يجهد محبو الملكة اليزابيث الثانية في نبش الذاكرة والتفتيش بحياتها الحافلة بالأحداث، ويفتخر السوريون ولا سيما المهرة من صنّاع النسيج والأقمشة إلى أن ثوب زفاف ملكة بريطانيا قد صنع بأياد سورية، وقماش "البروكار" الدمشقي المصنوع من الحرير ذاع صيته في أصقاع الأرض.
من الزفاف إلى المتحف
في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 1947 عقد قران الملكة البريطانية إليزابيث من دوق إدنبرة فيليب مونتباتن، والتحضيرات التي سبقت حفل الزفاف كانت في ظروف استثنائية، وكانت البلاد حينها تقاسي واقعاً مريراً من التقشف، إلا أن الروايات تشير إلى أن ولية العهد إليزابيث رغبت في ارتداء ثوب من الأقمشة السورية الشهيرة مفضلة "البروكار" الدمشقي.
وهنا بدأت حكاية البحث عن أجود منسوجات هذا النوع من القماش، وأرسل القصر الملكي الإنجليزي طلباً إلى السفارة السورية في لندن للحصول على هذا النوع من الأقمشة، ليرسل الرئيس السوري الراحل شكري القوتلي قطعة القماش من صناعة معمل لعائلة تتقن هذه الحرفة وهي عائلة "مزنر" في "باب شرقي" (إحدى حارات دمشق القديمة)، ورسم على القماش عصفورا حب.
ويقول أحد "شيوخ كار" حرفة "البروكار" أحمد شكوكي لـ "اندبندنت عربية"، "لقد جذب (البروكار) إليه الكثيرين من المشاهير لارتداء قماشه، ولعل أبرز ما سجله التاريخ هو ارتداء الملكة إليزابيث الثانية ثوباً مصنوعاً من هذا القماش". ويضيف شكوكي الذي يتقن العمل على نول للنسيج عمره قرنان من الزمن "يشهد التاريخ ارتداء ملكة بريطانيا الثوب من "البروكار"، وفستان الحفل برسمة العاشق والمعشوق، وزرت متحف الشمع "مدام توسو" بلندن، وشاهدت الثوب مكتوباً عليه عبارة "البروكار" الدمشقي".
الثوب الملكي
ومع وصول القماش، وقع الاختيار على المصمم البريطاني نورمان هارتنيل ليتولى تصميمه وصنعه، ليبلغ طوله 15 قدماً (نحو 4.572 متر) من "الساتان" الحريري، والياقة على شكل قلب، والخصر منخفض من دون أحزمة مع تنورة بطول الأرض يتخللها تطريز على شكل ورود.
واستوحى المصمم البريطاني هارتنيل هذا التصميم من لوحة "بريمافيرا" الشهيرة للرسام بوتيتشيلي، وقصتها تدور حول استقبال الربيع ما يوحي إلى الأمل والبهجة، في حين زيّن الثوب بقرابة 10 آلاف حبة لؤلؤ مستوردة من الولايات المتحدة الأميركية، وقال المصمم البريطاني لمجلة "التايم"، وهو مصمم البلاط الملكي منذ عام 1938 عن الفستان "أجمل فستان صنعته".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكتب السفير السوري السابق في لندن سامي الخيمي في يوم رحيل الملكة "إنها كانت تحب شوكولا غراوي الذي كنت أرسله لمكتبها كل عام، وتجيب برسالة تقدير، لقد حادثتها مطولاً مرتين خارج إطار اللقاءات البروتوكولية، مرة عندما قدمت أوراق اعتمادي وقد أبقتني 40 دقيقة خلافاً للعرف، ومرة أخرى في إحدى المناسبات، كانت حفلة في حديقة قصر باكنغهام".
"البروكار"
أضاف السفير السوري أنها ذكرت أيضاً أن جزءاً من ثوبها في مناسبة اعتلاء العرش كان من "البروكار" الدمشقي بحسب ما رواه عبر صفحته الشخصية على "فيسبوك"، "كانت سيدة أنيقة، ذكية، وفي غاية التهذيب أسوة بشعبها المهذب، على الرغم من أن شعبها يجيد أحياناً إخفاء ما يضمر تحت ستار من الكلام المنمق".
لقد زارت الملكة الراحلة مع زوجها الأمير فيليب سوريا في يونيو (حزيران) عام 1950، والتقيا الرئيس السوري الأسبق هاشم الأتاسي وعدداً من القادة مثل اللواء فوزي سلو والعقيد أديب الشيشكلي الذي تولى رئاسة البلاد عام 1953، وكانت الزيارة غير رسمية حيث زار الدوق وقتها المدمرة البريطانية "تشيكرز" بصفته قائد المدمرة.