Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وثائقي عن الهامش الأميركي يخطف "الأسد الذهبي" ويثير نقاشا

جوائز البندقية لأفلام عن العنصرية والجريمة والصداقة المأزومة ومواجهة القمع الإيراني

لورا بوانتاس تفوز بجائزة "الأسد الذهبي" عن وثائقي أميركي (خدمة المهرجان)

قبل حفلة توزيع الجوائز بنحو ساعة، عمت شوارع الـ "ليدو" حيث يعقد مهرجان البندقية السينمائي بالمتظاهرين الذين رفعوا لافتات بجملة مطالب، من أزمة الاحتباس الحراري وتغير المناخ إلى مناهضة الرأسمالية التي زاد الغضب عليها بعد غلاء المعيشة في أوروبا أخيراً، مما دفع الشرطة إلى الانتشار الشامل بأجهزتها ومركباتها في أرجاء الجزيرة الهادئة، وحول قصر "الموسترا" خوفاً من أن يصل هؤلاء الغاضبون إلى السجادة الحمراء لتعكير صفو العرس السينمائي الذي أشرف على نهايته ولم تبق إلا فرحة الختام.

المفارقة أن المهرجان قرر في الليلة الختامية نفسها إسناد "الأسد الذهبي" إلى عمل وثائقي يروي حركات الاحتجاج في أميركا عبر مجموعة شباب وبنات يقتحمون المتاحف والمعارض للتنديد بجرائم إحدى شركات صناعة الأدوية التي تسببت بمقتل 400 ألف أميركي. الفيلم المقصود هو "كل هذا الجمال وسفك الدماء" للمخرجة الأميركية لورا بواتراس التي فازت مساء أمس بأرفع جائزة تمنح في البندقية، بعد 11 يوماً من المشاهدة النهمة وتنافس 23 فيلماً، ولم يكن أي منها مرشحاً بارزاً للفوز.

 مفاجأة الوثائقي

 

ولم يتقدم أي فيلم بشكل نافر على بقية الأفلام، مع العلم أن عمل بواتراس نال إعجاب عدد من النقاد الذين أعطوه أعلى تقييمات في بعض المجلات السينمائية، والمفاجأة الكبرى تمثلت في فوز فيلم وثائقي بـ"الأسد"، وهذه من المرات النادرة التي يحدث فيها مثل هذا الأمر، فآخر وثائقي فاز بـ "الأسد" في البندقية هو "ساكرو غرا" (2013) للإيطالي جيانفرنكو روزي، وها إن الجائزة تعود للوثائقي بعد تسع سنوات. وينبغي التذكير أيضاً بأنن بواتراس البالغة من العمر 58 عاماً وصاحبة أفلام وثائقية معروفة مثل "مواطن أربعة" عن إدوارد سنودن الذي نالت عنه "أوسكار" أفضل فيلم وثائقي عام 2015، هي ثالث سيدة بالتوالي تحصل على "الأسد" في البندقية. 

الفيلم بورتريه خاص جداً للمصورة الأميركية اليهودية الشهيرة والناشطة نان غولدن (1953) التي تطرقت في أعمالها إلى العوالم السفلية والثقافة المضادة في أميركا السبعينيات والثمانينيات، ووثقت الجنس ونمط عيش المثليين والمهمشين واهتمت بالمخدرات والإدمان على الحبوب وغيرها من المسائل، وأشهر أعمالها "أغنية الإدمان على الجنس"، وهو عرض متتال لصور التقطتها بين 1979 و1986 (تحول لاحقاً إلى كتاب) يوثق فصولاً من سيرتها وحياتها الحميمية، وكذلك حياة عائلتها والآخرين الذين عرفتهم، وهي أيضاً مؤسسة منظمة "ألم" التي تصدت لأزمة الأفيون في أميركا وحاربت عائلة "ساكلر" المالكة لشركة الأدوية التي تصنع "أوكسيكودون"، مسكن الألم ومخفض الحرارة الذي تسبب في حالات إدمان ووفيات كثيرة.

 

الفيلم من النوع الذي يعرض مسيرة شخصية عاشت الحياة على أوسع نطاق، وانخرطت بكل الأفكار والتيارات في زمنها وحاربت على أكثر من جبهة، واختبرت كل ما يمكن أن يختبر، ومرت بأزمات نفسية وقصص عاطفية ثم زواج وطلاق وخيانة. هذا بعض مما عاشته غولدن، المرأة الصلبة التي لا تضع لسانها في جيبها طوال الفيلم، فهي تتحدث عن كل شيء عاشته وشهدت عليه بلا تحفظ، من انتحار أختها في عمر باكر إلى مرحلة من حياتها عملت فيها كعاهرة في ماخور.

هل يستحق؟

وتستحق حياتها أن توثق لاتصالها الوثيق بآخر 50 سنة من تاريخ أميركا، من تحرر الفئات المهمشة داخل المجتمع إلى المحاربة السلمية لشركات صناعة الأدوية التي أتاحت من خلال وقفات احتجاجية متكررة إنهاء الشراكة بين أكبر المعارض والمتاحف وعائلة "سكلر" المنخرطة فضلاً عن الأدوية في نشاطات جمع التحف الفنية ورعايتها. هذه حياة مثالية لا شك، بعيوبها وما يمكن أن تحمله من أخطاء، لكنها تستحق أن تنقل إلى السينما، وهذا ما فعلته بواتراس باتقان.

 

لكن هل يستحق الفيلم أرفع جائزة في المهرجان؟ فهو في النهاية بعيد من أن يكون إنجازاً سينمائياً، وغولدن هي من تصنع الفيلم بصورها وقصصها والمادة التي توفرها للمخرجة، ولا تفعل الأخيرة إلا وضعها ضمن صياغة وثائقية جميلة ومؤثرة.

سؤال العنصرية 

الجائزة الثانية من حيث الأهمية هي جائزة لجنة التحكيم الكبرى (أسد فضي) وذهبت إلى "سانت أومير" للمخرجة السنغالية الفرنسية أليس ديوب، الذي يحكي عن سيدة تدعى لورانس كولي من أصول سنغالية مهاجرة إلى فرنسا، تضع مولوداً بالسر من رجل أبيض تعيش معه، ثم تقرر بعد مرور 15 شهراً أن تتخلى عنه عبر تركه وحيداً على الشاطئ إلى أن تجرفه الأمواج.  عمل حزين ومهم انقسم حوله كثيراً النقاد والمشاهدون في المهرجان، فبعضهم وجد فيه مغالطات وكليشيهات وتدليساً، فيما بعضهم الآخر اعتبر أنه يقارب مسألة العنصرية "وماذا يعني أن تكون متهماً بالقتل في فرنسا اليوم عندما تكون صاحب بشرة داكنة"، وذلك برؤية مختلفة وجريئة.

فيلم دموي وفوز إيراني

 

جائزة أفضل إخراج ذهبت إلى الفيلم الأميركي "عظام وكل شيء" للمخرج الإيطالي الصاعد إلى التكريس لوكا غوادانينو الذي أبهرنا مع "نادني باسمك" قبل بضعة أعوام، وفيه تتجول مارين البالغة من العمر 16 عاماً في البلاد مع صديقها لي على أمل العثور على والدها، وعلى أمل أيضاً بأن تفهم سبب قتلها للعديد من أصدقائها، بينما تتحكم في نفسها حتى لا تعود إلى القتل. الفيلم دموي ويتضمن مشاهد مقززة قد لا تنال إعجاب الجميع، لكن اللجنة وجدته أهلاً لجائزة الإخراج على رغم وجود أعمال عدة كانت تستحق أيضاً هذا التقدير، وقد نال الفيلم أيضاً جائزة أفضل موهبة شابة أُسندت إلى تايلور راسل. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما جائزة لجنة التحكيم الخاصة فنالها المخرج الإيراني جعفر بناهي عن فيلمه "لا دببة" الذي كان يستحق أيضاً "الأسد"، وكان سيكون مثيراً على الصعيدين السياسي والإعلامي لولا أن لجنة التحكيم برئاسة الأميركية جوليان مور منحت "الأسد" إلى مخرج إيراني. وفي هذا الفيلم الذي صوره بناهي في ظروف تمنعه من العمل بشكل طبيعي اتهام كبير للنظام الإيراني الذي يمارس التعذيب والقمع، ويحول البلاد سجناً كبيراً على حدوده مهربون ومتعاطون بأشياء غير شرعية. من القرية التي لجأ اليها هرباً من الشرطة يلعب جعفر دور بناهي، فيمنح التوجيهات إلى فريق عمله عبر "الزوم"، وهو يصور فيلماً عن حبيبين يحاولان الفرار من البلاد، وفي موازاة ذلك يلتقط الصور لكن واحدة منها ستسبب له مشكلة كبيرة في القرية التي تستضيفه. الفيلم هو الأفضل لمخرج "الدائرة" منذ بدء اضطهاده قبل 12 سنة، وهو يندرج في إطار تقليد السينما الإيرانية التي تحاول قول الأشياء غير المسموحة رقابياً بلغة استعارية.

في الجزيرة الإيرلندية

"بانشيات إينشرين" للمخرج الإيرلندي البريطاني مارتن ماكدونا الذي رشحه بعضهم لـ "الأسد" فاز بجائزة السيناريو، وهو فعلاً أكثر ما برع فيه، فالكتابة السينمائية الثرية تجعلنا نعتقد بأن مخرجه نبش في الأدب الإيرلندي لاقتباس هذا العمل، لكنه في الحقيقة استند إلى مخيلته الخاصة وهي شديدة الخصوبة، ولم يكتف بالقصة المغايرة عن السائد بل بالنحو الذي نقله إلى الشاشة من خلال سيناريو ذكي ولماح، ولا يحمل الحشو كما الحال في كثير من أفلام هذه الدورة التي تميزت بطولها المبالغ فيه.

وتدور أحداث الفيلم في جزيرة إيرلندية حيث يقع خلاف بين صديقين (كولن فاريل وبرندن غليزن) من زمن طويل، فيتطور إلى مستويات عبثية لا يستوعبها العقل، والسبب أن أحدهما يقرر عدم التحدث مع الآخر بعد الآن للتركيز على فنه وهو تأليف الموسيقى وعزفها، وقد نال الفيلم أيضاً جائزة التمثيل لكولن فاريل عن دوره فيه.

أما الخيبة الكبيرة فتمثلت في عدم فوز فيرجيني إيفيرا بجائزة أفضل ممثلة عن دورها المميز في "أولاد الآخرين"، رائعة المخرجة ريبيكا زلوتوفسكي، فالتمثال الذي كان يجب أن يكون من نصيبها ذهب إلى كايت بلانشيت عن دورها في "تار" للأميركي تود فيلد، وهو فيلم عن مؤلفة موسيقى ألمانية تدعى ليديا تار تصبح أول امرأة تقود أوركسترا في التاريخ.

وأخيراً خيبة ثانية لفتت قلوب محبي المخرج المكسيكي الكبير أليخاندرو غونزاليث إينياريتو الذي لم ينل فيلمه الاستثنائي "باردو" عن تاريخ بلاده، أي التفاتة من لجنة التحكيم التي من الواضح أنها آثرت الأفلام التي تنتصر لقضايا، مفضلة إياها على الفن الخالص.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما