصل ذلك. وهذا نجاحٌ بحدّ ذاته".

© The Independent

المزيد من دوليات